نظرية عدالة الصحابة


    










شواهد
لا تقتضي عدالة الصحابة أجمع


تمهيد

انتهينا من الجزء الأول عند الكلام حول المنافقين في زمن النبي’، وأثبتنا هناك أنهم لم يكونوا معلومين بأعيانهم جميعاً، وقد ماتوا على الإسلام بحسب الظاهر؛ لذا فكل منافق واقعاً وقد خفي أمره ظاهراً ولم يعرف ـ طبقاً لتعريف الصحابي عند أهل السنةـ يكون من الصحابة.

وهنا في هذا الجزء؛ سوف نكمل البحث حول مبدأ عدالة الصحابة جميعاً، وما رافقه من محاولات تؤسس لهذا المبدأ، من براهين قرآنية وروايات، ومحاولات لتصحيح أي إساءة أو معصية صدرت من الصحابة.

وأهم ما ذكرتم إجمالاً ـ فيما يتعلق بموضوع عدالة الصحابة ـ في الصفحات 96 ـ 98 هو نقاط أربع:

1ـ ذكرتم أن الشيعة لا يترضون على الصحابة، وهذا من آثار عقائد الشيعة الذين يعتقدون بكفر الصحابة أو بفسقهم.

2ـ إنّ مقصود أهل السنّة من العدالة ليس العصمة، بل كونهم الأمناء على الشرع، فلا يكذبون في حديثهم على رسول الله’.

3ـ إنّ عدد من أساء من الصحابة قليل جداً لا يتناسب مع تضخيم الشيعة لهذا الأمر.

4ـ إنّ من يقترف ذنباً من الصحابة يتوب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه.

وسوف نتناول هذه النقاط واحدة تلو الأخرى؛ ليتضح الأمر.


قلتم: الشيعة لا يترضون على الصحابة

ذكرتم أنّنا ـ حين ذكرنا الصحابة ـ ترضّينا على علي× ولم نترض على بقية الصحابة، وزعمتم أنّ الشيعة إمّا يقولون بكفر الصحابة أو يعدّونهم فسّاق ظلمة، فقلتم: «ذكرت عظماء الأمّة وخلفاءها الراشدين ولم تترضَ عليهم... ولا شك أنّ هذا من آثار عقائد الإمامية التي تعتقد أنَّ هؤلاء إمَّا كُفَّار على قول، وإمَّا فُسَّاق ظَلَمَة على قول آخر».

الجواب

 نقول: إننا في جميع مكاتباتنا وحواراتنا، معك أو مع غيرك، كثيراً ما نترضى على الصحابة، ونذكرهم بكلّ احترام وتقدير، وهذا ما اعترفت به أنت في مقدمة كتابك حين قلت: «لكن الأستاذ أبا مهدي كان مؤدّباً أثناء الحوار ويترضى عن الصحابة»([1]).

كما أنّنا لا نقدح بأشخاصهم إلاّ في حدود ما يسوّغه البحث العلمي والموضوعي، وفي إطار اللياقة والأدب؛ ننطلق في ذلك ممّا تربينا عليه في مدرسة أهل البيت؛ من احترام المسلم وحفظ كرامته، وعدم اتهامه بالبدعة أو الكفر أو الزندقة إلاّ إذا قام الدليل على ذلك.

قلتم: الشيعة تعتقد بكفر الصحابة أو فسقهم

ذكرتم: أنّ آثار عقائد الإمامية يفضي إلى الاعتقاد بأنَّ الصحابة إمَّا كُفَّار على قول، وإمَّا فُسَّاق ظَلَمَة على قول آخر.

الجواب

نقول: قد تقدم هذا الكلام منكم، وأجبنا عليه في الجزء الأول من الكتاب ص387 وحيث إنّ الموضوع من الأهمية بمكان فلا بأس أن نجيبكم ها هنا أيضاً، فنقول:

في الحقيقة أنّ كلامكم يتضمن تضخيماً، بل افتراءً كبيراً على الشيعة, فإنّ ظاهر ما تقولونه هو أنّ الشيعة لهم موقف سلبي من جميع الصحابة يدور بين الكفر أو التفسيق, وهذا الكلام بلا شك مجافٍ للحقيقة, بل لا يقول به أيّ باحث منصف, ولك أنْ تراجع كتب الشيعة لتعرف رأيهم الواقعي في الصحابة, فعدد الصحابة على ما يقرر أهل السنة أكثر من مئة ألف, وأنّ المترجم لهم في الكتب لا يبلغون عشر عددهم الحقيقي([2])، فلا يعقل أنْ يكون موقف الشيعة منهم جميعاً ما ذكرت!!! فإطلاق المجازفات الكلامية بهذه الطريقة لا يناسب طلبة العلم.

وخلاصة الموقف من الصحابة، هو أنّ الشيعة يتعاملون مع الصحابي على ضوء القواعد القرآنية ووفق السنن النبوية, فالقران يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}([3]) فالصحبة ليست حالة تجعل صاحبها يفوز بالرضوان, نعم، الصحبة مع العمل الصالح والإخلاص لله ترفع قيمة صاحبها إلى درجات عُليا.

وهذا التفريق عند الشيعة بين الصحابة ليس وليد أفكارهم, أو نتيجة نوازع ذاتية، بل هو تمسّك بما جاء في القرآن والسنّة النبوية المباركة, حيث دلّت الآيات وكذا الروايات على أنّ جملة من الصحابة قد انحرفوا وحادوا عن جادة الصواب, وصرّحت الروايات بدخول بعضهم النارـ وسيأتي ذلك ـ في حين أنّ بعض الصحابة قد أحرز إيمانهم الكبير واتّقوا الله واتبعوا رسوله, فهؤلاء محلّ تقدير وثناء, وقد تقدّم منّا ذكر ذلك مراراً، وحينئذٍ فإنّ القول بعدالة الصحابة أجمع يتنافى مع القرآن والسنّة.

على أنّ مجتمع الصحابة ـ كما مرّ ـ كان فيه الكثير من المنافقين في زمن النبيّ’، والقول باحترام وتقديس الجميع يفضي إلى تقديس حتّى المنافقين!! فإنّهم قد لقوا النبيّ’ وآمنوا به ظاهراً, وقد دلّت الآيات على أن هناك منافقين لا يعرفهم النبيّ’.

ولا يمكن لأحد الغور في أعماقهم لمعرفة حقيقة إيمانهم حتّى يعلم حالهم، فيكون المنافق الواقعي - والحال هذه- داخلاً في مفهوم الصحابي لأنّه لقي النبيّ وهو مؤمن به ظاهراً.

وهذه العقيدة في الصحابة على سعتها، بما تحمل من قداسة عظيمة لجميع الصحابة ـ والتي ليس لها مبرر صحيح ـ أدت في كثير من الأحيان إلى ارتكاب بعض المحاذير من قبيل تقديم الصحابي على النبيّ’ وتصويره بصفة إيمانية تفوق إيمان النبيّ وتقواه وعفّته.

فقد أخرج الترمذي عن بريدة في قصة الجارية السوداء التي ما انفكت تضرب بالدف حتّى بعد دخول النبيّ’ في حين تخشى الخليفة عمر، وتُبيّن الرواية أنّ النبيّ علّل ذلك بأنّ الشيطان يخاف من عمر!! قال النبيّ’: «إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر, إنّي كنت جالساً وهي تضرب, فدخل أبو بكر وهي تضرب, ثم دخل علي وهي تضرب, ثم دخل عثمان وهي تضرب, فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف» قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة. وفي الباب عن عمر وعائشة»([4]).

وهذا الحديث أخرجه أحمد وغيره وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة، وعلق عليه قائلاً: «هذا إسناد صحيح على شرط مسلم»([5]).

والحديث لا يحتمل أيّ تأويل؛ لأن النبيّ’ يصرّح بأن الشيطان يخاف من عمر! ولذلك ألقت الجارية الدف, فإن فعلها كان من الشيطان، حسب الرواية نفسها. ولم نفهم كيف قَبِل النبيّ بمجالس الشيطان؟! وكيف خاف الشيطان من عمر ولم يخف من النبيّ!؟

وهناك شواهد أخرى على ذلك كثيرة نتركها؛ رعاية للاختصار([6]).

شواهد على عدم صحة نظرية عدالة الصحابة جميعاً

هناك شواهد كثيرة تقدح بصحة نظرية عدالة وقداسة جميع الصحابة، فقد تقدم أنّ الله سبحانه وتعالى بيّن أنّ من أهل المدينة مردوا على النفاق وأنّ النبيّ’ لا يعرفهم, مع أنّهم معدودون في الظاهر من أصحابه، ومن هذه الشواهد أيضاً:

1- تركهم للنبي’ أثناء الصلاة

إنّ القرآن قد صرّح بأنّ الصحابة تركوا النبيّ’ واقفاً يخطب بهم في صلاة الجمعة, وانفضّوا نحو تجارة لا تغني, قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أو لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}([7]).

وروي أنّه ما بقي معه إلا ثمانية أو اثنا عشر، وكانوا إذا أقبلت العِيرُ استقبلوها بالطبول والتصفيق، فهو المراد باللهو([8]).

وفي البخاري عن جابر بن عبد الله قال: «أقبلت عِيرٌ يوم الجمعة ونحن مع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فثار الناس إلا اثنا عشر رجلاً, فأنزل الله {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا([9]).

وعن قتادة ومقاتل بن حيّان: أنّهم فعلوا ذلك ثلاث مرات, وكلّ مرة بعِير تقدم, وكلّ ذلك يوافق يوم الجمعة([10]).

قال الدمياطي: «قال في المجموع: ثبتت صلاته (صلّى الله عليه وسلّم) بعد خطبتين وكانتا في صدر الإسلام بعد الصلاة، فقدم دحية الكلبي بتجارة من الشام, والنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يخطب للجمعة, وكانوا يستقبلون العير بالطبل والتصفيق, فانفضوا إلى ذلك, وتركوا النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قائماً, ولم يبق منهم إلا اثنا عشر، وقيل: ثمانية، وقيل: أربعون، فقال: والذي نفسي بيده لو انصرفوا جميعاً لأضرم الله عليهم الوادي ناراً، ونزلت الآية»([11]).

وكيف ما كان، فالآية صريحة في أنّ الصحابة تركوا الرسول’ في صلاة الجمعة لأجل التجارة.

فهل ينسجم فعلهم هذا مع ماتصورونه من هالة القداسة لجميعهم من تقوى وإخلاص وتفاني في سبيل الله!

2- جرأة بعض الصحابة على النبي

ومن الصحابة أيضاً من تجرّأ على رسول الله’ فرماه في عرضه واتّهم السيدة عائشة بارتكاب الفاحشة: كحسان بن ثابت ومِسْطَح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش([12])، ومِسْطَح هذا ممّن شهد معركة بدر([13]).

وقد قام النبيّ’ بعد ما ثبتت براءة زوجته السيدة عائشة بحدّ هؤلاء, قال القرطبي: «المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أنّ الذي حُدّ حسان ومِسْطَح وحمنْة، ولم يسمع بحدّ لعبد الله بن اُبي. روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: لما نزل عذري قام النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدّهم، وسمّاهم: حسّان بن ثابت ومِسْطَح بن أُثاثة وحَمْنة بنت جحش»([14]).

3- منكرات تخلّ بنظرية عدالة الصحابة

وهناك من المنكرات وقبحها ما لا يمكن أن تصمد معها نظرية عدالة الصحابة جميعهم، نقتصر على ذكر واحدة منها ليتضح للقارئ ضحالة تلك النظرية:

وتلك الحادثة تتعلق بالصحابي المغيرة بن شعبة, حيث وجد مستبطناً أم جميل في حادثة مشهورة, وقد شهد عليه بذلك ثلاثة من الصحابة وهم: أبو بَكْرَة، ونافع بن الحارث، وشِبْل بن مَعْبَد. وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة في زناه([15])، أمّا الشاهد الرابع وهو زياد بن سميّة فإنّه وإنْ لم يشهد بالزنا لكنّه لم ينفِ كلّ الواقعة، بل أقرّ بكون المغيرة معها على سرير واحد بوضع قبيح, ففي لفظٍ أنّ زياد قال: «رأيت إستاً تنبو ونفساً يعلو وساقين كأنّهما أذنا حمار، ولا أعلم ما وراء ذلك»([16]).

وفي نقل آخر أنّه قال: «رأيت مجلساً وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها»([17]).

على أن هناك أخباراً حاولت التخفيف من كلام زياد, فلم تذكر التفاصيل أعلاه، فاكتفى بعضها بأنّ زياداً قال: «رأيت أمراً قبيحاً» وفي بعضها: «رأيت انبهاراً ومجلساً سيئاً» وفي بعضها: «رأيت منكراً», وهذه الأخبار صحّحها الألباني في إرواء الغليل([18]).

وقد انتهى الأمر بنجاة المغيرة؛ لعدم ثبوت رؤية الميل في المكحلة!! وقد كان ذلك مدعاة سرور الخليفة عمر بنجاة المغيرة من الرجم فكبّر وأمر بحدّ الثلاثة([19]).

وفي الحقيقة لم نفهم سبب فرح الخليفة وتكبيره! فإن عدم رؤية الميل بالمكحلة لا ينفي تحقق فعله القبيح وثبوته خارجاً، وعدم ثبوت الزنا لا يعني مشروعية فعل المغيرة القبيح، ويبقى السؤال: لماذا لم يحاسب الخليفة عمر المغيرة على فعله القبيح؟! خصوصاً أنّ الصحابي أبا بكرة بقي مصرّاً على موقفه وكلامه من أنّ المغيرة قد زنا، فأراد الخليفة عمر أن يحدّه مرة أخرى لولا تدخل علي×([20])، بل إنّ الخليفة عمر قد اعترف بنفسه بأنّ أبا بكرة غير كاذب في شهادته حينما خاطب المغيرة ذات مرة، قائلاً: «والله, ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك, وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء»([21]).

4ـ بعض الصحابة صرح النبي بدخولهم النار

تبيّن أنّه لا يمكن أنْ نُضفي هالة من القدسيّة على جميع الصحابة، خصوصاً أنّ هناك من الصحابة من صرّح النبيّ’ بدخوله النار، حينما قال: «قاتل عمار وسالبه في النار»([22]) وقد قتله الصحابي أبو الغادية الجهني في معركة صفين، وإن قاتله مهما تأول فهو عاد آثم، وسيأتي الكلام عن ذلك لاحقاً.

وعن أبي هريرة، قال: «شهدنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لرجل ممن يدعى الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت: إنّه من أهل النار، فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات، فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): إلى النار، قال: فكاد بعض الناس أنْ يرتاب, فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بذلك، فقال: الله أكبر, أشهد أنّي عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس: إنّه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإنّ الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»([23]).

وفي هذه الرواية دلالة واضحة على أنّ مجرد الصحبة لا تكفي في عدالة الإنسان، فهذا رجل مسلم كما ترى في الرواية قد صحب النبيّ’ وغزا معه، وحضر المعركة وقاتل قتالاً شديداً لكنّه مع ذلك كان من أهل النار؛ لأنه انتحر ولم يصبر على الجراح, فلا يمكن القول بعدالة الصحابة جميعاً.

وقد تقدّم منّا الإشارة إلى أحاديث الحوض التي تثبت دخول عدد غير قليل من الصحابة إلى النار، ولم نجد جواباً علمياً مقبولاً من أهل السنة يتناسب مع الروايات العديدة المصرحة بذلك.

فالتفريق بين الصحابة، وأن فيهم عدولاً وغير عدول، هو مبدأ قرآني ونبوي، وأنّ الصحابة أنفسهم يعتقدون بهذا التفريق, فكان يفسّق بعضهم بعضاً، ويكذب بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم بعضاً، بل ويكفر بعضهم بعضاً!! فلا نجد مع ذلك التكفير والتفسيق والتكذيب معنى لإيمانهم بنظرية عدالة الصحابة جميعاً, ولا ينسجم ذلك مع الاعتقاد بأنهم كانوا يؤولون أفعالهم وأنهم مأجورون، فإن حملَ كلّ هذه الاتهامات والاختلافات على الاجتهاد والتأويل ليس منطقياً.

صحابة أقيم عليهم الحد

تقدّم أنّ بعض الصحابة قد أقيم عليهم الحدّ؛ لاتّهامهم السيّدة عائشة بالفاحشة, وهناك من الصحابة من أقيم عليه الحد في غير ذلك, منهم:

1ـ النعيمان أو ابن النعيمان, أقيم عليه الحد لشربه الخمر([24]) بل ورد أنّ النبيّ’ جلده أكثر من أربع مرات لشربه الخمر([25]).

2ـ عبد الله وكان يلقب حماراً([26]), جلده النبيّ’ بالشراب([27]).

3ـ عبيد الله بن عمر بن الخطاب, جلده أبوه عمر في شراب مسكر شربه([28]).

وسيأتي أنّ عبيد الله هذا قتل الهرمزان ظلماً بغير عدل، وقتل ابنة أبي لؤلؤة وهي طفلة صغيرة, واتفقت كلمة المهاجرين والأنصار على وجوب قتله والاقتصاص منه، لكن الخليفة عثمان عفى عنه, وبقي علي× يطلبه بدم الهرمزان حتّى حان وقت خلافته, فأراد الاقتصاص منه, لكنه هرب إلى جيش معاوية, ثم قتل في صفين.

4ـ عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب, جلده عمرو بن العاص, ثم حدّه أبوه بعد ذلك؛ لأنه شرب شراباً فسكر([29]), ومضافاً إلى أنّ كلّ مسكر حرام، فقد صرّح ابن عبد البر بأنّه شرب خمراً في مصر، فحدّه عمرو بن العاص ثم ضربه أبوه عمر أدب الوالد([30]). وقد صرح الواقدي أيضاً بأنّ الشراب كان خمراً, جاء في تاريخ الطبري عن الواقدي: «وفيها [أي سنة 21هـ] غزا عبد الله وعبد الرحمن... وأبو سروعة فقدموا مصر فشرب عبد الرحمن وأبو سروعة الخمر وكان من أمرهما ما كان»([31]). وقال ابن الأثير عند ذكره لأبي سروعة: «وهو الذي شرب الخمر مع عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب بمصر»([32]).

5ـ أبو سروعة, وهو إمّا عقبة بن الحارث أو أخوه([33]), جلده عمرو بن العاص؛ لأنه شرب شراباً فسكر([34]). وعرفنا فيما تقدّم أنّه شرب بمصر مع عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، وتقدّم أنّ الشراب كان خمراً.

6ـ أبو محجن الثقفي, كان منهمكاً في الشراب, لا يكاد يقلع عنه ولا يردعه حد ولا لوم لائم, جلده عمر بن الخطاب في الخمر مراراً ونفاه إلى جزيرة في البحر([35]).

وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين: «كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر, فلمّا أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه»([36]).

وأخرج عن ابن جريج, أنّه قال: «بلغني أنّ عمر بن الخطاب جلد أبا محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي في الخمر سبع مرات»([37]).

وأخرج عن قبيصة بن ذؤيب, قال: «إنّ عمر بن الخطاب ضرب أبا محجن الثقفي في الخمر ثمان مرات»([38]).

7ـ الوليد بن عقبة بن أبي معيط, قال ابن حجر: «وقصّة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرجة، وقصة عزله بعد أنْ ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضاً, مخرجةً في الصحيحين, وعزله عثمان بعد جلده عن الكوفة»([39]).

وقال ابن عبد البرّ: «وخبر صلاته بهم وهو سكران, وقوله: أزيدكم، بعد أنّ صلّى الصبح أربعاً مشهور من رواية الثقات, من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار»([40]).

8ـ قدامة بن مظعون, وقد مر ذكره، وكان أحد السابقين الأولين, هاجر الهجرتين وشهد بدراً([41]), حدّه عمر بن الخطاب؛ لشربه الخمر([42]).

قال عبد الرزاق عن ابن جريج: «سمعت أيوب يقول: لم يحدّ في الخمر أحد من أهل بدر إلا قدامة ابن مظعون»([43]). وتعقّبه ابن الأثير بقوله: «قلت: قد حدّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نُعيمان في الخمر, وهو بدري, وهو مذكور في بابه, فلا حجة في قول أيوب والله تعالى أعلم»([44]). كما تعقّبه ابن حجر بقوله: «يعني بعد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([45]). أي أنّه أراد أنّه بعد النبيّ لم يُحدّ بدري إلا قدامة, أمّا في زمن النبيّ’ فقد حُدّ غيره من البدريين.

9ـ أبو جندل بن سهيل بن عمرو, حدّ لشربه الخمر([46]).

10ـ ضرار بن الخطاب المحاربي, حدّ لشربه الخمر([47]).

11ـ صحابي جاء إلى النبيّ’ واعترف بالزنا وأقرّ على نفسه أربع مرات وهو محصن، فرجم حتّى مات([48]).

12ـ صحابي سرق مراراً، فأتي به إلى النبيّ’، فقُطع في أربع مرات وقتل في الخامسة, ثم ألقوه في بئر ورموا عليه الحجارة([49]).

13ـ ماعز بن مالك الأسلمي, رجم على عهد النبيّ’, بعد أنْ أقرّ على نفسه بالزنا([50]).

14ـ الأسود بن عوف الزهري, أخو عبد الرحمن بن عوف, وَجَدَهُ عمر بن الخطاب بمكّة شارباً فأمر به فجلد الحد([51]).

هذه نماذج من انتهاكات بعض الصحابة للشريعة وأحكامها, فقد فعلوا تلك المنكرات وفيهم من لم يتب، لذا أقيم عليه الحد مراراً, وفيهم من السابقين والبدريين, فلا ينبغي القول إنّه يجب تقديس من كان يُصرّ على أنْ يشرب الخمر مراراً، بحجّة أنّه من السابقين أو من البدريين!!

ولا ينبغي القول بوجوب تقديس أمثال حسان ومِسْطَح ـ وهو بدري ـ وحمنة، الذين رموا السيدة عائشة بالزنا!!

وقد مرّ أنّ الخليفة عمر أقام الحدّ على ثلاث صحابة؛ لاتهامهم بقذف المغيرة بالزنا, وهم أبو بَكْرَة، ونافع بن الحارث، وشِبْل بن مَعْبَد, وهو يدلّ على أنّ الخليفة عمر لم يكن معتقداً بعدالة جميع الصحابة، فقاعدة عدالة الصحابة لا يمكن التمسك بها على إطلاقها.

قلتم: عدالة الصحابة تعني أنهم لا يكذبون في الشرع

ذكرتم: أن مقصود أهل السنّة من العدالة ليس العصمة، بل كونهم الأمناء على الشرع فلا يكذبون في حديثهم على رسول الله’، أمّا خطؤهم في الاجتهاد فهو مغتفر، فقلتم: «إنَّ العدالة ليس القصد منها (العصمة) من الخطأ... وليس القصد من قولنا بعدالتهم أنَّهم لا يُخطئون، لكن مُرادنا أنَّهم أُمناء على شرع الله عز وجل، ولا يكذبون في حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

الجواب

هذا الكلام يجاب عنه بأمور:

أولاً: أنّ عقيدة أهل السنة في الصحابة، بحسب كتبهم ومؤلفاتهم وأدلتهم التي يثبتون بها تلك النظرية، صريحة في تعديلهم جميعاً, وصريحة في كونهم لا يخطئون، فلا يجوز الطعن بهم أو نسبة المنكر إليهم, وهم مأجورون في كلّ عمل يعملوه، خطأً كان أم صواباً, حتّى في مسائل ترتبط بسفك الدم وانتهاك الأعراض, وأنّ الطاعن فيهم مطعون فيه، بل هو زنديق, وهذا الاعتقاد لا يقتصر على الاعتقاد بكونهم أمناء على الشريعة، كما ذكرت، بل يتعدّى ذلك، ولك أن ترى الأدّلة التي تُساق لإثبات عدالتهم, فهي تفوق مسألة كونهم ثقات فقط.

وإنْ شئت قلت: إنّ الموقف العملي عند أهل السنّة هو القول بعصمة الصحابة, وعدم الإذعان والإقرار بصدور أي خطأ منهم، فما دامت قاعدة الاجتهاد والتأويل سارية المفعول، فالصحابي مأجور على كلّ حال, فهو مقدّس وفعله لا يكون إلا عن مصلحة قد تصيب الواقع وقد تخطئ، فالقول عندئذٍ بعدم عصمتهم يكون على المستوى النظري فقط.

ثانياً: ربّ سائل يسأل: إذا كانت الدعوى من عدالتهم جميعاً كونهم مجرد أمناء وثقات في نقل الأحاديث، فلماذا اختلف حالهم عن بقية الثقات في النقل, فإن غيرهم ـ مع كونهم ثقات ـ قد يرتكبون الخطيئة والمعصية، ولا يُبحث عن تأويل لأفعالهم القبيحة, بل يعرضون على قواعد الجرح والتعديل، بينما الأمر مختلف مع الصحابة فمن يتفوّه بطعن بعضهم أو يتكلم في وثاقتهم يتهم بالزندقة.

بل يتبادر للذهن السؤال التالي: لماذا يوجب أهل السنّة طمس ما شجر بين الصحابة وعدم الخوض فيه، كما نقل الذهبي: «كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه لهوى وعصبية لا يُلتفت إليه، بل يُطوى ولا يُروى، كما تقرر الكفّ عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي اللّه عنهم أجمعين...»([52]).

ثالثاً: حتّى لو غضضنا النظر عن الإشكالات السابقة, هناك إشكال واقعي عملي، وهو كيف يمكن توثيق ومعرفة حال الآلاف من الصحابة؟ مع أنّ مجرّد رؤية النبيّ’ لا تحوّل الكذّاب والمنافق إلى ثقة مأمون! ولا تحوّل الضعيف في الحديث إلى إنسان ضابط متقن! كما لا تحول سيئ الحفظ إلى إنسان ذي ذاكرة ليس لها مثيل!!

وإليك بعض الشواهد على مخالفات الصحابة أنفسهم لهذه النظرية:

1ـ الصحابة يكذب بعضهم بعضاً

قد ثبت أنّ الصحابة قدكذّب بعضهم بعضاً، ولم يكونوا يعتقدون أنّ كلّ صحابي أمين في نقله, لا يجب التفحص عنه والبحث عن حاله, ومن نماذج تكذيب بعضهم لبعض:

1ـ تكذيب الخليفة عمر لهشام بن حكيم وقوله له: «كذبت»([53]), حينما كان يقرأ سورة الفرقان على غير الوجه الذي يقرأه الخليفة عمر, وادعاؤه أنّ رسول الله أقرأه هكذا.

وكون الرواية أثبتت أنّ هشاماً لم يكن كاذباً, وأنّ كلا القراءتين صحيحة, لا ينفع في المقام؛ لأنّ الخليفة عمر كان يعتقد أنّ هشاماً كذاب, وهذا يعني أنّه لا يؤمن بقاعدة أنّ كلّ الصحابة أمناء.

2ـ تكذيب سعد بن عبادة لسعد بن معاذ ورميه بالنفاق, ففي البخاري عند الحديث عن حادثة الإفك: «فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول اللّه، أنا واللّه أعذرك منه, إنْ كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً لكن احتملته الحميّة، فقال: كذبت لعمر اللّه، واللّه لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين»([54]).

3ـ تكذيب عروة بن الزبير لابن عباس، بقوله: «كذب ابن عباس»([55]).

4ـ تكذيب السيدة عائشة لمروان وقولها: «كذب والله»([56]).

5ـ تكذيب السيدة عائشة لأبي هريرة وقولها: «كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم»([57]).

هذه بعض الشواهد على تكذيب الصحابة بعضهم البعض، وهذا كله يؤكد حقيقة أنهم لم يعتقدوا بما تذهبون إليه من عدالتهم جميعاً، بل يلزم من هذا المذهب التناقض هنا، فهل أنّ الصحابي في تكذيب صحابي آخر أو تكفيره إيّاه صادق أم لا؟ فإن كان صادقاً ثبت كذب الصحابي الآخر، وان لم يكن صادقاً، فقد ثبت كذبه ولم يكن أميناً، وعلى كلا الأمرين يثبت عدم وثاقة وعدالة جميع الصحابة.

ومع هذا التكذيب كيف يكون الجميع أمناء على الشريعة؟

2ـ الصحابة يكفر بعضهم بعضا

قد ثبت أنّ الصحابة كفّر بعضهم البعض، قال الذهبي: «فبعض الصحابة كفَّر بعضهم بتأويل ما»([58]). ومع هذا التكفير كيف يكونون أمناء على الشريعة؟

كما أنّ القرآن قد صرّح بكفر بعضهم، وقد أشار إلى ذلك محمد بن عبد الوهاب, قال: «الذين قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} أما سمعت الله كفّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون, وكذلك الذين قال الله فيهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فهؤلاء الذين صرح الله فيهم أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح...»([59]).

وعنئذٍ فمع تكفير القرآن لبعضهم كيف يكون الجميع أمناء على الشريعة؟

3ـ بعض أخطاء الصحابة في مسائل الشريعة

كما أنه قد ثبت صدور أخطاء كثيرة منهم وثبت أنه كان بينهم تباغض وتناحر وقتال, قال ابن تيمية: «فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل, واتفقوا على عدم التكفير بذلك, مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي, وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة, وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف, وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض, وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة»([60]).

والمتأمل يرى أنّ الصحابة كانوا يسيئون فهم كلام النبيّ’ ويخطأون في نقله, ويكفيك في ذلك أنْ ترى كم استدركت السيدة عائشة على الصحابة من الروايات التي نقلوها بصورة غير صحيحة, ولا يخفى أنّ الزركشي قد ألّف كتاباً أسماه (الإجابة لإيراد ما استدركته السيدة عائشة على الصحابة) قد جمع فيه أكثر من مئة مورد خالفت فيه السيدة عائشة الصحابة فيما نقلوه عن النبيّ’، ناسبة ذلك إلى خطئهم أو نسيانهم أو غفلتهم وما شابه ذلك.

ومع هذا الخطأ والنسيان والغفلة كيف يكون الجميع أمناء على الشريعة؟

4 ـ بعض الصحابة يبغضون عليّاً ويسبّونه

قد ثبت أنّ بعض الصحابة كانوا يبغضون عليّاً× ويسبونه ويقاتلونه, وقد اعترف ابن تيمية بذلك حيث قال: «فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبّونه ويقاتلونه»([61]).

فكيف نعدّ هؤلاء أمناء وقد نصّ النبيّ’ على أنّهم منافقون حيث عهد إلى عليّ× كما في صحيح مسلم وغيره: «أنّه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق»([62]). فهل المنافقون أمناء على الدين؟!

5 ـ بعض الصحابة لم يطيعوا النبي ’

كما أنّه قد ثبت أنّ بعض الصحابة لم يأتمروا بأوامر النبيّ’، فكيف يكونون أمناء على الشريعة، وهم بأنفسهم لم يطبقوها وعصوا الله ورسوله فيها؟! ومن أمثلة ذلك:

1ـ عدم طاعتهم للنبي’ في معركة أحد، وعدم ثباتهم في أماكنهم التي أمرهم النبيّ’ أن يثبتوا فيها طمعاً في الغنائم([63]).

2ـ عصيانهم للنبي’ في مسألة الإفطار, حتّى وسمهم النبيّ’ بالعصاة, فعن جابر بن عبد اللّه, أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان, فصام حتّى بلغ كراع الغميم, فصام النّاس، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر النّاس إليه ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض النّاس قد صام, فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة»([64]). فمع هذا كيف تفسرون الآيات الواردة فيمن يعص الله ورسوله والتي نعتتهم بالضلال وتوعدتهم بالخلود في نار جهنم([65]).

3ـ عصيانهم للنبي’ في عمرة التمتع, الأمر الذي أدّى إلى غضب رسول الله’ عليهم, فعن السيدة عائشة أنها قالت: «قدم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس, فدخل عليَّ وهو غضبان, فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون»([66]).

وعن البراء بن عازب، قال: «خرج رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه, قال: فأحرمنا بالحج، فلمّا قدمنا مكة, قال: اجعلوا حجكم عمرة, قال: فقال الناس: يا رسول الله، قد أحرمنا بالحجّ فكيف نجعلها عمرة!؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا، فردوا عليه القول فغضب، ثمّ انطلق حتّى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه, فقالت: من أغضبك أغضبه الله, قال: ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أُتّبع؟»([67]).

قال الذهبي: «هذا حديث صحيح من العوالي»([68]).

قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح»([69]).

قال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»([70]).

4ـ اعتراض الخليفة عمر على النبيّ’ في صلح الحديبيّة, بل شكّه في نبوته’, حيث ورد في صحيح البخاري أنّه جاء إلى النبيّ’ فقال: «ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نَعطي الدنية في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا؟ فقال: يا بن الخطّاب، إنّي رسول الله ولن يضيعني الله أبداً، فرجع متغيظاً فلم يصبر حتّى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يا ابن الخطاب إنّه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح»([71]).

وورد في صحيح ابن حبان: «فقال عمر بن الخطاب (رضوان الله عليه): والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقلت: ألستَ رسول الله حقّاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فَلِمَ نُعطي الدنيّة في ديننا...»([72]).

6ـ الصحابة أحدثوا وغيّروا بعد النبي

كما أنّه قد ثبت أنّ بعض الصحابة أحدثوا وغيّروا وبدّلوا بعد رسول الله’, ودلّت على ذلك أحاديث الحوض، واعترافات بعض الصحابة بذلك, وتقدّم جميع ذلك مفصّلاً, فلا نعيد([73]).

فكيف يكونون ـ مع هذا التغيير والتحريف ـ أُمناء على الشريعة؟ وقد طال التغيير حتّى الصلاة على ما في صحيح البخاري عن الزهري، قال: «دخلت على انس بن مالك بدمشق, وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعَتْ»([74]).

وأخيراً, نقول: لم يثبت عندنا أنّ الصحابة هم أمناء الله على شرعه, ولم يثبت كونهم الطريق المنحصر لمعرفة شرع الله ودينه, بل الثابت على ما في الروايات الصحيحة عند الفريقين، أنّ أمناء الله على شرعه وحججه على عباده هم أهل البيت^ كما يشير إلى ذلك حديث الثقلين وحديث الاثني عشر خليفة وغير ذلك مما ثبت صحته عند الفريقين, فلا يلزم من القدح ببعض الصحابة سدّ باب معرفة الدين وضياع الشريعة, فإن الله نصّب على لسان نبيه أوصياء وخلفاء يقومون مقامه في حفظ الدين والذود عنه.

فَتَخَيُّلِ أنّ القدح ببعض الصحابة موجب لضياع الدين وهدمه هو نتيجة ابتعادكم عن توجيهات النبيّ الأكرم’ في اتّباع أهل بيته من بعده, أمّا لو عملتم بوصايا النبيّ’ واتّبعتم توجيهاته لرأيتم وعرفتم أنّ منبع الشريعة إنّما يُستقى من أهل البيت^, لكن أنّى لكم ذلك مع التقديس لمن أبغضهم وسبّهم وسفك دماءهم وسبى نساءهم؟

قلتم: عدد العصاة من الصحابة نادر جدا

ذكرتم: أنّ عدد الزناة وشرّاب الخمر والسرّاق نادر جداً لا يتناسب مع هذا التضخيم الذي لا يليق بالباحث المحقق، فقلتم: «كم عدد الذين زنوا في عهد الخلفاء وأقاموا عليهم الحد؟ وكم منهم يا تُرى شرب الخمر وسرق؟ إنَّ هذا الكلام يُوحي بأنَّ الزُناة والسرّاق وشاربي الخمر كانوا بالمئات!! وهذا أسلوب لا يليق بباحث محقق؟!...إنَّ العدد لا يتجاوز أصابع اليد».

الجواب

أولاً: لا نتفق معك في كون عددهم نادراً كما وصفت! كيف ذلك وقد ذكرنا لك قبل قليل نماذج ممن أقيم عليهم الحدّ, ومنهم من البدريين والسابقين في الإسلام, كما ذكرنا لك عدّة مخالفات للصحابة، وأثبتنا عدم طاعتهم للنبي’. لكن مع كل ذلك، فعقيدتنا أنّ هناك الكثير من الصحابة من الرعيل الأول قد جاهد وقاتل في سبيل الله وبذل الغالي والنفيس في سبيل الدين والإسلام.

وبهذا يكون قولك: إنّ الشيعة على قولين في الصحابة بين التفسيق والتكفير, هو من القول الباطل, وهو الذي لا يليق بالباحث.

ثانياً: يكفي في صدق دعوانا على عدم صحّة نظرية عدالة الصحابة أجمع، وجود عدد ممن انحرفوا عن الجادة المستقيمة وإنْ كانوا قليلاً, فأنتم تدّعون عدالة جميع الصحابة, ويكفي لهدم هذه القاعدة ثبوت عدد من الفساق المتجاهرين بالخمر والمعاصي من الصحابة, وقد وافيناك بجملة من مخالفات الصحابة فيما تقدم، فلا نعيد.

قلتم: من عصى من الصحابة فقد تاب من ذلك

ذكرتم: أنّ من يقترف ذنباً من الصحابة يتوب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، فقلتم: «إنَّ من وقع في معصية ثمَّ تاب منها، تاب الله عليه، ولا يُعَيَّر بمعصيته؛ فإن التوبة تجبُّ ما قبلها».

الجواب

ممّا لاشكّ فيه أنّ من تاب فقد تاب الله عليه، وهذا من رحمة الله تعالى بنا, ولكن أنّى لنا إثبات توبة كلّ من عصى وخالف من الصحابة كالذين مر ذكرهم؟ فهناك مثلاً من جلد بالخمر أربع أو خمس مرات, إلا أنْ تقول بحتمية توبتهم؛ لكونهم عدولاً، وهذا كما ترى استدلال خاطئ ويتضمن الدور المنطقي الباطل؛ لأنّ ثبوت توبتهم متوقف على الإيمان بعدالتهم، والإيمان كذلك متوقف على ثبوت توبتهم.

وهذا الخطأ في الاستدلال نشعر به في بحوثكم، فكثيراً ما تجعلون من الإشكال ذات الجواب.

قلتم: لقد أثنى النبي على خالد بن الوليد

ذكرتم في ص98 جواباً على سؤالنا: «ما هو المراد من الاجتهاد والتأويل الذي يبرر صاحبه فيما يرتكبه من المخالفات للكتاب والسنة, كما في قضية خال بن الوليد في قتل مالك بن نويرة وأبي الغادية في قتل عمار؟» فأجبتم بما حاصله:

أولاً: «لقد أثنى النبيّ على خالد بن الوليد, ووصفه بأنّه سيف من سيوف الله» ثمّ أيّدتم ذلك برواية البخاري.

ثانياً: «خالد بن الوليد سيف الله المسلول هو الذي حارب المرتدين حتّى أعادهم إلى الإسلام...».

الجواب

أولاً: أنّك قد تجنبت الجواب عن السؤال المهم في المسألة، فلم تبين المراد من الاجتهاد والتأويل الذي يبرر الفعل الخاطئ لصاحبه، وكيف يبرر ذلك التأويل حتّى خطيئة قتل المسلمين وانتهاك أعراضهم ونهب أموالهم؟

فمتى كانت نفوس المسلمين رخيصة لهذا الحدّ؟ ومتى كانت أعراضهم تحت طائلة الاجتهاد والتأويل؟

وسوف نحيل الكلام عن هذا الموضوع المهم إلى المبحث الآتي إن شاء الله تعالى.









عدالة الصحابة
ونظرية الاجتهاد والتأويل


كلام في الاجتهاد والتأويل عند أهل السنة

لم تكن ضوابط ما يسمّى بالاجتهاد والتأويل ـ عند أهل السنّة ـ واضحة, بل هي عائمة مجهولة، فلم تكن ثمّة قواعد تشخّص حالات العمد من غيره الذي يصحّ معه ذلك التأويل, فهل مثل الجرائم الكبرى كالقتل والزنا يشملها قانون الاجتهاد والـتأويل حين تصدر من صحابي؟ أم أنّه منحصرٌ في غير ذلك؟ وما هو معنى الاجتهاد, وما هو معنى التأويل؟ وغير ذلك من التساؤلات الحاضرة التي بحاجة إلى جواب واضح فيما يتعلّق بهذه المسألة.

إنّ أصل الاجتهاد مأخوذ من بذل الجهد والوسع للوصول لحقيقة الحكم الشرعي، حينما يكون الموضوع من المواضيع التي يعزّ فيها الدليل الشرعي، أو التي يبدو فيه الدليل غامضاً، أو هناك تعارض واختلاف في الأدلّة، فينبغي للعالم حينئذ أنْ يبذل وسعه ويستخدم الآليات التي حدّدها له الشارع للوصول إلى الحق والواقع، مع كامل ورعه وتقواه واستعانته باللّه تعالى، فبعد كلّ هذا إنْ أصاب فله أجران: أجر على جهده وأجر على أصابته للواقع، وأمّا لو أخطأ فيؤجر أيضاً لكن مرة واحدة على ما بذله من جدّ واجتهاد في البحث عن الحقّ، هذا ما نفهمه نحن من أنّ المجتهد يؤجر حتّى في خطئه.

وأما إذا كان الاجتهاد في مقابل نصّ صريح أو إجماع الأمة أو أهل الحل والعقد، أو كان الاجتهاد مبنياً على متابعة هوى نفسٍ أو تحقيقاً لمآرب شخصية أو دنيوية، فهذه الأنواع من الاجتهادات لا يمكن أن تكون مرضيّة عند اللّه سبحانه، ولا يستحق فاعلها الأجر من اللّه سبحانه، وحاشا للّه سبحانه أنْ يفعل ذلك.

وهذا ما يراه بعض كبار علماء أهل السنّة كالمناوي، قال: «فإن قلت: كيف تدخل العالم زلّته النار مع أنّه مأجور على اجتهاده وإنْ أخطأ؟... قلت: الزلّة والغلط تارة تقع عن تقصير في الاجتهاد وفاعل ذلك غير مأجور، بل مأزور، وتارة تقع عن اجتهاد تام، لكن وقع فيه الغلط في استحلال محرم، أو تحريم حلال، أو ترك واجب بتأويل، وهو نفس الأمر خطأ، فهذا يؤجر على اجتهاده ولا يعاقب على زلته»([75]).

إلاّ أنّ الكثير من علماء السنّة قد فتحوا الباب واسعاً في هذا المضمار، فأدخلوا كلّ أنواع الاجتهاد في ضمن الاجتهاد المرضي عند اللّه سبحانه، حتّى صار من يخالف نصّاً صريحاً أو إجماعاً، مجتهداً مأجوراً على اجتهاده!! بل حتّى من يشقّ عصا الطاعة للخليفة الشرعي الذي اختاره المسلمون وبايعوه ـ وفق نظرية الشورى ـ ويجيّش الجيوش لحربه فيقتل في ذلك آلاف المسلمين ويهلك الحرث والنسل، يعتبر هذا مجتهداً معذوراً يؤجره اللّه على ذلك، بل من يزني ويقتل ويشرب الخمر هو مجتهد متأوّل!!

وهذا في الحقيقة نوع تفريغ لمحتوى قانون العقوبة والوعيد الإلهي، ثمّ إنّ هذا القانون لم يسر على الجميع بنفس التطبيق، بل حصلت هناك انتقائية وتمييز واضح، فأُخرج من أريد إخراجه من طائلة الذمّ والعقوبة ببركة قاعدة الاجتهاد والتأويل، وأما البقية فلم يشمله امتياز هذا القانون فأضحى مذنباً مخطئاً يستحق العقوبة والعذاب ولا يشفع له اجتهاده وإن كان صحيحاً مبنياً على ضوابط شرعية.

ولم يتمكن علماء أهل السنة ـ بعد فتح هذا الباب ـ من تحديد الضوابط العامّة لهذه المسألة المهمّة حتّى أحيط بها الغموض والضبابية إلى حدّ كبير، ولعلّ هذا هو السبب في أنّ الدكتور الغامدي قد نأى بنفسه عن الخوض في تفاصيلها.

موقف الصحابي خالد بن الوليد

الأمر الثاني: أنّ ذكرنا لخالد بن الوليد وأبي الغادية كان من باب المثال لا الحصر، وإلا فهناك الكثير غيرهم ممّن ارتكب أخطاءً جسيمة، وقد شفع لهم قانون الاجتهاد والتأويل.

وحيث إنّك أوليت أمر هذين الصحابيين خصوصية وأجهدت نفسك في الدفاع عنهما، فلا بأس أن ننساق معك فيما يتعلق بهما بالخصوص، فنقول:

1ـ نحن لا نسلم معك بأن النبيّ’ قد وصف خالداً بأنّه سيف من سيوف الله! فهذا قد أثبتته رواياتكم، فليس ما يذكره البخاري ومسلم بحجة عندنا، كما أنّ ما في الكافي وغيره ليس بحجة عندكم.

ويقوى عدم الاعتبار للوصف المذكور إذا نظرنا إلى الواقع التاريخي لخالد, فهو لا ينسجم مع كونه سيفاً من سيوف الله، فإن قتله لبني جُذيمة بعد إسلامهم، وقتله لأسرائهم لا يتناسب مع هذه الدعوى؛ ولذا تبرأ النبيّ’ من فعله بعد هذه الحادثة، فقال: «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد»([76]).

ولم تنته القضية بذلك، بل تابعها بفعل فظيع حينما قتل الصحابي مالك بن نويرة، ونزا على زوجته في القصة المعروفة.

كلّ هذا يوجب الريبة والشكّ فيما رواه البخاري، ويزعزع الاعتقاد بالوصف الذي نُسِب لخالد.

2ـ لو سلّمنا أنّ النبيّ’ قد امتدحه في تلك الفترة بأنّه سيف الله، لكن هذا لا يلزم منه صحّة وتبرير جميع أفعاله ومواقفه اللاحقة([77])، كيف ذلك والله تعالى يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ويقول تعالى: {كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}([78]).

وما صنعه خالد بمالك بن نويرة ونزوه على زوجته يُعدُّ من أبشع الأفعال التي صدرت ممّن كان مصاحباً للنبي’، وهو يكشف لنا بوضوح حقيقة ما فعله في حياة النبيّ’ حين قتل مسلمي بني جذيمة, الأمر الذي استدعى النبيّ أن يتبرأ مما فعله، ويكشف حقيقة الدوافع التي كانت تبعثه على القتال، خصوصاً بعد ملاحظة بعض الشواهد التاريخية التي تثبت تمرده على أوامر الخليفة أبي بكر والخليفة عمر:

فمثلاً نجد حالة التمرد واضحة حينما طلب الخليفة عمر يوماً من الخليفة أبي بكر أن يكتب إلى خالد بأن لا يعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمره: أي بأمر أبي بكر، فكتب أبو بكر بذلك، فأجاب خالد قائلاً: «إما أن تدعني وعملي وإلا فشأنك بعملك...»([79]) وكذا كتب إليه عمر فأجابه بمثل ما كتب إلى أبي بكر([80]).

على أننا لو عرضنا سيرة خالد بن الوليد على أي شخص غير مشبع الذهن بأفكار مسبقة تضفي عليه العصمة، وذكرنا له سيرته مع النبيّ’ وما ارتكبه من أخطاء جسيمة ومؤلمة لحَكَم على خالد بأنّه خلاف نهج النبيّ’.

فيتضح بهذا أنّ ما ذكرتموه من محاربته للمرتدين وغير ذلك، غير نافع في المقام.

قلتم: لا ينبغي التعويل على الروايات التي تطعن بخالد

قولك ص99: «إن الروايات التاريخية مختلفة في بيان الحقيقة؛ ولذلك لا ينبغي التعويل على تلك الروايات التي تشنّع عليه دون الروايات التي تبرر عمله، فقد ورد في الروايات التي تبرّر عمله ما يلي: قال ابن كثير: ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة, فأنّبهُ على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة, وقال: ألم تعلم أنّها قرينة الصلاة؟ قال مالك: إنّ صاحبكم ـ أي رسول الله ـ كان يزعم ذلك! فقال: أهو صاحبنا وليس صاحبك؟ يا ضرار اضرب عنقه, فضُربت عنقه».

الجواب

نقول: لا يخلو هذا التبرير من غرابة، فكيف يراد ترك التمسك بالثابت المعتبر والاعتماد على معارض له منقول بلفظ القيل، تلك اللفظة التي تساق للإشعار بالتمريض والتضعيف عادة, وكيف تترك ما تبناه وجزم به علماء التاريخ وتتمسك بالضعيف المتروك؟

وهلمّ معي لنرى ما يقوله ابن الأثير في الحادثة، وكيف يستنبط منها أنّ مالكاً كان مسلماً؛ لتعرف بذلك صحة تلك الحادثة ولزوم تقديمها على غيرها من النقولات:

قال ابن الأثير: «فلما توفي النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وارتدت العرب، وظهرت سجاح، وادّعت النبوّة، صالحها إلا أنّه لم تظهر عنه ردّة وأقام بالبطاح. فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به أحداً, كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع. فلما قدم خالد البطاح بثّ سراياه فأتي بمالك بن نويرة ونفرٌ من قومه. فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة، وكان فيمن شهد أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا. فحبسهم في ليلة باردة, وأمر خالد فنادى: أدفئوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة القتل ـ فقتلوهم، فسمع خالد الواعية، فخرج وقد قتلوا، فتزوج خالد امرأته، فقال عمر لأبي بكر: سيف خالد فيه رهق! وأكثر عليه, فقال أبو بكر: تأوّل فأخطأ. ولا أشيم سيفاً سلّه الله على المشركين. وودّى مالكاً، وقدم خالد على أبي بكر فقال له عمر: يا عدو الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته لأرجمنك».

ثم قال: «فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمّة، ويدلّ على أنّه لم يرتد. وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا، فتركهم هذا عجب. وقد اختلف في ردته, وعمر يقول لخالد: قتلت امرءاً مسلماً. وأبو قتادة يشهد أنّهم أذّنوا وصلّوا، وأبو بكر يردّ السبي ويعطى ديّة مالك في بيت المال. فهذا جميعه يدلّ على أنّه مسلم»([81]).

وهناك نقولات تاريخية أخرى للحادثة وإن اختلفت في بعض جزئياتها مع ما تقدم، إلا أنّها تتفق معها في كون مالك وأصحابه كانوا مسلمين بلا شك، بل صرّحت بعض النصوص بأنهم أخبروا خالداً وأصحابه بإسلامهم, كما صرحت بعض الأخبار بأن أبا بكر حين سمع بذلك جزع جزعاً شديداً, فدفع الدية وردّ السبي والمال([82]).

ثم إنه على فرض معارضة ما ذكرت لتلك الحادثة فإن في الحادثة ما يشين لخالد أيضاً لكنك اقتطعته ولم تذكره، فقد جاء فيه: «وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدراً، فأكل منها خالد تلك الليلة؛ ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم»([83]).

وهذا كما ترى ـ مضافاً إلى بشاعة المشهد ووحشته ـ يعدّ نوعاً من أنواع التمثيل قد نهى عنه الشرع الحنيف([84])، وهو فعل يتجنبه من يمتثل الأخلاق والقيم السامية التي جاء بها الإسلام, فهل تأول خالد في هذه الحادثة أيضاً؟ وهل كان جاهلاً إلى هذا الحد بأوضح مسائل الشرع الحنيف؟!

قلتم: تبرأ النبي مما فعله خالد لكن لم يعزله

قلتم في (ص99): «خالد بن الوليد قائد أمَّره النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حياته، وقد وقع منه خطأ في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، فتبرّأ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من فعله، ولم يعزله، وذلك قرينة على أنّ القائد قد يُخطئ، ولا يستوجب ذلك عزله إذا كان يحتاجه الجهاد في سبيل الله عز وجل».

ثم ذكرتم رواية البخاري: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى بني جُذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر...فرفع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يديه, فقال: اللهم إنِّي أبرأ إليك ممَّا صنع خالد. (مرتين)، فخالد هنا قتل قوماً أعلنوا إسلامهم بلفظ غير لفظ الإسلام، وعندما علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يرضَ صنيعه، وتبرَّأ من عمله، ومع ذلك لم يعزله؛ بل كان يولّيه بعد ذلك».

ثم تساءلتم: «فما هو قولك في عدم عقابه وعدم عزله، أتنتقد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، أم تسكت، أم تؤمن بأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعاقب خالداً لأنه اجتهد فأخطأ؟!».

الجواب

نقول: هذا الكلام أكثر غرابة من سابقه، فإن النبيّ’ أظهر بشكل صريح امتعاضه وعدم رضاه ممّا فعل خالد، وشكاه إلى الله تعالى، وتبرّأ من فعله، كما ينقل لنا البخاري أن النبيّ’ قد رفع يده إلى السماء قائلا: «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد (مرتين)»([85]).

وهذا يكشف عن عظيم المرارة والألم الذي حلّ برسول الله’ نتيجة فعل خالد، وهو كما ترى لا ينسجم مع مقولة أنّ النبيّ’ كان يرى خالداً قد اجتهد فأخطأ في فعلته القبيحة، وإلا لكان موقف النبيّ قد تجسّد بشكل آخر ولاعتذر له أمام الله, ولبيّن أمام الناس أنّ خالداً كان هدفه رضا الله، لكنّه اجتهد فاخطأ، بل كان كلامه صريحاً في ذمّه له، ثمّ إنّ التاريخ لم يحدّثنا بتوبة خالد، ولا بندامته على فعله، ولا اعتذاره لرسول الله، مع أنّه قد تناهى إلى سمعه ما قاله النبيّ’، فكان الأجدر به أنْ يقف بين يدي النبيّ’ خاضعاً معتذراً نادماً على ما فرطه في جنب الله.

ثم كيف نُبرّر فعله بالتأويل، مع أنّ النصوص التاريخية تؤكّد أنّ النبيّ’ إنّما أرسله مُبلغاً وداعياً لا مقاتلاً([86])؟ فكيف جاز له أن يتأول ويخالف ما أمره رسول الله به, متأثراً بالجاهلية ورواسبها، فهناك من الشواهد ما يؤكد أن ما فعله إنّما كان ثأراً لعمّه الفاكه بن المغيرة الذي قتله بني جذيم في الجاهلية، فقد روى لنا التاريخ أنّ الفاكه بن المغيرة (عمّ خالد بن الوليد) كان قد خرج في تجارةٍ يوماً مع رفقة جماعة, منهم: عوف بن عبد عوف بن حارث بن زهرة, وابنه عبد الرحمن بن عوف, وعفان بن أبي العاص بن أميّة, واتّفق أنْ صادفوا في رحلتهم شخصاً هالكاً في اليمن من بني جذيمة, وكان معه مالٌ, فحملوا ذلك المال؛ بغية إيصاله إلى ورثته, لكن قبل أنْ يوصلوا المال ادعّى رجل من جذيمة يقال له خالد بن هشام: أنّ هذا المال له, فطلب ذلك المال لكنّهم رفضوا إعطاءه, فقاتلهم بمن معه من أصحابه في أرض بني جذيمة, وقد قتل في هذا النزاع الفاكه (عم خالد بن الوليد) وكذلك عوف ابن عوف, وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة، ومال عوف بن عبد عوف وانطلقوا به, وقد قَتَل عبد الرحمن بن عوف قاتل أبيه, وتهيّأت قريش لغزو بني جذيمة، فقالت بنو جذيمة: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منّا، إنّما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش ذلك، ووضعوا الحرب([87]).

هذه الوثيقة التاريخية تفسّر لنا حقيقة الحوار الذي دار ـ فيما بعد ـ بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد، حينما قال عبد الرحمن لخالد: «عملت بأمر الجاهلية في الإسلام. فقال: إنّما ثأرتَ بأبيك، فقال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمّك الفاكه بن المغيرة، حتّى كان بينهما شر, فبلغ ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: مهلاً يا خالد، دع عنك أصحابي، فو الله لو كان لك أُحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته»([88]).

وهذا الحوار يدلّ على أنّ فعل خالد كان بعيداً عن التأويل، بل لا يمت إلى الإسلام بصلة، وإنّما هي مسألة ثأرية تتعلّق بما فعله بني جذيم بعمه, وبإمكاننا أنْ نفهم بوضوح حينئذ معنى قول النبيّ’ لعلي× حينما أرسله لإصلاح ما عمله ابن الوليد في بني جذيمة، حيث قال له: «يا عليّ, اخرج إلى هؤلاء القوم وانظر في أمرهم, واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك»([89]).

ومن الواضح أنّ قوله’ كان تعريضاً بفعل خالد وتأكيداً على أنّه كان من فعل الجاهلية, فأيُّ تأويل واجتهاد بعد هذا كله؟!

ثمّ إنّ بعض الصحابة في زمن النبيّ’ ممّن كان مع خالد في قضية ـ بني جذيمة ـ قد اعترضوا وأنكروا عليه فعلته, منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب وسالم مولى بني حذيفة حيث اشتدت مراجعتهما إليه، لكنّه لم يصغ لهما ولم يتأمّل فيما قالاه ولم يعط سبباً لفعلته التي يُزعم أنّه قد تأوّل فيها، بل نجده قد زجر عبد الله بن عمر وأسكته([90]).

ولم يعتبر خالد من هذه الحادثة, بل كرّر نفس الفعل في قصّة مالك بن نويرة، ويا ليته اكتفى بذلك, بل زنا بزوجته في ليلة قتله, فإذا كان متأولاً فأخطأ, أفلم يكن الأجدر أن يقف على هذا الحد ولا يتجاوز إلى ما هو أشنع وأفظع؟

ولكن أبت نفسه المنغمسة في حب النكاح والنساء الحسناوات([91]) أن تترك صيداً ثميناً في نظره مثل زوجة مالك، لذلك كتب إليه أبو بكر ما نصه: «لعمري يا بن أمّ خالد، إنّك لفارغ تنكح النساء، وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد...»([92]).

ولعلّ ملاحظة سيرة خالد من خلال هذه النصوص التاريخية، والتأمّل في موقف النبيّ ’ من فعله وتبرأه منه؛ يفسر لنا موقف الخليفة الثاني المتشنج من خالد، الرافض لاعتبار ما فعله اجتهاداً وتأولاً، وكلامه مشعر بذلك، انظر قوله: «سيف خالد فيه رهق([93])»([94]). و«يا عدو الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته لأرجمنّك»([95]).

وهب أنّه يمكن التأويل في قتل ابن نويرة، فما بالك في مسألة نزوه على زوجته التي لا يمكن أن تبرر بالتأويل مطلقاً، فلا يجوز نكاح المرأة التي قتل زوجها إلا من بعد انقضاء عدتها، حتّى لو افترضنا ردّته, فإنه يجب على المرأة التريث والاستبراء فترة زمنية، فما فعله لا يعدو الزنا المحرّم، وموقف الخليفة عمر بضرورة معاقبة خالد؛ لأنّه قتل وزنا، موقف صريح في تحقق الزنا منه عامداً عالماً بذلك.

أضف إلى ذلك، أنّ فعله كان مما تستهجنه العرب، حيث كانوا يكرهون تزويج النساء أيام الحرب، والغريب أنّ الخليفة أبا بكر سكت عن قتل خالد للمسلمين, بينما نجده قد عنّفه في النكاح الذي كانت تعيبه العرب وتكرهه أيام الحرب([96])!!

فيكون خالد بفعلته هذه غير مراع للحكم الشرعي, ولا العرف الاجتماعي السائد في عصره.

أمّا لماذا لم يعاقبه النبي’، بل ولاه ثانياً، فهناك بلا شك، ظروف قاهرة ومصالح خفيّة أدركها الرسول الأكرم’, قد حالت دون اتّخاذ موقف يخص العزل, ورسول الله مسدّد من السماء والوحي ومطّلع على بواطن الأمور وأسرارها, فلا يستلزم من عدم عزله ومعاقبته أنّ النبيّ ’ كان يراه صالحاً وأنّ ما فعله كان اجتهاداً منه وتأويلاً, خصوصاً بعد أنْ بيّن براءته من فعله, فسكوته وإبقاء خالد في منصبه كان لمصالح يقدّرها رسول الله’, ولا أخالك تجهل ما أخرجه البخاري في صحيحه من قول النبيّ’: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»([97]).

ويوشك ابن تيمية في فتاويه أنْ يُصرّح بذلك، على استحياء، وأنّ ما فعله خالد كان نوعاً من الفجور والخطيئة، فتراه يؤول فعله بالاجتهاد الخاطئ في عبارة يشوبها الحياء والخجل، قال في فتاويه: «فالواجب في كلّ ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعيّن رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قُدّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلّهما ضرراً فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوى الشجاع وإنْ كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أميناً، كما سئل الامام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوى فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يُغزى؟

 فقال: أمّا الفاجر القوى فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزي مع القوي الفاجر، وقد قال النبيّ: >إنّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر< وروى: >بأقوام لا خلاق لهم< وإن لم يكن فاجراً كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده.

ولهذا كان النبيّ يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم, وقال: «إنّ خالداً سيف سله الله على المشركين<، مع أنّه أحياناً قد كان يعمل ما ينكره النبيّ، حتّى إنه مرة قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد<، لمّا أرسله إلى بني جُذيمة فقتلهم، وأخذ أموالهم، بنوع شبهة، ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة، حتّى ودّاهم النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وضمن أموالهم، ومع هذا، فما زال يُقدّمه في إمارة الحرب؛ لأنّه كان أصلح في هذا الباب من غيره، وفعل ما فعل بنوع تأويل»‍([98]).

فكلام ابن تيمية يكاد يكون صريحاً وواضحاً في أنّ بقاء خالد لا يدلّ على صلاحه، بل لقوته وشجاعته, فلا تنافي حينئذ.

إلى هنا تمّ الكلام عن خالد وما فعله.

موقف الصحابي أبي الغادية الجهني

لقد حاولتَ تصحيح أو تبرير الفعل القبيح لأبي الغادية، الذي قتل الصحابي الجليل عماراً! والذي صرح النبيّ’ بأن الفئة الباغية هل التي ستقتله، وجاءت تبريراتكم تلك ضعيفة هزيلة يرفضها العقل المنصف الذي لا يعيش على الأوهام.

قلتم: ابو الغادية كان باغياً مـتأولاً فيرجى له المغفرة

وملخص ما ذكرتموه في ص 101 في تبرير موقف أبي الغادية الجهني, كون أبي الغادية كان ضمن جيش معاوية، وكل من شارك في ذلك الجيش ضد الإمام علي× كان متأولاً فيرجى لهم المغفرة, فهم ليسوا بكفار، بل كانوا بغاة؛ اعتماداً على ما نص به النبيّ’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»، والبغي لا يخرج أحد الفريقين عن الإسلام؛ لقوله تعالى:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فإن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}([99]).

ثم قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}([100]) فَوَصَفَهُما بالأخوة مع إطلاقه لفظ البغي عليهما, وبهذا يفهم أن البغي لا يتنافى مع بقاء الإيمان، نعم يجب قتال الباغين.

ثم قلتم في ص102: «فقاتلُ المؤمن عن عمد متوعّدٌ بالنار, إذا كان ليس له في ذلك شبهة، وهؤلاء أظهروا المطالبة بدم الخليفة الراشد الذي قُتِل مظلوماً رضي الله عنه، فإن كان باطن أمرهم كظاهره، فهم متأولون، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، وإنْ كان غير ذلك؛ فالله يتولى السرائر يوم تُبْلى السرائر».

الجواب

نقول: كلامكم يعتمد على أمرين أساسين:

الأول: أنّ أبا الغادية ـ وكلّ من كان في جيش معاوية ـ مخطئون، لكنّ خطأهم انساق وفق تأويلهم، ومَنْ كان متأولاً لا يستحق دخول النار.

الثاني: إنّ البغاة ليسوا كفاراً؛ لأن النصوص فرّقت بين الباغي والكافر.

ولنبدأ بمناقشة الأمر الثاني، فنقول: نحن لم ندّع أنّ البغاة كفار، بل كلامنا كان منصباً حول الاجتهاد والتأويل الذي يبرر فعل صاحبه، ولم نجد منكم جواباً لذلك, فإقحامكم مسألة التكفير هنا بلا موجب، إذ لم نتعرض له في كلامنا.

أمّا فيما يخص الأمر الأول المتعلق بكون معاوية وأصحابه قد كانوا متأولين ولا يدخلون النار, فيرد عليها عدة أمور:

الأول: إنّ النبيّ’ قد نصّ بشكل صريح على أنّ قاتل عمّار وسالبه في النار، وهذا يعني أن لا مجال للتأويل هاهنا مع هذا التصريح؛ فيكشف أنّ قتل عمار كان عن عمد وإصرار، وليس عن شبهة، كما قيل, والحديث قد أخرجه ابن سعد وأحمد والحاكم والطبراني وغيرهم([101]).

قال الهيثمي: «رجال أحمد ثقات»([102]).

وقال الألباني: «هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم»([103]).

وقال شعيب الارنؤوط: >إسناده قوي<([104]).

فحينئذ لامناص من القول بأن أبا الغادية الجهني في النار؛ تصديقاً منّا بقول رسول الله’, فيكون تأويل فعل أبي الغادية عندئذٍ راجع في حقيقته إلى المكابرة وعدم الإيمان بقول النبيّ’ وردّه, فالرسول’ ينصّ على دخوله النار، وتزعمون أنتم أنه لا يدخل النار؛ لأنه تأوّل فأخطأ!!

ومن هنا نرى أنّ الشيخ الألباني أقرّ بأنّ أبا الغادية في النار؛ التزاماً منه بنصّ النبيّ’؛ ولهذا قد تخلّى عن قاعدة التأويل والاجتهاد هاهنا، معللاً ذلك بمخالفتها في المقام للنص الصريح, فقال بعد أنّ صحح الخبر أعلاه: «وأبو الغادية هو الجهني, وهو صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من الإصابة بعد أن ساق الحديث: وجزم ابن معين بأنّه قاتل عمار, والظنّ بالصحابة في تلك الحروب أنّهم كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطئ أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى.

وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كلّ فرد من أفرادهم مشكل؛ لأنّه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة؛ إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل لعمار مأجور؛ لأنه قتله مجتهداً، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، يقول: «قاتل عمار في النار»!

فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إلا ما دلّ الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم»([105]).

فالألباني يعترف بأنّ التأويل في قضية أبي الغادية الجهني غير تام, بينما نجدكم قد أولتم المسألة من دون أدنى التفات إلى الحديث، وهذا يتنافى مع البحث العلمي الذي يبتني على إصدار النتائج بعد ملاحظة جميع الأدلة وضمّ بعضها إلى البعض.

الثاني: لا شكّ في أنّ الخبر([106]) الذي تمسكتم به لإثبات بغي معاوية وجماعته([107])، والذي يقرّر أنّ عمّار تقتله الفئة الباغية، قد صدر من النبيّ’ قبل معركة صفين بفترة طويلة, فهو إخبار غيبي عمّا ستؤول إليه الأمور, وقد أوضح فيه النبيّ’ الطريق السوي والمحجّة البيضاء, وأراد من خلال ذلك تبيين الحقّ وتوضيحه, فلا مجال للشبهة, ولا مُسوّغ حينئذ للاجتهاد والـتأويل مع وجود نص صريح يبيّن الحق ويبيّن الباطل, فكيف يكون معاوية وجماعته مجتهدين والنبيّ’ قد نصّ على المسألة، وأوضح طريق الحق, فكان لزاماً عليهم قبل مقاتلة الخليفة الشرعي أن يتحروا ما قاله النبيّ’ في خصوص عمّار، بل كان يكفيهم في ردعهم عن قتال إمامهم آنذاك تصريح النبيّ’ المتكرر من أنّ علياً مع الحق والحق مع علي، الذي ورد بألسنة وألفاظ شتّى([108]).

فوجود عمار في جيش علي× يستلزم الحذر, فإن كلّ شخص في المعركة هو في معرض القتل, كما أنّ وجود أبي الغادية في جيش معاوية يستلزم الحذر والاحتياط.

فهل غابت عن معاوية كلّ هذه الأمور, ونسي كلمات النبيّ’ وتصريحاته؟ أم هي حرب حيكت خيوطها خلف الستار؛ طلباً للملك والسلطان؟

فلا ندري كيف يسوغ للمسلم الواعي أنْ يدافع عمّن شقّ عصا المسلمين وقتل الآلاف منهم، وأنهك الحكومة الإسلامية آنذاك, وخالف نصوص النبيّ الصريحة, أفيبقى بعد هذا مجال للاجتهاد والتأويل في ذلك!!

الأمر الثالث: لو افترضنا غياب تصريحات النبيّ’ عن ذهن معاوية، وسلّمنا أنّه كان مجتهداً في فعله الذي صدر منه خطأ، فلازم ذلك أنّه حين يطلع على الحقيقة ويطلع على حجم خطئه، يشعر بالندم، ويطلب الاستغفار والتوبة، وهذا ما لم يحصل من معاوية، بل نجده مُصرّاً على ما فعله حتّى حينما ذكّروه بأخبار النبيّ ’ في أنّ عماراً تقتله الفئة الباغية, فقد أخرج عبد الرزاق ـ ومن طريقه أحمد والحاكم ـ عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: «لمّا قُتل عمّار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو بن العاص فَزِعاً يرجع حتّى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قُتل عمّار، فقال معاوية: قد قتل عمار فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دحضت في بولك، أوَ نحن قتلناه؟ إنّما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتّى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا»([109]) واللفظ لأحمد.

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة»، ووافقه الذهبي بأنّه على شرط الشيخين([110]).

وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح»([111]).

ونلاحظ في الرواية استهزاء معاوية وعدم اهتمامه بقتل الصحابة! بحيث إنّ عمرو بن العاص كان فزعاً وجلاً من قتل عمار، بينما نجد معاوية يرد باستهزاء: قد قُتل عمار فماذا؟!

وحين ذكر له عمرو أنّه قد سمع رسول الله, يقول: تقتله الفئة الباغية, أجاب معاوية: أوَ نحن قتلناه، إنّما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتّى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا!

وهو يكشف عن معرفة معاوية بكلام النبيّ’ في خصوص عمّار؛ لذا فالإجابة كانت مُعدّة منه وجاهزة, ولم ترتعد فرائصه من كلام النبيّ’، ولم يشعر بالندم والتوبة, مع أنّ جوابه أوهن من بيت العنكبوت، فإن لازمه أنّ النبيّ’ قد قتل الكثير من الصحابة؛ حينما زجّ بهم في الحروب الكثيرة ضدّ المشركين والكفّار!!

وعمرو بن العاص على دهائه المعروف عنه، فإنّه لم يُفكّر بهذه الطريقة الغريبة، بل جاء فزعاً من هول الصدمة حينما عرف أنّ عمّاراً قد قتل في المعركة.

وعلى أيّة حال، فإن الغرض من هذا الكلام إثبات أنّ معاوية لم يكن يطلب الحق حتّى يقال إنّه اجتهد فأخطأ، بل كان يعلم أنّه مُخطئ، وقد أصرّ على خطئه, لذا فإن كلّ من وصله حديث: أنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغية، عرف من خلالها أنّ معاوية كان على باطل, بينما معاوية رفض ذلك الفهم الواضح من الحديث.

قال المناوي «قال القرطبي: وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحّها، ولمّا لم يقدر معاوية على إنكاره، قال: إنّما قتله من أخرجه، فأجابه علي: بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إذن قتل حمزة حين أخرجه, قال ابن دحية: وهذا من عليّ إلزام مفحم، لا جواب عنه، وحجّة لا اعتراض عليها، وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين: أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفّين كما هو مصيب في أهل الجمل، وأنّ الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، لكن لا يكفرون ببغيهم.

 وقال الإمام أبو منصور في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السنة: أجمعوا أنّ علياً مصيب في قتاله أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة وأهل صفين معاوية وعسكره»([112]).

وقال ابن حجر: «حديث تقتل عماراً الفئة الباغية، رواه جمع من الصحابة، منهم: قتادة، وأم سلمة، وأبو هريرة، وابن عمر، وعثمان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأميّة، وأبو اليسر، وعمّار نفسه، وغالب طرقه كلّها صحيحة أو حسنة، وفيه علم من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعليّ وعمار, وردّ على النواصب الزاعمين أنّ علياً لم يكن مصيباً في حروبه»([113]).

وبهذا تمّ الكلام عن أبي الغادية وعن معاوية وأصحابه في يوم صفين، وتبيّن للقارئ المنصف أنّ فعلهم لا يمتّ إلى الاجتهاد والتأويل بأيّ صلة.

قلتم: وقع مثل هذا الاجتهاد الخاطئ لأسامة بن زيد

ذكرتم في في ص100: «قد وقع مثل هذا الاجتهاد الخاطئ من ابن حب النبيّ: أسامة بن زيد بن حارثة, حيث قتل رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله, فعاتبه النبيّ على ذلك ولم يعاقبه. فما رأيك: أتعترض على عدم عقاب رسول الله له بدعوى أنه اجتهاد يخالف الكتاب السنة؟».

الجواب

نقول: لابدّ أن نلاحظ في مسألة التأويل والاجتهاد التي يقول بها علماء السنة أمرين:

 الأول: أنّ الشخص يتأوّل فعلاً من الأفعال, اعتماداً منه على فهمه الخاص، ثمّ يتبين بعد ذلك أنّ تأويله كان خطأ.

 والثاني: أنّه مع خطئه هذا لا يكون ملاماً ولا يستحق العقاب، بل يكون مثاباً ومأجوراً، لذلك لا يؤثر ما فعله على عدالته وتقواه وتدينه.

فنقول هنا: تقدم منّا أنّ النبيّ لم يسكت عن فعل خالد، بل تبرّأ منه بحالة من اللوعة والأسى، ولم يلتمس النبيّ ’ عذراً عمّا فعله خالد من فعل قبيح, فلم يبين في كلمة من كلماته أن هذا اجتهاد وتأويل وغير ذلك, بل اكتفى بإظهار امتعاضه الشديد.

وهنا أيضاً نلاحظ أنّ النبيّ’ قد انزعج من الفعل المشين الذي قام به أسامة, ولم يَقُل النبيّ’ بأنّه اجتهاد وتأويل, بل إنّ النبيّ’ قد زجره وعنّفه تعنيفاً شديداً إلى حدّ أنّ أسامة تمنّى أنّه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم, فقد جاء في البخاري أنّ النبيّ’ قال: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً, فما زال يكررها حتّى تمنيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم»([114]).

والنصّ حريٌّ بالتأمل ففيه أكثر من نقطة جديرة بالملاحظة:

الأولى: أنّ النبيّ ’ لم يسكت عن فعل أسامة، بل بيّن خطأه وأبدى امتعاضه منه.

الثانية: أنّ أسامة قد بيّن للنبي’ سبب قتله للرجل، وأنّه كان متعوّذاً من القتل، ولم يكن إسلامه حقيقياً, لكن النبيّ لم يقبل ذلك التبرير، ولم يهتم به, بل راح يردّد بألم: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا اله إلا الله»، فما زال يكررها.

 فلو كانت المسألة خاضعة للاجتهاد والتأويل لتطلب ذلك تغييراً في موقف النبيّ’ تجاه الحادثة، ولبيّن أنّه حيث كان متأولاً فلا ضير عليه, بل إنّ الله سيؤجره على ذلك!

الثالثة: أنّ النبيّ’ كان في حالة شديدة من الانزعاج والتعنيف لأسامة، رغم اعتذار أسامة له، وذكره السبب الذي دفعه للقتل, الأمر الذي ولّد ندماً شديداً في نفس أسامة بحيث قال: «تمنيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم»، وليس من البعيد أنّ أسامة قد فهم من تأنيب النبيّ’ له بهذه الحدة أنّ جميع أعماله العبادية صارت في معرض الخطر، وأنّها ستكون هباءً منثوراً، وأنّ ذنبه هذا لا عاصم له بعد اليوم، لذا تمنّى لو أن إعلان إسلامه كان قد تأخر بعد هذه الحادثة؛ لينال المغفرة الالهية، لأنّ الإسلام يجب ما قبله.

فهذه النقاط الثلاث المهمّة التي ذكرناها لا تساعد على القول بأنّ أسامة كان مجتهداً مخطئاً، وأنّه مأجور بفعله هذا، كما زعمت .

 نعم، كون الخطأ قد وقع منهم لشبهة معيّنة، يختلف عن القاعدة التي تقولون بها، والتي تفيد أنّ الصحابة مأجورون على فعلهم مطلقاً؛ معللين ذلك: أنّهم في أسوأ الاحوال قد اجتهدوا فأخطأوا!

على أنّ ما ورد في صحيح مسلم، يكاد يكون صريحاً فيما ذكرناه، من أنّه قد أذنب ذنباً عظيماً بفعلته تلك, فهو يبين أنّ أسامة سوف يعاقب يوم القيامة, بل يُشعِر بأنّ النبيّ رفض الاستغفار له في تلك الحال, فقد جاء في صحيح مسلم: «فدعاه فسأله فقال: لِمَ قتلته؟

 قال: يا رسول الله, أوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً, وسمّى له نفراً، وإنّي حملت عليه، فلمّا رأى السيف، قال: لا إله إلا الله.

 قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أقتلته؟ قال: نعم. قال: فكيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟

 قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

 قال: فجعل لا يزيده على أنْ يقول: كيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة»([115]).

فانظر كيف يؤكّد النبيّ’ على حرمة من قال: لا اله إلا الله, وانظر كيف أنّ قلب رسول الله امتلأ حرقة ومرارة لهذه الحادثة, مع أنّ المقتول قد أكثر قتلاً في الصحابة, لكنّها كلمة الإسلام, كلمة التوحيد, الكلمة التي تحقن الدماء، وتصون الأعراض، وتحفظ الاموال، قد صدرت منه, فراح النبيّ’ يكرّرها ويكرّرها، وأسامة يلتمس منه الاستغفار ويبدي له الاعتذار لكن دون جدوى!

 ولم يكن النبيّ متساهلاً ومرناً في الحادثة، ولم يخبر النبيّ’ أنّ أسامة بفعلته هذه كان مجتهداً فأخطأ وله أجر على ذلك! مع أنّ فعل أسامة كان يتقبل ذلك، فإن المقتول كان قبل قتله كافراً وقد أكثر من قتل المسلمين، لكن حينما دنا منه أسامة ليقتله, تلفظ بتلك الكلمة التي حرّمت قتله، فما بالك عندئذ بما فعله خالد ومعاوية وأصحابه الذين تقدّم الكلام عنهم, فلقد كانت كلمة لا اله إلا الله ظاهرة جلية ممّن قتلوهم؟!

 وخلاصة الأمر: أنّ التبرؤ من فعل خالد وزجر أسامة على فعله وعدم الاعتذار لهما أمام الملأ بأنّهما قد اجتهدا, لا يناسب مزاعم مَنْ يقول إنهم كانوا مجتهدين ولهم أجر على كلّ حال, فإن الذي يطلب الحق وفق القواعد والمقدمات الصحيحة لا يكون ملوماً، ولا يوجه له الزجر والتعنيف، ولا يستتبع تأذي النبيّ’ إلى حدٍّ مشبع بالمرارة والألم، وكان من المناسب الإعلان أمام الملا أنّهم متأولون؛ لترتاح بذلك ضمائرهم ووجدانهم؛ وليكون فعلهم مقبولاً للناس.

أمّا لماذا لم يعاقب النبيّ’ أسامة على فعله؟ فهذا من مختصات النبيّ’ ولا يلزم منه القول أنّه كان مجتهداً وأخطأ.

وهناك خلط في كلماتك بين صدور الفعل وصدور الجزاء, فعدم العقوبة والجزاء لا يلزم منه كون الفعل كان صحيحاً, نعم لو سكت النبيّ’ ولم يزجر فاعل الخطأ ولم يُبيّن خطأه، لكان ذلك دالاً على ما تقول، لكن الزجر والعتاب قد حصل.

ثمّ إنّك لم تذكر لنا نوع العقوبة التي قصدتها, فإن كان المقصود عقوبة القصاص الدنيوي وأنّ النبيّ لم يقتص من أسامة, فهو كما تعلم مرتبط بالقتل العمدي للمسلم, بينما أسامة كانت لديه شبهة حقيقية قد ذكرها للنبي’, فاندفع بذلك القصاص عنه, وإنّ الحكم ينتقل حينئذ إلى الدية.

 وإنْ كان المقصود من العقوبة هو زجر النبيّ’ وتوبيخه له، فقد أسلفنا أنّه فعل ذلك, ولم يكن موقفه متّسماً بالسكوت، حتّى أنّ أسامة من شدة ندمه آلى على نفسه أن لا يقاتل مسلماً بعد ذلك([116]).

فمسألة حمل جميع أخطاء الصحابة على أنّها اجتهاد وتأويل, وأنهم مأجورون على كلّ حال، حتّى لو استلزم فعل الكبائر من الذنوب, مخالف لواقع الصحابة والسير التاريخي للأحداث، ويكفي في ذلك أن نعرف أن الصحابة قد قاتل بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً، وهذا لا ينسجم مع نظرية التأويل والاجتهاد التي تؤمنون بها، فكيف ساغ لأحدهم قتل الآخر أو تكفيره وهو يراه أنه مجتهد فيما ذهب إليه؟

 أفلا يدلل ذلك على أن صفة الاجتهاد هذه قد ألصقت بهم في زمن متأخر؛ لتكون ذريعة لتبرير أفعالهم المنكرة، حتى لا يخدش ذلك في عدالتهم، وبالتالي تتهاوى أساس هذه النظرية.

وعلى هذا طلبنا منكم تقعيد مسألة الاجتهاد والتأويل وتبيين الضوابط لها, لكن لم نرَ منكم استجابة لذلك, وهذا ما يدلل على أنّ القاعدة المذكورة لا أساس لها.

فقاعدة التأول والاجتهاد لكلّ أفعال الصحابة مع مخالفتها لأقوال وأفعال النبيّ’، فهي مخالفة للسير التاريخي, وإنّ ما حدث من وقائع، إنّما هي بعيدة كلّ البعد عن مسألة الاجتهاد والتأويل, وفيما قدّمناه غنى وكفاية لمن طلب الحقّ، وأراد معرفة الحقيقة، والله الموفق لسبيل الهدى والرشاد.

قلتم: وقع أيضا الاجتهاد الخاطئ للإمام علي

قولك ص100: وقع مثل ذلك (يعني الاجتهاد الخاطئ) لعليL فإنه لم يقتل قتلة الخليفة الراشد عثمان بن عفان زوج بنتي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), وقد قتل مظلوماً, وهو أعظم وأفضل من ملء الأرض من مالك بن نويرة, ولم نعب عليهL لأنّه كان مجتهداً كأخيه الصديق...

الجواب

قلت: كلامك هذا مرتكز على اعتقادك بأنّ علياً× في مسألة عثمان قد اجتهد فأخطأ؛ لأنّه كان لزاماً عليه أن يقتل قتلة عثمان، لكنّه لم يفعل, وأنّ عثمان قُتل مظلوماً!

بيد أنّ هذا الاعتقاد غير صحيح، وغير مقبول أساساً؛ ولكي يتضح ذلك نتوقف قليلاً مع حادثة قتل الخليفة عثمان، لنتعرف على الظروف التي جعلت صحابة النبيّ’ينتفضون عليه ويقتلونه؛ لينكشف بعد ذلك حقيقة موقف الإمام علي× من تلك الثورة، وبالخصوص من قتلة عثمان:

قتلة عثمان وظروف الثورة بإيجاز

إنّ المتتبع لظروف تلك المرحلة من التاريخ تتّضح عنده خطوط وأبعاد الثورة التي قامت بها الأمّة الإسلامية على الخليفة, فلم تكن الأمّة بكافة أطيافها وبمختلف سكناها راضية عن سياسة الخليفة وطريقته في إدارة دفّة الحكم وتسيير أمور المسلمين, إذ كانوا يرون أنّ الحكم تحول إلى قبيلة بني أميّة خاصة, وأنّ سياسة الفتك والتبعيد هي المتّبعة بوجه كلّ من يعترض على المنهج الخاطئ المتّبع آنذاك, وأنّ ملامح العدالة قد اختفت, فأفضى ذلك إلى حدوث ثورة جماهيرية أودت بحياة الخليفة, ومن ثمّ رموا بجسده في المزبلة([117]) أو الكناسة([118]) لمدّة ثلاثة أيّام، ولم يدفن في مقبرة المسلمين، بل دفنه جماعة فيما بعد بسريّة تامة في حش كوكب([119]).

ولكي تتجلّى الكثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بمقتل الخليفة الثالث، ينبغي تسليط الضوء على أربعة محاور:

أربعة محاور في البحث

 المحور الأوّل: ويتناول سياسة عثمان في زمان خلافته.

المحور الثاني: ويتناول تحديد من شارك في قتل الخليفة عثمان.

المحور الثالث: ويتناول بيان موقف بعض الصحابة بعد مقتل عثمان.

المحور الرابع: تقييمنا ورؤيتنا لموقف علي× من الأحداث.

المحور الأول: سياسة عثمان زمان خلافته

أشرنا إلى أنّ الأمّة لم تكن راضية على سياسة عثمان, ويمكن تلخيص أسباب ذلك بعدّة أمور رئيسة وهي:

الأمر الأوّل: قيامه بتولية بني أميّة على رقاب الناس, واستئثارهم بالأموال دون سائر المسلمين:

ومن الشواهد على ذلك: ما أخرجه البلاذري في أنسابه بسنده إلى الزهري, قال: «كان ممّا عابوا على عثمان أنْ عزل سعد بن أبي وقاص، وولى الوليد بن عقبة، وأقطع آل الحَكَم دوراً بناها, واشترى لهم أموالاً، وأعطى مروان بن الحكم خمس إفريقية، وخصّ ناساً من أهله ومن بني أميّة، فقال له الناس: قد ولي هذا الأمر قبلك خليفتان فمنعا هذا المال أنفسهما وأهليهما، فقال: إنّما صنعا ذلك احتساباً, ووصلتُ به احتساباً، فقال له الناس: إنّ أبا بكر استسلف من بيت المال فقضَتهُ عائشة بعد وفاته، واستسلف عمر شيئاً ضمنه عنه عبد الله وحفصة فباعوا سهامه ووفوا عنه، واستسلفتَ من بيت المال خمسمائة ألف درهم وليس عندك لها قضاء، وقال عبد الله بن الأرقم خازن بيت المال وصاحبه: اقبض عنا مفاتيحك، فلم يفعل، وجعل يستسلف ولا يرد، فجاء عبد الله بالمفاتيح هو وصاحبه يوم الجمعة فوضعاها على المنبر, وقالا: هذه مفاتيح بيت مالكم ـ أو قال: مفاتيح خزائنكم ـ ونحن نبرأ إليكم منها، فقبضها عثمان ودفعها إلى زيد بن ثابت.

قال الزهري: وكان في الخزائن سفط فيه حلي، فأخذ منه عثمان، فحلّى به بعض أهله، فأظهروا عند ذلك الطعن عليه، وبلغه ذلك فخطب، فقال: هذا مال الله، أعطيه من شئت، وأمنعه من شئت، فأرغم الله أنف من رغم...<([120]).

وفي البلاذري أيضاً: «وقال أبو مخنف والواقدي في روايتهما: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم، فكلّمه عليّ والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف في ذلك، فقال: إنّ له قرابة ورحماً، قالوا: أفما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذوو رحم؟ فقال: إنّ أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي، قالوا: فهديهما والله أحب إلينا من هديك، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله»([121]).

وفي الاستيعاب عند ترجمة الوليد بن عقبة: «ثمّ ولاه عثمان الكوفة وعزل عنها سعد بن أبي وقاص، فلمّا قدم الوليد على سعد، قال له سعد: والله ما أدري أكِسْتَ بعدنا أم حمقنا بعدك؟ فقال: لا تجزعن أبا إسحاق، فإنّما هو الملك، يتغداه قوم ويتعشاه آخرون، فقال سعد: أراكم والله ستجعلونها ملكاً. وروى جعفر بن سليمان عن هشام بن حسان عن ابن سيرين, قال: لما قدم الوليد بن عقبة أميراً على الكوفة أتاه ابن مسعود، فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت أميراً. فقال ابن مسعود: ما أدري أَصَلُحتَ بعدنا أم فسد الناس. وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله, غفر الله لنا وله<([122]).

فهذه النصوص تكشف لنا جانباً من السياسة الخاطئة التي اقتفاها الخليفة عثمان, والتي تثبت عدم اكتراثه لا بالمسلمين ولا بأموالهم، وقد حول الخلافة إلى ملك عضوض تتقاذفه غلمان بني أمية، وجعل منبر رسول الله (ص) يعتليه الفسقة وشرّاب الخمر من أمثال الوليد, وسلّط على رقاب الناس أهله وذووه ممّن لا سابقة لهم ولا دين, وراح يبذخ بصرف أموال المسلمين ويفعل ببيت المال كيفما شاء، وكأنّه بيت ماله الشخصي.

الامر الثاني: عدم اكتراثه بنصائح الصحابة ولا بشكاوى المسلمين:

فقد دلّت الآثار التاريخية أنّ الصحابة كانوا يستعتبونه في ولاته بسبب ما يفعلونه من منكرات وقبائح، لكنّه لا يعزلهم, فقد أخرج البلاذري بسنده إلى الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: «فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وسلّم)، وكان يستعتب فيهم، فلا يعزلهم<

وأضاف البلاذري ما حاصله: أنّه استأثر في الستّ الأواخر ببني عمّه، فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليهم سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وبني مخزوم وأحلافهم غضبٌ على عثمان؛ بسبب ما صنعه بأبي ذر وعمّار وعبد الله بن مسعود، فلمّا جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح كتب إليه كتاباً يتهدده فيه، فأبى أن ينزع عما نهاه عثمان عنه، وضرب بعض من كان شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتّى قتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة إلى المدينة، فنزلوا المسجد، وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمّد، فقام طلحة إلى عثمان فكلّمه بكلام شديد، وأرسلت إليه السيدة عائشة تسأله أنّ ينصفهم من عامله، ودخل عليه عليّ بن أبي طالب ـ وكان متكلم القوم ـ وقال له: إنّما يسألك القوم رجلاً مكان رجل، وقد ادّعوا قبله دماً، فاعزله عنهم، وأقضِ بينهم، فإن وجب عليه حقّ فانصفهم منه، فقال لهم: اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليهم بمحمّد بن أبي بكر الصديق، فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر، فكتب عهده على مصر ووجه معهم عدةً من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح([123]).

لكن المصادر التاريخية أكدّت أنّ توليته لمحمّد بن أبي بكر لم تكن بنيّة صادقة, فقد وجدت الجماهير الثائرة بينها غلاماً أسود معه كتاب قد خبّأه عليهم, كان مبعوثاً من عثمان إلى والي مصر عبد الله بن أبي سرح يأمره فيه بقتل محمّد بن أبي بكر ومن معه، والبقاء في منصبه، وبحبس كلّ من يأتي الخليفة ويتظلم منه, فعادت الجماهير إلى المدينة وأخبروا الصحابة بما جرى وعلى رأسهم طلحة والزبير وعلي وسعد, فزاد حنق الناس على عثمان وخصوصاً من كانوا غاضبين عليه بسبب ما عمله بالصحابة الثلاثة: أبي ذر وعمار وابن مسعود, فقام الناس بمحاصرة عثمان, >فلمّا رأى ذلك عليّ، بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمّار ونفر من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) كلّهم بدري، ثمّ دخل على عثمانL ومعه الكتاب والبعير والغلام، فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم. قال: فالبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به. قال له عليّ رضي الله عنه: فالخاتم خاتمك؟! قال: نعم. فقال له علي رضي الله عنه: كيف يخرج غلامك على بعيرك بكتاب عليه خاتمك لا تعلمه؟! فحلف بالله ما كتبتُ هذا الكتاب، ولا أمرتُ به، ولا وجّهتُ هذا الغلام إلى مصر. فأمّا الخط فعرفوا أنّه خط مروان، وشكّوا في أمر عثمان رضي الله عنه، وسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى ـ وكان مروان عنده في الدار ـ فخرج أصحاب محمّد (صلى الله عليه وسلم) من عنده غضاباً، وشكّوا في أمره، وعلموا أنّه لا يحلف بباطل إلا أنّ قوماً قالوا: لا يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتّى نثخنه، ونعرف حال الكتاب، فكيف يؤمر بقتل رجل من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وسلّم) بغير حق؟! فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، ولزموا بيوتهم، وأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان، وخشي عليه القتل، وحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء»([124]).

هذه إذن سياسة عثمان فقد استأثر ببيت المال، وسلّط بني أميّة على رقاب الناس، ورفض نصيحة كبار الصحابة وتعنّت بآرائه, بل زاد الأمر سوءاً حينما بلغت المسألة في التحايل على الصحابة وخيار التابعين ومحاولة تدبير اغتيالهم بطريقة تنم عن بعد الخليفة عن كافّة العهود والمواثيق الإسلامية, وسواء كان كتاب الغدر الذي اكتشفه الوفد من صنيعة عثمان أو من صنيعة مروان مدبّر شؤون الخلافة!!! فالأمر سيّان؛ فعثمان بالنتيجة رفض تسليم مروان، ورفض التنحي، مع أنّ الكتاب يحمل خاتمه!!

وما قدمناه هو صورة مختصرة ممّا ذكره المؤرخون في ذلك, ويكفيك أن تراجع ما ذكره البلاذري تحت باب: ما أنكروا من سيرة عثمان, ليتضح الحال([125]).

الأمر الثالث: إيواؤه طريد رسول الله’:

وممّا نقم به الناس على عثمان أنّه آوى طريد رسول الله الحكم بن أبي العاص، وهو عمّ عثمان, فقد روى البلاذري في الأنساب: «أنّ الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية كان جاراً لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وكان أشدّ جيرانه أذى له في الإسلام، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة، وكان مغموصاً عليه في دينه، فكان يمرّ خلف رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلّى قام خلفه فأشار بأصابعه، فبقي تخليجه وأصابته خبلةٌ، واطلع على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذات يوم وهو في بعض حُجر نسائه، فعرفه وخرج إليه بِعَنَزَة, وقال: من عذيري من هذا الوزغة اللعين، ثمّ قال: لا يساكنني ولا ولده، فغرّبهم جميعاً إلى الطائف، فلمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كلّم عثمان أبا بكر وسأله ردّهم فأبى ذلك، وقال: ما كنت لآوي طُرداء رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). ثمّ لمّا استخلف عمر كلّمه فيهم، فقال مثل قول أبي بكر. فلمّا استخلف عثمان أدخلهم المدينة، وقال: قد كنت كلّمت رسول الله فيهم وسألته ردَّهم فوعدني أن يأذن لهم، فقبض قبل ذلك، فأنكر المسلمون عليه إدخاله إيّاهم المدينة»([126]).

وأخرج البلاذري بسنده إلى الزهري عن سعيد بن المسيب، قال: «خطب عثمان فأمر بذبح الحمام، وقال: إنّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتّى كثر الرَمْيُ ونالنا بعضُه، فقال الناس: يأمر بذبح الحمام، وقد آوى طرداء رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([127]).

 قال الذهبي: «ونقم جماعة على أمير المؤمنين عثمان؛ كونه عطف على عمّه الحكم، وآواه وأقدمه المدينة، ووصله بمئة ألف»([128]).

مع أنّ موقف رسول الله’ صريح من هذه العائلة, فقد أخرج ابن عساكر واللفظ له, والبزار بسندهما إلى الشعبي عن عبد الله بن الزبير أنّه قال وهو على المنبر: «وربّ هذا البيت الحرام والبلد الحرام إنّ الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمّد»([129]).

 قال الذهبي: «إسناده صحيح»([130]).

وقال الألباني بعد أن ذكر الحديث بلفظ البزار: «قلت: وهو إسناد صحيح أيضاً، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار (أحمد بن منصور بن سيّار)، وهو ثقة، ولم يتفرد به كما يشعر بذلك تمام كلام البزار: ورواه محمد بن فُضيل أيضاً عن إسماعيل عن الشعبي عن ابن الزبير»([131]).

وأخرج أبو يعلى ـ واللفظ له ـ والحاكم بسندهما إلى أبي هريرة: «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رأى في المنام كأنّ بني الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيّظ, وقال: ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة؟ قال: فما رُئي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتّى مات»([132]).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».

ووافقه الذهبي في التصحيح لكن على شرط مسلم([133]).

وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير, وهو ثقة»([134]).

وأخرج أحمد والبزار ـ واللفظ للثاني ـ عن عبد الله بن عمرو، قال: «كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فبينا نحن عنده إذ قال: ليدخلنّ عليكم رجل لعين... فما زلت أنظر وأخاف حتّى دخل الحكم بن أبي العاص»([135]).

قال الهيثمي: >رواه أحمد, ورجاله رجال الصحيح<([136]).

وقال الألباني: >وهو إسناد صحيح على شرط مسلم<([137]).

ثمّ إنّ الألباني ساق الكثير من الشواهد لمتن الحديث وحكم بصحّتها, وذكر كلاماً مهمّاً في المقام جاء فيه: «وإنّي لأعجب أشدّ العجب من تواطؤ بعض الحفاظ المترجمين لـ (الحكم) على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته، أهي رهبة الصحبة، وكونه عمَّ عثمان بن عفانL، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أم هي ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق؟...<([138]). وقد ساق كلاماً طويلاً يكشف فيه كيف أنّ الأقلام حاولت التلاعب بالحقائق وكتمانها!!

وعلى أيّ حال, فإن عثمان قد آوى طريد رسول الله، وغضّ السمع عمّا قاله النبيّ’ في حقّه, وهذه مخالفة شرعية صريحة، بل فيها تحدّي وجرأة على فعل رسول الله’!

ولم يكتف عثمان بإرجاع عمّه الحكم, بل أخذ يوليه على الصدقات، بل ويهبها له!! الأمر الذي زاد في إنكار الناس عليه.

فقد أخرج البلاذري بسنده إلى عطاء عن ابن عباس، قال: «كان مما أنكروا على عثمان أنه ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فوهبها له حين أتاه بها<([139]).

الأمر الرابع: عدم إقامته الحد على قاتل الهرمزان:

من المناسب أن نشير إلى أنّ عثمان وقع في مخالفة القرآن والسنة من أوّل خلافته، وذلك بعدم إقامته الحد على قاتل الهرمزان وبنت أبي لؤلؤة الصغيرة, فقد روى البلاذري: «أنّ عثمان صعد المنبر, فقال: أيها الناس، إنا لم نكن خطباء وإنْ نَعِشْ تأتكم الخطبة على وجهها إنْ شاء الله. وقد كان من قضاء الله أنّ عبيد الله بن عمر أصاب الهرمزان، وكان الهرمزان من المسلمين ولا وارث له إلا المسلمون عامة، وأنا إمامكم وقد عفوت أفتعفون؟ قالوا: نعم، فقال علي: أقِدِ الفاسق فإنّه أتى عظيماً، قتل مسلماً بلا ذنب، وقال لعبيد الله: يا فاسق لئن ظفرتُ بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان»([140]).

ولم نفهم مبررات هذا العفو مع أنّ علياً ـ وهو من كبار الصحابة ـ يطالب بقتل عبيد الله بن عمر ويتهدده ويتوعده بالقتل فيما لو ظفر به, على أنّ كلمة المهاجرين والأنصار قد اتّفقت على وجوب قتله:

فقد أخرج ابن سعد بسنده إلى عبد الله بن حنطب, قال: «قال علي لعبيد الله بن عمر: ما ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها؟ قال: فكان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكنّ عمرو بن العاص كلّم عثمان حتّى تركه، فكان علي يقول: لو قدرت على عبيد الله بن عمر وَلِيَ سلطان لاقتصصت منه»([141]).

وأخرج ابن سعد بسنده إلى الزهري, قال: «لما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار، فقال: أشيروا في قتل هذا الذي فتق في الدين ما فتق، فأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يُشجعون عثمان على قتله، وقال جلُّ الناس: أَبْعَدَ الله الهرمزان وجفينة، يريدون يتبعون عبيد الله أباه، فكثر ذلك القول، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الأمر قد كان قبل أن يكون لك سلطان على الناس, فأعرض عنه، فتفرق الناس عن كلام عمرو بن العاص»([142]).

فالمهاجرون والأنصار وعلى رأسهم علي بن أبي طالب يرومون تطبيق الشريعة وإقامة الحد على عبيد الله، لكنْ نجد أنّ الخليفة عثمان يستأنس بكلام عمرو بن العاص ويعفو عنه!!

وبقي هذا الإصرار من علي× على وجوب قتله حتّى آلت إليه الخلافة، فقرّر القصاص منه، لكنّ هروب عبيد الله إلى معاوية وجماعته حال دون ذلك.

فقد أخرج ابن سعد بسنده إلى ابن جريج: «وكان علي بن أبي طالب لمّا بويع له، أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل معه، فقتل بصفين»([143]).

هذا, وقد تعرّضت كتب التاريخ والسير والرجال بصورة مفصّلة لهذه المسألة, وأنّها ـ وإنْ اختلفت الكلمات فيها وفي كيفيّة عفو عثمان عنه ـ فقد اتّفقت على أمرين:

الأوّل: أنّ عثمان ترك الاقتصاص من عبيد الله بن عمر.

الثاني: أنّ علياً× قد استمرّ بمطالبته بدم الهرمزان.

ولذا نرى ابن الأثير وابن حجر يُكذّبون خبر أن ابن الهرمزان قد عفا عن قاتل أبيه، مستدلّين بموقف علي المطالب بدم الهرمزان حين ولي الخلافة:

قال ابن الأثير: «وقيل: إنّ عثمان سلّم عبيد الله إلى القماذبان بن الهرمزان ليقتله بأبيه، قال القماذبان: فأطاف بي الناس وكلموني في العفو عنه، فقلت: هل لأحد أن يمنعني منه؟ قالوا: لا. قلت: أليس إن شئت قتلته؟ قالوا: بلى. قلت: قد عفوت عنه. قال: بعض العلماء: ولو لم يكن الأمر هكذا لم يقل الطعانون على عثمان: عدل ستّ سنين، ولقالوا: إنّه ابتدأ أمره بالجور؛ لأنّه عطّل حدّاً من حدود الله، وهذا أيضاً فيه نظر، فإنّه لو عفا عنه ابن الهرمزان لم يكن لعلي أن يقتله، وقد أراد قتله لما ولي الخلافة، ولم يزل عبيد الله كذلك حيّاً حتّى قتل عثمان وولي علي الخلافة، وكان رأيه أن يقتل عبيد الله، فأراد قتله فهرب منه إلى معاوية وشهد معه صفين، وكان على الخيل، فقتل في بعض أيام صفين»([144]).

وقال ابن حجر: «وقيل: إنّه سلّمه للعماديان([145]) بن الهرمزان، فأراد أن يقتص منه، فكلّمه الناس، فقال: هل لأحد أن يمنعني من قتله؟ قالوا: لا. قال: قد عفوت. وفي صحّة هذا نظر؛ لأنّ علياً استمرّ حريصاً على أن يقتله بالهرمزان، وقد قالوا: إنّه هرب لمّا ولي الخلافة إلى الشام، فكان مع معاوية إلى أن قتل معه بصفين، ولا خلاف في أنّه قتل بصفين مع معاوية»([146]).

وهذا يدلك على أنّ علي ابن أبي طالب× لم يكن يرى أنّ هناك مبرراً للعفو عن عبيد الله, ومهما حاولت كتب التاريخ أن تدافع وتتأول لموقف عثمان, فإن مطالبة علي بدم الهرمزان في أيّام خلافته تدفع كلّ ذلك.

موقف الخليفة السلبي من بعض الصحابة

تقدّمت الإشارة إلى أنّ موقف الخليفة من بعض الصحابة وعلى رأسهم أبو ذر وعمار وابن مسعود, كان موقفاً يتّسم بالسلبية, وإليكم بيان ذلك موجزاً:

1ـ موقف الخليفة عثمان من الصحابي أبي ذر

أمّا ما يتعلق بأبي ذر, فخبر نفيه إلى الربذة من الأخبار المشهورة المعروفة، ولا داعي لكثرة التفصيل فيه، ونقتصر هنا على بعض ما جاء في أنساب الأشراف للبلاذري, فقد جاء فيه أنّه: «لمّا أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه. وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشّر الكانزين بعذاب أليم، ويتلو قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية، فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر نائلاً مولاه: أنْ انته عمّا يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعَيْبِ من ترك أمر الله، فوالله لئن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إلي وخير لي من أن أُسخط الله برضاه، فأغضب عثمان وأحفظه، فتصابر وكفّ.

وقال عثمان يوماً: أيجوز لإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا بن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي وأولعك بأصحابي، إلحق بمكتبك،... فكتب عثمان إلى معاوية: أمّا بعد، فاحمل جُندباً إليّ على أغلظ مركب وأوعره، فوجّه معاوية من سار به الليل والنهار، فلمّا قَدِم أبو ذر المدينة جعل يقول: يستعمل الصبيان ويحمي الحمى ويقرب أولاد الطلقاء، فبعث إليه عثمان: الحَقْ بأي أرض شئت، فقال: بمكة، فقال: لا، قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين، قال: لا، ولكنّي مُسيّرُك إلى الربذة، فسيره إليها, فلم يزل بها حتّى مات»([147]).

وجاء في الأنساب أيضاً: «وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: تكلم أبو ذر بشيء كرهه عثمان فكذبه، فقال: ما ظننت أن أحداً يكذبني بعد قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ما أقلَّت الغبراء ولا أطبقت الخضراء على ذي لهجةٍ أصدق من أبي ذر، ثم سيَّره إلى الربذة، فكان أبو ذر يقول: ما ترك الحقّ لي صديقاً؛ فلما سار إلى الربذة، قال: ردني عثمان بعد الهجرة أعرابياً.

قال: وشيّع عليّ أبا ذر، فأراد مروان منعه منه، فضرب عليّ بسوطه بين أذني راحلته، وجرى بين عليّ وعثمان في ذلك كلام حتّى قال عثمان: ما أنت بأفضل عندي منه، وتغالظا، فأنكر الناس قول عثمان ودخلوا بينهما حتّى اصطلحا.

وقد روي أيضاً: أنّه لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة، قال: رحمه الله، فقال عمار بن ياسر: نعم، فرحمه الله من كلّ أنفسنا، فقال عثمان: يا عاضَّ أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه، وقال: الحق بمكانه، فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى عليّ فسألوه أن يكلم عثمان فيه، فقال له علي: يا عثمان اتّقِ الله، فإنّك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره، وجرى بينهما كلام حتّى قال عثمان: أنت أحق بالنفي منه، فقال علي: رُم ذلك إن شئت، واجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلّما كلمك رجل سيّرته ونفيته، فإن هذا شيء لا يسوغ، فكفَّ عن عمار»([148]).

وانظر إلى لهجة الخليفة لعمّار الصحابي الجليل الذي ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، كما قال الرسول الاكرم([149]). وقد نال عمار ما ناله أبو ذر من الخليفة عثمان:

2- موقف الخليفة عثمان من الصحابي عمار

جاء في أنساب الأشراف للبلاذري: «كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلّموه فيه بكلام شديد حتّى أغضبوه، فخطب، فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإنْ رغمت أنوف أقوام، فقال له علي: إذاً تُمنع من ذلك ويحال بينك وبينه، وقال عمّار بن ياسر: أشهد الله أنّ أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعليّ يا بن المتكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتّى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتّى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضأ وصلىّ، وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله».

 وممّا جاء فيه أيضاً أنّه لمّا وصل الخبر إلى السيدة عائشة: «غضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وثوباً من ثيابه، ونعلاً من نعاله، ثمّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يُبلَ بعد، فغضب عثمان غضباً شديداً حتّى ما درى ما يقول، فالتجّ المسجد، وقال الناس: سبحان الله، سبحان الله». وجاء فيه أيضاً: «واستقبح الناس فِعْله بعمّار، وشاع فيهم، فاشتدّ إنكارهم له»([150]).

وجاء في الاستيعاب: «وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتّى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم، وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان»([151]).

3ـ موقف الخليفة عثمان من الصحابي ابن مسعود

أمّا ماجرى لعبد الله بن مسعود من عثمان, فقد أخرج البلاذري في أنسابه، قال:

«إنّ عبد الله بن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إلى الوليد بن عقبة، قال: من غيَّرَ غيَّرَ الله عليه، وما أرى صاحبكم إلا وقد غيّر وبدّل... فكتب الوليد إلى عثمان بذلك، وقال: إنه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه...وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلمّا رآه، قال: ألا إنّه قدمت عليكم دويبة سوءٍ, من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح.

فقال ابن مسعود: لستُ كذلك، ولكنّي صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان، ونادت عائشة، أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ ثمّ أمر عثمان به فأُخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً، وضرب به عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأرض، ويقال: بل احتمله يحموم ـ غلام عثمان ـ ورجلاه تختلفان على عنقه حتّى ضرب به الأرض فدقّ ضلعه.

فقال علي: ياعثمان، أتفعل هذا بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بقول الوليد بن عقبة؟ فقال: ما بقول الوليد فعلتُ هذا، ولكن، وجهت زُبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة، فقال له ابن مسعود: إنّ دم عثمان حلال، فقال عليّ أحلت من زبيد على غير ثقة... وقام عليّ بأمر ابن مسعود حتّى أتى به منزله، فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي، وأراد حين برىء الغزو فمنعه من ذلك؛ وقال له مروان: إنّ ابن مسعود أفسد عليك العراق، أَفتُريد أن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح المدينة حتّى توفي قبل مقتل عثمان بسنتين، وكان مقيماً بالمدينة ثلاث سنين؛ وقال قوم: إنّه كان نازلاً على سعد بن أبي وقاص.

ولمّا مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان عائداً، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا أدعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه وتعطينيه وأنا مستغنٍ عنه؟ قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله، قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم، فلما علم غضب, وقال: سبقتموني به، فقال له عمار بن ياسر: إنّه أوصى أن لا تصلي عليه»([152]).

أمّا السبب الذي جعل ابن مسعود يلقي مفاتيح بيت المال على الوليد فهو أنّ الوليد لما قدم الكوفة: «ألفى ابن مسعود على بيت المال فاستقرضه مالاً، وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ، فأقرضه عبد الله ما سأله، ثمّ إنّه اقتضاه إياه، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان، فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود: إنّما أنت خازن لنا، فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال، فطرح ابن مسعود المفاتيح، وقال: كنتُ أظنّ أنّي خازن للمسلمين، فأمّا إذا كنتُ خازناً لكم فلا حاجة لي في ذلك، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال»([153]).

هذه جملة مختصرة من مواقف الخليفة مع صحابة رسول الله, وقد عرفت كيف هي قسوته معهم وتعنيفه وترهيبه لهم, كما تبين فيما تقدم أن الخليفة ولّى أقرباءه وأتخمهم بالهدايا والأموال من بيت مال المسلمين ولم يصغ للصحابة الذين نصحوه، ولم يقم لهم أي وزن, فأيقنت الأمّة الإسلامية آنذاك بأنّ خليفتها قد انحرف عن جادة الصواب, فكان لابدّ لهم من كلمة، ولابد للعدالة من صولة، ولابدّ للظلم من أن يزول, ولابد للحقيقة من أن تظهر, ولهذا كان وجوه الصحابة وقرّاء القرآن وخيار التابعين وراء تلك الثورة على خليفة المسلمين.

المحور الثاني: الفئة التي شاركت في الثورة على عثمان

 المتتبع لكتب التاريخ والرواية يرى أنّ الذين قتلوا الخليفة عثمان هم المسلمون من الصحابة وقرّاء القرآن والتابعين:

قال ابن الأثير في أحداث سنة (34هـ): «في هذه السنة تكاتب نفر من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وغيرهم, بعضهم إلى بعض: أن أقدموا فإن الجهاد عندنا، وعظم الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وليس أحد من الصحابة ينهي ولا يذب إلا نفر، منهم: زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت، فاجتمع الناس فكلّموا عليّ بن أبي طالب فدخل على عثمان، فقال له: الناس ورائي وقد كلّموني فيك...»([154]).

فالصحابة كما تؤكّد النصوص قد نالوا من عثمان أقبح ما نيل من أحد! ولم يكن بينهم من ينه أو يذب عنه إلا نفر ضئيل جداً, فهناك شبه إجماع من الأمة حول عثمان، وأنّ الخروج عليه إنّما هو جهاد في سبيل الله.

وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار، أنّه قال: «لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى مَن بالآفاق منهم، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور: إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ, تطلبون دين محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، فإن دين محمّد قد أفسده من خلفكم وتُرك، فهلمّوا فأقيموا دين محمّد (صلّى الله عليه وسلّم), فأَقبلوا من كلّ أفق حتّى قتلوه»([155]).

وهذا النص كسابقه يبين أنّ الصحابة تحرّكوا على عثمان من مختلف أطباق الأرض؛ لأنّه انتهك حرمات الدين بنظرهم, فتركوا الثغور وعادوا ليقيموا الدين مرة أخرى.

والملفت للنظر أنّ الأمّة الإسلامية بأطرافها المترامية كلّها قد اشتركت في دم عثمان، فالوفود التي حاصرت عثمان مضافاً إلى أهل المدينة, قد أقبلت من مصر والكوفة والبصرة يترأسها الصحابة والتابعون.

جاء في طبقات ابن سعد وأنساب البلاذري واللفظ للأول: «كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة، رأسهم: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم: مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رأسهم: حكيم بن جبلة العبدي»([156]).

وجاء في الكامل في التاريخ: «وكان بمصر محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن أبي حذيفة يحرضان على عثمان, فلمّا خرج المصريون خرج فيهم عبد الرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة، وقيل في ألف، وفيهم كنانة بن بشر الليثي, وسودان بن حمران السكوني, وقتيرة بن فلان السكوني, وعليهم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، وخرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان العبدي, والأشتر النخعي, وزياد بن النضر الحارثي, وعبد الله بن الأصم العامري، وهم في عداد أهل مصر، وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة، فيهم حكيم بن جبلة العبدي، وذريح بن عباد، وبشر بن شريح القيسي، وابن المحترش، وهم بعداد أهل مصر، وأميرهم حرقوص بن زهير السعدي، فخرجوا جميعاً في شوال»([157]).

فأمّا عبد الرحمن بن عديس البلوي, فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب: «كان عبد الرحمن بن عديس البلوي ممّن بايع تحت الشجرة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). قال أبو عمر: هو كان الأمير على الجيش القادمين من مصر إلى المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه»([158]).

وأمّا عمرو بن الحمق الخزاعي, فقد قال ابن سعد في الطبقات: «عمرو بن الحمق... صحب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ونزل الكوفة، وشهد مع عليL مشاهده، وكان فيمن سار إلى عثمان وأعان على قتله»([159]).

وفي طبقات ابن سعد, والكامل في التاريخ, واللفظ للأوّل: «وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: أمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهن لله، وأمّا ست فإنّي طعنت إياهن لما كان في صدري عليه»([160]).

وأمّا مالك الأشتر, فقد قال ابن حجر: «له إدراك, وكان رئيس قومه... وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين بالكوفة، فقال: وكان ممّن ألّب على عثمان، وشهد حصره، وله في ذلك أخبار»([161]). ولم يغمز فيه أي أحد ممن ترجمه, بل لأمير المؤمنين علي× كلمات وافرة في مدحه والثناء عليه([162]).

وأمّا محمد بن أبي حذيفة: فقد قال ابن حجر: «محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة... ذكره الواقدي فيمن كان يُكنّى أبا القاسم واسمه محمد، من الصحابة, واستشهد أبوه أبو حذيفة باليمامة، فضم عثمان محمداً هذا إليه وربّاه، فلمّا كبر واستخلف عثمان استأذنه في التوجّه إلى مصر، فأذن له، فكان من أشدّ الناس تأليباً عليه...»([163]).

وقال الذهبي: «محمّد بن أبي حذيفة، هو الأمير أبو القاسم العبشمي، أحد الأشراف، ولد لأبيه لمّا هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة. وله رؤية... ثم كان ممّن قام على عثمان، واستولى على إمرة مصر»([164]).

وقال ابن عبد البر: «وكان محمّد بن أبي حذيفة أشدّ الناس تأليباً على عثمان, وكذلك كان عمرو بن العاص, مذ عزله عن مصر يعمل حيله في التأليب والطعن على عثمان»([165]).

وأمّا حكيم بن جبلة العبدي: فقد قال ابن عبد البر: «أدرك النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ولا أعلم له رواية ولا خبراً يدلّ على سماعه منه ولا رؤية له, وكان رجلاً صالحاً له دين، مطاعاً في قومه»([166]).

وأمّا محمّد بن أبي بكر: فقال ابن حجر: «له رؤية... وكان علي يثني عليه»([167]).

وقال ابن عبد البر: «وكان علي بن أبي طالب يثنى على محمد بن أبي بكر ويفضله؛ لأنه كانت له عبادة واجتهاد, وكان ممن حضر قتل عثمان»([168]).

ولا نريد أن نستقصي ونطيل بتراجم من اشتركوا في الثورة على عثمان, بل أردنا بيان أنّ مَنْ قتل عثمان هم الصحابة وخيار التابعين.

ولابدّ أنْ ننبه هنا بأنّ السيدة عائشة وطلحة ممّن كانوا في مقدمة المؤلبين على عثمان:

فقد روى البلاذري في أنسابه, عن ابن سيرين, أنّه قال: «لم يكن أحد من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أشدّ على عثمان من طلحة»([169]).

وفي الأنساب أيضاً: «ومرّ مجمع بن جارية الأنصاري بطلحة بن عبيد الله, فقال: يا مجمع ما فعل صاحبك؟ قال: أظنّكم والله قاتليه، فقال طلحة: فإن قتل, فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل»([170]).

بل ورد أنّ الذي أمر بقطع الماء عن عثمان هو طلحة, فقد جاء في الأنساب: «قال أبو مخنف وغيره: واشتدّ عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار، ومنع من أن يدخل إليه الماء حتّى غضب عليّ بن أبي طالب من ذلك، فأدخلت عليه روايا الماء»([171]).

وقال ابن حجر: «وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، أنّ مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل، فقال: هذا أعان على عثمان، فرماه بسهم في ركبته، فما زال الدم يسيح حتّى مات»([172]).

أمّا السيدة عائشة فموقفها معروف من عثمان، فهي التي كانت تقول: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر»([173])، وهي التي وسمته بالطاغية, على ما جاء في الأنساب: «ومرّ عبد الله بن عباس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم, وهي بمنزل من منازل طريقها، فقالت: يا بن عباس، إنّ الله قد أتاك عقلاً وفهماً وبياناً، فإياك أنْ تَردّ الناس عن هذا الطاغية»([174]).

وقال ابن عبد البر: «وكان الأحنف عاقلاً حليماً ذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إليه فأتاها، فقالت: ويحك يا أحنف، بمَ تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان، أَمِن قلّة عدد، أو أنّك لا تُطاع في العشيرة؟ قال: يا أمّ المؤمنين، ما كبرت السن ولا طال العهد، وإنّ عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه، قالت: ويحك يا أحنف، إنّهم ماصوه موص الإناء ثمّ قتلوه، قال: يا أم المؤمنين، إنّي آخذ بأمرك وأنت راضية، وأدعه وأنت ساخطة»([175]).

فموقف السيدة عائشة إذن كان التأليب على عثمان والرضا بقتله, لكنّها صُدمت بأنّ المسلمين بايعوا علياً من بعده, فصار عثمان مظلوماً! والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

المحور الثالث: بيان موقف بعض الصحابة بعد مقتل عثمان

تبين مما تقدم أن من ألّب على عثمان وحاصره وأشترك في قتله هم الصحابة والتابعون, وهذا الأمر أكده عدد من الصحابة أنفسهم بعد مقتل عثمان, فقد صرح الكثير منهم بأن عثمان قد قتله خيار الصحابة والتابعين وقراء القرآن؛ وصرّح آخرون بأن المهاجرين والأنصار خذلوا عثمان ولم ينصروه, فالصحابة في الواقع ـ باستثناء البعض القليل ـ كانوا بين مشترك ومؤلب وخاذل لعثمان, لذا لم يكن عندهم ما يبرر الطلب بدمه والأخذ بثأره, فهذا الصحابي هاشم المرقال يخاطب فتى في جبهة معاوية يوم صفين ويقول له: «وما أنت وابن عفان إنما قتله أصحاب محمد وأبناء أصحابه وقراء الناس حين أحدث الأحداث وخالف حكم الكتاب، وهم أهل الدين وأولى بالنظر في أمور الناس منك ومن أصحابك، وما أظن أمر هذه الأمة وأمر هذا الدين أُهمل طرفة عين»([176]).

وها هو عمار بن ياسر يخطب بجمع يوم صفين، ويقول: «أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان, ويزعمون أنه قتل مظلوماً»([177]).

وفي لفظ نصر بن مزاحم أن عماراً، قال: «امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان»([178]).

وأخرج ابن عساكر بسنده إلى عبد الرحمن الهمداني، قال: «دخل أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني على معاوية، فقال له معاوية: أبو الطفيل؟ قال: نعم. قال: أنت مِن قتلة عثمان؟ قال: لا, ولكن ممّن حضره فلم ينصره. قال: ما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار ولم تنصره أنت. قال معاوية: أَمَا طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل وقال: أنت وعثمان كما قال الشاعر:

 لا ألفينّك بعد الموت تندبني

 

وفي حياتي ما زودتني زادي»([179]).

والملاحظ هنا أن الصحابي هاشم المرقال والصحابي عمّار بن ياسر والصحابي عامر بن واثلة لم يشعروا بالندم ولم يفكروا بتغيير مواقفهم, بل كانت لهم رؤى ثابتة من الأمر, فمنهم من يصرح بأن الذين قتلوا عثمان هم الصحابة والتابعون وقراء القرآن, ومنهم من يؤكد أنه ممن شهده ولم ينصره، بل يؤكد أن المهاجرين والأنصار خذلوه ولم ينصروه, وهكذا, ونستنتج من هذا أن الصحابة كانت لديهم رؤية واضحة في موضوع عثمان، وأنّه قد أحدث وخالف الكتاب والسنّة، فكان يدور أمره بين ضرورة تنحيه عن الخلافة أو قتله, وعندما رفض التنحي قرّروا قتله.

المحور الرابع: رؤيتنا لموقف علي من الأحداث

اتضحت من خلال المحاور الثلاثة السابقة حقائق عدّة, أهمّها أنّ سياسة عثمان كانت تبتعد عن المنهج الإسلامي، ولا أقل في اعتقاد جمع من الصحابة، وأنه قد غيّر وبدّل وأحدث بعد رسول الله’, لذا نقم الصحابة والتابعون على هذا الوضع, فجُيّشت الجيوش ضد الخليفة وأقبلت عليه من كلّ حدب وصوب, وفي خضم هذه الأحداث اتسم موقف علي× بالحكمة والبصيرة، فكان حريصاً على وأد الفتنة وإطفاء نارها التي سوف تأكل الأخضر واليابس, وتُفرّق الأمة, وتشقّ عصا المسلمين.

 لقد كانت نظرة الإمام علي× أبعد ممّا يتعلّق بشخصية الخليفة عثمان، فكان الحفاظ على المصلحة الإسلامية في سلم الأولويات عنده, لذا حاول جاهداً إصلاح الأمور من خلال الحوار مع الطرفين, فمن جهة طلب من الخليفة عثمان أن يكفّ عن تصرفاته التي كانت مثار سخط المجتمع آنذاك، وأن يتوخى العدالة في حكمه وسلوكه, ومن جهة أخرى طالب الجيوش بالتوقف عمّا كانوا يرومونه على أمل تطبيق عثمان لعهوده، بإقامة حكم الله في الأرض مجدّداً, وبالفعل نجح علي في محاولته, وانقادت الجيوش لأوامره, وتخلت عن تصميمها, لكن عثمان وبعد أن أعلن ندمه عمّا فعل أمام الملأ ووعدهم بإنصافهم وتطبيق حكم الله مجدداً, لم يف لهم بوعوده؛ نتيجة خضوعه لمخططات مروان! الأمر الذي أدّى إلى امتعاض علي× من موقف عثمان، واتّخاذه قراراً بعدم التدخل بعد ذلك، خصوصاً أنّه وعد الناس أن عثمان سيغير من سياسته ويحكمهم بما أنزله الله تعالى, فلمّا لم يف عثمان بذلك, عادت الجيوش مجدّداً! واعتزل عليٌّ× القوم, ولم يلبّ طلب عثمان بالتدخل مرة أخرى.

 والقصّة وإنْ نقلت بوجوه مختلفة وألفاظ شتّى إلا أنها اتفقت على ما ذكرناه, وسنقتصر هنا من أجل توثيق هذه الحقائق على ما نقله البلاذري ونحيل القارئ إلى مصادر أخرى:

روى البلاذري في قصة طويلة أنه لما حاصر القوم عثمان وفشلت بعض الوساطات، قال له ابن عمر وغيره: ليس لهم إلاّ عليّ بن أبي طالب.

 «فبعث عثمان إلى عليّ فلما أتاه، قال: يا أبا الحسن أئت هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، قال: نعم إنْ أعطيتني عهد الله وميثاقه على أنك تفي لهم بكلّ ما أضمنه عنك، قال: نعم، فأخذ عليٌّ عليه عهد الله وميثاقه على أوْكَد ما يكون وأغلظ، وخرج إلى القوم، فقالوا: وراءك؟ قال: لا بل أمامي، تعطون كتاب الله وتعتبون من كلّ ما سخطتم، فعرض عليهم ما بذل عثمان، فقالوا: أتضمن ذلك عنه؟ قال: نعم، قالوا: رضينا، وأقبل وجوههم وأشرافهم مع عليّ حتّى دخلوا على عثمان وعاتبوه فأعتبهم من كلّ شيء، فقالوا: اكتب بهذا كتاباً، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين، إن لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه، يعطى المحروم ويؤمن الخائف ويرد المنفي ولا تجمر البعوث ويوفر الفيء، وعلي بن أبي طالب ضمين للمؤمنين والمسلمين، على عثمان بالوفاء بما في هذا الكتاب.

شهد: الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن مالك بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن حنيف وأبو أيوب خالد بن زيد، وكتب في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، فأخذ كلّ قوم كتاباً فانصرفوا.

وقال عليّ بن أبي طالب لعثمان: اخرج فتكلم كلاماً يسمعه الناس ويحملونه عنك وأشْهِد الله على ما في قلبك فإن البلاد قد تمخضت عليك، ولا تأمن أن يأتي ركب آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول: يا عليّ اركب إليهم، فإن لم أفعل، قلت: قطع رحمي واستخف بحقي.

 فخرج عثمان، فخطب الناس، فأقر بما فعل واستغفر الله منه، وقال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من زَلّ فَلْيَنُبْ فأنا أول من اتعظ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فو الله لو ردني إلى الحق عبد لا تبعته، وما عن الله مذهب إلا إليه، فسرّ الناس بخطبته واجتمعوا إلى بابه، مبتهجين بما كان منه.

 فخرج إليهم مروان، فزبرهم، وقال: شاهت وجوهكم، ما اجتماعكم؟ أمير المؤمنين مشغول عنكم، فإن احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا.

 وبلغ علياً الخبر فأتى عثمان، وهو مغضب، فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك؟ وإني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائدٍ بعد مقامي هذا لمعاتبتك.

 وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة: قد سمعت قول عليّ بن أبي طالب في مروان وقد أخبرك أنه غير عائد إليك، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند الناس ولا هيبة، فبعث إلى عليّ فلم يأته»([180]).

ودلت بعض الأخبار على أن علياً× عاد وتكلم مع عثمان مرة أخرى, لكن لم ينفع أيضاً, وقد ذكر ذلك الطبري في قصّة طويلة حاصلها أنّ عثمان لما خاف القتل شاور نصائحه فأشاروا عليه أن يطلب من علي بن أبي طالب أن يردّهم عنه, فبعث إليه وقال له: «يا أبا حسن, إنه قد كان من الناس ما قد رأيت وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلى فارددهم عني فإن لهم الله عز وجل أن أعتبهم من كلّ ما يكرهون وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي».

 فقال له علي: «الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك, وإنّي لأرى قوماً لا يرضون إلا بالرضى, وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهداً من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشيء من ذلك, فلا تغرني هذه المرة من شيء فإني معطيهم عليك الحق. قال: نعم فأعطهم، فوالله لأفين لهم».

فأخبر علي الناس بذلك, وطلبوا منه أن يستوثق من عثمان الأمر, فأخبر عثمان بذلك، فطلب منه مهلة ثلاثة أيام, «فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك, وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجله فيه ثلاثاً على أن يرد كلّ مظلمة ويعزل كلّ عامل كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه».

 لكنّه أيضاً لم يف بما وعد, بل جعل يتأهب للقتال، فلما مضت الأيام الثلاثة ـ وهو على حاله لم يغير شيئاً مما كرهوه ولم يعزل عاملاًـ ثار عليه الناس([181]).

وأيّاً كان الأمر، فإن علياً× لم يألُ جهداً في إصلاح الأمر بين الثوار والخليفة عثمان, لكنّ الأخير أفشل كلّ مساعي عليّ في الصلح؛ لعدم إيفائه بوعوده, ولهذا رأى عليّ الوقوف عند هذا الحدّ واعتزال السعي مجدّداً بين الفريقين.

 ولو كان عثمان مصيباً لما كان من علي هذا الموقف, بل لكان أول الناصرين له, وقد صرح لعثمان من خلال النص السابق بأنه يعطي المقاتلين الحق إذا نكث عثمان بعهده تارة أخرى، فقال له: «فلا تغرني هذه المرة من شئ فإني معطيهم عليك الحق».

وكيف ما كان، فقد انتهى الأمر بقتل الخليفة ومبايعة علي× في قصة يطول شرحها, فحصل ما كان عليٌ يخشاه، وأن المسألة سوف لن تنتهي بمقتل عثمان فحسب, بل ستكون لها نتائج وخيمة على المجتمع الإسلامي، وهو ما حدث بالفعل، حيث وقعت حادثة الجمل, ثم صفين, تحت شعار المطالبة بدم عثمان، وأنه يجب عليه أن يقيم القصاص على قتلته أو أن يسلمهم, وقد وصلت هذه الصيحات إلى يومنا هذا، فها أنتم تقولون أن علياً اجتهد وأخطأ في عدم قتله لقتلة عثمان!!.

والحقيقة التي يجب أن تقال: إن علياً كان مصيباً في عدم معاقبته قتلة عثمان, وبيان ذلك يتضح من خلال أمور ثلاثة:

الأول: أن الصحابة قد اجتهدوا في قتلهم لعثمان, وكانوا يرون أنهم مصيبون في ذلك؛ لأن عثمان أحدث وغيّر وبدل بعد رسول الله، وقد استتابوه وأخذوا عليه العهود وطالبوه بالرجوع إلى الكتاب والسنة أو التنحي فلم ينفع ذلك, فقتلوه وهم غير نادمين, ومن لم يشترك منهم فقد لزم الصمت واعتزل الأمر, والغريب أنهم تركوا الخليفة عثمان بلا دفن ثلاثة أيام, ولم يتحرك الصحابة إلى القيام بهذه الوظيفة الشرعية, فإن تغسيل ودفن المسلم واجب على المسلمين, لكن الصحابة تركوا الأمر ثلاثة أيام, حتّى قام نفرٌ وبسرية تامة ودفنوه في حش كوكب, وهذا له دلالات ومعطيات عديدة نغضّ الطرف عنها.

فالصحابة مجتهدون في قتلهم لعثمان, فإن أصابوا فلهم أجران, وإن أخطأوا فلهم أجر, على أن المجتهد والمتأول ليس عليه قصاص وفق رؤيتكم، التي طالما صرحتم بها واعتمدتم عليها، وتبعاً لتلك الرؤية، فلا ضير في أن عليّاً× لم يحاسب ويقتص من الصحابة، كيف ذلك وهم قد اجتهدوا؟

2ـ لو أغضضنا الطرف عن تلك الرؤية، وقلنا إنّ المجتهد والمتأول قد تناله العقوبة أيضاً, فلا شكّ في أن عليّاً كان مصيباً في اجتهاده, لا أنه اجتهد فأخطأ، فقد عرفنا أن الأمة الإسلامية بأطرافها المترامية مصر والكوفة والبصرة والمدينة كلهم قد اشتركوا في قتل عثمان, وكان على رأس هؤلاء: الصحابة والتابعون وقرّاء القران, فكانوا يرون حقانية ما فعلوه، وعرفنا تصريحات الصحابة بعد الحادثة من عدم إظهار الندامة على قتله.

 وحينئذ ومع ملاحظة الأخطار التي تحيط وتتهدد المجتمع الإسلامي آنذاك, وأهمها خطر الانقسام الذي قد يعصف بالأمة الإسلامية, أدّى إلى أن يتخذ عليٌ× موقف الصمت, فالعقوبة إذا ثبتت فإنما هي ثابتة على الآلاف من المسلمين ومن ضمنهم كبار الصحابة والأجلاء من التابعين, فماذا يصنع علي× في ظرف كان يقتضي تضميد جراحات المجتمع ووأد الفتنة وحمل الناس على العدل والصلاح؟ وما عسى غيره لو تولى الخلافة أن يفعل أمام هذه المعطيات؟

 روى البلاذري: أن معاوية أرسل كتاباً إلى علي× يطلب فيه تسليم قتلة عثمان إليه, فلما وصل الكتاب إلى علي في الكوفة, اجتمع الناس في المسجد, وقرئ عليهم الكتاب, فقالوا: «كلنا قتلة عثمان وكلنا كان منكراً لعمله»([182]).

فرفض علي× طلب معاوية وكتب إليه كتاباً جاء فيه: «وذكرت عثمان وتأليبي الناس عليه، فإن عثمان صنع ما رأيت, فركب الناس منه ما قد علمت, وأنا من ذلك بمعزل, إلا أن تتجنى فتجنَ ما بدا لك.

وذكرت قتلته ـ بزعمك ـ وسألتني دفعهم إليك، وما أعرف له قاتلاً بعينه، وقد ضربت الأمر أنفه وعينيه, فلم أره يسعني دفع من قبلي ممن اتهمته وأظننته إليك، ولئن لم تنزع عن غيك وشقائك؛ لتعرفن الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين لا يكلفونك طلبهم في سهل ولا جبل, والسلام»([183]).

وفي الأخبار الطوال للدينوري: أن عدد الذين قالوا: «كلّنا قتلة عثمان» كانوا بزهاء عشرة آلاف رجل وكانوا قد لبسوا السلاح([184]).

فلم يكن ممكناً الاقتصاص من هذه الشريحة الواسعة من المسلمين والتي تضم الصحابة والتابعين, كما لا يعقل أن يكون كلّ هؤلاء قد أخطأوا ولم يصيبوا, مع أن في جواب أمير المؤمنين× إلى معاوية كلمات واضحة في أن أعمال عثمان كانت غير مرضية، فقد جاء فيه: «فإن عثمان صنع ما رأيت فركب الناس منه ما قد علمت».

وفي لفظ الدينوري أنّ كتاب الإمام علي× جاء فيه: «أمّا بعد، فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك، تذكر فيه قطعي رحم عثمان، وتأليبي الناس عليه، وما فعلت ذلك، غير أنه رحمه الله عتب الناس عليه، فمن بين قاتل وخاذل، فجلست في بيتي، واعتزلت أمره، إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك، فأما ما سألت من دفعي إليك قتلته، فإني لا أرى ذلك، لعلمي أنك إنما تطلب ذلك؛ ذريعةً إلى ما تأمل، ومرقاةً إلى ما ترجو، وما الطلب بدمه تريد، ولعمري, لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك؛ لينزل بك ما ينزل بالشاق العاصي الباغي، والسلام»([185]).

فالناس كما وصفهم علي× كانوا بين قاتل وخاذل, ولم ينصر عثمان أحداً, فعلى مَنْ العقوبة, وممّن يؤخذ القصاص؟

 أمّا طلب معاوية, فقد أوضحه الإمام علي×, بأنه ذريعة إلى الحكم والظفر بالاستيلاء على السلطة, وإلا فإن معاوية لم ينصر عثمان في حياته، بل على العكس فقد كان من المتربصين به.

فالسكوت إذن كان عين الصواب, ولا يوجد اجتهاد خاطئ كما ادعيتم.

ولو فعلها علي وبدأ بمحاسبة السيدة عائشة وطلحة, لقلتم أيضاً أنه اجتهد وأخطأ.

الثالث: وفقاً لما نؤمن به من عقيدة, فقد ثبت عندنا أنّ علياً× معصوم، وأنّه يحظى بتسديد رباني، ولا يتطرق إلى أعماله الاجتهاد, كما هو اعتقادنا بنبي الإسلام محمد’, فعلي× إنما هو امتداد للشجرة النبوية، يوضح لنا الطريق ويبين لنا صوابه من خطأه, فقوله المتبع وفعله الحجة, فلا اجتهاد ولا تأويل بل هو التسديد الإلهي من السماء.

وبهذا يكون قد تمّ الجواب على ما تفضلتم به أوّلاً.

 أمّا الثاني: وهو أنّ عثمان بن عفان أفضل من ملء الأرض من مالك بن نويرة؛ فنقول: إنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل ميزان التفاضل بالتقوى والعمل الصالح واقتفاء سنة النبيّ’ واتباعها, وقال عزّ من قائل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}([186]), وفرض كون الخليفة أفضل يتوقف على غض النظر عمّا فعله, وعمّا اعتقده كبار الصحابة فيه.

قلتم: لم يعترض أحد من الصحابة على فعل خالد

قلتم في ص 101: «ألم يحدث هذا الفعل [من خالد بن الوليد] في حياة الصحابة, ولم يحدث منهم اعتراض إلا ما كان من عمر, فلم نسمع من علي ولا غيره من الصحابة أنّه أنكر ذلك...».

الجواب

 لم يكن الاعتراض محصوراً بعمر كما قلت، بل هناك غيره من الصحابة ممّن سجل اعتراضه على فعل خالد القبيح، منهم الصحابي أبو قتادة, وكان فيمن شهد أنّ مالك وجماعته أذّنوا وأقاموا وصلّوا([187])، فلما رأى ما فعل خالد قام «فناشده فيهم، فلم يلتفت إليه، فركب أبو قتادة فرسه، ولحق بأبي بكر وحلف: لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد, وقال: ترك قولي، وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم»([188]).

وفي تاريخ الإسلام: «وقال الموقري، عن الزهري, قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعاً, حتّى انتهوا إلى محلّة الحي، فخرج مالك في رهطه، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المسلمون، فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم، قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلاً، فلمّا وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية, وانطلق بهم أسارى، وسار معهم السبي حتّى أتوا بهم خالداً، فحدّث أبو قتادة خالداً أن لهم أماناً, وأنهم قد ادّعوا إسلاماً، وخالف أبا قتادة جماعةُ السرية, فأخبروا خالداً أنه لم يكن لهم أمان، وإنما سُيّروا قسراً، فأمر بهم خالد فقُتلوا وقبض سبيهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر. فلما قدم عليه، قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد, وأنه ادّعى إسلاماً، وإنّي نهيت خالداً فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم، فقام عمر، فقال: يا أبا بكر, إن في سيف خالد رهقاً، وإن هذا لم يكن حقاً, فإنّ حقّاً عليك أن تقيّده، فسكت أبو بكر»([189]).

فهذا الاعتراض من هذا الصحابي وما رافقه من قَسَم بأنْ لا يسير في جيش تحت لواء خالد، لا يدع مجالاً للقول بالاجتهاد والتأوّل.

وممّن اعترض أيضاً على فعل خالد الصحابي متمّم أخو مالك، حينما جاء لأبي بكر يطلب بدم أخيه مالك, وأن يردّ عليهم سبيهم, فأمر أبو بكر بردّ السبي([190]) وودّى مالكاً من بيت المال([191]).

وفي البداية والنهاية: «وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالداً، وعمر يساعده، وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي، فودّاه الصديق من عنده»([192]).

فكيف تدّعي أنّه لم يعترض أحداً غير عمر بن الخطاب، على أنه يكفي اعتراض عمر في إبطال وهْم مقولة تأوّل فأخطأ, أفلم يعرف عمر القاعدة المذكورة؟ وإذا كان غير مدرك لها فهلا تعلمها من أبي بكر؟ فقد صرّح أبو بكر أن هذا اجتهاد وتأول، فلماذا لم يفقه عمر ذلك, ولماذا أصرّ على رأيه إلى أن حان وقت خلافته فقام بعزل خالد.

وفي هذا السياق، قال ابن عون كما ينقل الذهبي: «ولي عمر، فقال: لأنزعنّ خالداً, حتّى يعلم أن الله إنما ينصر دينه، يعني بغير خالد»([193]).

ونلاحظ هنا أن جملة: >يعني بغير خالد<، إنما هي من تفسير الراوي، الذي حاول التقليل من معنى الرواية وصرفها عن معناها الحقيقي، فإن ظاهر كلام عمر أن عزل خالد هو نصر لدين الله, وهذا يؤكد ثبات عمر على موقفه من خالد, ولم يعتقد بقاعدة تأوّل فأخطأ.

ونضيف هنا أمرين:

 الأول: أنّ عمر مع مكانته من أبي بكر ومع شدة جرأته إلا أنّه لم يستطع تغيير شيء من الواقع أمام إصرار أبي بكر, فإن أبا بكر أصرّ على عدم معاقبة خالد، مع وضوح القرائن التي تشير إلى أنّ خالداً كان عامداً وعلى علم بأنهم أذّنوا وصلّوا, فإذا كان عمر قد عجز عن معاقبة خالد، فسكت إلى وقت خلافته، فما بالك ببقية الصحابة, فسكوتهم حينئذ لا يدلّ على رضاهم ألبتة.

والأمر الثاني: لا يمكن القول بنحو الجزم بأن علياً وغيره من الصحابة لم يعترضوا، وأنهم سكتوا على الأمر، إلا إذا تيقنا بأن التاريخ قد نقل كلّ شاردة وواردة, ولم يترك شيء, لكن أنّى ذلك, والكثير من الحقائق قد ضاعت ولم يصلنا منها إلا النزر اليسير.

قلتم: الصحابة لم يخالفوا الاحكام القطعية ولا مروياتهم

في معرض ردّكم على سؤالنا بأنه: «هل يصحّ تبرير عمل الصحابة تحت ظلّ الاجتهاد في كلّ ما صدر عنهم من مخالفات الأحكام القطعية وأنهم مجازون في ارتكاب كلّ حرام وترك كلّ واجب».

ذكرتم في ص102ـ 104 أموراً عديدة تتلخص فيما يلي:

1ـ إنّ التعميم بلفظ كلّ يوحي بأنّهم قوم فجّار أضاعوا الدين وانتهكوا المحرمات وهو ثمرة الروايات الباطلة التي تربى عليها الشيعة.

2ـ إنّ الله أثنى على الصحابة وأنّهم رووا الدين, وأنّ كلّ خير في الأمّة لهم مثله إلى قيام الساعة، وانّه مغفور لهم فعلهم في ما لم يتعمدوا، كما في صحيح مسلم...، ثم قلتم: فليستعد الشيعة لخصامهم يوم القيامة.

3ـ تساءلتم: ما هي الأحكام القطعيّة التي خالفها الصحابة؟ وهل هي في القرآن أو السنّة؟ وهل رووا شيئاً ثمّ خالفوه بأنفسهم؟

4ـ إنّ الشيعة لا تؤمن بالسنّة التي صحّت في كتب المحدّثين من أهل السنّة، ويأخذون ما ينفعهم وإن كان ضعيفاً ويردون ما يخالفه وإن كان صحيحاً.

 

الجواب

نقول في الجواب عن كلّ ذلك: من المؤسف أن يتحول النقاش العلمي إلى ساحة خطابية تبتعد عن أسس وقواعد الحوار الصحيحة, فالتكرار الممل والاتهامات المتوالية والفهم العقيم، هي السمة التي اتبعتموها في هذا الكتاب! وعلى أية حال, نجيبكم مجملاً على كلّ ما ذكرتموه هنا بما يلي:

1ـ نعني بكلمة >كلّ<: (أي) ونعني بكلامنا الذي ذكرناه لكم هو: أن الصحابة هل لهم حق ارتكاب أيّ فعل تحت ظلّ الاجتهاد, فأنتم أجزتم لهم القتل والسبي وانتهاك الأعراض تحت ذريعة الاجتهاد, وهذا يعني أنّكم وفق اعتقادكم ذلك لا بدّ أن تلتزموا بأنّ الصحابة قوم فجار قد أضاعوا الدين؛ لذا نحن نسألكم: كيف تأوّلون عمل مَن يقتل المسلمين الأبرياء أو ينتهك أعراضهم ويسبي نساءهم، ولا نجد عندكم جواب يذكر؟

 فما قلناه هو ثمرة تأويلاتكم, وثمرة الروايات الصحيحة التي روتها كتبكم حول الصحابة وما فعلوه.

2ـ قد بيّنا مراراً أنّ الله سبحانه وتعالى لم يثن على جميع الصحابة، بل أثنى على قسم منهم، وكذلك النبيّ’ فإنه قد أثنى على قسم منهم, وتوعد قسماً آخر منهم بالنار، وذكرنا أنكم تعتبرون المنافقين من الصحابة، حسب تعريفكم للصحابي، كما ذكرنا لكم كلام النووي وابن حزم بأنّ المنافقين كانوا من الصحابة, وقلنا إنّ بعضهم أقيم عليهم الحد, فلا نفهم معنىً لعدم عقوبتهم والعفو عنهم، مع أنّ الرسول’ يذكر أنّ بعضهم في النار، والقرآن يؤكّد على أنّ التفاضل بالتقوى والعمل الصالح, والكثير من الأعمال السيئة للصحابة واضحة في التعمد وعدم النسيان والخطأ.

 فما أوردتموه من صحيح مسلم غير نافع في المقام؛ فإنه خاص بمن نسي وأخطأ في غير عمد وندم وتاب على فعله, وذكرنا سابقا أنّ الكثير ممّن فعلوا المعاصي لم يثبت أنّهم تابوا عن فعلهم, وقد ذكرنا مراراً أنّ حفظة الدين ليس الصحابة، بل هم أهل البيت^ بحسب الأدلة القرآنية والنبوية الواضحة في ذلك, فلا يلزم من نقد الصحابة ضياع الدين([194])، فليس هم الطريق المنحصر لرواية الدين, بل إنّ الطريق منحصر بأهل البيت^, ولئن كان هناك ضياع للدين فهو بتضييع مذهب أهل البيت وحجب الناس عنه, كما في حديث ابن عباس عن النبيّ’ قال: «وأهل بيتى أمان لأمّتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».

قال الحاكم فيه: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([195]).

وأخرجه الحاكم أيضا من طريق محمد بن المنكدر عن أبيه أنّ النبيّ’ قال: «وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون»([196]).

وسكت عنه الحاكم وكذا الذهبي في إشارة جليّة إلى صحّته وعدم الطعن فيه, وقد وجدنا بعد التتبع أنّ رجال إسناده كلّهم بين ثقة وصدوق.

لذا نحن نقول: فليستعد من ظلم أهل البيت، وحجب بينهم وبين الناس إلى خصامهم يوم القيامة.

3ـ لا شكّ في أنّ بعض الصحابة قد خالفوا أحكاماً قطعيّة نصّ عليها القرآن, وذكرتها السنّة الشريفة, فقد شربوا الخمر, واقترفوا الزنا, وقاموا بالسرقة, وقتلوا الأبرياء, أفهل تشكك في قطعية مثل هذه الأحكام؟ أو تشكّك في صدور هذه المعاصي منهم؟

 وقد ذكرنا لك سابقاً مجموعة ممّن أقيم عليهم الحد بسبب المعاصي أعلاه, ومن بينهم من اشترك في غزوة بدر!

أمّا قولك: كيف أنّهم رووا ثم خالفوا، فهذا غريب منك! فليس كلّ من يروي شيئاً عن النبيّ’ يكون معصوماً فيما رواه من ناحية عملية, فما علاقة رواية الخبر ومعرفته بمخالفته؟

 فأنت تنكر عصمة الصحابة وتعتقد أنّهم أخطأوا وأذنبوا, فعجبا كيف لا يمكنك تصور أنّهم قد يروون أمراً ثمّ يخالفونه عملاً؟

وعلى كلّ حال إليك نماذج من روايات الصحابة التي خالفوا فيها ما يروونه:

مخالفات بعض الصحابة لروايتهم

أ ـ مخالفة أبي هريرة لروايته

المورد الأول: روايته لغسل الإناء سبعاً إذا شرب منه الكلب, ومخالفته لذلك:

 أخرج البخاري بسنده إلى أبي هريرة، قال: «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً»([197]).

ثم خالف ذلك, وكان يغسل الإناء ثلاثاً.

أخرج الدارقطني عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات»([198]).

المورد الثاني: رواية أبي هريرة جواز المسح على الخفين, ثم عمله خلاف ذلك:

 أخرج مسلم في كتابه (التمييز) عن أبي سلمة, عن أبي هريرة: «أن رجلاً قال يا رسول الله! ما الطهور بالخفين؟ قال: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن»([199]).

والمقصود أنّ المسح على الخفّين مؤقت بوقت معين، وهو للمقيم يوم وليلة, وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهنّ, قال الشيخ سيد سابق: «مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها»([200]).

وقد أورد الطحاوي عدّة روايات عن مجموعة من الصحابة تفيد المعنى السابق, ثمّ قال: «فهذه الآثار قد تواترت عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بالتوقيت في المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليها, وللمقيم يوم وليلة»([201]).

لكن أبا هريرة أحد رواة الخبر قد خالف ذلك, وكان لا يمسح على الخفّين:

فقد أخرج مسلم في كتابه (التمييز) عن أبي زرعة قال: «سألت أبا هريرة عن المسح على الخفين, قال: فدخل أبو هريرة دار مروان بن الحكم، فبال ثمّ دعا بماء فتوضّأ وخلع خفّيه، وقال: ما أمرنا الله أن نمسح على جلود البقر والغنم»([202]).

وهنا قد تحير الإمام مسلم، إذ كيف يخالف أبو هريرة ما رواه, فحاول جاهداً أن يثبت أنّ الخبر في المسح عنه غير محفوظ, وأن أبا هريرة لم يكن يعلم بجواز المسح على الخفين! فقال معلقاً على الخبر الأول: «هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة, وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين»([203]).

ثمّ علّق على الرواية الدالة على إنكار أبي هريرة المسح على الخفين, قائلاً: «ولو كان قد حفظ المسح عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) كان أجدر الناس وأولاهم للزومه والتدين به، فلما أنكره الذي في الخبر من قوله: ما أمرنا الله أن نمسح على جلود البقر والغنم، والقول الآخر: ما أبالي على ظهر حمار مسحت أو على خفي([204])، بان ذلك أنه غير حافظ المسح عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وأن من أسند ذلك عنه عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) واهي الرواية أخطأ فيه: إمّا سهوا أو تعمّداً، فبجمع هذه الروايات ومقابلة بعضها ببعض تتميز صحيحها من سقيمها، وتتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ»([205]).

وأقول معلّقاً على ذلك بأمرين:

الأول: نحن نرى صحة فعل أبي هريرة واقعاً, فهو موافق لمذهب أهل البيت^ القائل بعدم جواز المسح على الخفّين, لكن الحوار هنا مبتن على ما يذهب إليه أهل السنّة من جواز ذلك, فليلاحظ.

الثاني: أنّ الإمام مسلم حاول تضعيف الخبر من خلال عمل أبي هريرة المخالف له؛ صوناً لأبي هريرة من مخالفة النبيّ’, وهذا ما نكرره مراراً من أنّكم ترون عصمة الصحابة من الجهة العملية، لذا تأوّلون أعمالهم وتخرجونهم عن دائرة الطبيعة البشرية, فأبو هريرة بشر قد يخطئ وينسى ويسهو, لذا روى الخبر عن النبيّ’ ثم خالفه عملاً, والرواية ثابتة عن النبيّ’ على مبانيكم، فحمل طريق أبي هريرة على سهو الراوي أو خطأه أو عمده غير صحيح.

المورد الثالث: روايته جواز تطوع المرأة من بيت زوجها ثمّ إفتاؤه بخلاف ذلك:

أخرج البخاري وأبو داود من طريق عبد الرزاق عن معمّر عن همام, قال: «سمعت أبا هريرةL عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره»([206]).

وهو يدلّ على جواز تصدّق المرأة من بيت زوجها, لكن أبا هريرة خالف ذلك, وأفتى بعدم الجواز:

أخرج أبو داود عن عطاء، عن أبي هريرة: في المرأة تتصدق من بيت زوجها، قال: «لا، إلا من قوتها، والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه»([207]).

لذا اضطر أبو داود لتضعيف الخبر الوارد في صحيح البخاري من أجل فتوى أبي هريرة, فقال بعد هذا الخبر: «هذا يضعّف حديث همام»([208]).

ب ـ مخالفة عائشة لروايتها

المورد الأول: روت السيدة عائشة اشتراط النكاح بإذن الولي, لكنّها خالفت في عملها ذلك:

 أخرج الترمذي بسنده إلى السيدة عائشة: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له».

ثم قال الترمذي: «هذا حديث حسن وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أيوب وسفيان الثوري وغير واحد من الحفاظ عن ابن جريج، نحو هذا»([209]).

وقد خالفت السيدة عائشة مضمون ما روته، فزوجت بنت أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير, وأخيها غائب في الشام:

أخرج مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: «أنّ عائشة زوج النبيّ «ص» زوجت حفصة بنت عبد الرحمن، المنذر بن الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام...»([210]).

المورد الثاني: روايتها أنّ صلاة السفر ركعتين وعملها خلاف ذلك:

قال ابن حزم: «روت عائشة (رضي الله عنها) أنّ الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر، وكانت هي تتم في السفر»([211]).

وهذا الخبر أخرجه مسلم عن الزهري عن عروة عن السيدة عائشة: «أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين, فأقرت صلاة السفر وأتمّت صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأوّل عثمان»([212]).

المورد الثالث: روايتها أنّ لبن العجل ينشر الحرمة، وعملها خلاف ذلك:

قال ابن حزم أنّ السيدة عائشة: «روت التحريم بلبن العجل، ثمّ كانت لا تأخذ بذلك، ولا يدخل عليها مَن أرضعته نساء إخوتها، ويدخل عليها مَن أرضعته بنات أخواتها»([213]).

المورد الرابع: روايتها أنّ المراد من القُرء هو خصوص الحيض, بينما كانت ترى أن القرء هو الطهر لا الحيض, فكان اعتقادها خلاف ما روته:

أمّا روايتها فقد أخرجها النسائي عن الزهري عن عمرة عن السيدة عائشة: «أنّ أم حبيبة بنت جحش كانت تستحاض سبع سنين, فسألت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: ليست بالحيضة, إنما هو عرق, فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلّى, فكانت تغتسل عند كلّ صلاة([214]).

وأمّا رأيها وتفسيرها الأقراء بالأطهار:

فقد أخرجه الشافعي عنها أنّها قالت: «وهل تدرون ما الأقراء؟ الأقراء الأطهار»([215]).

وأخرجه عنها ابن أبي شيبة بلفظ: «إنّما الأقراء الأطهار»([216]).

لذا حاول أحمد تضعيف روايتها؛ تفصياً من إشكال المخالفة, فقد ذكر ابن رجب وهو يبيّن قاعدةً في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه, عدة مصاديق, وقال: «ومنها حديث عائشة عن النبيّ أنه قال للمستحاضة: دعي الصلاة أيام أقرائك. قال أحمد: كلّ من روى هذا عن عائشة فقد أخطأ؛ لأنّ عائشة تقول الأقراء: الأطهار لا الحيض»([217]).

ج ـ مخالفة عبد الله بن عمر لروايته

المورد الأول: روايته لرفع يدي النبيّ’ في مواضع مختلفة من الصلاة ثم عمله خلاف ذلك:

 أخرج البخاري بسنده عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر, قال: «رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إذا قام في الصلاة رفع يديه حتّى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبّر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده ولا يفعل ذلك في السجود»([218]).

ثمّ خالف ولم يرفع يديه إلا ّفي الافتتاح:

أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن مجاهد, قال: «ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح»([219]).

المورد الثاني: رواية ابن عمر تطوع النبي في السفر، ثم مخالفته لذلك:

أخرج الترمذي عن حجاج عن عطية عن ابن عمر، قال: «صليت مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين».

 قال أبو عيسى: >هذا حديث حسن وقد رواه ابن أبي ليلى عن عطية ونافع عن ابن عمر<.

وأخرج عن عطية ونافع عن ابن عمر، قال: «صليت مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر أربعاً وبعدها ركعتين, وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين والعصر ركعتين, ولم يصل بعدها شيئاً, والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات لا ينقص في حضر ولا سفر, وهي وتر النهار, وبعدها ركعتين».

قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن، سمعت محمداً يقول: ما روى ابن أبي ليلى حديثاً أعجب إلي من هذا»([220]).

ونجد هنا أنّ ابن عمر يروي أنّ النبيّ’ قد صلّى النوافل في السفر, إلا أنّه خالف ذلك وأنكره:

أخرج البخاري عن عمر بن محمّد أن حفص بن عاصم حدثه قال: «سافر ابن عمر, فقال: صحبت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فلم أره يسبّح في السفر، وقال الله جل ذكره: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»([221]).

وأخرج مسلم عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب: «قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلّى لنا الظهر ركعتين, ثم أقبل وأقبلنا معه حتّى جاء رحله, وجلس وجلسنا معه, فحانت منه التفاتة نحو حيث صلّى, فرأى ناساً قياماً, فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يُسبّحون. قال: لو كنت مسبّحاً أتممت صلاتي, يا ابن أخي: إنى صحبت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في السفر, فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله...»([222]).

ومراد ابن عمر هنا بعدم الزيادة على ركعتين: أي عدم النوافل المرتبة في الصلاة, قال ابن حجر في شرحه لعبارة: «فلم أره يسبح في السفر<: «أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها...»([223]).

وجاء في لفظ الترمذي, عن نافع عن ابن عمر، قال: «سافرت مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر وعثمان, فكانوا يصلّون الظهر والعصر ركعتين ركعتين, لا يصلّون قبلها ولا بعدها، وقال عبد الله: لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها. وفي الباب عن عمر وعلي وابن عبّاس وأنس وعمران بن حصين وعائشة.

 قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم مثل هذا.

 وقال محمد بن إسماعيل: وقد روى هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن رجل من آل سراقة عن ابن عمر»([224]).

ومن هنا حاول ابن خزيمة تضعيف رواية ابن عمر الدالة على فعل النبيّ’ للتطوع في السفر؛ ليتخلص بذلك من إشكال المخالفة, فقال: «فابن عمر (رحمه الله) ينكر التطوع في السفر بعد المكتوبة، ويقول: لو كنت مسبحاً لأتممت الصلاة، فكيف يرى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يتطوع بركعتين في السفر بعد المكتوبة من صلاة الظهر، ثم ينكر على من يفعل ما فعل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وسالم وحفص بن عاصم أعلم بابن عمر وأحفظ لحديثه من عطية بن سعد»([225]).

وقال معلّقاً على الخبر الأوّل أيضاً: «وهذا الخبر لا يخفى على عالم بالحديث، أن هذا غلط وسهو عن ابن عمر؛ قد كان ابن عمر (رحمه الله) ينكر التطوع في السفر، ويقول: لو كنت متطوعاً ماباليت أن أتمّ الصلاة، وقال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا يصلي قبلها ولا بعدها في السفر»([226]).

المورد الثالث: روايته المسح على الخفين ومخالفته في ذلك:

ذكر ابن رجب وهو يبيّن قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه, عدة مصاديق, وقال: «ومنها أحاديث ابن عمر عن النبيّ في المسح على الخفين أيضاً أنكرها أحمد، وقال: ابن عمر أنكر على سعد المسح على الخفين فكيف يكون عنده عن النبيّ فيه رواية»([227]).

أمّا إنكاره المسح على سعد فقد روته مصادر عديدة:

فقد أخرجه مالك عن نافع، وعبد الله بن دينار: «أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين. فأنكر ذلك عليه. فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه. فقدم عبد الله، فنسي أن يسأل عمر عن ذلك، حتّى قدم سعد، فقال: أسألتَ أباك؟ فقال: لا. فسأله عبد الله، فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين، وهما طاهرتان، فامسح عليهما. قال عبد الله: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ فقال عمر: نعم. وإن جاء أحدكم من الغائط»([228]).

وأخرجه عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: «أن ابن عمر رأى سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه فأنكر ذلك عبد الله، فقال سعد: إن عبد الله أنكر عليّ أن أمسح على خفيّ، فقال عمر: لا يتخَلّجَنّ في نفس رجل مسلم أنْ يتوضأ على خفيه وإن كان جاء من الغائط»([229]).

بل إنّ الرواية وردت في صحيح البخاري, فقد أخرجها عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر, عن سعد بن أبي وقاص, عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): «أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك، فقال: نعم, إذا حدثك شيئاً سعد عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فلا تسأل عنه غيره.

 وقال موسى بن عقبة: أخبرني أبو النضر, أنّ أبا سلمة أخبره أن سعداً حدّثه، فقال عمر لعبد الله: نحوه»([230]).

والبخاري كما هي عادته في الاقتصار على النقل بالمعنى، فقد حذف إنكار ابن عمر على سعد!, لكن نفس سؤال ابن عمر لأبيه هو إنكار لفعل سعد،كما لا يخفى.

وفي روايةٍ: أنّ ابن عمر أنكر ذلك على سعد بن مالك، كما أخرجه ابن أبي شيبة, عن يحيى بن آدم, عن الحسن بن صالح, عن بسر بن لوف, عن ابن عمر: «أن سعد بن مالك مسح على الخفين, فأنكر ذلك عليه ابن عمر, فذكره لأبيه, فقال: سعد بن مالك أعلم منك»([231]).

وأمّا روايته المسح على الخفين، فنقتصر على ما أخرجه الترمذي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت, عن النبيّ’: «أنه سئل عن المسح على الخفين. فقال: للمسافر ثلاثة، وللمقيم يوم».

ثمّ قال الترمذي: «وفي الباب عن علي، وأبي بكرة، وأبي هريرة، وصفوان بن عسال، وعوف بن مالك، وابن عمر، وجرير»([232]).

المورد الرابع: كان ابن عمر قد روى التسليمتين إلى اليمين واليسار عند انتهاء الصلاة، لكنّه عملاً كان يخالف ذلك, ويكتفي بتسليمة واحدة:

أمّا روايته التسليمتين, فقد قال ابن عبد البر: «وحديث ابن عمر رواه عمرو بن يحيى المازني, عن محمد بن يحيى بن حبان, عن عمه واسع بن حبان, قال: قلت لابن عمر: حدّثني عن صلاة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كيف كانت؟ فذكر التكبير كلّما رفع رأسه وكلّما وضعه, وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه, السلام عليكم ورحمة الله عن يساره.

رواه ابن جريج, وسليمان بن بلال, وعبد العزيز بن محمد الدراوردي, كلهم عن عمرو بن يحيى المازني, وهو إسناد مدني صحيح»([233]).

والحديث أخرجه أحمد والنسائي وأبو يعلى وغيرهم([234]).

وأمّا مخالفته, فقد أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف تحت باب: مَن كان يسلّم تسليمة واحدة, قال: «حدّثنا عبد الأعلى, عن خالد, عن أنس بن سيرين, عن ابن عمر, أنّه كان يسلّم تسليمة<([235]).

وقال: >حدّثنا وكيع, عن مالك بن دينار, عن نافع, عن ابن عمر, أنه كان يسلّم تسليمة»([236]).

د ـ مخالفة ابن عباس لروايته

المورد الأوّل: روايته لوقوع طلاق الثلاث واحدة, ومخالفته لذلك:

أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عبّاس, قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم».

وعن ابن طاووس, عن أبيه, أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس: «أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر، فقال ابن عباس: نعم».

 وعن أيوب السختياني, عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس: «إن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك, ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتايع([237]) الناس في الطلاق فأجازه عليهم»([238]).

وقد خالف ابن عبّاس روايته هذه, وكان يرى طلاق الثلاث يقع ثلاثاً:

قال ابن عبد البر: «فذكر أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثني عباد بن العوام, عن هارون بن عنترة, عن أبيه, قال: كنت جالساً عند ابن عبّاس, فأتاه رجل, فقال: يا [بن] عباس إني طلقت امرأتي مائة مرة وإنما قلتها مرة واحدة، فقال: بانت منك بثلاث, وعليك وزر سبع وتسعين».

 قال: «وحدثني وكيع عن سفيان, قال: حدثني عمرو بن مرة, عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى ابن عبّاس، فقال: إني طلقت امرأتي ألفاً ـ أو قال مائة ـ قال بانت منك بثلاث, وسائرهن وزراً, اتّخذت بها آيات الله هزواً».

 وذكر عبد الرزاق, عن الثوري, عن عمرو بن مرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عبّاس, مثله.

 وقال عبد الرزاق: أخبرني ابن جريج: «أخبرني عكرمة بن خالد: أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلاً جاء إلى ابن عبّاس فقال: [إنّي] طلقت امرأتي ألفا، فقال: تأخذ [ثلاثاً] وتدع تسعمائة وسبعاً وتسعين».

 قال: «وأخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن كثير والأعرج, عن ابن عبّاس, مثله».

 وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: «أخبرني عبد الحميد بن رافع عن عطاء ـ بعد وفاته ـ أنّ رجلاً قال لابن عباس: رجل طلق امرأته مائة، قال ابن عباس: يأخذ من ذلك ثلاثاً ويدع سبعاً وتسعين».

 قال: «أخبرنا معمر, عن أيوب, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد, قال: سئل ابن عبّاس عن رجل طلق امرأته عدد [نجوم السماء], قال: يكفيه من ذلك رأس الجوزاء».

 قال أبو عمر: «فهذا سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم يروون عن ابن عبّاس في طلاق الثلاث المجتمعات أنهنّ لازمات واقعات»([239]).

المورد الثاني: روايته إجزاء الحج عن الصبي، ومخالفته لذلك:

أخرج مسلم عن ابن عباس، قال: «رفعت امرأة صبياً لها، فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر»([240]). وهذا يدلّ على إجزاء الحج للصبي.

لكن ابن عبّاس خالفه, وكان يرى أن الحج لا يجزي إلا بعد البلوغ:

 لذلك, قال البخاري في التاريخ الكبير في معرض ردّه على الحديث أعلاه: «وقال أبو ظبيان وأبو السفر عن ابن عباس: أيما صبي حج ثم أدرك فعليه الحج، وهذا المعروف عن ابن عباس»([241]).

وقد أورد هذه المخالفة ابن رجب تحت عنوان: قاعدة: (في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه)([242]) فهو يرى أن قول ابن عباس مخالف لروايته هذه.

هذا فيما يخص مخالفات بعض الصحابة لما رووه.

4ـ عطفاً على النقطة الثالثة السابقة، نقول:

 نعم, الشيعة لا تعتقد بما ثبت عندكم من روايات مطلقاً، كما أنّكم لا تعتقدون بما ثبت عند الشيعة، وذكرنا لك أنّنا نحتجّ عليك بكتبكم بما يوافق منهجكم التصحيحي, ولا نستدلّ بها, وهذا واضح لا يخفى على العلماء والمحققين.

 أمّا قولك بأننا نحتجّ بالضعيف: فهذا مجاف للحقيقة، ونترك الحكم للقارئ ليرى هل أنّنا نحتجّ بالضعيف فعلاً, أم بما هو ثابت عند علماء أهل السنّة, وليرى من الذي ضعّف الثابت الصحيح فراراً من لوازمه؟!

قلتم: قتال الصحابة لعلي كان عن شبهة

في معرض ردّكم على سؤالي: بأنه كيف يصحّ تبرير عمل الصحابة تحت ظل الاجتهاد... حتّى في الخروج على إمام زمانهم, وإزهاق أرواح كثيرة, وسفك دماء غزيرة؟

قد ذكرتم في ص102: أن ظاهرهم كان قتالاً على شبهة، ولم يخرجوا بقصد الخروج، وإنّما للمطالبة بدم عثمان، فإن علياً آوى قتلته, فهذا ظاهرهم وأمّا سرائرهم فالله يعلم بها.

الجواب

1ـ تقدّم الحديث عن ذلك في مبحث أبي الغادية الجهني، وبيَّنا هناك أن الخروج لم يكن عن شبهة, بل كان عمدياً، مخالفاً للشرع الحنيف، وقد بينا ثلاثة وجوه لذلك، وهي ملخصاً:

أولاً: أنّ النبيّ’ قد أخبر بأنّ أبا الغادية في النار؛ لقتله عمّار بن ياسر([243])، ومع الشبهة والاجتهاد، كما تزعم، لا يمكن أن يخبر النبيّ’ بدخوله النار.

ثانياً: أنّ الاجتهاد لا بدّ أن يكون بعد التفحص ومعرفة الآثار الواردة عن النبيّ’, وعرفنا هناك أنّ النبيّ’ أخبر مسبقاً بأن عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار([244]), وأخبر أنّ علياً مع الحق والحق مع علي([245])، فكيف ساغ لمعاوية قتال علي مع تصريح النبيّ’ قبل ذلك بأنّ من يقاتله في خندق الباطل, ويكون داعية إلى النار؟

ثالثاً: أنّ المجتهد الطالب للحقيقة يعود لصوابه، بل ويندم شديد الندم إذا عرف خطأ اجتهاده, وهذا ما لم نره من معاوية! فلمّا أخبروه بمقتل عمّار وما سمعوه من النبيّ’ بخصوصه لم يعر أي اهتمام للأمر, وكلّ ذلك تقدّم.

2ـ تقدّم في مبحث سياسة عثمان، ورؤيتنا لموقف علي من الأحداث، أنّه لم يكن في وسع الإمام عليّ أنْ يقتل قتلة عثمان، كيف؛ وقد اشترك في دمه خيار الصحابة والتابعين وقراء القرآن؟

كما اتّضح أن السيّدة عائشة وطلحة كانوا من المؤلّبين على عثمان, وكان هناك عشرة آلاف كلّهم يقول: نحن قتلة عثمان, فهل يمكن لعلي× قتل هؤلاء جميعاً, وهل يمكنه تسليمهم إلى معاوية؟

فهذا الأمر لم يكن في دائرة الممكن؛ حتّى يطلب معاوية بقتلة عثمان، ويقاتل ويسفك الدماء من أجل ذلك.

ومعاوية أذكى من أن يغفل عن أن هذا الأمر مستحيل الوقوع, لذا اتخذه شعاراً لكي يحقق مآربه من خلاله, وقد أجابه علي× بإحدى الرسائل بأنّك تطلب ذلك ذريعة إلى ما تأمل, وكلّ ذلك قد تقدم بيانه وتفصيله فلا نعيد([246]).

 3ـ لم يكن مسوغ شرعي عند معاوية للمطالبة بدم عثمان، فإن ولي دمه كان منحصراً باثنين فقط, هم: أولاد عثمان, والخليفة الشرعي, والثاني كان عليّا× وهو أدرى وأحق بالقصاص لو كان ممكناً, ولا توجد ذرة حق لمعاوية في المطالبة بالقتلة, فكيف يسلمهم الإمام إلى معاوية وهو الخليفة الشرعي، ومعاوية كان عاصياً شاقاً لعصى المسلمين، خارجاً على خليفة زمانه، رافضاً للبيعة, فبأيّ مبرر ومسوغ شرعي يسلمهم إليه؟

 أفلم يكن معاوية يعلم أن طلبه خلاف الشريعة, وأنه ليس ولياً لدم عثمان, فكيف يكون قتاله لشبهة, وهو عالم أنه يطلب ما لا حقّ له به؟

هذا وقد كفانا مؤنة الجواب على هذه المسألة, العالم السنّي المعاصر حسن بن فرحان المالكي, حيث قال وهو يرد على عبد الحميد فقيهي: «أولا: كون معاوية هو ولي دم عثمان باطل؛ فإن أبناء عثمان هم أولياء دم عثمان، وكانوا شباباً بالغين خرجوا مع عائشة يوم الجمل، فهم أولياء دمه وليس معاوية!!.. أما كونه كبير أسرة بني أمية، فإن القبلية قد أبطلها الإسلام.. فقول الفقيهي فيه إقرار بشرعية (العصبية القبلية) على حساب (الأحكام الشرعية)، وللأسف أن أكثر المؤرخين الإسلاميين اليوم إذا تحدثوا عن خلاف معاوية فإنهم يرتكزون على (الجانب القبلي الجاهلي) في تسويغ خروج معاوية, وينسون الجانب الشرعي الإسلامي أو يتناسونه!! على أية حال؛ لن يكون معاوية أحرص على تطبيق الشرع من علي، ولن يكون أعارب لخم وجذام ومسلمة الفتح أحرص على ذلك من البدريين والمهاجرين والأنصار الذين كانوا مع علي!!!.

ثانياً: إنْ سلّمنا أن معاوية له الحق في المطالبة بدم عثمان، فإن المطالبة الشرعية لا تكون بالسيف، فإذا حاول كلّ صاحب حق أن يأخذ حقه من الإمام بالسيف فهذا فيه شر عظيم، وشق للعصا، ومفسدة أكبر مما يرجى من المصلحة، وقد رأينا النتائج.

ثالثاً: معاوية نفسه عندما تولّى الخلافة تخلّى عمّا كان يطالب به من قتل قتلة عثمان!! فهذا يدلّ على أنه لم تكن له بينة على أحد منهم بعينه، أو أنه خشي ازدياد الفتنة، وهذه يعتذر بها الفقيه عن معاوية ولا يعتذر بها عن علي، مع أنّ علياً أولى بالعذر هنا, وأحرص على تطبيق الشرع من معاوية باتفاق كلّ العقلاء وأهل الإسلام...»([247]).

ونحن نضيف نقطة أخرى ها هنا وهي: أنّ معاوية لم يكن ينتصر لعثمان في حال حياته، مع طول فترة الحصار على بيت الخليفة، واستمرار المكاتبات، وتحرك الجيوش من مختلف الأمصار، وكان قادراً على نصرته, لكنه كان يغض الطرف عن كلّ ذلك, وكأنّه كان ينتظر مقتل عثمان ليطالب بدمه فيما بعد، ليكون ذلك وسيلة لغصب الخلافة من صاحبها الشرعي!!

ثم لو كان جاداً فعلاً في مطالبته بقتلة عثمان فلماذا لم يعاقب طلحة والسيدة عائشة، فلم يكونوا تحت سيطرة الإمام علي، بل خرجوا عليه قبل ذلك, فأين كان معاوية عنهم, ولماذا لم يبعث رجاله في طلبهم, فطلحة كان من أشد الناس على عثمان, فلماذا لم يقتص منه معاوية؟!

وبهذايتضح أنّ معاوية كان عامداً باغياً خارجاً على إمام زمانه دون شبهة أو تأويل, وهو من الدعاة إلى النار بنصّ قول النبيّ’ المتقدّم «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية, عمّار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار»([248]).

مبدأ الاجتهاد والخطأ وعمومه لغير الصحابة

في معرض ردّكم على سؤالي: بأن الاجتهاد هل يختص ببعضهم (الصحابة) أو يعمّهم ويشمل من يأتي بعدهم, اقتداء بسيرتهم, وعملا ًبقول النبيّ’: (أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم).

قلتم: القول بعمومه تهكم، وحديث اصحابي كالنجوم مكذوب

ذكرتم: «هذا من باب التهكم لا من باب الاستفسار... وأن الخطأ من صفات البشر ومن قال: إنه يُقتدى بالمخطئ في خطئه؟... وأن الحديث مكذوب...».

الجواب

 نعم؛ نعلم أن الحديث موضوع مكذوب، لكن لم نضعه للتهكم، بل للإشارة إلى أنّكم تعملون بمضمونه خارجاً وإن كنتم تقرّون بكذبه نظرياً, فلا تقبلون نقد الصحابة ولا التعرض إلى أفعالهم، وأن من يُفسِّق أي أحد منهم فهو زنديق، حتّى لو كان الصحابي يحمل مبررات تفسيقه معه, فأنتم وضعتم هالة من القداسة على الصحابة، وأخذتم تتأولون لهم أي فعل, حتّى سفك الدماء وانتهاك الأعراض, فإذا كان كذلك, فالمقتدي بهم سيكون حاله من حالهم، فالصحابي عندما يقتل ويزني وهو مع ذلك مستحق للجنان؛ لأنه متأول كما تزعمون، فمن تبعه في ذلك فالمفترض أن يكون مثله بلا فرق.

حجية قول الصحابي

ثمّ إن تعظيمكم للصحابة وصل مرحلة أنّكم تعدونهم مصدراً تشريعياً, مع طرو الخطـأ والنسيان عليهم، بل مع فعلهم المنكر والقبيح كشرب الخمر وفعل الزنا!! وتوجد في علم الأصول بحوثٌ مكثّفة حول حجيّة مذهب الصحابي من عدمها, فإذا كان قول وفعل الصحابي حجّة فما المانع من اتّباعه فيما يقول ويفعل؟

وقبل الختام لا بد من التدليل على أن الكثير من علمائكم ذهبوا إلى حجيّة قول الصحابي وأن قولهم سنة كقول النبيّ’, قال النووي: «وقول الصحابي حجّة أيضاً عند أبي حنيفة»([249]).

 وقال: «وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني: قول الصحابي إذا انتشر حجّة مقطوع بها»([250]).

وفي حاشية رد المختار لابن عابدين: «والحاصل أن قول الصحابي حجّة يجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شيء آخر من السنّة»([251]).

وقال الغزالي: «وقد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حجّة مطلقاً، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله: اقتدوا باللذين من بعدي، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتّفقوا...»([252]).

وقد ذكر النووي معركة الآراء في قول الصحابي إذا انتشر أو لم ينتشر، وإذا وجد له مخالف أو لم يخالفه أحد, وهل يُقدّم على القياس أم لا وهكذا([253]).

ويقول الشاطبي في الموافقات: «سنّة الصحابة (رض) سنّة يعمل عليها ويرجع إليها»([254]).

إذن، فهناك معركة أصوليّة في حجيّة قول الصحابي، مع أنّهم أناس يخطأون ويذنبون.

فإذا كان الخطأ من صفات البشر كما تقول, فلماذا تحاولون إخراج الصحابة عن حقيقة البشرية, ولماذا يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم, ولماذا يؤجرون على كلّ أعمالهم وإن كانت خطأ, ولماذا لا يجوز التعرّض لهم ولا نقدهم؟ ولماذا ولماذا...وستبقى علامات الاستفهام سارية المفعول تتكرر مع استمراركم على هذا النهج.








حوار في
الآيات الورادة في مرضى القلوب والمشكّكين وغيرهم


أجبتم في ص106ـ 109 على الآيات الواردة في ذمّ مرضى القلوب, والمشكّكين, والذين يؤذون الله ورسوله’, والذين يظنّون بالله غير الحقّ بعدّة أجوبة, جميعها قابلة للدفع، وقد اعتمدت فيها بشكل رئيس على التفريق بين المنافقين والصحابة، وأهم ما ذكرته في كلامك هو:

قلتم: هذه الآيات مختصة بالمنافقين وهم غير عدول

أولا: ذكرتم أنّ هذه الآيات مختصة بالمنافقين، ولا يوجد أحد من قال بعدالتهم، وها هي كتب السير تذكر الصحابة العدول، ووردت بعض الآثار فيها أسماء المنافقين، ولم تسم أحداً من الصحابة المؤمنين بالنفاق... ولم يطلق أحد من أهل السنة على المنافقين بأنّهم ذوو عدالة وتقوى.

الجواب

تقدّم أنّ المنافقين كانوا معدودين من الصحابة؛ لأنّهم رأوا رسول الله’، وكانوا مؤمنين به بحسب الظاهر, والواقع لا يعلمه إلا الله, فهم داخلون في تعريفكم للصحابي.

 وتقدم أيضاً اعتراف ابن حزم والنووي بأن المنافقين كانوا معدودين من الصحابة، ومر أيضاً أنّ النبيّ’ أطلق لفظ الصحابي على مجموعة من المنافقين في عصره, وأطلق لفظ الصحابي على مجاميع توعدهم في النار في أحاديث الحوض التي مرت سابقاً وغيرها.

 وعرفنا أيضاً أن المنافقين كانوا غير معروفين، ولم ينكشف إلا القليل منهم، وقد أطلع الله نبيه’ على بعض منهم، كما أنّ النبيّ’ أطلع حذيفة على عدد منهم([255]).

 وبعد هذا كيف يمكن لكم أن تميزوا المنافقين من الصحابة؟ وما دام لم ينكشف أمرهم فهم من الصحابة ظاهراً، كونهم قد رأوا النبيّ ’ وأسلموا ظاهراً، فلا بدّ أن تشملهم العدالة والتقوى، بل ينبغي التأسّي بهم كالتأسي بصالح الصحابة!!

قلتم: الشيعة لا يمكنهم التفريق بين الصحابة والمنافقين

ثانياً: ذكرتم أنّ الشيعة لا يستطيعون التفريق بين الصحابة والمنافقين, ولا يستطيعون تبيين من هم المنافقون الذين أطلق عليهم أهل السنّة بأنّهم ذوو عدالة وتقوى؟

وثالثاً: أنّ المفسّرين حصروا تفسير الآيات بخصوص المنافقين، ولم ينسبوا أعمالهم إلى أي من الصحابة، كما لم يثبت أن أحداً من الصحابة الذين آمنوا بالنبيّ (صلى الله عليه وسلم) من المهاجرين والأنصار قد قال شيئاً من ذلك.

الجواب

نقول: نحن من نطالبك بأسماء المنافقين؛ لأنّ الآيات ذمت طوائف عديدة, وهؤلاء رأوا النبيّ’ وآمنوا به ظاهراً, فهم منتشرون بين الصحابة ومعدودون منهم, فكيف يمكنك أن تنفي وجودهم ضمن الصحابة والقرآن لم يسمّهم بأسمائهم, فنحن وطبقاً للآيات ندّعي أنّ في الصحابة منافقين مع أنّهم رأوا النبيّ’ وآمنوا به ظاهراً, ولم نعرفهم, ولم يبيّنهم لنا الله أو رسوله’, ولا يمكنك أنْ تنفي هذا المدّعى، وعليه فهذا العلم بوجود المنافقين بينهم يمنع من الحكم على جميع الصحابة بالعدالة.

 ثمّ كيف لك أنْ تثبت أن أحداً من الصحابة لم يقل ويفعل شيئاً مما ذكرته مضمون الآيات, فأين عندئذ مصاديق وتطبيقات هذه الآيات خارجاً؟

فهل يعقل أنْ تتحدّث الآيات بشكل نظري وخيالي؟ أم أن ما تحدثت عنه موجوداً, وقد اختلطت مصاديقه في عداد الصحابة العدول؟

إن الآيات صريحة في أن هناك عدداً ليس بالهيّن من المنافقين ومرضى القلوب والمرتابين، وأنّ النبيّ’ بنفسه لم يكن يعرفهم أجمع, فأين هم, وما هي أسماؤهم, فأنتم إذن من خلط بين الصحابة الأجلاء وبين المنافقين بقاعدة أنّ جميع الصحابة عدول, وعرّفتم الصحابي بأنّه كلّ من رأى رسول الله وآمن به.

 فلا بدّ إذن أن يكون كلّ شخص من المنافقين والمرتابين والمؤذين لله ورسوله ـ ما دام لم ينكشف حاله ـ عادلاً يجب احترامه وتقديسه, أمّا نحن فنرفض ذلك المبدأ، ونتقيد بالقرآن والسنة، ولا نقول بعدالة أحد إلا أن يقوم الدليل الخاص على عدالته، وإلا فإمّا أن يثبت انحرافه أو يبقى في دائرة الجهالة، التي تشمل النفاق أو الفسق أو العدالة.

 فالقاعدة عندنا أن الصحابة ثلاثة أنواع:

 الأول: من ثبتت عدالتهم, وهم محل تقدير وتبجيل, وهم شريحة كبيرة جداً، فقد ذكرنا سابقاً أنّ من اشترك مع علي× في حروبه فقط, كان زهاء ثلاثة آلاف صحابي من المهاجرين والأنصار. والنوع الثاني: هم المنافقون والفسّاق, والنوع الثالث: من لم يثبت في حقه لا فسق ولا نفاق ولا تعديل، فهو مجهول الحال.

 وهذه القاعدة أوضحتها الآيات الذاكرة للمنافقين أو الواردة في ذمّ بعض الصحابة، وكذا الروايات النبوية الذاكرة للمنافقين أو الذامة لعدد كثير من الصحابة، وأيضاً التاريخ المؤكّد لارتكاب بعض الصحابة لمخالفات فظيعة لا يقدم عليها المتدين العادي، كالقتل والزنا وشرب الخمر وغيرها, بل عرفنا أن ذلك البعض قد خالفوا النبيّ’ مراراً وأطلق عليهم لفظ العصاة, وغضب عليهم.

فلا يمكن حينئذ القول بعدالة الصحابة أجمع، ولا يمكن بعد أن ثبت وجود عصاة ومنافقين في نطاق الصحابة غير متشخّصة أعيانهم أن نجري أصالة العدالة في كلّ الصحابة, لعلمنا بأنّ عدداً معتدّاً بهم ليسوا كذلك, فأنتم تثبتون العدالة لهم؛ لكونهم صحابة, لا لكون الدليل دلّ على وثاقتهم, وعرفنا أنّه لا يوجد دليل عام على عدالة الصحابة أجمع.

قلتم: لا نستطيع إثبات ايمان الصحابة إلا عن طريقهم

ذكرتم: إنّ إيمان الصحابة ثبت بطريقهم هم فإذا كان إيمانهم ثابتاً استطعنا التفريق بين المؤمنين والمنافقين، وإلا فلا نستطيع أن نثبت إيمانهم.

الجواب

إنّ إيمان ووثاقة الصحابة لا يمكن أن نعرفه من طريقهم هم، كما زعمت ذلك أنت؛ لأن ذلك ـ كما يقول أهل المنطق ـ يستلزم توقف الشيء على نفسه، وهو غير ممكن؛ ضرورة أن إيمانهم لا بد أن يثبت في رتبة سابقة، بما ورد من أعمالهم واستقامتهم على الشريعة وطاعتهم لرسول الله’ لا بمجرد دعواهم ذلك([256]).

 أضف إلى ذلك: إن ثبوت إيمان شخص بدليل معتبر لا يعني بقاءه عادلاً إلى يوم القيامة, فإن بعض الصحابة اعترفوا بتضييع الدين والإحداث بعد رسول الله وحتّى الصلاة فقد ضُيّعَت([257]).

وقد تقدّم بيان كلّ ذلك في البحوث السابقة بذكر الشواهد والأدلة فلا نعيد.

فتبيّن من جميع ذلك, أنّ جوابك ممّا لا محصل له، وأنّ الآيات حجّة دامغة تثبت وجود عدد معتد به من المنافقين في زمن النبيّ’, وهذا العدد مبثوث ومنتشر بين الصحابة, وانتم تُجلّونهم وتقدّرونهم باعتبارهم من الصحابة بحسب الظاهر.

قلتم: جعل المنافقين من الصحابة تجني على النبي

في معرض ردك على كلامنا الذي قلنا فيه: «حصيلة ما يلاحظ في هذه الآيات: أنّ في الأصحاب عدولاً وثقات من غير شك وريب, ومنهم أيضاً غير عدول وضعاف».

فذكرتم في جوابكم على كلامي هذا جواباً خطابياً لا يمت للعلم وأهله بصلة حاصله: أننا نتجنى بكلامنا على رسول الله’ حينما نجعل المنافقين أصحابه، فإن المرء قرين أصحابه ويوزن بهم، فمن كان أصحابه فضلاء كان فاضلاً, ومن كانوا غير ذلك كان مثلهم.

ثم ذكرت أن علماء الأمّة، بل وحتّى جهلتها لم يقولوا أن المنافقين من أصحاب رسول الله’...ثم تساءلت: من هم العدول؟ ومن هم غير العدول؟ وحين افتقرت إلى الدليل أخذتك الحمية ورحت تتهجم كعادتك، فاتهمتنا بالقول بأننا نعتقد أن أصحاب النبيّ منافقون أو فساق, وزوجات النبيّ كافرات أو فاسقات, وجميع آل بيته كفار أو فساق إلا علياً وبعض ذريته, والقرآن محرّف أو ناقص..أيّ دين هذا؟!

الجواب

1ـ هذا كلام بعيد عن الصياغة العلمية والحوار الصحيح، فلا يحمل أي دليل، بل هو إسفاف من القول لا قيمة له.

2ـ وفقاً لما ذكرته، وأنّ الشخص يوزن بأصحابه، مع ملاحظة أنّكم ترون الرؤية المجرّدة للنبي’ كافية في تحقّق الصحبة, ينبغي أن تعتقد أنّ جميع أصحاب الأنبياء السابقين عدول وثقات, فكلّ أصحاب موسى× عدول، وكلّ أصحاب عيسى× عدول، وكذا أصحاب هود وصالح ونوح ولوط وبقية الأنبياء (عليهم جميعا سلام الله) كلهم عدول!!

وإلا لو لم تعتقد بذلك، وكنت ترى أن بعضهم لم يكن كذلك، كما هو الصحيح، فإنّك ستتهم جميع الأنبياء السابقين بالانحراف والفسق وعدم الفضيلة.. فأنت أسّست قاعدة وقلت: «فإن الشخص يوزن بأصحابه فمن كان أصحابه فضلاء كان فاضلاً, ومن كانوا غير ذلك كان غير ذلك», فاستعد إذن لملاقاة الأنبياء يوم الحساب!

 أمّا نحن فنجلّ الأنبياء وعلى رأسهم نبيّنا محمد’ من أن ننسب إليه ما ينقصه، ونقول بعصمتهم جميعاً من الصغائر والكبائر مطلقاً, بخلافكم حيث جوزتم على الأنبياء المعاصي، والعياذ بالله. ونقول انّه’، ومن سبقه من الأنبياء، بعثوا إلى أمم فيها الصالح والطالح، فبلّغوا رسالتهم على أتمّ وجه وأحسنه، وأنذروا أممهم، وأقاموا عليهم الحجّة، فمنهم من آمن وصلح حاله، ومنهم من تظاهر بالإيمان، ومنهم من كفر, فلا توزن الأنبياء بأممهم، ولا بكل من شاهدهم وحادثهم وتظاهر بالإيمان بهم.

ولو سلّمنا لك بذلك القول، فأنت تقرّ وتعترف أيضاً بأنّ صحابة النبيّ’ غير معصومين ويخطأون, وقد ثبت أنّ منهم من شرب الخمر ومنهم من زنا ومنهم من قتل النفس المحترمة... فهل توزن النبيّ’ بهم؟

فهل إذا شربوا الخمر نقيس النبيّ’ بهم فهم أصحابه, وإذا زنوا نقيسه بهم فهم أصحابه, وإذا سرقوا كذلك؟ إنّ هذا غاية الطعن والجرأة على رسول الله’.

3ـ ذكرنا بما لا مزيد عليه, أن المنافقين كانوا من الصحابة, وأن الخليفة عمر كان لا يصلّي على أحد مات حتّى يسأل حذيفة, وأن المنافقين غير معروفين، وكانوا ضمن مجتمع الصحابة، فقد رأوا النبيّ’ وآمنوا به ظاهراً([258]), وأنتم ترونهم عدولاً ثقات يجب تقديسهم واحترامهم.

4ـ يمكنك أن تميّز الصحابة العدول عن غيرهم بالرجوع إلى روايات الحوض، وترى كيف أن جمعاً من الصحابة يساقون إلى النار والنبيّ’ يقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك([259])، ويمكنك أن تشخّصهم حين تقرأ: أنّ عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار([260])، ويمكنك أن تعرفهم حين تقرأ قول النبيّ’ لعلي×: لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق([261])، وحين تعرف أن علياً مع الحق ومع القرآن([262]) وتعرفهم حين تعلم: أن ثلاثة جيوش قاتلت علياً×، وتعرفهم حين تقرأ قول ابن تيمية: «فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبّونه ويقاتلونه»([263]). فلا يخفى عليك الميزان ـ بعد ذاك ـ في معرفة الصحابة العدول من غيرهم.

5ـ أمّا اتّهامك بأننا نعدّ الصحابة منافقين أو فساقاً, فقد تقدم أن الصحابة عندنا على أقسام، فمنهم من ثبتت عدالته، ومنهم ثبت نفاقه وفسقه، ومنهم المجهولون، وهذا التقسيم مستند إلى القرآن والسنة، كما تقدّم... وأمّا اتّهامك وإيحاؤك للقارئ بأن الشيعة تعتقد أنّ جميع زوجات النبيّ’ كافرات أو فاسقات، فسيأتي بطلان هذا الزعم، وأنه تحكم بلا دليل، وقد تعودنا على ذلك منكم، فكثيراً ما يعوزكم الدليل, فتكيلون الاتهامات، خصوصاً أنّ لغة التكفير شائعة في مذهبكم.

وأمّا اعتقاد الشيعة بأن جميع آل بيته كفار أو فساق إلا علياً وبعض ذريته!! فهو افتراء كبير وتجن في وضح النهار، ولا أخال أنك تصدّق بذلك, ويا حبذا لو ترشدنا إلى دليل واحد يبين أنا نكفر كلّ أهل البيت أو نفسقهم؟ وما هكذا تورد يا سعد الإبل!

وأمّا أنّ القرآن محرّف أو ناقص؛ فهذا ما لا نعتقد به، ولا نقول به، ونرفض كلّ ما دل على ذلك, فعقائد المذهب وخصائصه تعرف بما عليه مشهور علمائه ومحققيه, لا بشواذ الآراء, ولا برواياته الضعيفة أو المردودة.

 لكن في المقابل نطلب منك أن تدلّنا على آيات الرضاع المحرِّم التي رواها مسلم عن السيّدة عائشة, فمالنا لا نجدها في كتاب الله؟ فأين هي في القرآن؟ فقد توفي رسول الله وهن مما يقرأ([264])، فهل نسخت بعد وفاة رسول الله! أتقول بذلك؟ أم تنفي أن صحيح مسلم ثاني كتاب بعد كتاب الله؟

ثمّ أين الآيات التي أكلها الداجن([265]), وأين بقية آيات سورة الأحزاب([266]), وأين ذهب ثلثي القرآن على رأي الخليفة عمر بن الخطاب حيث قال: «القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف»([267]). والقرآن الذي بين يدي المسلمين أقلّ من ثلث هذا! فكتبكم ملأى بروايات صحيحة في التحريف, فإذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة!

وقولك مستغرباً: أيّ دين هذا؟ فنقول: نعم, أيّ دين هذا الذي يأكل آيات قرآنه الداجن؟! بل أيّ دين هذا الذي يُقدّس فيه من يشرب الخمر ويسرق ويزني وينافق؟!

 وأيّ دين هذا الذي ينتقص من مروءة نبيه ’ فيصفه بالبول واقفاً([268])، وأنه رجل مشغوف بالجنس يطوف على جميع نسائه في ليلة واحدة، بل في ساعة واحدة([269]), وأنّه يستمع للجارية وهي تضرب بالدف وتتغنى([270])؟!

بل ويحمل السيّدة عائشة لتتفرج على الحفلات وخدها على خده، ويرضى أن تغني الجواري بحضرتها ويكون مزمارة الشيطان في بيته ؟!([271]).

وأيّ دين هذا الذي يريد نبيّه الانتحار بمجرّد حبس الوحي عنه ([272])؟!

فهل هذا هو الدين الذي تفتخر به وترى غيرك ممن لا يدين بمثله مدعى للاستغراب؟

نسأل الله تعالى الهداية للجميع.










حوار
حول أمهات المؤمنين


رأي الشيعة في طهارة أمهات المؤمنين

كنا قد قلنا: إنّ مقام الصحابة لم يكن أكثر امتيازاً من أزواج النبيّ’...

قلتم: الشيعة يشككون في طهارة أمهات المؤمنين

وقد أجبتم في ص109: بأننا بعد أن شككنا في عدالة الصحابة انتقلنا إلى التشكيك في طهارة وإيمان أمّهات المؤمنين.

الجواب

إنّ الذي طعن في طهارة أزواج النبيّ’ هم الصحابة أنفسهم, ولم يذكر أيٌّ من الشيعة ذلك، ولم يرتضوه، فهم ينكرون كلّ ما يخالف كتاب الله، فكلّ خبر ظاهره الطعن بطهارة نساء النبيّ’ يعدّ مخالفاً للكتاب والسنة فغير مقبول، ونضرب به عرض الجدار.

أمّا أنتم فتؤمنون بكلّ ما في صحيح البخاري, وقد جاء فيه أنّ الذي رمى السيدة عائشة بالفاحشة هم ثلة من الصحابة, منهم حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومِسْطَح بن أُثاثة([273]), ومِسْطَح هذا من أهل بدر, وحسان شاعر النبيّ’, وقد حدّهم النبيّ’ بعد أن أثبت الله براءة زوجته([274]) أفلا يكفيكم هذا في التراجع عن القول بعدالة الصحابة أجمع؟

 فكان حريّاً بكم أن تتورعوا عن رمي الشيعة بالطعن بطهارة نساء النبيّ بهتاناً وافتراءً, وبلا دليل ولا حجّة, وأنْ يكون محطّ اهتمامكم في هذه المسألة بمَن شكّك فعلاً من الصحابة في عرض النبيّ’؛ لذا أنصحك بأن تفتح كتاب البخاري وتبحث عن ذلك لتكن على بيّنة وتتراجع عن الافتراء والبهتان الذي رميتنا به.

ثمّ إنّ عقيدتنا واضحة وجليّة في طهارة نساء النبيّ’، فنحن نعتقد باستحالة إمكان الزنا في زوجات النبيّ’ فضلاً عن وقوعه, فهو محال عقلاً, بغض النظر عن وجود دليل نقلي على ذلك من عدمه.

 يقول السيّد الطباطبائي في تفسيره: «إنّ تسرّب الفحشاء إلى أهل النبيّ ينفّر القلوب عنه, فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء, وإلا لُغيت الدعوة, وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب»([275]).

وقال العلامة عبد الحسين شرف الدين بخصوص السيدة عائشة: «إنها عند الإمامية وفي نفس الأمر والواقع أنقى جيباً وأطهر ثوباً وأعلى نفساً وأغلى عرضاً وأمنع صوناً وأرفع جناباً وأعز خدراً وأسمى مقاماً من أن يجوز عليها غير النزاهة, أو يمكن في حقّها إلا العفة والصيانة، وكتب الإمامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول.

 على أن أصولهم في عصمة الأنبياء تحيل ما بهتها به أهل الإفك بتاتاً، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلا؛ ولذا صرّح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمّد طه النجفي أعلى الله مقامه وهو على منبر الدرس: بوجوب عصمتها من مضمون الإفك؛ عملاً بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقل عائبة, ولزوم طهارة أعراضهم عن أدنى وصمة، فنحن والله لا نحتاج في براءتها إلى دليل, ولا نجوز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كلّ ما كان من هذا القبيل.

قال سيدنا الإمام الشريف المرتضى علم الهدى في المجلس 38 من الجزء الثاني من أماليه ردّاً على من نسب الخنا إلى امرأة نوح ما هذا لفظه: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب عقلا أنْ يُنَزّهوا عن مثل هذه الحال؛ لأنّها تعر وتشين وتغض من القدر، وقد جنب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم, وتوقيراً لكل ما ينفر عن القبول منهم»([276]).

هذه هي عقيدة الشيعة بوضوح في زوجات النبيّ’ وهذا هو رأيهم بيّن لا يعتريه شك.

بينما في المقابل نرى أن السلفيّة تصرّ على إمكانيّة وقوع الفاحشة على نساء النبيّ’, وأن ذلك ليس بممتنع عقلاً، يقول الألباني في ذلك: «ولكنّه سبحانه صان السيّدة عائشة رضي الله عنها وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهنّ، ونزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها، وإن كان وقوع ذلك ممكناً من الناحية النظرية؛ لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهنّ».

فهو يصرّح بأنّ وقوع الزنا والفحشاء ممكن في حدّ ذاته على نساء النبيّ’, وبعد أن ذكر كلاماً طويلاً حول الموضوع قال: «واعلم أنّ الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم، أن رجلاً عاش برهة طويلة مع إخواننا السلفيين في حلب، بل إنه كان رئيساً عليهم بعض الوقت، ثمّ أحدث فيهم حدثاً دون برهان من الله ورسوله، وهو أنْ دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته وذريته من الوقوع في الفاحشة، ولما ناقشه في ذلك أحد إخوانه هناك، وقال له: لعلك تعني عصمتهن التي دلّ عليها تاريخ حياتهن، فهن في ذلك كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة المشهورين، المنزهين منها ومن غيرها من الكبائر؟ فقال: لا، إنما أريد شيئاً زائداً على ذلك وهو عصمتهن التي دل عليها الشرع، وأخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كلّ صالح وصالحة، أي العصمة التي تعني مقدماً استحالة الوقوع !...».

ثمّ ذكر كيف أنّه وعدّة من مشايخ السلفية حاوروا ذلك الرجل وحاولوا إرجاعه عن رأيه دون فائدة, فانتهى الأمر إلى مقاطعته([277]).

وغرضنا من نقل كلّ هذا الكلام؛ هو بيان الموقف السلفي المصرّ على عدم عصمة نساء النبيّ من الفاحشة، وأن ذلك ممكن على أمثال السيّدة عائشة, بل ويعتقدون بإقرار النبيّ’ لذلك، وأنّه شكّ بالسيّدة عائشة قبل تبرئتها من الوحي, وهذا الكلام فيه تجاسر على النبيّ’ ومقامه الكريم كما لا يخفى.

فمن الغريب إذن أن نرى فوّهات البنادق توجّه نحو الشيعة في مسألة اتّهام السيّدة عائشة, مع اعتقادهم بعصمة النبيّ’ واستحالة صدور الفاحشة على نسائه, وكما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت, والله المستعان على ما تصفون.

قلتم: الأدب مع النبي إذا ذكر: أن يصلى عليه

ذكرنا أنّ التشرّف بصحبة النبيّ’ لم يكن أكثر امتيازاً وتأثيراً من التشرّف بالزواج من النبيّ’، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه: {يَا نسَآءَ النبيّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}([278]).

وأجبتم:أوّلاً: أنّ الأدب مع النبيّ’ إذا ذكر أن يُصلّى عليه.

الجواب

لا شكّ أنّ هذا تصيّد بالماء العكر، فقد سقطت الصلاة هنا من الطباعة وليست من لفظ فمي, وأنت تعرف نحن لا نترك الصلاة على النبيّ’ بأيّ حال من الأحوال, كما تشاهده في تمام صفحات الكتاب, لكنّ الملفت للنظر أنّكم ترفضون الصلاة على الآل، فلم أرك تصلّي عليهم في كتابك هذا, ولا في أقوالك, وهذا خلاف تعليم رسول الله’ لكيفية الصلاة عليه, وبهذا تكون قد خالفت طريقة النبيّ’ وسنّته, ولم تعظم مكانته كما يريد هو, فالصحابة قد سألوه عن كيفية الصلاة عليه وعلمّهم ذلك، كما في البخاري وغيره، حيث قال لهم: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انّك حميد مجيد, اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد»([279]).

فهل هناك ما يبرر ترك الصلاة على الآل, وهل تعدّ نفسك مصلياً على النبيّ’ وأنت تخالف طريقته وسنّته في ذلك؟

قلتم: الشيعة ينفون قيمة الصحبة والزواج من النبي

ثانياً: ادّعيتم أنّنا ننفي أن توجد قيمة للصحبة والزواج من النبيّ’، ثم بدأتم تبينون أن لبعض الأماكن فضلاً, وأنّ لبعض الأزمان فضلاً, ومثلتم بالمدينة ومكّة, وبينتم أن الصحابة كانوا يتبركون بوضوء النبيّ وبشعره وملابسه...ثمّ ذكرتم قصّة مصطنعة على أن بعض الشيعة يفرح باستمتاع الخميني بطفلته الصغيرة البالغة أربع أو خمس سنوات! والحضور جالسون ويسمعون صراخ الطفلة مع الخميني وهو يستمتع بها!!

الجواب

1ـ أمّا هذه القصة فلا أخال أنّ من له عقل من أمثالك يصدّق بها, وقد ذكرنا لك مراراّ أنّ كتاب (لله ثمّ للتاريخ) هو ألعوبة تنطوي فقط على السذّج, ولا ينبغي التصديق بها([280]), وقد حاورناك مباشرة في هذا الكتاب, في بيتك في ليلة السبت المصادف 17 من ذي الحجة لسنة 1427هـ، وأوضحنا لك أن مؤلف هذا الكتاب المزيف يجهل أوضح مصطلحات الشيعة, وأن حسين الموسوي لا يعرفه أحد، وذكرنا لك نقوضاً عليه غير قابلة للرد، فقلت لي بعد ذلك: لو كانت الشيعة تكذب هذه القصة فأنا سوف أحذفها في الطبعات الأخيرة من كتابي([281]), ونتمنى أن نراك قريباً وأنت تفي بوعدك وتحذف هذه القصة من طبعات كتابك, ليكون الحوار بمستوى يليق بالطرفين.

على أن مخترع الكتاب لم يكن موفقاً في صياغة قصته الموضوعة بصورة تستميل القارئ, فإن كلّ من عرف شيعة العراق ومن جاورهم والساكنين معهم وخصوصاً شيعة جنوب إيران وتقاليدهم, وعرف النَفَس المحافظ والمتشدد إزاء مسألة الأعراض والزواج؛ لضحك وقهقه على كلام المؤلف, خصوصاً أنه يصور المسألة أن الخميني مع الفتاة الصغيرة والقوم ينتظرون ويسمعون صراخ تلك الطفلة, وأبوها بمنتهى السرور, فياله من وضّاع أحمق, إذ لا يوجد عاقل على وجه الكرة الأرضية يفعل هذا أو يصدّق به، خصوصاً أنّ من تقاليد عشائر العراق والعرب من جنوب إيران عدم حضور والد البنت ولا أقربائها في ليلة زفاف بنتهم حياء وخجلاً، فكيف أنّ الأب كان فرحاً مسروراً وهو يسمع صراخ ابنته, وهي طفلة, وبزواج منقطع وليس دائماً!!!

على أنّ الكل يعلم أنّ الزواج المنقطع، ولو كان حلالاً، إلاّ أنّه ليس له رواجاً ولا تطبيقاً عند غالبية الشيعة, فإن الأعراف العشائرية لا ترتض ذلك ولا تسمح به، خصوصاً بالكيفية المزرية التي يصورها الموسوي هذا.

ومن المؤسف أنّ الاختلاف في العقيدة تحول إلى تسقيط للشخصيات العلمية, ونشر ترهات وسفاسف نجلُّ عقولكم عن قبولها!!

2ـ لا يوجد عندنا ما يدلّ على عدم وجود قيمة للتشرف بصحبة النبيّ’ أو الزواج منه، وهو افتراء واضح, فأكثر من مرة نجدك تقوّلنا ما لم نقله, نعم نحن نقول: إنّ الصحبة لوحدها غير كافية في تحويل الإنسان من شخص عادي إلى شخص عادل يجب احترامه وتقديسه, فالصحبة بما هي ليس لها قيمة يرتفع على ضوئها مقام الإنسان, بل الصحبة مع العمل الصالح والإخلاص لله ترفع قيمة صاحبها إلى درجات عليا, فشرف الصحبة يعطي للإنسان قيمة عند تفانيه في الله وإخلاصه في عمله, أمّا الصحبة المجردة عن العمل, بل المشتملة على المعاصي والمحرمات, فهي ليست معياراً لتزكية أي شخص مهما كان.

 وهذا التفريق عند الشيعة بين الصحابة, وأن منهم من بلغ الدرجات العلى, ومنهم من لا يستحق وسمه بالعدالة ـ كما كررنا ذلك مراراً ـ ليس وليد أفكارهم, أو نتيجة تعصبات مذهبية, بل هو تمسّك محض بما جاء في القرآن والسنّة النبوية المباركة, حيث دلّت الآيات وكذا الروايات على أنّ جملة من الصحابة قد انحرفوا وحادوا عن جادة الصواب, وصرحت الروايات بدخول بعضهم النار, فكيف يمكن احترام الصحابة أجمع والحال هذه؟ فهل من يصرّح النبيّ’ بدخوله النار يكون محلا للاحترام والتقديس؟

 وهل من يطعن في عرض النبيّ’ ويتّهم زوجاته بالفاحشة جدير بالتقدير والاحترام؟

وكذا الكلام في زوجات النبيّ’, فالزواج والقرب من النبيّ’ يزيد من قيمة صاحبته إذا أخلصت وتفانت في طاعة الله تعالى, فإن التشرف بالقرب من النبيّ’ والزواج منه لا يختص بنبينا محمد’، فكل من تزوجت نبي من الأنبياء فلا شك في أنّ لها قيمة عالية, لكن بشرط طاعتها لله ورسوله, والقرآن هو الذي أرشدنا إلى ذلك، حيث ذمّ زوجة لوط وزوجة نوح لخيانتهما زوجيهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئاً, فالزواج والصحبة من دون عمل وتقوى وطاعة ليس لها قيمة تذكر؛ بل عقوبة العصيان وعدم الالتزام بالتقوى عليهن أشدّ من غيرهن, كما في قوله تعالي: {يَا نِسَاء النبيّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}([282]).

3ـ نحن لا ننكر أنّ لبعض الأوقات فضيلة خاصة كليلة الجمعة وأيّام العيد وغيرها, وأن لبعض الأمكنة فضائل خاصّة, كمكّة, والمدينة, وغيرها, لكنّ الغريب هو نكرانكم ذلك, واتهامكم من يعظّم مشهد الحسين ـ وهو سيّد شباب أهل الجنّة بنصّ قول رسول الله’ ـ بأنّه كافر ومشرك، ونهيكم عن تعظيم مشاهد الأئمة والصالحين, وتَسِمون من يزورونهم ويعظمهم بالكافر والمشرك, مع أنّ قصد الزائر هو طاعة الله في تلك الأماكن لبركتها وعظمها عند الله, وذلك لأنّها تشرّفت بضمّ جسد وليّ من أولياء الله, وهذا الأمر كان يفعله كبار علماء السلف, فابن حبّان كان يزور قبر الإمام عليّ بن موسى الرضا× ويدعو الله هناك فيستجاب له ذلك, وقد جرّب ذلك مراراً عديدة كما يقول([283]), وأبو عليّ الخلال من مشايخ الحنابلة في عصره كان يتوسّل بقبر موسى بن جعفر فيستجاب دعائه([284]), فلماذا حين يزور الشيعي قبور أئمّة أهل البيت يكون كافراً ومشركاً!!

قلتم: الزواج من النبي شرف ورفعة وتطهير من الدنس

ثالثاً: ذكرت أنّ الزواج منه شرفاً ورفعة..واستشهدت بالآيات: {يَا نِسَاء النبيّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النبيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}([285]). وذكرت أن الله بين أنهنّ لسن كأحد إن اتقين, ووعدهنّ بمضاعفة الأجر وبمضاعفة العقوبة، وأراد بهذه التشريعات أن يذهب عنهن الرجس ويطهرهنّ تطهيراً, وقلت بأنكم تعتقدون أن ذلك قد تحقق فيهنّ.

الجواب

ذكرنا لك أنّ شرف الصحبة وشرف الزوجية ليس لهما قيمة من دون عمل وتقوى, وها أنت تقرّر ما ذكرناه بذكرك للآية الدالة على ذلك, فالآية تقول: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، فالمناط هو التقوى, فالزوجية والصحبة غير عاصمة من الانحراف, لكنها ترفع من شأن الإنسان المتقي, وحينئذ فلا معنى للتمسك بالعدالة من أجل الصحبة فقط, فهي غير عاصمة, لكنها ترفع من شأن من يتق الله سبحانه وتعالى.

قال ابن الجوزي: «(إنْ اتقيتن)، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول الله»([286]).

أمّا آية التطهير, فنحن لا نشاطرك الرأي في شمولها لنساء النبيّ’ فالروايات دلّت على اختصاصها بأهل البيت: محمد’ وعلي وفاطمة والحسن والحسين^.

فقد أخرج مسلم عن السيّدة عائشة، قالت: >خرج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) غداةً، وعليـه مِرْطٌ مُرجَّـلٌ من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}([287]).

وأخرج الترمذي عن أُمِّ سلمة، قالت: «إنَّ النبيّ جلَّل على الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة كساءً، ثمَّ قال: اللَّهم هؤلاء أهل بيتي وحامَّتي، أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً»، فقالت أمُّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنَّك إلى خير».

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح...»([288]).

وأخرج الحاكم عن أنس بن مالك: «أنَّ رسول الله كان يمرُّ بباب فاطمة ستَّة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وأقرّه الذهبي في (التلخيص)([289]). وأخرجه الترمذي، وقال: «هذا حديث حسن»([290]).

إلى غير ذلك من الروايات الصحيحة الكثيرة، والتي تثبت بوضوح اختصاص عنوان (أهل بيت النبيّ) بأربعة، وهم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين؛ لذا قرأنا فيما صحَّ عن النبيّ أنَّه منـعَ أمَّ سلمة منَ الدخول معهم، وقـال لها: «إنك إلى خيـر». كما عرفنا أنَّه كان يمرُّ ببيت فاطمة ـ وهو بيت علي والحسنين ـ مُدّة ستَّة أشهر ويقول: الصلاة يا أهل البيت، ثمَّ يتلو الآية الكريمة.. ولم نقرأ ولم نسمع أنَّه مَرَّ ساعةً واحدة على أحد بيوت أزواجه وفعل مثل ذلك. ثمَّ إنَّ وضع الكساء على هؤلاء الأربعة وقوله: اللَّهم هؤلاء أهل بيتي، فيه قرينة حالية واضحة على حصر أهل البيت في زمانه بهؤلاء الأربعة. وبهذا يندفع القول بأنَّها شاملة لنساء النبيّ فضلاً عن القول باختصاصها بهنَّ.

 فيتضح أنَّ الآية مُختصَّة بالخمسة أصحاب الكساء، وهم نبيُّنا محمَّدٌ، وعليُّ بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين^.

وقد قال بهذا جمعٌ من علماء أهل السُّـنَّة، منهم: القرطبي([291])، والطحاوي([292]), وابن عساكر([293])، والسقاف([294])... وغيرهم.

قلتم: تشبيه الصحابة بحال أمرأتي نوح ولوط خطأ

رابعاً: ذكرتم ص113 أنّ تمثيل حال الصحابة بحال امرأتي نوح ولوط تمثيل خاطئ, سببه ما استقر في ذهن الشيعة من اتهام الصحابة بالكفر والخيانة...

الجواب

 نقول: عجباً لهذا الفهم غير السليم!! فإن المراد من التشبيه أنّ الصحبة لذاتها لا تغني من عذاب الله شيئاً, فزوجَتَي نوح ولوط خانتا زوجيهما, فالزوجية لم تعصمهما ولم تغن عنهما من عذاب الله شيئاً، كما صرّحت الآية, فالقرب من النبيّ’ من دون عمل وتقوى لا يغني, فالتشبيه في محلّه, ولا ربط له بكفر وخيانة الصحابة, فالتشبيه ليس منصباً على نوع العمل, بل ناظر إلى انتفاء فائدة الصحبة عند عدم العمل الصالح والتقوى, كما صرّح بذلك كبار علمائكم, كابن الجوزي, وابن القيّم, والشوكاني, وغيرهم([295]).

 مضافاً إلى أنّه تقدم مراراً بأنّنا لا نقول بكفر الصحابة, بل نقول: إنّ دعوى عدالتهم أجمع غير صحيحة.

قلتم: الكفر يحرم الاستفادة من الأنبياء بخلاف الإسلام

خامساً: ذكرتم أنّ الكفر يحرم الاستفادة من الأنبياء, أمّا الإسلام إذا شابه معصية فلا يحرمه الاستفادة؛ فإن المسلم العاصي تناله بركة متابعة النبيّ’، وذكرت رواية عن الشفاعة، وأردفتها بأنّ الخوارج والمعتزلة والشيعة الإمامية محرومون من هذه الشفاعة لإنكارهم لها.

الجواب

 قلنا: إنّ المراد من الآية هو أنّ الصحبة والقرب من النبيّ’ لذاته لا يعصم الإنسان ولا يغنيه من عذاب الله, فإذا كانت بعض زوجات الأنبياء قد خانتا وقد توعدهما الله بدخول النار, ولم ينفعهما أزواجهما في ذلك. فالصحابي أيضاً يجوز عليه الانحراف, ولا تغنيه الصحبة عن ذلك, وأوردنا لك أقوالاً عديدة لعلماء أهل السنّة تفسّر الآية بما ذكرناه([296]), وأنّها تحذير للسيّدة عائشة وحفصة حين تظاهرتا على النبيّ’ وأنّ زواجهما منه’ سوف لا ينفعهما, ونراك ـ كما سيأتي ـ عجزت عن ردها.

وإقحامكم لمسألة الشفاعة هنا لا يخلو من غرابة تدلّ على عدم تعمقك ودقتك في المطلب, فإن أمر الشفاعة مختصّ بيوم القيامة, والإيمان به لا يؤدي إلى تعطيل الأحكام في الدنيا والتعامل مع الأشخاص حسب أفعالهم وأقوالهم.

عقيدة الشيعة بالشفاعة

 والشيعة ممن يؤمنون بالشفاعة، بل هي من ضروريات اعتقاداتهم، وقد تحاورت معكم في بيتكم عن هذا الأمر وبينت لكم أنّنا من القائلين بالشفاعة في يوم القيامة([297]), لكن الغريب هو إقحامك الموضوع في غير محلّه, فالشفاعة غير مختصّة بالصحابة, بل غير مختصة بأهل الإيمان على ما قررت أنت نفسك في ص113, حيث قلت: «وهكذا تنال بركته صلوات الله وسلامه عليه حتّى غير المسلمين».

فكون شفاعته تنال غير المسلمين لا تعني أن امرأتي نوح ولوط سوف تنالهما شفاعته, ولا تعني أن جميع الكافرين سوف تنالهم أيضاً, وهذا واضح, فكون الشفاعة تنال من اتّبع نبي الإسلام’ لا تعني أنّ الجميع سيحضى بشفاعته, مضافاً إلى أنّ الشفاعة لم ترد في خصوص أزواج النبيّ’ وأصحابه، بل هي لأهل الكبائر من الأمّة, وبهذا تكون شاملة للجميع, فهل من تشمله الشفاعة نحكم عليه بالعدالة في الدنيا ويجب علينا احترامه وتقديسه, فشتّان ما بين الأمرين, فدمجك للمطلبين معاً غير صحيح.

 فالقول بالشفاعة لا يعني أنّ القرب من النبيّ’ بالزواج أو الصحبة عاصم ومنقذ من العذاب, فكما أنّ غير الصحابي قد تشمله الشفاعة مع كونه في الدنيا من أهل الكبائر, فكذلك الصحابي, ولا يعني هذا أن نقدس جميع الناس ونصفهم بالعدالة ونتأول لهم أعمالهم, فدلالة الآية تامة وصريحة في أنّ الانتساب إلى النبيّ’ بالصحبة والزوجية غير عاصم عن الانحراف, وغير منقذ من عذاب النار, ولم نجد منك ما ينهض لبيان أن الزوجية والصحبة لوحدهما ومن دون تقوى تعطي لصاحبهما قيمة وشرف أكثر من غيره.

هذا مضافاً إلى أنّا ذكرنا في البحوث السابقة أنّ النبيّ’ أخبر عن دخول جمع كبير من الصحابة في النار، وأنّ منهم عصاة لا يأتمرون بأوامره’ فلا نعيد.

ولنا تعقيب صغير قبل أن ننتقل إلى مطلب آخر، وهو أنك تعتقد بأنّ الشفاعة تنال حتّى غير المسلمين يوم القيامة، فأقول: لئن كان هذا اعتقادك, فلماذا لا تعتقد أن الشفاعة ستنال الشيعة من المسلمين؟ أم أن الشفاعة خصّصها الله تعالى بغير الشيعة من العالمين؟!!

قلتم: كتب الشيعة تجعل الأئمة أفضل من النبي

سادساً: قلت ص 113: كتبكم تجعل كلّ من انتسب إلى الأئمة مغفوراً له ولو عصى الله عزّ وجلّ, وتجعل من لم يوالهم في النار ولو عبد الله, فهل هم أفضل من رسول الله’؟ واستشهدت بروايتين من الكافي تدلّ الأولى على أن مبغض أهل البيت يدخل النار, وتدلّ الثانية على غفران ذنوب الموالين لأهل البيت^.

الجواب

إنّ ما ذكرته لا علاقة له بمحلّ النزاع, ولم نتبنَ ولا يتبنى أي مسلم قط بأنّ الأئمة أفضل من النبيّ’، غاية الأمر أن الشفاعة كما هي ثابتة للنبي’ فهي بحسب عقيدة الشيعة ثابتة لأهل بيته^, فنحن لم نقل إنها ثابتة لأهل البيت ولم تثبت للنبي’، وثبوتها لخلفائه وورثة علمه والأوصياء من بعده لا تعني تفضيلهم عليه.

وبعد أن أوضحنا لك عقيدتنا بالشفاعة بصورة مجملة، وبينّا لك أنك أخطأت محلّ الحوار, وخلطت المواضيع مع بعضها, نأتي لنتكلم عن الروايتين اللتين أوردتهما من الكافي:

الرواية الأولى: عن النبيّ’ أنّه قال: «... فلو أنّ الرجل من أمتي عَبَد الله عز وجل عمره أيام الدنيا, ثم لقي الله مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي, ما فرج الله صدره إلا عن النفاق»([298]). واستفدت منها أن من لم يوالهم في النار ولو عبد الله.

 والجواب: إن الرواية واضحة وصريحة في أنّ مبغض أهل البيت^ في النار, وهذه عقيدة متفق عليها عند الشيعة والسنة, فإن حب أهل البيت ضرورة لا ينكرها أحد من الفريقين، ودلّت عليها الأخبار والروايات, وأن منكر الضرورة كافر بإجماع الفريقين, فلا ندري ما هو هدفك من الدفاع عن مبغضي أهل البيت^, أفهل نسيت أو تناسيت أن مسلماً في صحيحه يروي أن علياً لا يحبّه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق([299])، أو هل غَفلْتَ عن عقيدتك التي تدين الله بها وهي وجوب حبّ أهل البيت^, أفهل ينسجم الحب مع الدفاع عن مبغضيهم؟!!

والأغرب أنك قد علّقت بعد الروايتين بما نصه: «رحم الله أهل البيت كم لقوا من هؤلاء الكذابين من الافتراء».

أَفَترى أنّ تقرير عقيدة إسلامية متّفق عليها هو افتراء وكذب؟ فهل نفهم أنّك لا تؤمن بضرورة محبّة أهل البيت^؟

وهل تترحم على أهل البيت في الوقت الذي تدافع عن مبغضيهم؟

وما الذي تجنيه من دفاعك عن مبغضي أهل البيت؟ أسئلة بحاجة إلى تأمّل!

الرواية الثانية: ما ورد عن الإمام الكاظم× أنّه قال: «إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم, فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله حتمنا على الله في تركه فأُجبنا إلى ذلك, وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوضهم الله عز وجل»([300]).

والجواب: قد تقدّم أننا نؤمن بالشفاعة في يوم القيامة وهي ثابتة للنبي’ ولأهل بيته, والرواية تشير إلى هذا الأمر, وأنّ الأئمة من أهل البيت سوف يشفعون لشيعتهم يوم القيامة, فما علاقة هذا بالصحبة والزواج منه’ في دار الدنيا, فنحن لا ندّعي أنّ من كان مشمولاً بالشفاعة، فهو عادل في دار الدنيا يجب احترامه وتقديسه, بل نقول: إن الميزان هو التقوى, وكلّ إنسان خاضع في هذه الدار إلى القوانين الإلهية, أمّا الشفاعة فهي تفضّل وامتنان من الله تعالى لأمّة النبيّ محمّد’، بأنْ جعل لهم شفعاء يشفعون لهم يوم القيامة كلّ بحسبه.

مضافاً إلى أنّ شفاعة أهل البيت^ لاتشمل حتّى العاصي الذي يجهر بعصيانه لله سبحانه ليلاً ونهاراً, ثمّ يرجو شفاعة أهل البيت^ اتكالاً على محبتهم. فقد أخرج الكليني في الكافي بسنده إلى جابر, عن أبي جعفر ×, قال: «قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله, ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع, والتخشّع, والأمانة, وكثرة ذكر الله, والصوم, والصلاة, والبر بالوالدين, والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة, والغارمين, والأيتام, وصدق الحديث, وتلاوة القرآن, وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال: يا جابر، لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحِبّ علياً وأتولاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إني أحبّ رسول الله فرسول الله خير من علي× ثمّ لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ [وأكرمهم عليه] أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر، والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي, ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع»([301]).

 فهذا الحديث يلخّص موقف الشيعة ممّن يدعي حبّ أهل البيت ولا يعمل بعملهم.

أزواج النبي وأقوال العلماء في تفسير  آية: { فلم يغنيا }

ذكرنا عدّة أقوال لعلماء أهل السنّة تؤيد ما قررناه في الآية من أن الصحبة والزواج من النبيّ’ غير نافع بمجردها ومن دون تقوى وإخلاص, فلا ينفع الإنسان صلاح غيره كما لا تضر المطيع معصية غيره([302]).

وحيث إنكم أعدتم بعض الأقوال في تفسير الآية مجدداً وحاولتم الإجابة عليها, لذا نعود فنذكر الأقوال مرة أخرى، ونجيب عما أوردتموه عنها:

قول ابن الجوزي في تفسير الآية

كنا قد نقلنا قول ابن الجوزي حين قال: «قوله عزّ وجلّ: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيئاً} أي: فلم يدفعا عنهما من عذاب اللّه شيئاً، وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره، ثمّ أخبر أنّ معصية الغير لا تضرّ المطيع، بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} وهي آسية بنت مزاحم (رضي اللّه عنها)، وقال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأول يحذّر به عائشة وحفصة (رضي اللّه عنهما)، ثمّ ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسّك بالطاعة، وكانت آسية قد آمنت بموسى»([303]).

قول الطبري في تفسر الآية

ونقلنا لكم أيضاً قول الطبري بعد نقله الآية الشريفة، حيث قال: «لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئاً، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون<. ثمّ روي عن بشر، قال: >ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط..} الآية، هاتان زوجتا نبي اللّه لمّا عصتا ربّهما، لم يغن أزواجهما عنهما من اللّه شيئاً»([304]).

قلتم: القرآن إنما يضرب الأمثال للتربية

وقد أجبتم عن هذه الأقوال: أولاً: أنّ القرآن يضرب الأمثال للتربية... يحذّر في المعصية ويرغب في الطاعة.

الجواب

صحيح أن القرآن يضرب الأمثال للتربية، إلاّ أنّه في الآية تعريض ظاهر شديد بزوجَتي النبيّ’ السيدة عائشة والسيدة حفصة، حين أفشتا سرّه, وتظاهرتا عليه, وآذتاه بذلك([305]), فالآية وردت في التهديد والوعيد والإنذار، وبيّنت صراحة أن الزواج من النبيّ’ سوف لن ينجيهما من عذاب الله إن لم يتوبا, ويؤيّد ذلك سياق الآيات الواردة في سورة التحريم، قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النبيّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسـَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}، ثم بعد عدة آيات تؤكّد على أن كلّ إنسان يُجزى بعمله، وتحثّ على التوبة، وتأمر النبيّ’ بمجاهدة الكفار والمنافقين، يأتي قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إذ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}([306]).

فالآيات تناولت التهديد والإنذار لنساء النبيّ’، وأوضحت كبر فعلهما بحيث قال الله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.

انظر! فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة, كلّهم بعد ذلك يقفون مع رسول الله’ ضدّ ذلك التظاهر وينصرونه, ثم أكّدت الآيات على أنّ كلّ إنسان يجزى بعمله فقط, ثم شددت على جهاد الكافرين والمنافقين، ثمّ ضرب الله مثلاً أكّد فيه أنّ العاصم من الله هو التقوى، فلا ينفع الارتباط بالنبيّ’ بلا إيمان وتقوى, كما أن الارتباط بالمسيء لا يضرّ بعمل الإنسان الصالح عند الثبات على الإيمان والتقوى.

فالقرآن يقرّر قاعدة واضحة وجلية وهي أنّ المعيار إنّما هو التقوى, فلا القرب من الصالحين بزواج أو غيره ينفع بلا عمل، ولا القرب من العصاة كذلك يضرّ مع العمل والتقوى والإيمان.

أما قولكم: ليس في المثل ما يصف السيدة عائشة وحفصة بالكفر أو يصفها بالمعصية.

 فجوابه: أننا لم نقل: إنّ المثل وصفهما بالكفر أو المعصية, بل المثل قرّر عدم الانتفاع من النبيّ’ عند المعصية، وأن الزواج منه لوحده غير كاف في النجاة من عذاب الله.

على أنّ الآيات التي في أول السورة قررت المعصية فلاحظ.

قلتم: قول ابن الجوزي لا يتنافى مع الشفاعة

ثانياً: أقررتم قول ابن الجوزي بأن الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره... وأكّدتم هذا المعنى بذكر رواية نبوية, وأجبتم بأن هذا لا يتنافى مع الشفاعة، فإن عدم الانتفاع سببه الكفر لا الإيمان.

الجواب

مع إقراركم بكلام ابن الجوزي، وقبولكم بأن المسؤولية أمام الله فردية تكون قد وافقتنا فيما نقول، ثم إنّ الشفاعة التي ذكرتها وحاولت الاستدلال بها غير مختصة بنساء النبيّ’, وغير مختصة بصحابته, بل هي لأهل الكبائر من أمته’ في يوم القيامة, فهل نقدس ونحترم أهل الكبائر في الدنيا؛ لأنّه من المحتمل أن تشملهم شفاعة النبيّ’؟ ثمّ ما علاقة هذا بالزواج من النبيّ’ أو مصاحبة النبيّ’، فكون الشفاعة تشمل حفصة والسيدة عائشة وأصحاب النبيّ’ لا يعني أنّ قربهم من النبيّ’ كان مفيداً ونافعاً, بل يثبت أنّ حالهم كحال غيرهم ممّن تشملهم الشفاعة.

قلتم: أمهات المؤمنين بشر وبحاجة إلى التربية

ثالثاً: ذكرتم: أنّ زوجات النبيّ’ لم يخرجن عن دائرة البشرية, فهنّ يحتجن إلى تربية وتوجيه.. وحياته أسوة, فلا يتحقق كلّ شيء بالخوارق..

الجواب

 نعم, إنّ نساء النبيّ’ لم يخرجن عن دائرة البشرية, وهذا ما نؤكّده لكم مراراً, وعليكم أن تثبتوا لنا بأن الجميع قد تأثّر بفكر النبيّ’ ووصل إلى درجة عالية من التقوى والصلاح, فإن النبيّ’ كان منذراً ومبلغاً ولم يستخدم الإعجاز في تغيير سرائر زوجاته وسائر الناس, فمنهم من آمن ومنهم من كفر, وأنتم تعترفون أنّ هناك من بين الصحابة الذين آمنوا قد ارتدّ وكفر, وهذا لا يعني أنّ النبيّ’ لم يكن معلّماً صالحاً, بل إنّ السرائر كانت مريضة وتحمل بداخلها رواسب الجاهلية([307]).

مضافاً إلى أنّ هذا الكلام خارج عن محل الآية, فالنزاع في أنّ نفس الزوجية هل هي منجية من عذاب الله أم لا؟ والآية تقرّر أنّ المنجي هو العمل الصالح, والزوجية بلا عمل لا نفع لها, فما ربط التربية بالموضوع؟ ومن المسلّم أنّ من يستلهم تعاليم النبوة ويتّبع النبيّ’ ويطيعه سيكون في الجنة ولو لم يکن من أصحابه , لكن هذا أجنبي عن محل النزاع.

قلتم: ابن الجوزي لم ينف التشريف بالزواج من النبي

رابعاً: ذكرتم: إن ابن الجوزي لم ينف حصول التشريف بالزواج منه, وإنّما يقرّر أن الإنسان محاسب على عمله... وذكرتم له كلاماً آخر يدلّ على تشريفهنّ ويذكر بعض مزاياهنّ وسيأتي ذكره أثناء الجواب.

الجواب

 إنّ ابن الجوزي استفاد قاعدة من الآية، فقال: «إنّ الآية تقطع طمع من ركب المعصية, ورجا أن ينفعه صلاح غيره» فهو يقرّر أن الزواج من النبيّ’ من دون عمل صالح ولا تقوى غير مفيد, فكلامه صريح في عدم الانتفاع من النبيّ’ بمجرد الزواج منه’، أمّا ما ذيلت به كلامك من أن ابن الجوزي لم ينف حصول التشريف بالزواج، وأنّه ذكر في موضع آخر أنّ المفسرين قالوا: إنّ الله أثابهن بثلاث: التفضيل على سائر النساء, وجعلهن أمّهات المؤمنين، وحظر عليه طلاقهنّ، فهو غير نافع في المقام لأمور:

أـ إنّك اقتطعت من كلام ابن الجوزي ما له ربط بالموضوع, وهذا تدليس على القارئ لا يناسب صدوره من المحققين, فأنت ذكرت التفضيل على سائر النساء, وسكتَّ ولم تكمل العبارة, حيث جاء فيها: «ثم أظهر فضيلتهن على النساء بقوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}([308])... قال ابن عباس: يريد ليس قدركنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصالحات أنتنّ أكرم عليّ وثوابكنّ أعظم», فأنت حذفت التكملة المشتملة على دليل القول؛ لأنّك تعلم أنّ ابن الجوزي قد فسّرها بخلاف رأيك, فبعد عدة أسطر نلاحظ أنّ ابن الجوزي يصرّح قائلاً: «{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، فشرط عليهنّ التقوى بياناً أنّ فضيلتهنّ إنّما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهنّ برسول الله»([309]), فابن الجوزي إذن يصرّح بعدم الانتفاع، فلا تفتري عليه وتحرّف كلامه, وتقطع منه ما شئت وتوهم القارئ أنّه لا يقول بذلك!!

ب ـ لا تنافي بين حظر طلاقهن عليه’ ووجوب احترامهن وتفضيلهن في التعامل على سائر النساء باعتبارهن زوجاته’ وأمهات المؤمنين، وبين إمكان دخولهن النار إن لم يتّقين, فالزوجية ليست حائلاً دون دخولهن النار، وليست حائلاً دون ارتكابهن المعاصي؛ وهذا هو محل النزاع, فالمزايا التي ذكرتها لا يوجد ما يدلّ فيها على عدم محاسبتهنّ إنْ عصين.

ج ـ إنّ أفضليتهن على سائر النساء لا نسلّم بها؛ فإن الأخبار الصحيحة على خلاف ذلك:

أخرج الحاكم عن السيدة عائشة: «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة, ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين, وسيّدة نساء هذه الأمّة, وسيّدة نساء المؤمنين».

قال الحاكم: «هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا». وصحّحه الذهبي في التلخيص([310]).

وأخرج الحاكم عن حذيفة رضي الله عنه, عن رسول الله’, قال: «نزل من السماء ملك, فاستأذن الله أن يسلّم عليّ, لم ينزل قبلها, فبشرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة», صحّحه الحاكم والذهبي([311]).

وأخرج الترمذي بسنده عن أنس: «أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران, وخديجة بنت خويلد, وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون». قال الترمذي: «هذا حديث صحيح»([312]).

وأخرج الحاكم عن ابن عبّاس، قال: «قال رسول الله: أفضل نساء العالمين: خديجة بنت خويلد, وفاطمة بنت محمّد, ومريم بنت عمران, وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون», صحّحه الحاكم والذهبي([313]).

فهل يوجد في هذه الروايات الصحيحة الصريحة ما يشير إلى تفضيل السيدة عائشة وحفصة على سائر النساء؟! بل رأينا كما تقدّم أنّ السيدة عائشة بنفسها روت أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء هذه الأمة وسيّدة نساء المؤمنين, وكان ذلك في مرض النبيّ’ الذي توفي فيه, فهو آخر ما صدر منه’ في خصوص هذا الأمر.

قول ابن قيم في تفسير الآية

ومن ضمن الأقوال التي نقلناها لكم حول تفسير الآية قولاً لابن قيّم الجوزية، حيث قال: «ثمّ في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة، فإنّها سيقت في ذكر أزواج النبيّ، والتحذير من تظاهرهنّ عليه، وأنهنّ إن لم يطعن اللّه ورسوله ويردن الدار الآخرة، لم ينفعهنّ اتصالهنّ برسول اللّه، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتّصالهما بهما، ولهذا ضرب لهما في هذه السورة مثل اتّصال النكاح دون القرابة. قال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأول يحذّر عائشة وحفصة، ثمّ ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسّك بالطاعة»([314]).

قول الشوكاني

كنّا قد نقلنا لكم قولاً للشوكاني، كان في سياق توضيح كلام ابن القيم، حيث قال: «وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتي النبيّين بعد ذكر قصّتهما ومظاهرتهما على رسول اللّه يرشد أتمّ إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أنّ المراد تخويفهما مع سائر أمّهات المؤمنين, وبيان أنّهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق اللّه وخاتم رسله؛ فإن ذلك لا يغني عنهما من اللّه شيئاً...»([315]). وقد أجبتم بجوابين:

قلتم: ذلك لا يخرج عن مسالة التربية

الأول: أنّ ذلك لا يخرج عن مسألة التربية... وأن الانتساب إلى النبيّ’ لا يكفي في النجاة من عذاب الآخرة، لكن ذلك لا يعني إلغاء فضيلة الزواج منه’.

الجواب

فيما يخص الجواب الأول: فإنّك اعترفت أنّ مفاد الآية هو أنّ الانتساب إلى النبيّ’ لا يكفي في النجاة من عذاب الآخرة, وهذا هو محل الكلام والخلاف معكم, فقد دلّت الآيات على أنّ الزوجية لوحدها غير كافية في النجاة من النار, فكذلك الصحبة, ونحن لم نلغ شرف الصحبة والزوجية، بل قلنا إنّ شرف الصحبة والزوجية يتأتّى مع العمل الصالح والتقوى, فالصحابي وزوج النبيّ’ إذا أخلصوا لله وعملوا صالحاً فلا شكّ في أنّ منزلتهما عظيمة عند الله, فنحن أكّدنا مراراً على مسألة التقوى, والآية قيدت أفضلية نساء النبيّ’ بشرط التقوى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وهذا ما صرّ ح به ابن الجوزي ونقلناه لك آنفاً.

فتحصّل من الآية ومن كلمات علماء أهل السنّة ومن كلماتكم أيضاً أنّ الصحبة أو الزوجية لوحدها غير عاصمة من النار, وهو اعتراف وإقرار بما ذكرناه مراراً، ولله الحمد.

قلتم: النصوص لم تنقل بشكل كامل

ذكرتم في جوابكم الثاني على قول ابن القيم والشوكاني، أن ما نقلناه لكم من النصوص لم يكن نقلاً كاملاً.

الجواب

نقول: فلنترك فيه الحكم للقارئ، وسيرى أننا نقلنا بأمانة ما يتعلق بموضوع النقاش والحوار وهو أن الزواج من النبيّ’ لوحده لا يغني من الله شيئاً.

وأمّا ما ذكره الشوكاني من أنّ حفصة والسيدة عائشة قد تابتا من عملهنّ، وما ذكره ابن القيّم من أن في ضرب المثل للمؤمنين بمريم اعتباراً آخر, وهو تسلية السيدة عائشة وتوطين نفسها على ما قاله الكاذبون بعد قصّة الإفك، فهذا خارج عن محلّ الحوار والنزاع, ولعلّك تلوّح هنا إلى تهمة الشيعة بأنهم يتعرّضون إلى عرض السيدة عائشة، وهو من أعظم الافتراءات عليهم؛ فإن العقيدة الشيعية قائمة على تبرئة جميع نساء الأنبياء من الفاحشة, والتبرؤ ممن ينسب ذلك إليهن, ولا نتولى ولا نقدّس من يتهم النبيّ’ في عرضه مهما كان, لذا نطلب منك أن تعلن براءتك من مِسْطَح الصحابي البدري الذي كان ممّن رموا السيدة عائشة بارتكاب الفاحشة, وكذلك الصحابي حسّان والصحابية حمنة, وتقدم ذكر ذلك([316]).









حوار حول
أقوال علماء السنة في عدالة الصحابة


قول السيوطي وابن الحاجب

ذكرنا لك قول ابن الحاجب والسيوطي وغيرهما في التصريح بعدم القول بعدالة الصحابة أجمع.

 قلتم: لم يشذ عن القول بالعدالة إلا المبتدعة

قد أجبتم عن ذلك بأن الإجماع متحقّق ولم يشذّ عنه إلاّ المبتدعة, وأنّ ابن الحاجب أورد الأقوال المخالفة بصيغة التمريض ولم ينسب القول إلى أحد علماء أهل السنّة، وكذا السيوطي فإنّه قيّد القول بالأكثر لورود أقوال ضعيفة خروجاً من حرج ذكر الإجماع, والأقوال الضعيفة لا يعتدّ بها, ثم ذكرت أنّ القصد من عدالتهم هو قبول رواياتهم من غير بحث عنهم, وأنّ إجماع المحدّثين, بل إجماع الفقهاء والأصوليين والمفسرين على الأخذ برواية الصحابي من دون فحصٍ عن حاله([317]).

الجواب

أوّلاً: أنّ ابن الحاجب والسيوطي حينما يتكلّمان فإنّما يتكلّمان عن علماء أهل السنّة, وحين يذكران أنّ هناك أقوالاً أخرى أو أنّ الأكثر من العلماء على القول بالعدالة جميعاً, فإن مرادهم الأكثر من علماء أهل السنّة, أي أنّ المخالف هو من علماء أهل السنّة أيضاً, وإلاّ لكان عليهما التصريح بالإجماع؛ لأنّ المخالف لو كان من غير أهل السنّة فهو لا يخلّ بالإجماع عندكم, ولا تنظرون إلى رأيه حين البحث عن تحقق الإجماع، وإلاّ لو اعتبر رأي غير أهل السنة لما تحقق إجماع عندكم إلاّ في نوادر المسائل, وهو واضح لا يحتاج إلى بيان.

ثانياً: أنّنا لم نكتف بنقل هذين القولين, بل نقلنا أقوالاً أخرى, منها قول التفتازاني الصريح في عدم عدالة الصحابة جميعاً, وهو غير قابل للتأويل, فهو ذكر أنّ بعض الأصحاب قد حاد عن طريق الحق, وبلغ حد الظلم والفسق([318]).

فتجزئة الجواب بهذا الشكل غير صحيح؛ لأنه من خلال قول التفتازاني وكذلك الأقوال التي ذكرها الغزالي والأقوال الأخرى التي نقلناها لك يتبين جليّاً أن مراد السيوطي وابن الحاجب أنّ المخالفين هم من أهل السنّة أيضاً, وسيأتي الكلام عن بقيّة الأقوال عند ذكرك لها، فانتظر.

ثالثاً: أنّ التعاريف التي ذُكرت في تعريف الصحابي كثيرة, وعند التتبع نجد أنّ هناك اختلافاً كبيراً فيها، وأن ّ هناك آراء ومذاهب, وحينئذٍ, فإن نفس الاختلاف في تعريف الصحابي عند أهل السنّة يخرج أناساً ويدخل آخرين, فمثلاً على التعريف الذي يشترط في الصحبة طول المعاشرة, أو الاشتراك في غزوة أو غزوتين, أو الاختصاص بالنبيّ’ اختصاص المصحوب, سيخرج كثيراً من الصحابة الذين أدخلهم تعريف كفاية الرؤية, وحينئذ, فإنّ اختلاف أهل السنة في تعريف الصحابي لا يفضي إلى القول بعدالة جميع من تعتقدونه عادلاً على تعريفكم, بل إنّ الكثير ممن هو في تعريفكم سيكون خارجاً وفق التعاريف الأخرى, وهذا يعني أنّ القائلين بالتعاريف الأُخر وهم كُثر, لا يرون عدالة جميع الصحابة, ولا يرون أن الرؤية لوحدها كافية.

وقد ذكر الدكتور عبد الكريم النملة سبعة مذاهب في تعريف الصحابي, ثم اختار ورجّح مذهب الأصوليين القائل: إنّ الصحابي من رأى النبيّ’ واختصّ به اختصاص المصحوب مطلقاً([319])، وبذلك يكون الأصوليون ومن تبعهم قد أخرجوا جماعة كبيرة من الصحابة, وخصوصاً الطلقاء ممن أسلم يوم فتح مكة، فهؤلاء لا بدّ أن ينظر في حالهم, ولا تجري بحقهم أصالة العدالة، فهم ليسوا من الصحابة عندهم وإن كانوا صحابة حسب تعريفكم للصحابي.

كما أنّ الباحث السنّي المعاصر حسن بن فرحان المالكي ذكر التعاريف المتنوعة للصحابي, واختار أنّ الصحبة مختصّة بالمهاجرين والأنصار دون غيرهم, وأسماها بالصحبة الشرعية، وهي الشاملة لمن صحب النبيّ’ إلى يوم الحديبية, فصلح الحديبية هو الحدّ الفاصل بين الصحبة الشرعية والصحبة العامّة, واختار أنّ العدالة غير شاملة لهؤلاء فرداً فرداً, وإن كان يرى عدالة أغلبهم, إلاّ أنّه ذكر ثلاثاً وسبعين صحابيّاً ممّن اتّهم أغلبهم بالنفاق وأساؤوا الصحبة، وكانوا ممّن صحب النبيّ’ قبل الحديبية.

ثم ذكر أنّه بهذا التعريف للصحابي سوف يخرج عدداً كبيراً من الصحابة ممن دُوّنوا في تراجم الصحابة, فلا بدّ أن يبحث عن حالهم واحداً واحداً, كما أنّه نص على فسق وانحراف البعض منهم: كمعاوية بن أبي سفيان, والوليد بن عقبة, وبسر بن أبي أرطاة, وأبو الغادية قاتل عمار, والحكم بن أبي العاص, ومسرف بن عقبة, وغيرهم كثير([320]).

فالقول بعدم عدالة الصحابة أجمع ليس من متفردات الشيعة, وليس من قول المبتدعة، بل هو من صلب أقوال علماء أهل السنّة, وإن الأسماء التي ذكرها الباحث السنّي حسن بن فرحان غير مختصّة به, بل يدخل الكثير منهم في تعريف الأصوليين, وكذا في بعض التعاريف الأُخر. ومن شاء الاطلاع على تعاريف أهل السنة للصحابي ومذاهب العلماء فيه, فليراجع كتاب مخالفة الصحابي للدكتور النملة, وكتاب (الصحبة والصحابة) للأستاذ حسن بن فرحان المالكي.

فتلخّص أنّ المخالفين لعدالة الصحابة أجمع، بمعنى عدالة كلّ من رآه’، هم عدد كبير من علماء أهل السنّة, وقد أقام الاستاذ المالكي أدلّة عديدة على عدم عدالتهم أجمع مبتدئاً بالقرآن ثمّ بالسنّة ثمّ بأقوال الصحابة والتابعين.

ونطرح هنا سؤالاً, وهو: هل ترون أنّ جمهور الأصوليين ومن تبعهم، بل ومن كان قبلهم من السلف ممّن لا يرى عدالة جميع الصحابة, كلّ هؤلاء مبتدعة وزنادقة, أم يختص ذلك بالشيعة فقط؟! ولا تنسى أنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.

قلتم: عدم عدالة الصحابة تستلزم ضياع الشريعة

استشهدتم لمبدأ عدالة الصحابة بما قاله الجويني من أن السبب الداعي لذلك هو الحفاظ على الشريعة، فقلتم: «قال الجويني: ولعلّ السبب في قبولهم من غير بحث عن أحوالهم أنّهم نقلة الشريعة, ولو ثبت التوقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول’, ولما استرسلت على سائر الأعصار»([321]).

الجواب

أوّلاً: أنّ السبب المحتمل الذي ذكره الجويني يفيد أنّ البحث عن حالهم قد يوجب التوقف في رواياتهم, مما يؤدي إلى انحصار الشريعة على عهد الرسول’؛ وهذا فيه إقرار بأن البحث عن حالهم قد لا يوصل إلى العدالة, فقد تكون النتيجة فسق المبحوث عنه, أو التوقف في حاله, كما أنّ كلامه يفيد أنّ القول بعدالة الصحابة مبتنٍ على سبب معين, وحينئذ ننظر إلى هذا السبب, فإنْ استطعنا إبطاله فقد بطل الكلام من رأس, ويقتضي حينئذ إعادة النظر بكلّ ما ادعيتموه من أدلّة توحي بعدالة الصحابة أجمع, وسوف ترون أنّ الأدلة غير تامّة, ولا تثبت هذا المدّعى, وغاية ما تقتضيه: عدالة بعض الصحابة لا كلهم, وهذا ما نذهب إليه.

ثانياً: أنّ السبب الذي ذكره الجويني غير صحيح, فقد ذكرنا مراراً أنّ طريق الشريعة غير مقتصر على الصحابة, بل هو منحصر بما ثبت عن النبي’ وأهل البيت^, والأدلة على ذلك كثيرة محقّقة في محلّها, فعدم القول بعدالة الصحابة أجمع لا يلزم منه محذور ضياع الشريعة, فالشريعة محفوظة بخلفاء النبيّ’ وأوصيائه وهم أهل بيته^.

ثالثاً: حتّى لو تنزلنا وقلنا: إنّ الصحابة هم طريق الشريعة, فلا يلزم من ذلك عدم البحث عن حالهم, بل لا بدّ من البحث وأخذ الشريعة عن العدول منهم دون من أحدث وغيّر وبدّل وافترى على الله كذباً, ودون من نجهل حاله, فإن معرفة ما جاء به النبيّ’ هو غاية المبتغى, فكيف نتساهل به بهذه الطريقة, بل لا بدّ أن نعرف الشريعة ممّن ثبتت عدالته ووثاقته وعدم انحرافه عن نبيّ الإسلام محمّد’.

رابعاً: أنّ عدد الصحابة على ما يقرّر أهل السنة أكثر من مئة ألف, وأن المترجم لهم في الكتب لا يبلغون عشر عددهم الحقيقي([322]), وإذا أضفنا إلى ذلك أن الصحابة الذين روي عنهم أقل من ألف صحابي كما عدّهم ابن حزم([323]), فكيف تقول بأنّ القول بعدم عدالة جميع الصحابة يوجب تضييع الشريعة؟ فالشيعة لا تقول بأنّ الصحابة ليس فيهم عدول أصلاً, بل لا شكّ أنّ فيهم العدل وفيهم غير العدل أيضاً, فما هو الوجه في ضرورة عدالة حتّى غير الرواة منهم؟ وإذا أمكن القول بعدم عدالة ممّن كانوا غير رواة منهم, لأمكن القول بعدم عدالة حتّى بعض الرواة منهم؛ لأنّ القول بعدالة الرواة منهم دون غيرهم ترجيح بلا مرجح، والشريعة لا تتوقف على عدالة الرواة فرداً فرداً, بل يكفي في وصولها عدالة عدد معتدٌّ به منهم.

 فتلخّص أنّه على جميع الآراء لا يتمُّ قولكم في ضياع الشريعة.

تصريح التفتازاني بعدم عدالة جميع الصحابة

ذكرنا لكم كلام التفتازاني: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ, والمذكور على ألسنة الثقات, يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ, وبلغ حدّ الظلم والفسق, وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات, إذ ليس كلّ صحابي معصوماً, ولا كلّ من لقي النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بالخير موسوماً»([324]).

وأكملتم بقية كلامه وهو: «إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار, والمبشرين بالثواب في دار القرار».

قلتم: للتفتازاني كلام آخر يصرح بعلو شأن الصحابة

وقد أجبتم عن كلام التفتازاني بعدّة أمور:

1ـ إنّ له كلاماً متقدّماً يصرّح فيه بانعقاد الإجماع على علّو شأنهم, وعدم الإصغاء إلى كلام الروافض، سيما الغلاة منهم، في بغض بعض الصحابة والطعن فيهم, بناء على حكايات وافتراءات لم تكن في القرن الثاني والثالث.

الجواب

 إنّ كلام التفتازاني صريح في أنّ ظاهر الأدلة أنّ بعض الصحابة حاد عن طريق الحقّ, وبلغ حدّ الظلم والفسق, وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة, وأنّ ليس كلّ من لقي النبيّ’ بالخير موسوماً, فهذا كلام صريح على أنّ الأدلة تقتضي أنّ من الصحابة من حاد عن الحق وارتكب الظلم والفسق, ولا يوجد في كلامه الذي قاله قبل ذلك مخالفة لهذا الكلام, فإنه هناك ذكر وجوب إيجاد المخارج والتأويلات لهذه الأفعال, حيث قال: «يجب تعظيم الصحابة, والكفّ عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات, سيما للمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان ومن شهد بدراً وأحداً والحديبية»([325]) لكنّك لم تذكر هذه الفقرة من كلامه.

ويتّضح حينئذ, أنّ الإجماع المدّعى على علوّ شأنهم هو إجماع بعد التأويل، ومخالف لظاهر الأدلة, فهو إجماع غير ذي قيمة.

فالتفتازاني إذن يوافق الشيعة في أنّ ظاهر الأدلة يقتضي القول بعدم عدالة الصحابة أجمع؛ لأن فيهم من انحرف وحاد عن طريق الحق, وهذا يكفينا من كلامه, وموافق لما بيّناه لكم مراراً من المخالفات العديدة للصحابة التي تفضي إلى القول بعدم عدالتهم جميعاً.

ولا أظنّ أنّه يخفى عليك أنّ التفتازاني صرّح بعقيدته في الصحابة حيث قال: «فإن قيل عدالة جميع الصحابة ثابتة بالآيات والأحاديث الواردة في فضائلهم. قلنا: ذكر بعضهم أنّ الصحابي اسم لمن اشتهر بطول صحبة النبيّ عليه الصلاة والسلام على طريق التتبع له والأخذ منه، وبعضهم أنه اسم لمؤمن رأى النبيّ× سواء طالت صحبته أم لا, إلاّ أنّ الجزم بالعدالة مختص بمن اشتهر بذلك، والباقون كسائر الناس فيهم عدول وغير عدول»([326]).

وهذا قول صريح في أنّ بعض الصحابة عدول وبعضهم غير عدول.


قلتم: التفتازاني قد خالف أقوال أهل السنة

2ـ ذكرتم أنّ التفتازاني بقوله هذا يكون قد خالف أقوال أهل السنّة...

الجواب

لا شك أنّ التفتازاني من علماء أهل السنّة, واعترافكم بمخالفته هو دليل على صحّة ما نقول به, وهو أنّ هناك من علماء أهل السنّة ممّن لا يرتضون القول بعدالة الصحابة أجمع, إلاّ إذا كنتم ترون أنّ التفتازاني ليس من أهل السنّة باعتباره من الأشاعرة, وأنتم لا ترون الأشاعرة من أهل السنّة! ولذا لا ندري هل مخالفة التفتازاني لكم تدخلة في قائمة الزنادقة والمبتدعين أم لا؟ أفليس من يجرح شهودكم مبتدعاً وزنديقاً! أم أنّ هذا الحكم يجري على الشيعة دون غيرهم؟

قلتم: التفتازاني لا يطعن بالطبقات العليا للصحابة

3ـ قولكم: إنّ التفتازاني لم يرد بكلامه الطعن في الطبقات العليا من الأصحاب..

الجواب

 نحن نتكلّم عن عدالة جميع الصحابة, لا طبقة مخصوصة منهم, والتفتازاني يقرّ ببلوغ بعضهم حدّ الفسق والظلم, ويصرح في قوله الآخر أنّ بعض الصحابة عدول وبعضهم غير عدول, وهذا هو محل الحوار بيننا وبينكم, أما لأي مدى يرى عدالة الصحابة؟ وهل أن الطبقات العليا مشمولة بالعدالة أم لا؟ فهذا خروج عن محلّ الحوار والنزاع, وهذه جزئيّات المسألة, فبعد أن يتبيّن لك أنّ القول بعدالة الصحابة أجمع فيه خلاف بين العلماء، يأتي الحوار حينئذ في أي من الصحابة ممكن أن يكون عادلاً دون غيره.

قلتم: كلام التفتازاني يشمل حتى علي×

4ـ قلتم: كلام التفتازاني في الطعن يشمل الصحابة المتقاتلين في عهد علي ومعاوية ويحتمل كلامه الطعن في كلّ منهما، ونحن نبرّئ كلاً منهما عن قوله وإن كنا نعتقد أنّ عليّاً هو المحق...

الجواب

أـ التفتازاني من علماء أهل السنّة, وحينما نذكر قوله إنّما نحتج به عليكم, فعلى فرض أنّ كلامه شاملاً لعلي وأصحابه ومعاوية وأصحابه, فذاك يكون أدلّ على المطلوب؛ فإنّه يتوسع في الطعن في الصحابة ويشمل أعداداً كبيرة منهم بما فيهم عليّاً×.

ولا يؤثر ذلك في عقيدتنا، بل ينقض عقيدتكم؛ لأنّ ذكرنا له من باب الإلزام عليكم، كما هو مقتضى المناظرة.

ب ـ إنّ التفتازاني أوضح عقيدته بصورة جليّة قبل ذلك، وذكر أنّ عليّاً كان مصيباً في حروبه, فكيف جاز لك تحميل كلامه ما لا يحتمل! واتهامه بأن كلامه يحتمل الطعن في كلا الفريقين؟! هل لأن الرجل أشعري العقيدة أم ماذا؟! وأمّا تصريح التفتازاني بأحقية علي× فقد ذكره قبل صفحات قليلة, ولا نراك لا تعرف ذلك, فإن كلام التفتازاني هذا وقع بين كلاميه اللذين ذكرتهما آنفاً حول عدالة الصحابة, فنحن نستبعد عن أمثالك أن لا يقرأ المطلب كاملاً ثمّ يجيب عن الاحتمالات الموجودة, وعلى أيّة حال فقد قال التفتازاني: «والذي اتّفق عليه أهل الحق, أنّ المصيب في جميع ذلك علي (رضي الله تعالى عنه)؛ لما ثبت من إمامته ببيعة أهل الحل والعقد، وظهر من تفاوت ما بينه وبين المخالفين سيما معاوية وأحزابه، وتكاثر من الأخبار في كون الحق معه...»([327]).

قلتم: التفتازاني لم يعتمد على الكتب الحديثية

5ـ قلتم: إنّ التفتازاني اعتمد في حكمه على كتب التواريخ, ولم يستطع أن يورد كتاباً من كتب الحديث المعتمدة, وكتب التاريخ مملوءة بالروايات الضعيفة والمكذوبة...

الجواب

 هذا الكلام منكم في غاية الغرابة! فإن التفتازاني صرّح في عبارته بأن ذلك مذكور على ألسنة الثقات, فلمَ تمسكتَ بقوله: على الوجه المسطور في كتب التواريخ، وتركت عبارته الصريحة بأنه أخذ ذلك عن الثقات, على أنّ كتب التاريخ فيها من الصحيح الكثير فكيف اتهمت التفتازاني بالاعتماد على الضعيف والموضوع, ثمّ إنّ التفتازاني أراد هنا بيان خلاصة ما استفاده من المنقول من ألسنة الثقات، سواء من التاريخ أو الحديث، فكيف تتهمه بأنه لم يستطع أن يورد كتاباً من كتب الحديث, فهو ليس في مقام الاستدلال, بل في مقام بيان نتائج ما توصل إليه من عقائد وآراء من خلال أخبار الثقات!!

على أنّه لا يخفى على أمثالك, أنّ ما توصل إليه التفتازاني هو صحيح معتبر ثابت في كتب التاريخ وكتب الحديث, فالصحابة كانت بينهم محاربات ومشاجرات لا يمكن لأي باحث إنكارها, كما أنّه وقعت منهم مخالفات عديدة للسنّة النبوية والشريعة المقدّسة سواء في عهد النبيّ’ أو بعده, وهذه الأمور هي التي دعتكم إلى التمسك بعدم الخوض في ما جرى بين الصحابة, وقلتم بالتأويل والاجتهاد في أفعالهم, فالباحث المنصف يعرف أنّ ما قاله التفتازاني هو قول كلّ علماء أهل السنّة, وهو المنطَلَق الذي انطلقوا منه لتأويل أفعالهم وما جرى بينهم.

الغزالي ينقل اختلاف العلماء في عدالة الصحابة

 ذكرنا لكم أنّ الغزالي نقل اختلاف العلماء في حكم الصحابة, وقد أوردتم هنا بعضه وأجبتم عليه([328]), ونحن نذكره هنا كاملاً ثم نجيب على كلامكم: قال الغزالي: «إنّ عدالتهم معلومة بتعديل اللّه عزّ وجل إيّاهم, وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم» ثمّ نقل اختلاف العلماء في حكم الصحابة بقوله: «وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم: حالهم العدالة في بداية الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات، ثمّ تغيّر الحال وسفكت الدماء، فلا بدّ من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتال الإمام الحق. وقال قوم من سلف القدريّة: يجب ردّ شهادة عليّ وطلحة والزبير مجتمعين ومفترقين< [إلى هنا ينتهي نقلكم].

وبقية كلام الغزالي هو: >لأنّ فيهم فاسقاً لا نعرفه بعينه. وقال قوم: نقبل شهادة كلّ واحد إذا انفرد؛ لأنّه لم يتعيّن فسقه، أما إذا كان مع مخالفه فشهدا ردّا; إذ نعلم أنّ أحدهما فاسق، وشكّ بعضهم في فسق عثمان وقتلته...»([329]).

والنقل صريح في أنّ هناك من لا يرى عدالة الصحابة أجمع, وقد حاولتم الإجابة على ذلك بما يلي:

قلتم: ما ذكره الغزالي كان بصيغة التضعيف

أولاً: أنّ الغزالي ذكر مذهب أهل السنّة, وصدّر بقية الأقوال بقوله «وقد زعم قوم» وهذا يذكر لتضعيف القول وردّه, وذكر قول المعتزلة وهو قول خارج عن قول أهل السنّة.

الجواب

 إنّ تخصيص الغزالي للمعتزلة باسمهم يستفاد منه أنّ الأقوال الأخرى هي لأهل السنّة, ومجرد تصديرها بـ (وقد زعم قوم) ومخالفته لها وتضعيفه لها لا يدلّ على عدم وجودها, فهي تدلّ أن هناك قوم من أهل السنّة يروون وجوب البحث عن حال الصحابي.

وإذا كانت عبارة: (زعم قوم) كفيلة بردّ القول, فتعال معي إلى الآمدي فإنه ذكر الأقوال ولم يقل: (زعم قوم)، بل قال: «اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة, وقال قوم: إن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. ومنهم من قال: إنهم لم يزالوا عدولاً إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم، وبعد ذلك، فلا بدّ من البحث في العدالة عن الراوي أو الشاهد منهم، إذا لم يكن ظاهر العدالة، ومنهم من قال بأن كلّ من قاتل علياً عالما منهم، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة، لخروجهم عن الإمام الحق. ومنهم من قال بردّ رواية الكل وشهادتهم؛ لأن أحد الفريقين فاسق، وهو غير معلوم ولا معين. ومنهم من قال بقبول رواية كلّ واحد منهم وشهادته إذا انفرد؛ لأن الأصل فيه العدالة، وقد شككنا في فسقه، ولا يقبل ذلك منه مع مخالفة التحقق فسق أحدهما من غير تعيين»([330]).

فإذن هناك جماعة من أهل السنّة تذهب إلى عين ما تقول به الشيعة من وجوب البحث عن حال الصحابي, وهذا ما أردنا إثباته لك.

قلتم: أقوال الغزالي شاذة وبعضها شامل حتى لعلي×

ثانياً: أوضحتم أنّ هذه أقوال شاذّة تذكر لتحذير القارئ, وليس لها أثر في التطبيق, ولا تعارض بأقوال آلاف العلماء.

ثالثاً: بعض هذه الأقوال تطعن في جميع المتقاتلين وترد شهادتهم وهم: علي وطلحة والزبير، فهل يمكن أن نعتبرها ونحترمها.

والشذوذ لا تخلو منه طائفة والعبرة بمذهب الطائفة.

الجواب

 ليتكم تتبعون هذه القاعدة في سائر أجوبتكم، وتعرفون أن الشذوذ لا تخلو منه طائفة, وأن تحتجون علينا بما عليه المحققون من علمائنا لا بعلماء موهومين لا حقيقة لهم كمؤلف (لله ثم للتاريخ) ولا بروايات ضعيفة لا قيمة علمية لها.

وعلى أيّة حال، فنحن لا ننكر أن جملة من علماء أهل السنّة على عدالة جميع الصحابة, لكن أنكرنا الإجماع، وقلنا بوجود المخالف، سواء كان من المتقدمين أو المتأخرين, وهذا يعني أنّ القول بعدم عدالة الصحابة ليس قولاً شاذاً، كما حاولتم إيهام القارئ بذلك, بل هو قول لجملة من علماء أهل السنّة, ولا زال متداولاً إلى اليوم, وذهب له علماء لهم وزنهم العلمي.

وكون بعض الأقوال تفسق الطرفين! فهذا توسع في الإشكال, ولا يلزمنا شيء من ذلك؛ فإنما نورد لكم هذه الأقوال من باب الاحتجاج عليكم, وعدم احترامكم لهذه الأقوال لا يلغي وجودها عند أهل السنّة، لا سيما وأننا لسنا بصدد بيان ما هو القول الصحيح من عدمه, بل قَصْدُنا هو بيان أنّ هناك من أهل السنّة من لا يرى عدالة الصحابة أجمع, وها أنتم تقرون بذلك, وتتنازلون عن الإجماع المدّعى على عدالة جميع الصحابة.

رأي الغزالي في عدالة الصحابة

ثم إنّ الغزالي بنفسه لا يذهب إلى القول بعدالة الصحابة أجمع, فهو لا يرى أنّ كلّ من رآه’ صحابياً, بل يرى أنّ الصحابي هو من كثرت صحبته كما صرح في المستصفى بعد أنْ ذكر الأقوال أعلاه([331]).

وسيأتي تصريح الدكتور النملة, حيث عدّ الغزالي من الذاهبين إلى تعريف الأصوليين الذي يرى أن الصحابي من اختص بالنبيّ’ اختصاص المصحوب.

تصريح العلماء بأن العدالة لا تشمل جميع الصحابة

كنا قد ذكرنا لكم بأنّه قد صرّح جماعة من أكابر علماء أهل السنّة من المتقدّمين والمتأخرين بأنّ الصحابة غير معصومين، وفيهم العدول وغير العدول..ثمّ بدأنا نذكر لك الأقوال, وأنت علقت على الفقرة أعلاه في ص121- 122 بما حاصله:

قلتم: هؤلاء العلماء لا يطعنون بالصحابة

أوّلاً: قلتَ: كلامك يوحي بأنّ من ذكرتهم يطعنون في عدالة الصحابة, وهذا ليس صحيحاً, فإنّ أكثر من أوردت أسماءهم يتحدّثون عن عدم عصمتهم, وعدم وجوب متابعتهم في فتاواهم...

الجواب

 إنّ أكثر الكلمات التي نقلناها تنفي القول بعدالة الصحابة أجمع, وتفيد أنّ بعضهم غير عادل, وأنّ بعضهم كفّر بعضاً, وبعضهم قاتل بعضاً, وكذّب بعضهم بعضاً, ولعن بعضهم بعضاً, وأفتى بعضهم برأيه بمحضر النبي ’, وسنبيّن مرادنا من كلّ قول عند نقاشك لكلّ قول على حده.

قلتم: بعض هؤلاء ليسوا علماء بل هم أعداء الدين

ثانياً: قلتم: أوردت أشخاصاً من أذناب المستشرقين ممّن أساءوا إلى الدين وردّدوا آراء أعدائه، ووصفتهم بأنهم من أكابر علماء أهل السنّة وهذا فيه تساهل...

الجواب

 إنّ معظم الكلمات التي نقلناها هي لأناس من أكابر علماء أهل السنّة, ولهم وزنهم وقيمتهم العلمية, وبمجرّد اختلافك معهم في الرأي لا يقلّل من شأن أقوالهم وآرائهم, أمّا من وصفتهم بأذناب المستشرقين, ويبدو أنّك تريد بذلك الدكتور طه حسين وكذلك الدكتور أحمد أمين, فهذان لهما وزنهما العلمي في الساحة الثقافية والأدبية عند معظم الجماهير العربية, فالملايين من المسلمين السنّة تتوق لقراءة كتبهم ومؤلفاتهم. مضافاً إلى ذلك, فإن ما توصلوا إليه من نتائج من خلال سبر أغوار الأخبار والتاريخ هي نتيجة منصفة يصل إليها كلّ باحث يتجرد عن قبلياته العقدية, فوسمكم لهم بأنهم من أذناب المستشرقين مع ما فيه من إهانة لشريحة واسعة من أبناء المجتمع المصري, فهو لا يقلّل من شأن ما توصلوا إليه من نتائج, لأنّ القرآن والحديث والتاريخ يؤيّد هذه النتائج.

قول ابن حزم في عدالة الصحابة

كنا قد استشهدنا بكلام لابن حزم يفهم منه عدم عدالة الجميع، فقلتم: «ثم أوردت كلام ابن حزم وهو: فمن المحال أن يأمر النبيّ باتّباع كلّ قائل من الصحابة (رضي اللّه عنهم)، وفيهم من يحلّل الشيء وغيره منهم يحرّمه» إلى أن قال: >وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره فيبلغه ذلك فيصوّب المصيب ويخطّئ المخطئ... » إلى هنا ينتهي نقلكم، وتكملة القول: «فذلك بعد موته أفشى وأكثر»، ثمّ ذكر موارد متعدّدة ممّا أفتى به الصحابة فأنكره رسول اللّه([332]).

قلتم: لا يوجد في قول ابن حزم نفي لعدالة الصحابة

فأجبتم بعد ذلك بعدّة نقاط:

أولاً: أين في قول ابن حزم نفي عدالة الصحابة في هذا النص، أو في بقيّة قوله؟...

الجواب

 إنّما ذكرنا كلام ابن حزم لنبيّن أنّ الهالة القدسيّة التي تضفونها على الصحابة غير صحيحة, وأنّهم كانوا يتجرّأون على الإفتاء برأيهم في زمان النبيّ’, ويخطئون في موارد متعددة, فكيف بما بعد النبيّ’، وهذا بنفسه يلقي الضوء على ضرورة إعادة النظر في كلّ ما ورد عن الصحابة, فكيف نطمئن إلى نقل من تجرأ وأفتى برأيه والنبيّ’ حيٌّ يرزق؟

فإنْ قلتم: إنّ إفتاءهم لم يكن لمجرد الرأي، بل لوصول أخبار إليهم عن النبيّ’ تبيّن عدم صحّتها فيما بعد, أو أنّهم فهموا من كلامه خلاف ما يريده؟

أجبنا: أنّ ذلك يوجب التوقف في كلّ ما نقلوه؛ لأنّه إنْ قلنا: إنّ الأخبار التي أفتوا في ضوئها لم تكن صحيحة، فهذا يعني أنّ أخبار الصحابة لا يمكن الوثوق بها. وإن قلنا: إنهم فهموا خلاف قوله، فهذا يعني أنهم مع كونهم في زمنه’ قد أفتوا بخلاف مراده وفهموا ما لا يريده, فكيف نطمئن لنقلهم من بعده’؛ خصوصاً مع المنع من نقل الحديث وتدوينه؟ فكل ما نقله الصحابة حينئذ يكون معرَّضاً للخطأ, والاحتياط في الدين يقتضي التثبت فية من دراسة متنه والتدقيق في سنده.


  
قلتم: لا ندعي عصمة الصحابة والعبرة بروايته لا برأيه

ثانياً: قلتم: نحن لا ندّعي العصمة في أحد من الصحابة, والصحابي قد يجتهد في الاستنباط أو الاستدلال فيخطئ ويرده أخوه الصحابي, فالعبرة برواية الصحابي لا برأيه إذا خالف النص...

الجواب

 قد ذكرنا لكم سابقاً أنّكم من الناحية العملية تؤمنون بعصمة الصحابة, وتضفون عليهم هالة عجيبة من القدسية, وأن مجرد رؤية النبيّ’ كافية في تبرير عمله وإن أدّى ذلك إلى قتل آلاف الأبرياء, فهو صحابي مجتهد وله أجر, فقولكم فيهم أشدّ من العصمة, فهم مأجورون في خطئهم وصوابهم, فأي نوع من البشر هؤلاء بحيث يؤجرهم الله دائماً وهم يسفكون الدماء ويشربون الخمر ويزنون ويستحلّون الحرمات, وملائكة الله تسجل في كتبهم الحسنات تلو السيئات!!!

أما مسألة الاجتهاد في الاستنباط والخطأ في الاستدلال, فنضيف إليها الخطأ والسهو في الرواية, فقد ثبت الكثير من خطئهم فيها, وقد استدركتْ عليهم السيدة عائشة لوحدها أكثر من مئة مورد ممّا أخطأوا فيه النقل, فإذا كان الصحابة يخطئون في الاستنباط, ويخطئون في نقل الرواية, ويفتون بخلاف رأي النبيّ’ في زمنه, وبعد زمنه, فهل يبقى حينئذ مبرر للأخذ بروايتهم؟!


قول المازري في عدالة الصحابة([333])

قد علقتم([334]) على ما ذكرناه لكم من قول المازري في عدالة الصحابة وهو: «لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول، كلّ من رآه (صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم) يوماً ما، أو زاره لماماً([335])، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنّما نعني به الذين لازموه، وعزّروه ونصروه، واتّبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون»([336]).

وأجبتم عن ذلك بثلاثة وجوه:

قلتم: قول المازري رده العلماء

أجبتم أولاً: أنّ ابن حجر تعقّب قول المازري بأنّه >لم يوافق عليه, بل اعترضه جماعة من الفضلاء<.. فهو قول ردّه العلماء.

الجواب

 أنت تعترف الآن بوجود المخالف ممّن لا يقول بعدالة جميع الصحابة, وبهذا ينخرم الإجماع المدّعى, فالمخالف إذن موجود وهذا ما ادّعيناه, وردّ بعض العلماء له يؤكد وجود قولٍ خلاف نظرهم، وهو ما قلناه سابقاً، من أنّ هناك من علماء السنّة مَن يذهب إلى خلاف رأيكم، ولا يقولون بعدالة الصحابة أجمع.

ثم إنّ ردّ فرقة من العلماء له لا تعني عدم صحّته, فقد أشرنا سابقاً إلى أنّه يوجد في تعريف الصحابي خلاف كبير, وجمهور الأصوليين يرون أنّ الصحابي من رأى النبيّ’ واختصّ به اختصاص المصحوب...

 وذكر الدكتور النملة أنّه ذهب إلى ذلك إمام الحرمين في (التلخيص) وابن الصبّاغ في (العدّة) والغزالي في (المستصفى) وابن السمعاني في (قواطع الأدلة) والصيمري في (مسائل الخلاف) والقرافي في (شرح تنقيح الفصول)([337])، وقد أوردنا لك فيما سبق تصريح التفتازاني بعدم عدالة جميع الصحابة.

وقال الباحث السني حسن بن فرحان المالكي بعد أن بيّن أنّ هناك مذهبين في تعريف الصحابي ما نصّه: «أمّا المذهب الأول ـ وهو الأقرب للصواب ـ الذي لا يكتفي بالرؤية واللقيا فهم جمهور علماء المسلمين المتقدمين من محدثين وفقهاء على حد سواء.

ويتميز هذا المذهب بوجود صحابة أثرت عنهم أقوال تفيد إخراج بعض من رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصحبة كما سيأتي.

ومن أبرز الذاهبين إلى هذا المذهب من الصحابة والعلماء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأم المؤمنين عائشة بنت الصديق وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله والأسود بن يزيد النخعي وسعيد بن المسيب ومعاوية بن قرة وشعبة بن الحجاج وعاصم الأحول والواقدي وأحمد بن حنبل (في قول) والبخاري (في قول) ومسلم وابن مندة ويحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلي وأبو داود والخطيب البغدادي وابن عبد البر والبغوي وابن الجوزي والباقلاني والماوردي وأبو المظفر السمعاني والمازري والعلائي وابن الملقن وابن عماد الحنبلي وغيرهم.

وأصحاب هذا المذهب ـ وهو مذهب الأصوليين في الجملة ـ يعتمدون على الشرع أو العرف أو كلاهما في إثبات الصحبة التي تقتضي عندهم طول الملازمة مع حسن الاتباع وصلاح السيرة في الجملة، وليس جميع هؤلاء العلماء يشترطون هذه الشروط.

وهذه أقوال العلماء (علماء هذا المذهب) التي تدل على عدم اكتفائهم بالرؤية واللقيا؛ ولأن بعض الناس قد يتوهم عنهم خلاف ما قلناه من النقل العام, فإننا نذكر هنا نماذج من أقوالهم ممّا له دلالة على ما سبق ذكره»([338]). ثمّ شرع في سرد أقوالهم وبيان آرائهم.

فاتّضح إذن, أنّ الكثير من العلماء لا يرون كفاية مطلق الرؤية في تعريف الصحابي, وبالتالي سوف يخرج عدد كبير ممّن تعدونهم من الصحابة, وتحكمون على عدالتهم بناء على ذلك.

فهل كلّ هؤلاء تعدونهم شاذّين عن المذهب, فما هو مذهبهم إذن, ومَن هم علماؤه؟!

قلتم: قول المازري لا يختلف عما نقوله في عدالة الصحابة

الجواب الثاني: قلتم: ما ذكره المازري لا يخرج من حيث المضمون من مذهب أهل السنّة والجماعة, فإنّنا كذلك نقول: إنّما الصحابة الذين لازموه وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه...

الجواب

إنّ ما ذكره المازري يختلف عمّا تذهبون إليه اختلافاً كبيراً, وبناءً على تعريفه سوف يخرج عدد كبير ممّن تُسمّونهم بالصحابة, ولعلّك قرأت أنّ ابن حجر بعد أن تعقّب قول المازري بأنّه اعترضه جماعة من الفضلاء, أضاف قائلاً: «قال الشيخ صلاح الدين العلائي: هو قول غريب يخرج كثيراً من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة، كوائل بن حجر، ومالك بن الحويرث. وعثمان بن أبي العاص، وغيرهم، ممن وفد عليه (صلّى الله عليه وسلّم) ولم يقم عنده إلاّ قليلا وانصرف، وكذلك من لم يعرف إلاّ برواية الحديث الواحد، ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور، وهو المعتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم»([339]).

فقوله إذن يخرج جماعة كبيرة من الصحابة, وعرفنا أنّ ذلك مذهب الكثير وغير مختص به وحده.

ثم إنّ ادّعاءكم أنه يوافقكم في الرأي هو ادّعاءٌ غريب! فأنتم تُصرّون على عدالة كلّ من رأى النبيّ’, وهو يصرح أن الرؤية غير كافية، فأين الموافقة إذن؟! مضافاً إلى أنّه صرّح ـ على ما في بعض النقول ـ أنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول، فقال: «في الصحابة عدول وغير عدول ولا نقطع إلاّ بعدالة الذين لازموه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه, وأمّا عدالة كلّ من رآه (عليه الصلاة والسلام) يوم ما أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف فلا نقطع بها، بل هي محتملة وجوداً وعدماً»([340]).

فتلخص: أنّ القائلين بعدم عدالة الصحابة أجمع هم عدد كبير من علماء أهل السنة, منهم التفتازاني والمازري اللذان أوردنا تصريحهما بذلك.

قلتم: الاختلاف بين أهل السنة لا يؤثر على عظماء الصحابة

الجواب الثالث: قلتم: هذه قضية بين أهل السنّة, وكلّهم يعظم عظماء الصحابة ويعترف بفضلهم, ولا يتّفقون مع الإمامية في معتقدهم في عظماء الصحابة.

الجواب

 نعم، هي قضية خلافية بين أهل السنة، أحببنا أن نبيّنها لك حتّى لا تتوهم، ولا يتوهم القارئ تبعاً لقولك، أن القائلين بعدم عدالة الصحابة أجمع هم الشيعة فقط, بل إن هذا الأمر عليه جمع كبير من علماء أهل السنّة, والحوار هنا غير مختص بطبقة معيّنة من طبقات الصحابة، فإن هذا خروج عن موضوع النقاش، الذي هو عدالة الصحابة أجمع بما فيهم الطلقاء، وكل من رآه’ ولو ساعة من الزمن, وقد ثبت أنّ جملة كبيرة من علماء أهل السنّة لا يرتضون هذا الأمر.

ومن الواضح أيضاً أنّكم لا تملكون الحجج في دفع ما قلناه، وأنّى لكم ذلك وتصريحات الكثير من علمائكم ظاهرة وجليّة في خلاف ما قلتموه, فعليكم الإقرار والاعتراف بأنّ مذهب الأصوليين وجملة كبيرة من علماء السلف والخلف لا يرون عدالة الصحابة أجمع, وبذا تبطل النظرية التي تمسكتم بها من الأساس.

رأي ابن العماد الحنبلي في عدالة جميع الصحابة

ذكرتم كلامنا في أنّ ابن عقيل قال بعد نقل كلام المازري: «قال السيد الآلوسي: وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد في شذرات الذهب<.

وأجبتم على ذلك بأمور:

قلتم: هذا الرأي عن طريق ابن عقيل وهو مجهول

أولاً: أنّ ابن عقيل شخص معاصر مجهول غير معروف عند أهل السنة وقد استدللت بكلامه مرتين([341]).

الجواب

1ـ نقلنا لك بعضاً من ترجمة الرجل في الجزء الأول([342])، وأنه فاضل مشارك في بعض العلوم, ترأس المجلس الاستشاري في سنغافورة وأسس فيها جمعية إسلامية ومجلة وجريدة عربيتين، ومدرسة عربية دينية([343])، فهو ليس شخصاً مجهولاً كما تدّعي.

2ـ نحن هنا لم نستدلّ بكلامه, بل اعتمدناه كمصدر لنقل قول الآلوسي, وهو ثابت من غير هذا المصدر, وأنت تعرف ذلك جيداً, وسيأتي منك التصريح بأنّ الآلوسي ذكر تعقيباً على هذا القول, فالنقل صحيح بغض النظر عمّا إذا كنت تعرف ابن عقيل أو لا تعرفه, فكلامنا هنا ليس في ابن عقيل، بل في كلام الآلوسي ونقله لرأي ابن العماد في شذرات الذهب.

قلتم: ابن عقيل لم يكن أمينا في النقل

ثانياً: قلتم: إنّ ابن عقيل نقل كلام الآلوسي وترك إشارته إلى أنّه متعقب من صلاح الدين العلائي, وهذا يدلّ على مذهبه وعدم أمانته في النقل.

الجواب

 هذا من غرائب الإشكالات, فهل أنّ كلّ قول متعقّب يصبح في خانة العدم, وهل ادّعى ابن عقيل أنّ هذا القول هو القول الأوحد وليس عليه خلاف, فإن ابن عقيل قد أورد كلام الجمهور على عدالة كلّ الصحابة, وناقش رواية (خير القرون قرني) مبيّناً أنّها لا تدلّ على عدالة جميع الصحابة، ودعم رأيه بنقل قول المازري ورأي ابن العماد, فلا معنى حينئذ لأن ينقل التعقيب، وقد ذكر قبل ذلك أنّ رأي الجمهور على العدالة.

فعدم نقله للتعقّب ليس فيه دلالة تذكر على عدم الأمانة, أما مذهبه فهو سني وليس شيعياً، ففي أثناء ردّه على رواية خير القرون, قال: «وعليه لا ثبوت بالحديث المذكور لعدالة كلّ الصحابة، بل يكونون كغيرهم، فيبحث عن عدالتهم إلاّ من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها، كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة الذين لا مطعن فيهم ولهم السوابق والمشاهد مع النبيّ»([344])، فهذه العبارة صريحة في تحديد مذهب الرجل وأنّه من أهل السنّة.

ابن العماد يذكر نماذج للصحابة غير العدول

ثالثاً: قلتم ص124: >أمّا ابن العماد, فقد أورد ثلاثة أشخاص هم: مروان, والوليد بن عقبة, والحكم بن أبي العاص، ثم قال: (وإلى هؤلاء المذكورين ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر, وفيه: فأقول: يا ربّ أصحابي, فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك), ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة, وأنّ المراد به الغالب, وعدم الاعتداد بالنادر والذين ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة<.

ثم بدأتم تجيبون عن كلام ابن العماد, ونحن قبل أن نبدأ بالرد على كلماتكم ننوه إلى أنّ عبارة الشذرات لم تكن بالشكل أعلاه, فإن ابن العماد ذكر مخازي يزيد بن معاوية وبسر بن أرطاة ومروان، ثم قال: «وإلى هؤلاء المذكورين والوليد بن عقبة والحكم بن أبي العاص ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر...», فالأمانة العلمية تقتضي التقيّد بالنص, خصوصاً أنّ عبارته لم تكن مقتصرة على ثلاثة أشخاص فقط فهو ذكر قبلهم بسر بن أرطاة ومروان، ثم قال: >ونحوهم<, فابن العماد لم يذكر ثلاثة أشخاص فقط.

والآن نعود لنذكر أهم ما ورد في كلامكم ونجيب عنه:

قلتم: أما مرون فليس صحابياً

فيما يتعلق بمروان ابن الحكم: قلتم: >فأمّا مروان فليس صحابياً<([345]).

الجواب

 أمّا من جهة الصحبة فقد وقع الخلاف في ذلك، فذكر قوم أنّ له رؤية, قال ابن حجر في مقدمة الفتح: «يقال: له رؤية, فإنْ ثبتت فلا يعرج على من تكلّم فيه»([346]).

وقال في الإصابة: «فلم يثبت له أزيد من الرؤية»([347]).

نعم, ابن حجر أنكر صحبته في التقريب، فقال: «لا تثبت له صحبة»([348]).

وقال العيني: «يقال: إنه رأى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، قاله الواقدي، ولم يحفظ عنه شيئاً، وتوفي النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وهو ابن ثمان سنين»([349]).

وقال الواقدي ومحمّد بن سعد: «أدرك النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), ولم يحفظ عنه شيئاً»([350]).

وقال ابن كثير: «وهو صحابي عند طائفة كثيرة»([351]).

فإن ثبت أنّه صحابي فهو مشمول بأحاديث الحوض وسوف يساق إلى النار, على ما صرح ابن العماد, وتنخرم بذلك قاعدة عدالة الصحابة أجمع.

وإن لم يثبت كونه صحابياً فهو في النار أيضاً, فإذا كانت أفعاله المشينة توجب دخوله النار على فرض كونه صحابياً, فدخوله في النار مع عدم كونه صحابياً يكون من باب أولى, والغريب أنّ مروان ثقة عندكم, فهو من رجال البخاري, وسيرة مروان معروفة للجميع, قال ابن العماد: «مخازي مروان: بأنه أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة، وقتل النعمان بن بشير ـ أول مولود من الأنصار في الإسلام ـ وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة، وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل»([352]) ومع ذلك فمروان عندكم محل تقدير وتبجيل ومدح وثناء مع أنّه قتل طلحة، وهو من العشرة المبشرين، حسب اعتقادكم! فهل يعقل أن يُبجّل القاتل والمقتول والصالح والطالح؟!!!

أضف إلى ذلك، فإن مروان ملعون على لسان النبيّ’ مع أبيه الحكم، وسيأتي قريباً أنّ رسول الله’ لعن الحكم وما ولد, ونختم الحديث بكلمات للذهبي, حيث قال عن مروان: «وله أعمال موبقة ـ نسأل الله السلامة ـ رمى طلحة بسهم وفعل وفعل»([353]).

وقال: «قاتل طلحة في الوزر، بمنزلة قاتل علي»([354]).

قلتم: ما ورد من ذم في الحكم بن العاص غير موثوق

قلتم: «وأمّا الحكم بن أبي العاص فما ورد في حقّه من روايات تاريخية غير موثوقة»([355]).

الجواب

إن الحكم بن أبي العاص لعنه رسول الله’ وطرده من المدينة إلى الطائف، وأعاده الخليفة عثمان إليها في وقت خلافته, والأخبار والروايات في ذلك صحيحة ثابتة, قال ابن أبي حاتم: «الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس, أسلم في الفتح, وقدم على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), فطرده من المدينة, فنزل الطائف حتّى قبض النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), فنزل المدينة فمات بها في خلافة عثمان بن عفان. سمعت أبي يقول ذلك»([356])، وقال ابن الأثير: «وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، إلاّ أن الأمر المقطوع به, أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) مع حلمه وإغضائه على ما يكره، ما فعل به ذلك إلاّ لأمر عظيم, ولم يزل منفياً حياة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), فلمّا ولي أبو بكر الخلافة قيل له في الحكم ليرده إلى المدينة، فقال: ما كنت لأحلّ عقدة عقدها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وكذلك عمر، فلمّا ولي عثمان (رضي الله عنهما) الخلافة ردّه...»([357])، وقال ابن حجر: «قال ابن سعد: أسلم يوم الفتح وسكن المدينة, ثم نفاه النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى الطائف، ثمّ أعيد إلى المدينة في خلافة عثمان ومات بها»([358])، وقال الذهبي: «ونقم جماعة على أمير المؤمنين عثمان كونه عطف على عمّه الحكم، وآواه وأقدمه المدينة، ووصله بمئة ألف»([359]).

وأمّا الروايات في ذمّه ولعنه من قِبَل النبيّ’ فهي كثيرة وصحيحة ومعتبرة.

أخرج ابن عساكر بسنده إلى الشعبي, عن عبد الله بن الزبير, أنّه قال وهو على المنبر: «وربّ هذا البيت الحرام والبلد الحرام, إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد»([360]).

قال الذهبي: «إسناده صحيح»([361]).

وأخرجه البزار عن الشعبي بلفظ: «سمعت عبد الله بن الزبير يقول وهو مستند إلى الكعبة: وربّ هذا البيت, لقد لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه»([362]).

وقال الألباني بعد أن ذكر الحديث بلفظ البزار: «قلت: وهو إسناد صحيح أيضاً، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار (أحمد بن منصور بن سيّار)، وهو ثقة، ولم يتفرد به كما يشعر بذلك تمام كلام البزار: (ورواه محمد بن فُضيل أيضاً عن إسماعيل عن الشعبي عن ابن الزبير).

ولذلك لم يسع الحافظ الذهبي ـ مع تحفظه الذي سأذكره ـ إلاّ أن يصرِّح في (تاريخ الإسلام) (2/57) بقوله: (إسناده صحيح). وسكت عنه في (السير) (2/108)؛ ولم يعزه لأحد!»([363]).

وأخرجه أحمد: «ثنا عبد الرزاق أنا بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو مستند إلى الكعبة وهو يقول: وربّ هذه الكعبة, لقد لعن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلاناً وما ولد من صلبه»([364]). ولم يصرّح باسم الحكم!!

قال الألباني: «وهذا صحيح على شرط الشيخين كما ترى»([365]).

وقال شعيب الأرنؤوط: «رجاله ثقات رجال الشيخين, وأخرجه البزار من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد ولفظه: وربّ هذا البيت, لقد لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه (صلّى الله عليه وسلّم)...» إلى أن قال: «قال السندي: قوله: فلاناً، أي: الحكم»([366]).

وأخرج أبو يعلى ـ واللفظ له ـ والحاكم, بسندهما إلى أبي هريرة: «أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، وقال: ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة، قال: فما رئي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتّى مات»([367]).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».

ووافقه الذهبي في التصحيح لكن على شرط مسلم([368]).

وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة»([369]).

وأخرج أحمد والبزّار واللفظ له, عن عبد الله بن عمرو، قال: «كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), فبينا نحن عنده إذ قال: ليدخلن عليكم رجل لعين... فما زلت أنظر وأخاف حتّى دخل الحكم بن أبي العاص»([370]).

قال الهيثمي: «رواه أحمد, ورجاله رجال الصحيح»([371]).

وقال الألباني: «وهو إسناد صحيح على شرط مسلم»([372]).

وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم, رجاله ثقات رجال الشيخين, غير عثمان بن حكيم فمن رجال مسلم»([373]).

وأخرج النسائي والحاكم بسندهما إلى محمد بن زياد، قال: «لمّا بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر, فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر, فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما. الآية, فبلغ ذلك عائشة, فقالت: كذب والله ما هو به, ولو شئت أن أسمّي الذي أنزلت فيه لسمّيته, ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعن مروان ومروان في صلبه, فمروان فضض من لعنة الله»([374]).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»([375]).

وقال الألباني: «هذا إسناد صحيح»([376]).

وقال الذهبي: «فيه انقطاع, محمّد لم يسمع من عائشة»([377]).

قلت: لا يضر الانقطاع المذكور؛ لأن للحديث شواهد معتبرة لذاتها فضلاً عن تعاضدها مع الخبر المذكور, منها ما أخرجه البزار بسنده إلى عبد الله البهي مولى الزبير قال: «كنت في المسجد ومروان يخطب، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله ما استخلف أحداً من أهله فقال: مروان أنت الذي نزلت فيك: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا}. فقال عبد الرحمن: كذبت, ولكن رسول الله لعن أباك»([378]).

قال الألباني: «وإسناده حسن كما قال الهيثمي، وأقرّه الحافظ في مختصر الزوائد (1/686)»([379]).

هذا, وقد ساق الألباني جملة من الروايات الصحيحة في لعن الحكم, وذكر كلاماً مهمّاً في المقام كشف فيه كيف أنّ الأقلام تلاعبت بحقائق التاريخ, وخشية العلماء من تصحيح روايات لعن الحكم من قبل النبي’, وقدتقدّم منّا نقل بعضه([380]).

ترجمة الحكم بن أبي العاص في طبقات ابن سعد

بعد أنْ عرفنا أنّ رسول الله’ قد لعن الحكم وطرده إلى الطائف، وعرفنا أن الحكم عاد إلى المدينة بإذن عثمان بن عفان أيام خلافته, وجدنا أنّ هناك سقطاً صريحاً وواضحاً في ترجمة الحكم في الطبقات الكبرى لابن سعد, نتمنى أن يكون هذا السقط كان سهواً! ولا بدّ أن يتداركه المحققون في تعليقاتهم على الطبقات؛ حفظاً للتراث الإسلامي من الضياع.

فقد جاء في عبارة ابن سعد: «الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمّه رقية بنت الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، أسلم يوم فتح مكة، ولم يزل بها حتّى كانت خلافة عثمان بن عفانL فأذن له، فدخل المدينة، فمات بها في خلافة عثمان بن عفانL وهو أبو مروان بن الحكم, وعمّ عثمان بن عفان»([381]).

فالعبارة فيها خلل صريح, فهي تدلّ على أنّ الحكم بقي في مكّة إلى زمن خلافة عثمان فدخل المدينة بإذنه, ويرد على العبارة ما يلي:

1ـ إنها خلاف اتّفاق العلماء على أنّ النبيّ’ طرده إلى الطائف وبقي في الطائف حتّى حانت حكومة عثمان فأذن له, وقد قدمنا مجموعة من أقوال العلماء في ذلك, وهذا يدلّل على أنّ هناك سقط في العبارة يفيد أنّ رسول الله طرده إلى الطائف ولم يزل بها...

2ـ سبق نقل قول ابن حجر عن ابن سعد بأن رسول الله قد نفاه إلى الطائف, قال ابن حجر: «قال ابن سعد: أسلم يوم الفتح وسكن المدينة، ثم نفاه النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى الطائف، ثمّ أعيد إلى المدينة في خلافة عثمان ومات بها»([382]).

وهذا يفيد أنّ النسخة التي كانت عند ابن حجر تحتوي على العبارة الدالة على طرده إلى الطائف.

3ـ إن عبارة ابن سعد فيها قرينة أخرى تدلّ على سقوط شيء منها, وهو قوله: «فأذن له», فكلمة (أذن له) تشير بوضوح إلى أن ابن سعد كان قد ذكر طرده ومنعه من دخول المدينة، وإلا فلا معنى للإذن؛ فهو صحابي وعمّ الخليفة ويمكنه السفر والدخول إلى المدينة متى شاء, فعبارة (إذن له) تدلّ على أنّ ابن سعد قد ذكر الطرد إلى الطائف, وأنّه بقي في الطائف إلى أن حانت خلافة عثمان، فأذن له بدخول المدينة.

4ـ لم نر أيّاً من المؤرخين ممّن جاء بعد ابن سعد أشار إلى أنّ ابن سعد يرى بقاءه في مكّة, مع أنّ ابن سعد يعتبر من أهمّ مَن كَتَبَ في الصحابة والتابعين, فهذه قرينة أخرى تَدلُّ على وجود سقط في نصّ ابن سعد.

قلتم: الوليد بن عقبة فاسق بالروايات الصحيحة

قلتم: «وأمّا الوليد بن عقبة, فالقرآن الكريم قد حكم فيه, حيث نزلت فيه آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وقد ثبت فسقه بروايات صحيحة, ولا ندري عمّا لقي الله عزّ وجل به»([383]).

الجواب

 هذا اعتراف منك بأن الصحابي من الممكن عليه الفسق والكذب والعصيان, وليست المسألة مقصورة على الوليد، وقد قدمنا لك فيما مضى بأن من الصحابة من زنا وسرق وشرب الخمر وقتل بغير حق، فهؤلاء كلهم ثبت فسقهم، فلماذا تتأولون لهم؟! الله ونبيّه لم يتأولوا للوليد لكونه صحابياً، ولم يـتأولوا أيضاً للصحابي أبي الغادية قاتل الصحابي عمّار.

قلتم: كلام ابن العماد لا يطعن بعموم الصحابة

ذكرتم أنّ ابن العماد يقرر أنّ هذا نادر, والنادر لا حكم له, فكيف تهدر محاسن الآلاف أو يُتوقف في الآلاف لأجل أفراد.. وذكرتم في خامساً: أن ابن العماد أورد هؤلاء الثلاثة وأشار بكلامه إليهم، فأين في كلامه ما يدلّ على العموم؟([384])

الجواب

 ثبت إلى الآن أنّ من ذكرهم ابن العماد (مروان والحكم والوليد) فسقة لا يمكن الركون إليهم والاعتماد عليهم، وسيساقون إلى النار، حسب روايات الحوض التي أشار لها ابن العماد, على أنّ ابن العماد لم يكن مراده هؤلاء الثلاثة فقط, بل ذكر قبلهم بسر بن أرطاة وأنت لم تتعرض له لا نفياً ولا إثباتاً، ثمّ قال: >ونحوهم<، ويريد بهم من ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة، على ما نصّ عليه في آخر عبارته, فهو يرى أن هناك من الصحابة من ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن وارتكبوا ما يوجب فسقهم وخروجهم عن العدالة, فهو صريح بعدم القول بعدالة الصحابة أجمع.

إضافة إلى أنّ استدلاله بحديث الحوض فيه قرينة واضحة على إرادة عدد كبير من الصحابة, فهذا الحديث الصحيح نصّ في بعض ألفاظه على دخول كم هائل من الصحابة في النار على ما سيأتي بيانه.

بسر بن أرطاة

أمّا بسر بن أرطاة: فإنّ ابن العماد وإنْ صرّح بأنّه لم تصحّ له صحبة, لكنّه أضاف قائلاً: «وقال الدارقطني: كانت له صحبة, ولم تكن له استقامة بعهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([385]). وسيأتي تصريح غيره أيضاً بأنه كان من الصحابة.

وعن أفعال بسر بن أرطاة, قال ابن العماد: «ومثل فعل يزيد فعل بشر([386]) بن أرطاة العامري ـ أمير معاوية ـ في أهل البيت من القتل والتشريد حتّى خدّ لهم الأخاديد, وكانت له أخبار شنيعة في عليّ, وقتل ولدي عبيد الله بن عباس وهما صغيران على يدي أمهما، ففقدت عقلها وهامت على وجهها، فدعا عليه عليّ أن يطيل الله عمره ويذهب عقله، فكان كذلك خرف في آخر عمره, ولم تصحّ له صحبة, وقال الدارقطني: كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([387]).

فالرجل غير مستقيم، بل سيرته قبيحة بسفك الدماء، والنصب لعلي وأهل البيت^, وقد نصّ على صحبته غير واحد:

قال ابن أبي حاتم: «بسر بن أبي أرطاة, واسم ابن أبي أرطاة عمير, له صحبة»([388]).

قال الذهبي: «بسر بن أرطاة أو ابن أبي أرطاة العامري صحابي له حديثان, عنه جنادة بن أبي أمية, وأيوب بن ميسرة, وكان من أمراء معاوية خرف وبقي إلى دولة عبد الملك»([389]).

وقال ابن حجر: «بسر بن أرطاة، ويقال: ابن أبي أرطاة، واسمه عمر بن عويمر بن عمران القرشي العامري, نزيل الشام, من صغار الصحابة, مات سنة ست وثمانين»([390]).

وفي الإصابة: «قال ابن يونس: كان من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), شهد فتح مصر»([391]).

وتقدّم في الشذرات أنّ الدارقطني قال: «كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([392]).

فبسر إذن له صحبة, مع أنّه ناصبي سفاك للدماء قاتل للأبرياء بغير حقّ, فهو إذن يضاف لقائمة الصحابة الفساق الذين تشملهم روايات حديث المحشر كما ذكر ذلك ابن العماد, ولا ندري لماذا أدرت ظهرك هنا؟ ولم تذكر بسر لا من قريب ولا من بعيد؟!

 شمول أحاديث الحوض لكثير من الصحابة

أمّا أحاديث الحوض التي استدلّ بها ابن العماد الحنبلي وصرّح أنّها شاملة لمروان وبسر والحكم والوليد, فهي شاملة لغيرهم أيضاً, ولذا فإن ابن العماد لم يقصر عبارته على من ذكر, بل قال: >ونحوهم<.

والمتتبع يجد أنّ لسان روايات الحوض شاملاً للكثير من الصحابة:

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس أنّ النبيّ’ قال: «وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله {الحَكِيْم}»([393]).

وأخرج البخاري في صحيحه, عن أنس, عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), قال: «ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك»([394]).

وأخرجه مسلم بلفظ: «أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب أصيحابي أصيحابي، فليقالنّ لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»([395]).

وأخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ’ قال: «... ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمّ قلت: أين؟ قال: إلى النار واللّه! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يَخْلُص منهم إلاّ مثلَ هَمَل النَّعَم»([396]).

قال ابن حجر: «ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه: (ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني) وسنده حسن. وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد: (فقلت: يا رسول اللّه, ادع أن لا يجعلني منهم، قال: لست منهم). وسنده حسن»([397]).

فهذه نبذة من أحاديث الحوض, وهي تبيّن أنّ عدد الصحابة الذي يذادون عن الحوض, ويساقون إلى النار, هو عدد كبير جداً، وإنّ هؤلاء ممن صاحب النبيّ’ وممّن رآه, وقد تقدّم بحث هذه الروايات بنحو من التفصيل في الجزء الأول من كتابنا هذا, فليُراجع([398]).

فتلخّص أن ابن العماد لم يقتصر على الثلاثة فقط, بل كان ناظراً للكثير من غيرهم, فهو إذن لا يذهب إلى القول بعدالة الصحابة أجمع, ولا يتأول أفعال كلّ الصحابة كما تعملون أنتم, بل يرى أنّ من الصحابة من انحرف ولابس الفتن بغير تأويل ولا شبهة, فعبارته صريحة على خلاف مبناكم، وواضحة بعدم القول بعدالة جميع الصحابة.

قلتم: لا يجوز إهدار محاسن الآلاف من الصحابة

كنتم قد ذكرتم: أنّ ابن العماد يقرر أنّ هذا نادر, فكيف تهدر محاسن الآلاف من الصحابة؟

الجواب

أمّا مسألة إهدار محاسن الآلاف من الصحابة فهذا ما لا نقول به, بل إنّ {كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}([399])، {وَكُلَّ إنسان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}([400])، فكل إنسان مرهون بعمله، ولم نقل إنّ وجود فسّاق ومنحرفين في الصحابة يعني عدم عدالة الجميع, فهذا افتراء علينا ومجافات للحقيقة, بل غاية ما أردنا إثباته هو أنّ الصحابة ليسوا عدولاً بأجمعهم، واستشهدنا لك بعبارات لعلماء من أهل السنّة يذهبون إلى نفس هذا القول, ومن خلال ذلك يتعيّن عليكم إعادة النظر في هذا الموضوع, فإن وجود أعداد معينة من الصحابة لابسوا الفتن وفسقوا وأحدثوا وغيّروا بعد رسول الله’، يدلّ دلالة واضحة على أنّ القاعدة التي ذكرتموها غير صحيحة، وأن الآيات والروايات التي تستدلون بها هي ناظرة إلى المتقين الصالحين الذين اتّبعوا النبيّ’ وساروا على نهجه, وهي لا تنفي وجود عدد من الصحابة خالفوا النبيّ, بدليل وقوع ذلك منهم, والوقوع أدلّ دليل على الإمكان, وإذا ثبت إمكان وقوع الصحابي في المعاصي والانحراف والتغيير والتبديل لسنّة رسول الله’ تعيّن حينئذ البحث عن حال الصحابي كغيره, وهذا ما ذكرناه مراراً.

قلتم: ابن العماد يفرق بين الخطـأ العمدي وما وقع عن تأويل

قلتم: «رابعاً: أن ابن العماد يفرق بين من وقع في الخطأ عمداً, وبين من وقع فيه عن تأويل أو شبهة, وهذا هو مذهب أهل السنّة كما أكّده غير واحد من العلماء»([401]).

الجواب

 إن ابن العماد قرّر أنّ من الصحابة من ارتكب المحرمات وانحرف ولابس الفتن بغير تأويل ولا شبهة, ولم يتأول لكلّ واحد منهم, فهل توافق ابن العماد في ذلك، أم أنّك تتأوّل لأفعال الصحابي دائماً؟

هل توافق أنّ الصحابي بسر بن أرطاة ـ عند من يقول بصحبته كالدارقطني والذهبي وابن حجر وغيرهم ـ منحرف ويساق إلى النار، كما قرّر ابن العماد؟

هل توافق أن الحكم بن أبي العاص ـ بعد أن أثبتنا لك صحّة الروايات في لعنه ـ أنّه في النار، كما قرّر ابن العماد؟

هل توافق أنّ مروان بن الحكم ليس من العدول وسيساق إلى النار، كما قرر ابن العماد؟

هل توافق أن أحاديث الحوض وردت في هؤلاء ونحوهم ممّن ساءت أحوالهم وانحرفوا، كما قرر ابن العماد؟

إذا كنت توافق بذلك، فأنت إذن تقرّ بأن بعضاً من الصحابة فسّاق, بل وسيساقون إلى النار، حسب روايات الحوض وغيرها, وهذا يعني أنّك لا تقول بعدالة جميع الصحابة, وأنّ مذهب أهل السنّة لا يقول بعدالة جميع الصحابة أيضاً, وبذا نكون اتفقنا وتوصلنا إلى نتيجة واحدة, وهي عدم عدالة الصحابة أجمع, لكن كتب تراجم الصحابة تذكر كلّ من رأى النبيّ’ تعدّه من الصحابة بلا تفحص عن حاله, بل تسلّم بعدالته! وأنت أيضاً توافق على هذا التعريف الذي ذكره البخاري وابن حجر وغيرهم من أن الرؤية كافية, فكيف توفق بين قولك ذاك وبين موقفك هذا في كون الرؤية كافية؟ وكيف تثبت من خلال مجرد الرؤية الاستقامة على الدين؟ وكيف يستقيم مع الدين من لابس الفتن وارتكب المعاصي ولعنه النبيّ’؟!!

فتحصل أنّ ابن العماد من الذاهبين إلى عدم عدالة الصحابة أجمع, ولم نر منكم جواباً مفيداً في المقام.

قول الذهبي في عدالة الصحابة

أوردتم قول الذهبي الذي ذكرناه لكم, وهو: «ولو فتحنا هذا الباب (الجرح والتعديل) على نفوسنا لدخل فيه عدّة من الصحابة والتابعين والأئمّة، فبعض الصحابة كفّر بعضهم بعضاً بتأويل ما!! واللّه يرضى عن الكلّ ويغفر لهم!! فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا».

ثمّ قال: «وأمّا الصحابة رضي اللّه عنهم فبساطهم مطويّ، وإنْ جرى ما جرى، وإنْ غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات!! فما يكاد يسلم أحد من الغلط, ولكنّه غلط نادر لا يضرّ أبداً! إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوا العمل، وبه ندين اللّه تعالى»([402]).

وأجبتم على ذلك بثلاث نقاط حاصلها:

قلتم: الذهبي يقصد: لو فتح باب النقد لكل عمل خاطئ لما سلم أحد

1ـ إنّ الذهبي يقصد أنّا لو فتحنا باب النقد لكلّ عمل خاطئ بالتأويل, أو بغيره, لما سلم أحد من البشر, لا من الصحابة ولا من غيرهم, وهذا صحيح... ولذا فإنّ النبيّ لم يعاتب عمر حين اجتهد ووسم الصحابي حاطب بالنفاق.

الجواب

إنّ الذهبي يقصد غلق باب الجرح والتعديل في حقّ الصحابة مطلقاً, مهما فعلوا, ومهما ارتكبوا من أمور مخالفة للشريعة؛ لأنّ فتحه سيؤدّي إلى تفسيق عدّة من الصحابة, فإن عبارته صريحة في أنّ الصحابي يكفّر الصحابي الآخر بتأويل, وإنّ اقتتالهم واختلافهم لا يوجب تليينهم, وإنّ بساطهم مطويٌّ وإنْ جرى ما جرى؛ لذا فالذهبي يرى ضرورة غلق هذا الباب؛ لأن فتحه سيؤدي إلى تفسيق, بل تكفير عدّة من الصحابة, وعبارته غير شاملة لكلّ بشر, وإلا لما ثبت فسق أحد على وجه المعمورة.

هذا, ونلفت هنا نظركم إلى أمرين مهمّين يستفادان من العبارة الماضية:

أـ إنّ بعض الصحابة كانوا لا يرون عدالة الصحابة أجمع، ولا يرون أن القرآن والسنّة دالة على ذلك, إذ لو كانوا يرون ذلك فلا معنى لاتهام غيرهم بالنفاق والكفر, فرأي بعض الصحابة إذن هو أنّ بعض الصحابة من تلبس بالنفاق, وبعضهم من تلبس بالكفر, وسواء كان الصحابي المتكلم متأولاً أو غير متأول فلا يضر ولا ينفع في المقام, فبالنتيجة أن رأيه لم يكن على عدالة الصحابة, بل يذهب إلى أبعد من التفسيق وهو الكفر.

ب ـ إنّ التفتيش والفحص عن حال الصحابة وملاحظة ما جرى بينهم وكلمات بعضهم لبعض سيؤدي إلى تفسيق وتكفير عدّة من الصحابة, لذا لا بدّ من غلق هذا الباب, وهنا يرد التساؤل الآتي وهو: من هو الأولى بالاتّباع قول يحيى بن معين ويحيى القطان وغيرهم أم قول الصحابي؟ فلماذا تعتمدون في جرح الرجال على اجتهادات القطان وابن معين, وتتوقفون في قبول اجتهاد الصحابي؟ أفليس أنتم من أتباع السلف؟! فإذا كان بعض السلف بنفسه يكفّر بعضه الآخر, ويفسّق بعضه الآخر, فبأيّ مبرر ترون وجوب السكوت, وتغلقون الباب, وتحكمون بعدالتهم أجمعين؟ فهل أن اجتهاد ابن معين والقطان وغيرهم أدقّ وأفضل من اجتهاد الصحابي؟ وهل تقوى ابن معين والقطان وغيرهم أشدّ من تقوى الصحابي؟ فلماذا تتوقفون عن قبول اجتهاد الصحابي في مسألة حسيّة عاصرها ورآها وأعطى حكمه فيها، بينما لا تتوقفون في قبول حكم واجتهاد من أتى من بعدهم من علماء الرجال؟!!

ولو فرضنا أنّكم تتوقفون في حكم علماء الرجال في بعض الأحيان، فهذا لا يبرّر التوقف في قبول كلام الصحابة، وهم أدرى بأنفسهم في حكمهم على بعضهم، وهم أفضل طبقة على وجه الأرض بعد النبيّ’ كما تردّدون ذلك دائماً!!

فغلق هذا الباب وعدم الخوض فيه ليس إلاّ من باب اتّباع الهوى، وحفاظاً على نظرية لا واقع عملي لها, ولا يؤمن بها حتّى الصحابة أنفسهم!

جـ ـ أمّا ما يتعلّق بقول عمر لحاطب بأنّه منافق, فقد تقدّم في الجزء الأوّل من هذا الكتاب, فلا نعيد([403]).

قلتم: الصحابة بشر عظماء بالصحبة والجهاد

2ـ ذكرتم بأنّكم لا تنكرون بشرية الصحابة, لكن تعترفون بسبقهم وصحبتهم وجهادهم، وهذه أعمال ترفعهم.

وقلتم: إن الذهبي يرى عدالتهم وقبول رواياتهم

3ـ إن الذهبي أوضح في آخر كلامه أن العمل على عدالتهم وقبول روايتهم.

الجواب

أمّا ما ذكرتموه في نقطة (2) و(3) فممّا لا محصل له, بعد أن عرفت الجواب أعلاه وأنّ الفحص عن حال الصحابة يوجب تفسيق وتكفير عدد منهم, وأنّ الصحابة بأنفسهم لم يؤمنوا بقاعدة عدالة الصحابة أجمع.

ولا ينفع قول الذهبي بأنّ العمل على روايتهم، بعد أنْ صرّح بوقوع الخطأ والغلط منهم، كما يقع لغيرهم من الثقات!! بل تصريحه بوقوع ما هو أبعد من ذلك, ألا وهو تكفير بعضهم بعضاً!.

الخليفة أبي بكر يذم الصحابة ويندم على إيذاء فاطمة

ذكرنا لكم ـ بعد كلام التفتازاني ـ شاهداً يقوّي كلامه، وقلنا: ويؤيّده ما ورد عن أبي بكر، خطاباً للمهاجرين: «بأنّكم تريدون الدنيا، وستور الحرير، ونضائد الديباج، وتريدون الرئاسة، وكلّكم يريدها لنفسه، وكلّكم ورم أنفه»([404]) وفي تكملة الخبر: أنّ أبا بكر اعترف بكشف بيت فاطمة×، كما سيأتي ذكر نص الخبر كاملاً, فكان من الطبيعي أن يكون هذا الخبر محلاً للتضعيف؛ لأنّه تضمن أمرين في غاية الخطورة:

الأول: أنّ أبا بكر ذم الصحابة واتهمهم بحب الدنيا والإمارة والرئاسة وطلب الدعة والراحة.

الثاني: أنّه اعترف بالهجوم على بيت فاطمة وكشف دارها÷.

وعلى أيّة حال، فقد أوردتم عدّة إشكالات على هذا الخبر:

قلتم: حدث تلاعب منكم بمتن الحديث

أولاً: قلتم: إنّنا تصرفنا بمتن الحديث وأضفنا كلمة (تريدون) والعبارة هي: «وستجدون بيوتكم...<.

الجواب

أولاً: ما يتعلق بمتن الحديث, فنحن لم نحرّف الحديث، بل ذكرنا لكم مضمونه, وهذا المضمون واضح من ألفاظ الحديث بلا كلام, لكن تعال معي لنذكر الحديث من مصادره, ونرى من الذي حرّف الحديث وأراد التلاعب بالحقائق وكتمانها!!

 فقد أخرجه الطبري في تاريخه: قال: «حدثنا يونس بن الأعلى قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد، قال: حدثنا علوان, عن صالح بن كيسان, عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبيه, أنه دخل على أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) في مرضه الذي توفى فيه فأصابه مهتماً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر (رضي الله تعالى عنه): أتراه؟ قال: نعم، قال: إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه من ذلك, يريد أن يكون الأمر له دونه([405])، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل وهى مقبلة، حتّى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع على الصوف الآذري، كما يألم أحدكم أن ينام على حسك, والله لئن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا, وأنتم أوّل ضال بالناس غداً فتصدّونهم عن الطريق يميناً وشمالاً...».

ثمّ قال: «إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن وددت أنّي تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أنّي فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهن: فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً أو خليته نجيحاً، ووددت أنى يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: عمر، وأبا عبيدة، فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، وأما اللاتي تركتهن: فوددت أني يوم أتيت بالأشعث ابن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه, فإنه تخيل إلي أنه لا يرى شراً إلاّ أعان عليه، ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدداً، ووددت أنّي كنت إذ وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله، ومد يديه، ووددت أني كنت سألت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لمن هذا الأمر؛ فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة، فإن في نفسي منهما شيئاً»([406]).

وأخرجه العقيلي والطبراني من طريق سعيد بن عفير: «حدّثني علوان بن داود البجلي, عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف, عن صالح بن كيسان, عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه, قال: دخلت على أبي بكرL أعوده في مرضه الذي توفي فيه...» وساق الحديث([407]).

وأخرجه ابن عساكر بأكثر من طريق عن علوان, فتارة رواه عن الليث بن سعد, وأخرى عن الوليد بن الزبير, وثالثة عن سعيد بن عفير([408]).

كما أنّه رواه من طريق خالد بن القاسم عن الليث عن صالح, من دون ذكر علوان([409]).

وأخرجه القاسم بن سلاّم (أبو عبيد) في كتابه (الأموال) من طريق سعيد المتقدم, لكنه وللأسف حاول إخفاء حقائق التاريخ, فتحفّظ على كلمات أبي بكر في كشفه لبيت فاطمة÷, وارتأى عدم ذكرها, فقال في الخبر: «فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا لخلّة ذكرها، قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها»([410]).

كما أنّه حذف المقطع الأول المتعلق بتوبيخ أبي بكر للمهاجرين, ولم يذكر شيء منه.

وأخرجه أبو نعيم من طريق الطبراني لكنه اكتفى بذكر الشطر الأول حاذفاً منه عبارة أبي بكر الصريحة في ذمّ الصحابة وهي: «إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه», كما أنه لم يذكر بقية الرواية ولم يتعرّض لمسألة كشف بيت فاطمة÷([411])!!

فكلّ ما جاء في رواية أبي نعيم من طريق الطبراني وبنفس سنده إلى عبد الرحمن بن عوف هو: «قال: دخلت على أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه، فقال: رأيت الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل وهي جائية، وستتخذون ستور الحرير، ونضائد الديباج, وتألمون ضجائع الصوف الآزري، كأن أحدكم على حسك السعدان, ووالله, لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدٍ خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا»([412]).

وانظر رواية الطبراني وقارن بينهما, حيث جاء فيه: عن عبد الرحمن بن عوف: «دخلت على أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) أعوده في مرضه الذي توفي فيه، فسلّمت عليه، وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً، فقلت: أصبحت بحمد الله بارئاً، فقال: أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلاً مع وجعي، جعلت لكم عهداً من بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم لذلك أنفه، رجاء أنْ يكون الأمر له، ورأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل وهي جائية...»([413]).

فانظر كم أسقط من الرواية فمن كلمة: (وسألته) إلى (رجاء أن يكون الأمر له), كلّها أُسقِطَت من الرواية, فهل هناك مُسوّغ لبتر الرواية وقطعها بهذا الشكل, مضافاً إلى أنّ جميع بقية الرواية وفيها ما يتعلّق بكشف بيت فاطمة لم يذكرها أبو نعيم, مع أنّه نقل الرواية من طريق الطبراني, والطبراني ذكرها مفصلة بنحو ما ذكرناه عن الطبري.

فهناك تلاعب كبير طال هذه الرواية إذن, وهذا إنْ دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ الأيادي لم تكن أمينة في إيصال حقائق التاريخ كما هي.

وبهذا اتّضح للقارئ مَن الذي يُحرّف الأحاديث، ويخون التاريخ، ويخفي الحقائق!!!

قلتم: الحديث عن ابي بكر ضعيف بعلوان البجلي

ذكرتم: ثانياً: أنّ الهيثمي تعقب الحديث وضعفه بعلوان بن داود البجلي, وعلوان منكر الحديث على ما ذكره البخاري وأبو سعيد بن يونس.

الجواب

1ـ نحن سقنا الخبر مُؤيِّداً لكلام التفتازاني, ولم نستدل لكم به, لذا قلنا: «ويؤيّده ما ورد عن أبي بكر...».

2ـ إنّ علوان لم يرد فيه قدح, وذكره ابن حبان في الثقات([414])، وروى عنه الثقات أمثال الليث بن سعد وسعيد بن عفير، فأقلّ حالاته أن يكون حديثه حسناً؛ ولذا نرى الحنبلي المقدسي في الأحاديث المختارة، قال: «هذا حديث حسن عن أبي بكر»([415]).

وأخرج الحديث سعيد بن منصور في سننه، وقال: «إنّه حديث حسن», على ما في كنز العمال للمتقي الهندي([416]).

وكذا فإن الدارقطني لم يقدح في علوان عند ذكره لسند الحديث في علله([417]).

فطريق الخبر إذن معتبر ولا غبار عليه.

وأمّا كون علوان بن داود منكر الحديث, فهذا يرد عليه:

1ـ إنّ منكر الحديث كما هو محقّق في علم المصطلح عند علمائكم, هو مَن أكثر مِن رواية المنكرات, فتكون الصفة إذن للراوي وتكون قادحة فيه, أما من له بعض الروايات المنكرة, فهذه لا تعتبر صفة يستحق على أساسها الترك، بل إنّ من رجال البخاري ومسلم من لهم مناكير, قال في النكت: «وممّا أجمله ابن الصلاح قولهم: «روى أحاديث مناكير< قال الشيخ في شرح الإلمام: لا يقتضي بمجرده ترك روايته, حتّى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أنْ يقال فيه: (منكر الحديث), فليتنبه للفرق بين قولهم (منكر الحديث, وروى مناكير). وقال في الإلمام: من يقال فيه (منكر الحديث) ليس كمن يقال فيه: (روى أحاديث منكرة)؛ لأن (منكر الحديث)؛ وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى تقتضي أنه وقع له في حين لا دائماً, وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: (يروي أحاديث منكرة) وقد اتّفق عليه الشيخان, وإليه المرجع في حديث (إنما الأعمال بالنيات). انتهى»([418]).

وعند التتبع لا نجد أنّ هناك مناكير يرويها علوان؛ كي يوصف وينعت بأنّه منكر الحديث, ولذا قال الذهبي: «قال العقيلي: له حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف إلاّ به»([419]). والحديث الذي أراده العقيلي واعتُبر علوان على أساسه منكر الحديث, هو حديث الترجمة المذكور, حيث قال العقيلي بعد أن ذكر أنّه لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلاّ به، وأورد لفظ البخاري بأن علوان منكر الحديث, ما نصّه: «وهذا الحديث حدّثناه يحيى بن أيوب العلاف, حدّثنا سعيد بن كثير بن عفير, قال حدثنا علوان بن داوود, عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد, عن عبد الرحمن بن عوف, عن صالح بن كيسان, عن حميد بن عبد الرحمن, عن أبيه, قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه...» وساق الحديث كاملاً([420]).

ومنه يتّضح أنّ النكارة المرادة هنا هو هذا الخبر الذي رواه فقط, فلا يمكن أن نصف علوان بمنكر الحديث حينئذٍ، ولا يمكن أن نضعّف الرجل على أساسه, لأنّ لازمه مصادرة واضحة واستدلال بعين المدّعى, فالحديث لا يصحّ لأنّ فيه علوان وهو منكر الحديث! وعلوان منكر الحديث لأنّه روى هذا الحديث! ونحن هنا بصدد التحقيق السندي لهذا الحديث, فإذا كان السند تاماً ثبت المطلوب, وثبت مدّعانا بأنّ في الصحابة من يطمع في الحكم والسلطان، ويميل إلى الدعة والراحة و...

فتضعيفكم للرجل مبنيٌّ على قاعدة هي محلّ خلاف بيننا وبينكم، فنحن لا نرى عدالة الصحابة أجمع, ونستدلّ لكم ببعض الأخبار, فإبطال استدلالنا بنفس القاعدة، باعتبارها مخالفة للخبر, وتوجب أن يكون الخبر منكراً, إنّما هو مصادرة واضحة, لا يتفوّه بها أهل العلم!!

ولذا رأينا المقدسي الحنبلي وكذا سعيد بن منصور لم يعتنيا بذلك وحكما بحسن الحديث, وعرفنا أنّ ابن حبّان ذكر الرجل في كتابه الثقات.

2ـ إنّ الخبر روي من غير علوان, فقد ورد في بعض الطرق: أنّ الليث رواه عن صالح مباشرة, ومن دون واسطة علوان, فقد قال الذهبي بعد أن ذكر الخبر: «رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ»([421]).

وقال ابن القيّم: «وذكر ليث ابن سعد, عن صالح بن كيسان, عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبيه, أن أبا بكر (رضى الله عنه) قال في مرضه الذي مات فيه: إنى وليت أمركم وانى لست بخيركم وكلكم ورم أنفه من ذلك أن يكون هذا الأمر له, وذلك لما رأيت الدنيا قد أقبلت...»([422]).

وتقدّم أيضاً الإشارة إلى طريق أخرى ذكرها ابن عساكر ولم يرد فيها ذكر داود بن علوان, فقد أخرج من طريق أبي الهيثم خالد بن القاسم، قال: «حدّثنا ليث بن سعد, عن صالح بن كيسان, عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبيه, أنه دخل على أبي بكر الصديق يعوده في مرضه الذي مات فيه...».

وتعقّبه قائلاً: «كذا رواه خالد بن القاسم المدائني, عن الليث, وأسقط([423]) منه علوان بن داوود»([424]).

لكن قوله بأن خالداً أسقط علوان ليس بمتين, فقد عرفنا أن الخبر من دون ذكر علوان لم يتفرّد به خالد, فقد ذكر الذهبي أنه رواه ابن وهب عن الليث عن صالح، على ما تقدم.

وإذا ما عرفنا أنّ الّليث متوفى في سنة 175هـ, وأنّ صالح بن كيسان توفي بعد سنة 140هـ أو بعد 130هـ، يتضح حينئذٍ أنهما متعاصران، وإمكانية الرواية بينهما متحققة, بل وجدنا أن الليث يروي عن صالح مباشرة وبلا واسطة في خبر آخر, قال ابن عبد البر في الاستيعاب: «حدّثنا الحسن بن حجاج الزيات الطبراني, حدّثنا الحسن بن محمد المدني, حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير, حدّثنا الليث بن سعد, عن صالح بن كيسان, عن ابن شهاب, عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف, عن أبي سعيد الخدري, أنّه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: بينا أنا نائم والناس...»([425]).

وحيث إنّ الليث من كبار الحفاظ وغير مدلّس؛ فتتحقق بذلك ملاقاته لصالح بن كيسان وروايته عنه, إذ من الممكن جدّاً أنّ الليث نقل الخبر تارة عن علوان وأخرى عن صالح مباشرة, وبذا يكون الخبر صحيح ومعتبر ولا غبار عليه.

3ـ إن القاسم بن سلاّم، وكما تقدّم، أخفى اعتراف أبي بكر فيما يتعلق بكشف بيت فاطمة فقال: «فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا لخلة ذكرها، قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها»([426])، وكذا لم يذكر الشطر الأول المتعلق بتعنيف المهاجرين من قِبَل أبي بكر, ولو كان يرى أن الخبر باطلاً وليس بصحيح لما عمد إلى إخفاء حقائق التاريخ!! بل لَذكر الخبر بتمامه وذكر كلمات أبي بكر وتعقبها بأن في الخبر علوان وهو منكر الحديث, فسكوته عن ذلك, مع حذفه لكلمات أبي بكر, وعدم إخراجه للمقطع الأول من الخبر, ينبؤك بأنه لا يرى بطلان الخبر.

ومن هذا القبيل نرى صنيع (أبي نعيم)، صاحب الحلية، حيث أسقط من أول الرواية ما فيه دلالة واضحة على ذمّ الصحابة، ولم يذكر الشطر الثاني بأكمله، والذي فيه ما يتعلّق بكشف بيت فاطمة÷, وقد تقدّم ذلك, فهذه قرائن تؤكد أنّهم لا يرون عدم صحة الخبر.

وبذا يتّضح أنّ الخبر معتبر ولا غبار عليه.

قلتم: الحديث يتضمن خشونة لا تتناسب مع أبي بكر

قلتم: ثالثاً: أنّ لفظ الحديث فيه من الخشونة التي لا تتناسب مع خطابات أبي بكر الأخرى, فهذا ليس من أسلوبه.

الجواب

هذا الكلام يرد عليه أمور عدّة:

1ـ عرفنا أن الحافظ سعيد بن منصور وكذا الحنبلي المقدسي قد حَكما بحسن الحديث, فهما لم يريا أنّ هذا الأسلوب مخالف لأسلوب أبي بكر كما تدّعي, بل يرون ثبوت الكلام له.

2ـ إنّ بعضاً من العلماء عدّ كلام أبي بكر هذا من حكيم الأخبار، وأنّه من الحِكَم الصادرة عنه, فكيف ترى مخالفتها لأسلوبه مع أنّ هناك من يراها من حكمه؟

قال أبو العباس المبرّد (ت: 285هـ): «ومما يؤثر من حكيم الأخبار، وبارع الآداب، ما حدّثنا به عن عبد الرحمن بن عوف, وهو أنه قال: دخلت يوماً على أبي بكر الصديق (رحمة الله عليه) في علّته التي مات فيها، فقلت له: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله؟ فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ علي من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج، وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذري، كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده, لئن يقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض غمرات الدنيا...»([427]).

3ـ نقلت لنا كتب الأخبار والتاريخ مواقف عدّة لأبي بكر يتّضح منها خشونته بالتعامل, منها مثلاً:

أـ عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: >سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر (رضي الله عنه) وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: يا أبا بكر, لعانين وصدّيقين, كلا وربّ الكعبة، فأعتق أبو بكر يومئذٍ بعض رقيقه، وجاء إليه فقال: لا أعود إليه يا رسول الله<([428]).

ب ـ عن ابن عباس قال: >بعث أبو بكر عمرَ بن الخطاب إلى علي (رضي الله عنهم) حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلمّا أتاه، جرى بينهما كلام. فقال عليّ: احلبْ حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمِّرك غداً<([429]).

4ـ لو سلمنا بأن الأسلوب مختلف؛ فهذا أمر طبيعي جداً، إذا ما عرفنا أنّ أبا بكر تكلّم بذلك وهو في سكرات الموت, فقد أفصح، في تلك اللحظات العصيبة التي كان يعيشها، عن مطامع الصحابة في الحكم، وندمه على أفعال قام بها في حياته, وهذا أمر طبيعي يحصل للإنسان في تلك اللحظات، حين يرى اقتراب الأجل, وتلوح بين يديه علائم الدار الأخرى.

وبتأمل بسيط في الحالات السائدة في المجتمع؛ نلاحظ أن الإنسان في مرض الموت يكشف عن كثير من الحقائق، ويندم على أمور كثيرة تمنى أنه لو لم يفعلها, مع أنه لم يتعرّض لذلك في أيّام حياته.

فاستدلالك باختلاف الأسلوب على بطلان الأثر استدلال غير موّفق.

قول ابن خلدون في عدالة الصحابة

ذكرنا لك كلام ابن خلدون وهو: «أنَّ الصحابة كلّهم لم يكونوا أهل فُتْيا, ولا كان الدين يُؤخذ عن جميعهم, وإنَّما كان ذلك مُختصاً بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومُحكمه...»

قلتم: كلام ابن خلدون مختص بالفتيا دون العدالة

وأجبتم: بأنّ كلام ابن خلدون ليس في عدالة الصحابة وإنَّما في الفُتْيَا، وهذا صحيح؛ فليسوا كلّهم علماء يفتون، ولم يقل أحد من أهل السنَّة إنَّهم جميعهم فقهاء مفتون، ولهذا لم يُذكر من يُفْتي من الصحابة إلاّ عدد قليل، وهذا لا علاقة له بالعدالة([430]).

وأضفتم في الطبعة الجديدة لكتابكم عبارة: «ثمّ من هم عندكم الحاملون للقرآن العارفون بناسخه ومنسوخه... غير علي رضي الله عنه»([431]).

الجواب

إنّ كلام ابن خلدون، وإنْ كان ناظراً إلى مسألة الفتيا والاجتهاد والفقاهة، إلاّ أنّه يلقي الضوء على المسألة من جنبتين:

الأولى: لا نرى مبرّراً لتقديس الصحابة وتضخيمهم ما دام الكثير منهم ليس له قدرة على الإفتاء والاستنباط, فهذا يكشف أنّهم مثل غيرهم، فبعضهم انتهل من النبيّ’ وامتلأ إيماناً وعلماً وتقوى, وبعضهم انحرف ولابس الفتن وغيّر وبدّل, وبعضهم من لم يفقه من الإسلام إلاّ اسمه.

الثانية: إذا كنت تراهم ليسوا أهل فتيا واجتهاد إلا القليل منهم؛ فإذاً لا نرى مبرراً لتأويل أفعالهم ونقول بأنهم اجتهدوا, فما دام الكثير منهم لم يكن من أهل الفتيا والاجتهاد, فكيف نحمل فعله على الاجتهاد، ونُأوّل أفعاله السقيمة. ومنه يتضح أنّ فعل الصحابي للمحرمات مثله مثل غيره يوجب فسقه وعدم احترامه وتقديسه وعدم التعويل عليه في كلّ صغيرة وكبيرة, ولا تبقى هناك خصوصية له سوى رؤية النبيّ’، وقد قدّمنا مراراً أن الصحبة توجب الخصوصية فيما إذا رافقها الصلاح والإيمان واتباع أثر النبيّ’.

قلتم: من هم الحاملون للقرآن غير علي؟

أمّا قولك وتساؤلك بأنّه: من هم عندكم الحاملون للقرآن العارفون بناسخه ومنسوخه... غير علي (رضي الله عنه).

الجواب

نقول: لا يمكن الجواب بأسطر معدودة, لكن نشير إلى أمرين بنحو من الاختصار:

أولاَ: لا نرفض قول الصحابي لو صح سنده

الأول: نحن لا نرفض خبر الصحابي مطلقاً, فلو كان الصحابي عدلاً موثوقاً به متّبعاً للنبي’، وثبت عنه بطريق صحيح أنّه سمع من النبيّ’ أنّه قال: إنّ الآية الكذائية منسوخة, أو بيّن سبب النزول, أو غير ذلك, فنحَن نأخذ به ولا نرفضه، وإذا ما حدث تعارض أو غيره فتجري عليه الأحكام الأصولية المعروفة, فلو نقل إلينا عمّار أو المقداد أو أبا ذر أو غيرهم الكثير من الصحابة الذين ثبتت وثاقتهم, فلا قائل بردّ أحاديثهم ورفضها, لكن بشرط صحّة السند إليهم, فكلامك إذن مما لا محصل له.

ثانياً: أهل البيت هم حملة القرآن وعلومه

ثانيّاً: أنتم على بيّنة بأنّ النبيّ’ نصّ على أهل البيت^ من بعده, فهم خلفاؤه في أمّته, وورثة علمه, وحاملوا لوائه, وأولهم علي× وآخرهم المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف, فأهل البيت^ هم المصداق الأكمل الحامل لعلوم النبيّ’، والانتهال منهم هو انتهال من نبع رسول الله’, وهم معصومون من الخطأ والزلل، فمن الطبيعي أن يكونوا حاملين للقرآن وعارفين بناسخه ومنسوخه وأسباب نزوله, وحينما نقول: إنّهم ورثة علم النبيّ’، لا ندعي أنّه لا يوجد من الصحابة من تعلّم من النبيّ’، واغترف من معينه، وتفقه على يديه, بل نقول: إنّ علم النبيّ’ وفقهه ورثه أهل البيت^، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً, فهم الأصل الذي يجب الرجوع إليه عند الاختلاف, وهذا الأمر أيّدته الروايات الشريفة.

 ولا بأس هنا أنْ نشير إلى حديثين صحيحين يشيران إلى علم علي×، وأنّه الوارث لعلم النبيّ’, فقد صحّ عن النبيّ’ أنّه قال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها, فمن أراد العلم فليأت الباب»([432]).

قال المناوي في فيض القدير، بعد أن أورد الحديث، وذكر بعض من حكم بضعفه أو وضعه: «وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي، فقال: من حكم بوضعه فقد أخطأ, والصواب أنه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا ضعيف، وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول، بل هو كخبر (أرأف أمتي بأمتي أبو بكر). وقال الزركشي: الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتجّ به, ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً، وفي لسان الميزان: هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع، اه‍..

 ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، ثم قال: قال القاسم: سألت ابن معين عنه، فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل؛ إذ رواه غير واحد عنه, وأفتى بحسنه ابن حجر, وتبعه البخاري([433]) فقال: هو حديث حسن»([434]).

وقال ابن حجر الهيتمي: «رواه جماعة, وصحّحه الحاكم, وحسّنه الحافظان العلائي وابن حجر»([435]).

والحديث صحّحه ابن جرير الطبري وكذلك السيوطي على ما في كنز العمال([436]).

ومن الأحاديث الدالة على علم عليّ×، وأنّه وارث علم النبيّ’، ما أخرجه الحاكم بسنده إلى شريك بن عبد الله, عن أبي إسحاق قال: «سألت قثم بن العباس: كيف ورث علي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دونكم؟ قال: لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً, وأشدّنا به لزوقاً».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

وقال الذهبي: «صحيح»([437]).

ثمّ قال الحاكم: «سمعت قاضي القضاة أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي يقول: سمعت أبا عمر القاضي يقول: سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: وذكر له قول قثم هذا، فقال: إنما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء, ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العم لا يرث مع العم، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علياً ورث العلم من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دونهم».

ثمّ أضاف الحاكم قائلاً: «وبصحّة ما ذكره القاضي: حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئ, ثنا أحمد بن نصر, ثنا عمر بن طلحة القناد, ثنا أسباط بن نصر, عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن العباس (رضي الله عنهما) قال: كان علي يقول في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إن الله يقول: {أَفَإِن ماتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتّى أموت، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه فمن أحقّ به منّي».

وقد أقرّ الذهبي كلام الحاكم أعلاه وسكت عنه([438]).

فعلي إذن, وارث علم النبيّ’، فهو المصداق الأكمل العارف بعلومه’؛ لذا فإن كلامه هو المقدّم, فحين نقول: إنّ علياً× هو الحامل لعلوم القرآن، والعارف بناسخه من منسوخه، والمطلع على أسباب نزوله, لا ننفي أن يكون غيره قد تعلّم من النبيّ’ بعض العلوم القرآنية, لكن علياً ورث جميع علم النبيّ’، وقوله مقدّم على غيره عند التعارض والاختلاف.

قول طه حسين في عدالة الصحابة

نقلنا لكم قول طه حسين في أنّ الصحابة كانوا يرون أنفسهم بشراً كغيرهم، لذا كانوا يتراشقون التُهم, ويترامون بالكفر والفسوق، وذكر كلاماً كثيراً، وانتهى إلى أنّه لماذا نصدقهم في الفتوح والمغازي ولا نصدّقهم في أخبار الفتن, وهم أنفسهم من رووا تلك ورووا هذه, فلا ينبغي أنْ نصدّق بعض التاريخ ونكذّب بعضه الآخر؛ لأنّ بعضه يرضينا وبعضه لا يرضينا([439]).

قلتم: طه حسين ملحد يوافق مذهب الشيعة

أجبتم على ذلك: بأنّ طه حسين ملحد وأخذت تُبيّن إلحاده، ثمّ قلت: والعجب أنّ كلام مَن اتّهم في دينه ممّن ينتسب إلى الإسلام يناسبكم؛ لأنّه وافقكم على مذهبكم([440]).

الجواب

أولاً: أنّ طه حسين يُعدُّ باحثاً وأديباً ومفكّراً مرموقاً، وله محبّون وأنصار من المجتمع الإسلامي، وخصوصاً في مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية, فهو ليس بشخص مجهول, بل له باع ثقافي واسع, فالاستئناس برأيه وعرضه أمام مثقّفي الأمّة الإسلاميّة ممّا لا مانع فيه, خصوصاً أنّ ما صرّح به ينسجم مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والوقائع التاريخية التي تؤكّد على عدم عدالة جميع الصحابة.

ثانياً: أنّ الاستدلال والاستنباط إذا كان مبتنياً على أسس علمية فهو جدير بالاحترام من أي شخص صدر, فحريٌّ بك أنْ تناقش الأدلة والشواهد التي ساقها لإثبات مطلبه, لا أنْ تخدش بشخصه وتتهمه بدينه.

ثالثاً: نحن لم نقتصر على ذكر كلمات طه حسين، بل ذكرنا لك أن ابن العماد والتفتازاني والمازري وغيرهم لا يقولون بعدالة جميع الصحابة, وقد تقدّم أنّ جلّ الأصوليين من علمائكم لا يرون عدالتهم أجمع بالمعنى الذي تريدونه, فهل تتهم جميع هؤلاء في دينهم, فهؤلاء وافقونا في الرأي, وصرّحوا بعدم عدالة جميع الصحابة, فإذا كنت تتهم جميع هؤلاء في دينهم؛ لأنّهم وافقونا على مذهبنا في عدم عدالة الصحابة, فلا ضير, ونبارك لك اتّهامك لكثير من كبار علمائك في دينهم!!!

قول أحمد أمين والمعتزلة في الصحابة

ذكرنا لكم قولاً لأحمد أمين يبيّن فيه أنّ الصحابة أنفسهم ينقد بعضهم بعضاً، بل يلعن بعضهم بعضاً...([441]).

قلتم: الكلام مبتور وهو نقل لرأي المعتزلة لا لأحمد أمين

وأجبتم بما حاصله: أنّ هذا بترٌ للنص، فهو نقل لرأي المعتزلة وليس لأحمد أمين, وأن المعتزلة معروف من مذهبهم الاختلاف في الصحابة ما بين الطعن في بعض المتقاتلين والطعن في جميعهم, ومذاهب المعتزلة عند أهل السنّة مهجورة مغمورة, حاول إحياؤها من تأثر بالمستشرقين أمثال أحمد أمين, فهو صديق لطه حسين, وهم شركاء في الفكر والمنهج، وإنْ كان أحمد أمين أخف من طه حسين؛ لأنّ نزعة أحمد أمين إلى المعتزلة أقرب منها إلى المستشرقين([442]).

وأضفتم في طبعتكم الجديدة ص137: >والمعتزلة لها آراء مختلفة يطعن بعضها حتّى في (علي رضي الله عنه), فهل توافقهم على ذلك أم تنتقي؟<([443])

الجواب

أولاً: أنّ أحمد أمين وإن كان قد نقل القول عن المعتزلة إلاّ أنّه لم يتعرّض لنقده لا من بعيد ولا من قريب، مع أنّه انتقد بعض الآراء التي لم تعجبه من المعتزلة, وكل قارئ لكلماته وهو ينقل كلمات المعتزلة وتحكيمهم العقل يشعر بوضوح بتبني الرجل لآرائهم, أو لا أقل من ميوله إليهم, فهو يتبنى هذا الرأي في الصحابة إذن, وأنت بنفسك أقررت بأنّ نزعة أحمد أمين إلى المعتزلة أقرب منها إلى المستشرقين.

ثانياً: سواء كان القول لأحمد أمين أو للمعتزلة, فالمعتزلة بعلمائها ترى هذا الرأي, وهم فرقة من أهل السنّة, يؤمنون بخلافة أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي×, ويرون صحّة بيعة أبي بكر بعد وفاة النبيّ’؛ وهذا هو أُسّ الخلاف بين الشيعة والسنّة, فالمعتزلة هم من أهل السنّة بامتياز، واختلافهم معكم في بعض الموارد لا يعني خروجهم عن أهل السنّة, فليس لك أن تخرج من تشاء وتدخل من تشاء في مذهب أهل السنّة! فالمسألة ليست خاضعة للأهواء, خصوصاً أنّه على مبناكم لا يبقى مسلم على وجه الأرض متّبعاً لسنّة النبيّ’ غير حشوية الحديث والسلفية المعاصرين.

فالأشاعرة ليسوا من أهل السنّة! والصوفية ليسوا من أهل السنّة! والمعتزلة ليسوا من أهل السنّة! والشيعة زنادقة وأهل بدع!

فهل بقي مسلمون متّبعون للسنّة بنظركم غيركم؟!

ثالثاً: أنّ ما أضفتموه في طبعتكم الجديدة من أنّ في المعتزلة من يطعن في علي×, يُنبئ عن عدم معرفتك بأصول الحوار والنقاش, ولا زلت لم تميّز بين الاحتجاج على الخصم بما يعتقده, وبين ما يحتج به الإنسان لنفسه, فذكْرُنا لكلمات علماء أهل السنّة لا تعني أنّنا نراها حجّة بحقنا وحجّة علينا, بل هي حجّة عليكم، نأتي بها إلزاماً لكم، ولنبيّن أنّ ما نعتقد به وتعيبونه علينا إنّما قال به علماؤكم أيضاً, فطعن المعتزلة في علي× لا يغيّر من الأمر شيئاً، بل يؤكّد أنّ بعض الفرق الإسلامية لا تعتقد بعدالة جميع الصحابة, وهذا المطلب بيّن وواضح لا نرى حاجة لتفصيله, لكنّك دأبت مراراً كثيرة تلوّح وتلمّح بقول العالم الفلاني أوشمول الرواية الكذائية لعلي×! وهذا في الحقيقة يكشف عن عدم معرفتكم بأدوات الحوار وأساليبه، أو هو تجاهل للغة الحوار المتعارفة لإيهام القارئ وتشويش ذهنيته, وهذا بعيد عن الإنصاف وتغرير بالقارئ الكريم!

قول ابن عقيل في الصحابة

ذكرنا لكم قول ابن عقيل, وهو: «وأمّا تعديلهم كلّ من سمّوه بذلك الاصطلاح صحابياً، وإنْ فعل ما فعل من الكبائر، ووجوب تأويلها له فغير مسلّم; إذ الصحبة مع الإسلام لا تقتضي العصمة اتّفاقاً, حتّى يثبت التعديل ويجب التأويل, على أنّهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافاً كثيراً, والجمهور هم القائلون بالعدالة»([444]).

وقد ذكرتم عليه عدّة ردود, نذكرها مع الجواب عليها تباعاً:

قلتم: مذهب ابن عقيل شيعي لا سني

أوّلاً: قلتم: هذا الشخص غير معروف عند أهل السنّة، وترجمته تدلّ على أنّه شيعي، حيث أورد الزركلي من كتبه كتاب (النصائح الكافية لمن تولى معاوية)، وأهل السنّة لا يتبرأون من معاويةL، فهو صحابي، وإنَّما يُخطّئونه فيما فعل مع عليL، وفيما فعل في تولية ابنه للحكم, ولكنّه متأوِّل، والله يتولى السرائر.

الجواب

 ذكرنا سابقاً أنّ هذا الشخص معروف, وليس كما تصورونه للقارئ, ونقلنا لك بعضاً من ترجمة الرجل في الجزء الأول، وأنّه فاضل مشارك في بعض العلوم, ترأس المجلس الاستشاري في سنغافورة, وأسّس فيها جمعية إسلامية, ومجلة وجريدة عربيتين, ومدرسة عربية دينية تدرِّس وفق منهج أهل السنة([445])، فهو ليس بشخصية مجهولة، كما تدّعي.

وأمّا مذهبه, فقد اتّضح من خلال المدرسة التي أسّسها أنّه من أهل السنّة, وليس شيعياً كما تقول, كما أنّه في أثناء ردّه على رواية خير القرون, قال: «وعليه لا ثبوت بالحديث المذكور لعدالة كلّ الصحابة؛ بل يكونون كغيرهم، فيبحث عن عدالتهم إلاّ من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها، كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة الذين لا مطعن فيهم، ولهم السوابق والمشاهد مع النبيّ»([446]) فهذه العبارة صريحة في تحديد مذهب الرجل وأنّه من أهل السنّة.

وقال في موضع آخر: «ويعلم ممّا ذكرنا أنّ مجرد الصحبة لغة لا يختص بمسلم ولا بكافر، وأنّ الربح والخسران للمسلم في صحبة النبيّ إنّما هو في إحسان الصحبة وإساءتها، والصحبة النافعة ما قارنها التعظيم والانقياد له والحبّ والاتباع، كصحبة العشرة المبشرة والسابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، ومن أحسن إحسانهم وعمل كعملهم (رضي الله عنهم أجمعين)»([447]).

وهذا الكلام يتناسب مع كون الرجل من أهل السنّة؛ لأنّ الشيعي لا يؤمن بأنّ جميع من ذكرهم أعلاه هم من الصحابة العدول، فهناك من أصحاب بدر من شرب الخمر وأقيم عليه الحد, وكذلك فإن حديث العشرة المبشّرة يحمل بداخله التناقضات ولا يقبله الشيعة, لكن ابن عقيل يراه من المسلّمات، ويؤمن بأن جميع العشرة من الصحابة العدول الذين يدخلون الجنّة!

فالرجل من أهل السنّة، ولا يناسبك أن تخرج الرجل من مذهبه بمجرد اختلافه معك في الرأي!

صواب رأي ابن عقيل في معاوية

وأمّا تبرُّؤه من معاوية؛ فهو قول حقّ اتّبعه, وكلّ منصف يقرأ التاريخ بنزاهة سوف يصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ معاوية شقّ عصا المسلمين، وخرج على خليفة زمانه، وتسبب باهراق دماء الآلاف من الصحابة والتابعين الأبرياء, ولم تكن سيرته مستقيمة في الدين؛ ولذا لا نرى له أي فضيلة, بل نرى ذمّاً له من الرسول الكريم’، حيث قال عنه، كما في صحيح مسلم: «لا أشبع الله بطنه»([448])، وكلّ منصف يعرف أنّ ذلك ذم صريح لمعاوية, والتأويلات التي حاولت قلب الذم إلى مدح! هي تأويلات فاسدة لم يكتب لها أي نصيب من النجاح, فهي ليست إلاّ محاولة لخلط الأوراق وتضييع للحقائق, فإذا كان ذمّ النبيّ’ لشخص هو فضيلة، ومدحه أيضاً فضيلة, فكيف نستكشف الإنسان السيئ من وجهة نظر النبيّ’، وأي طريقة يَتّبع ليوضح لنا زيف البعض ونفاقهم؟ فعلى هذا المبنى؛ كلّما ذم النبيّ’ شخصاً سوف تكون فضيلة له([449])!!!

روايات صريحة في ذم معاوية

على أنّ هناك روايات ذامّة لمعاوية غير قابلة للتأويل:

منها: ما روي صحيحاً عن النبيّ’, أنّه قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»([450]).

وقد ذكر الشيخ الأميني أربعة طرق صحيحة لهذه الرواية ووثق رجالها واحداً بعد واحد طبق مباني أهل السنّة([451]).

ومنها: ما أخرجه البلاذري في الأنساب، قال: «وحدّثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا: حدّثنا عبد الرزاق بن همام, أنبأنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: كنت عند النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء، فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء، قال: فطلع معاوية، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): هو هذا»([452]).

قال العلامة السيد حسن السقاف في تحقيقه على كتاب العتب الجميل: «قال الحافظ السيد أحمد بن الصدّيق الغماري في (جؤنة العطار: 2/154): وهذا حديث صحيح على شرط مسلم, وهو يرفع كلّ غمة عن المؤمن المتحيّر في شأن هذا الطاغية، قبحه الله، ويقضي على كلّ ما يموّه به المموهون في حقه...»([453]).

مضافاً إلى ما ثبت من أنّ معاوية كان يرتكب المحرمات وعلى رأسها شرب الخمر:

فقد أخرج أحمد بسنده إلى عبد الله بن بريدة، قال: «دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش, ثم أتينا بالطعام, فأكلنا, ثمّ أتينا بالشراب فشرب معاوية, ثمّ ناول أبي, ثمّ قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش وأجودهم ثغراً, وما شيء كنت أجد له لذّة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن, أو إنسان حسن الحديث يُحدثني».

قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه على مسند أحمد: «إسناده قوي»([454]).

وقال الهيثمي: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح», ولكن من المؤسف أنّ الهيثمي تلاعب بالنصّ, وقطع منه فقرة اعتراف معاوية بأنه لم يشربه منذ حرّمه رسول الله؛ ليوهم القارئ بأنه شرب لبناً لا خمراً، لكنه اعترف بذلك على استحياء, فقال بعد تصحيح الحديث: «وفى كلام معاوية شيء تركته»([455])، وهذا تدليس صريح على القارئ, وإخفاء للحقائق, فإنّه من دون هذه العبارة لا يثبت أن ما شربه كان خمراً، بل يستفيد القارئ من جملة الرواية أنّه شرب لبناً, فهل يوجد مبرر شرعي لقطع النص وإراءته على غير ما هو, وهل يكفي اعتراف الهيثمي بأنه ترك شيئاً من كلام معاوية من دون أن يعرف القارئ ماهية وحقيقة هذا الشيء؟!

وهناك أمور كثيرة محرّمة كان يفعلها معاوية، مع إقراره بأن رسول الله’ نهى عنها، كلبس الذهب والحرير وغيرها، كما دلّ عليها الخبر الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سننه, قال: «حدّثنا عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي, ثنا بقية عن بحير عن خالد, قال: وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية للمقدام: أعلمتَ أنّ الحسن بن علي توفي؟ فرجّعَ ـ أي قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ المقدام, فقال له رجل: أتراها مصيبة؟ قال له: ولمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في حجره, فقال: (هذا منّي وحسين من علي؟) فقال الأسدي: جمرة أطفأها الله عزّ وجلّ، قال: فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتّى أغيظك وأسمعك ما تكره, ثم قال: يا معاوية، إنْ أنا صدقت فصدقني, وإن أنا كذبت فكذبني، قال: أفعل. قال: فأنشدك بالله, هل سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله, هل تعلم أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله, هل تعلم أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، فقال معاوية: قد علمت أنّي لن أنجو منك يا مقدام...»([456]).

وقد صحّح الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة([457])، لكنه اقتصر على نقل النسائي الذي اختصر الحديث, حيث أورد الحديث بالسند أعلاه عن بحير عن خالد, قال: «وفد المقدام بن معدى كرب على معاوية فقال له: أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم»([458]). وقد نوّه الألباني إلى أنّ الحديث أطول من ذلك بقوله: «وهو عند أبي داود قطعة من حديث طويل»([459]).

فمعاوية منحرف عن الشريعة والدين، وورد الذم في حقه من سيد المرسلين، ولم يثبت في حقّه أي فضيلة صحيحة, قال الشوكاني: «وقال الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصح في فضل معاوية حديث»([460]).

ونقل ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن ابن الجوزي عن إسحاق بن راهويه أنّه قال: «لم يصحّ في فضل معاوية شيء»، ثمّ قال: «وأخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، سألت أبي: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي».

قال ابن حجر: «فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة, لكن ليس فيها ما يصحّ من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، والله أعلم»([461]).

فهل من يتبرّأ من هكذا شخص، ويراه غير عادل، خارج عن أهل السنّة؟!

وما تقول في علي× وعمار، وغيرهم ممّن كانوا يرون عدم عدالة معاوية, وقاتلوه في حرب صفين، واستشهد في تلك المعركة الصحابي عمّار بن ياسر, الذي كان معياراً لمعرفة المحق من المبطل؟([462]).

وقد أثبتنا مسبقاً بأن معاوية لم يكن متأوّلاً في قتاله لعلي×, وأقمنا على ذلك الأدلّة والشواهد([463]).

ثم إنّ معاوية لم يكتف بأفعاله تلك, بل سلّط على المسلمين ولده يزيد الفاجر الفاسق بإجماع المسلمين، فقتل الصحابة والصالحين، وأباح المدينة ثلاثة أيام، انتهكت فيها الأعراض وسُفكت فيها الدماء, وناصب أهل البيت العداء، وقتل الحسين بن علي× وسبى نساءه... وقصصه وجرائمه يطول شرحها, وكل وزر عليه فهو راجع لأبيه الذي نصّبه خليفة على المسلمين.

فمحمد بن عقيل إذن من أهل السنّة، وما قوله في معاوية إلاّ كلمة حق استلهمها من الرسول الكريم’, ولم يتفرّد فيها، بل تبع عليها خيار الصحابة, أمثال علي× وعمّار وغيرهم ممّن قاتلوا معاوية في حرب صفّين.

ومن هنا نرى بعض المعاصرين من أهل السنة يذهبون إلى عدم عدالة معاوية, أمثال الباحث الإسلامي المعروف حسن بن فرحان المالكي([464])، والعالم الأشعري السيد حسن السقاف([465])، والعلامة أحمد بن الصديق الغماري([466]), وغيرهم.

 

قلتم: عبارة ابن عقيل توحي أنه شيعي

ثانياً: قلتم: عبارته كأنَّه يتحدَّث عن طائفة أخرى غير طائفته، حيث يذكرهم بضمير الآخر: «تعديلهم.. سمُّوه..» ممَّا يشير إلى أنَّه شيعي يتحدث عن طائفة غير طائفته.

الجواب

 تقدّم أن الرجل من أهل السنّة, وله عبائر وأقوال صريحة في ذلك, ومنه يتّضح أنّ الضمير الذي أشرتم إليه لا يدلّ على أنّه يتحدّث عن طائفة أخرى، بل يدلّ على أنّه يتحدث عمّن يخالفونه بالرأي من أبناء طائفته, فليس بالضرورة أن يكون الضمير في كلامه يعود إلى طائفة أخرى غير طائفته, بل ولا ظهور له في ذلك, ولو تنزلنا وقلنا بظهوره في ذلك، فقد عرفت أنّ القرائن الأخرى في كلامه تصرف هذا الظهور وتدلل على أنّه يتكلم عمّن يخالفونه الرأي من أبناء طائفته.

قلتم: الصحبة لا تلغى بمجرد الذنب

ثالثاً: قلتم: استنكاره تسمية من ارتكب معصية بأنه صحابي غريب؛ فإن الصحبة لا تُلغى بمجرد الذنب، فالصحبة باقية لكن الذنب إذا كان متعمداً فإنّه ينقص من مكانة صاحبه عن مكانة الذي لم يُذنِب، ولهذا فإن الصحابة على مراتب عند أهل السنُّة.

 

الجواب

 أنتم تارة تصفون الصحابة بأنهم أقدس البشرية بعد النبيّ الأكرم’، وتارة تقبلون منهم الذنب ولو على مستوى القتل والزنا والسرقة؛ وهي أمور يتنزه عن فعلها من له أدنى درجات الإيمان, وهذا تهافت وتناقض في رؤيتكم للصحابي, على أنّ الذنب العمدي يخرج صاحبه عن دائرة العدالة ولا ينقص من مكانته فقط.

ولعلكم تقولون في جواب ذلك: أنّ العدالة تعود بالتوبة، ونحن لا نقول بعصمة الصحابي.

والجواب على ذلك: بأن الذنب منهم متيقن الحصول، والتوبة مشكوكة ولم تثبت, فكلامكم يتم فيمن ثبتت توبته وعودته إلى جادة الشريعة, وإثبات ذلك دونه خرط القتاد, فالتاريخ سجل حالات كثيرة من المعاصي العمدية ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى توبة أصحابها, وقد نقلنا لك قبل قليل أن معاوية شرب الخمر، وانه يموت على غير سنة النبيّ’، فأين التوبة إذن؟! وقد تقدّمت شواهد عدة على معاصٍ عمدية للصحابة أثناء البحث, فلا نعيد.

قلتم: السنة لا يتأولون لأهل الكبائر

رابعاً: قلتم: زعمه ـ أي ابن عقيل ـ أنهم يتأوَّلون ما فعل الصحابي من الكبائر مردود؛ فإن أحداً من العلماء لم يتأوَّل لأحد ارتكب كبيرة من الذنوب كالزنا وشرب الخمر ونحوهما، مع أنهم ـ بحمد الله ـ لا يوجد في الصحابة من فعل ذلك إلاّ أقل من القليل لا يتجاوز الآحاد.

فكم عدد الذين ارتكبوا هذه الكبائر؟ ومن هو الذي تأوّل لهم؟ فإن الدعوى ما لم يؤيدها دليل مردودة.

أما إنْ كان القصد بالكبائر القتال الذي وقع بينهم، فهذا وقع بتأويل، كلّ فريق يزعم أنَّه على حق، وليسوا قاصدين لارتكاب المحرَّم، حسب ظاهرهم ـ كما مرّ معنا أكثر من مرّة.

الجواب

 تقدّم سابقاً أنّ هناك عدداً كبيراً ممن تعدونهم من الصحابة قد ارتكبوا المحرمات، من قبيل شرب الخمر والقتل والزنا وغيرها, أمثال قدامة بن مظعون، فهو من أهل بدر، وقد ثبت شربه للخمر، وتم إقامة الحد عليه, فهل تعد قدامة فاسقاً أم تتأوّل له شربه للخمر؟! وقد تقدم قبل صفحات بأن معاوية شرب خمراً، وقال النبيّ’ في حقه: أنّه يموت على غير سنّتي, فهل معاوية صحابي عادل أم تتأوّل شربه للخمر؟! وتتأوّل كلام النبيّ’ في حقّه! وما رأيك بأبي الغادية الجهني الذي صرح النبيّ’ بدخوله النار لقتله عمار بن ياسر؟ فهل تتأوّل له أم تقرّ بدخوله النار؟! وما رأيك ببسر بن أرطاة، الذي قتل الأبرياء بغير ذنب؟ وما رأيك بالحكم طريد رسول الله’؟ وهكذا ذكرنا لك في طيات البحث نماذج عديدة من الصحابة الذين لابسوا الفتن وانحرفوا، وساروا على غير جادة الحق, فهل تتأوَّل لهم أفعالهم أم تقرّ وتعترف بكونهم غير عدول؟!

ثم إنّه من العجيب أن تلتزم بعدالة الصحابة أجمع وتدّعي عدم التأويل لأفعالهم, مع أن الحقائق تشير إلى أنّهم كفّر بعضهم بعضاً واختلفوا وتقاتلوا ورمى بعضهم بعضاً بالنفاق, فكيف تجمع بين هذه الحقائق وبين كونهم عدولاً, وقد تقدَّم أن دعوى إثبات توبة جميع من ارتكب الفسق بعد ذلك يستحيل إثباتها.

العدالة لا تنسجم مع ارتكاب الكبيرة

ومن الواضح أنّ عبارة ابن عقيل صريحة في هذا المعنى, فإن العدالة لا تنسجم مع ارتكاب الكبائر, لأن الكل متفق على أنّ مرتكب الكبيرة فاسق, قال ابن حزم: «والعدل هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة, والكبيرة هي ما سمّاها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كبيرة, أو ما جاء فيها الوعيد، والصغيرة ما لم يأت فيها وعيد, برهان ذلك: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وليس إلا فاسق أو غير فاسق، فالفاسق هو الذي يكون منه الفسق, والكبائر كلّها فسوق...»([467]).

وقال القرافي: «والعدالة: اجتنابُ الكبائرِ وبعضِ الصغائر والإصرارِ عليها، والمباحاتِ القادحةِ في المروءة»([468]).

وقال الغزالي: «والعدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً حتّى تحصل ثقة النفوس بصدقه، فلا ثقة بقول من لا يخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب، ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكفي أيضاً اجتناب الكبائر، بل من الصغائر ما يرد به، كسرقة بصلة، وتطفيف في حبة قصداً، وبالجملة كلّ ما يدلّ على ركاكة دينه إلى حد يستجرئ على الكذب بالأعراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة، نحو الأكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأراذل، وإفراط المزح، والضابط في ذلك فيما جاوز محل الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم...»([469]).

وقال ابن تيمية: «فالعدل الذي ذكره الفقهاء من انتفى فجوره وهو إتيان الكبيرة والإصرار على الصغيرة...»([470]).

ولنرجع ونلاحظ عبارة ابن عقيل، فإنّه قال: «وأمّا تعديلهم كلّ من سمّوه بذلك الاصطلاح صحابياً، وإن فعل ما فعل من الكبائر، ووجوب تأويلها له فغير مسلّم؛ إذ الصحبة مع الإسلام لا تقتضي العصمة اتّفاقاً حتّى يثبت التعديل ويجب التأويل».

فالملازمة واضحة بيّنة بين التعديل ووجوب التأويل, فغض الطرف عن أعمال الصحابة مهما كانت, والقول بعدالتهم, لا يحتمل معنى آخر غير تاويل أفعالهم المحرمة, فها هو الذهبي يصرح بضرورة السكوت عما صدر من الصحابة فيقول: «وأمّا الصحابة (رضي اللّه عنهم) فبساطهم مطويّ، وإن جرى ما جرى، وإنْ غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات!!»([471]).

فالمسألة بيّنة وواضحة, فالصحابي له حقّ ارتكاب كلّ شيء, فبساطهم مطوي, ولا يتكلّم فيهم, وإنْ جرى ما جرى, وإنْ غلطوا كما غلط غيرهم!! فهل هناك مبرر لتعديل من ارتكب الكبائر وجاهر بالفسق وقتل الأبرياء؟ أفهل كلّ أعمالهم كانت تحت طائلة الاجتهاد والتأويل، وكانوا يرون الصحة فيها حتّى في مثل حالات قتل الأطفال، وانتهاك الأعراض, وشرب الخمر؟ أم هناك من يدافع عنهم ويتأوّل لأفعالهم!! وعرفنا أنّ التفتازاني يصرّح بأنّ العلماء يتأوّلون لأفعال الصحابة؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة، مع اعترافه بانحراف بعضهم عن الحق، وبلوغهم حد الظلم والفسق([472])!! فالموضوع لم يقتصر على كلام ابن عقيل إذن.

محاربة على× والخروج عليه من الكبائر

أمّا القتال الذي وقع من معاوية وأنصاره مع جيش علي× وأتباعه من المهاجرين والأنصار، فلا شكّ في أنّه يعدّ من أمّهات الكبائر التي ارتكبها معاوية وأنصاره, حيث سفكوا دماء المسلمين بغير مبرر شرعي, وبغوا على إمام زمانهم، وشقوا عصا المسلمين جهاراً نهاراً, لذا اتفقت كلمة المسلمين على أن الحق في تلك الحروب كان مع علي×, وأنت أحد القائلين بذلك, أفهل يمكنك الإجابة على مايلي:

كيف عرفت أن الحق مع علي لكن معاوية لم يستطع معرفة ذلك؟! أفهل كان معاوية في معزل عن نصوص النبيّ’ في حق علي؟! ألم يعرف بأنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغية؟! ألم يسمع بأنّ علياً مع الحقّ والحق مع علي؟! ألم يسمع بقول النبي’ في حقه×: لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق؟! أفهل كان معاوية صحابياً مغفلاً لا يعرف ما له وما عليه، بحيث كلّ من يسمع كلام النبيّ’ يعرف أنّ معاوية كان على باطل, إلاّ معاوية نفسه حيث كان لا يفهم من كلام النبيّ’ أنّه على باطل...؟! تساؤلات تحتاج إلى أُذن واعية، وقلب يتفهم الحقيقة، ويترك التعصب غير المستند إلى دليل.

وعلى أيّة حال؛ فقد قدَّمنا سابقاً الشواهد على أنّ معاوية لم يكن متأوّلاً في حربه وقتاله لعلي×, فراجع.

قلتم: اختلاف أهل السنة في تعديل الصحابة ليس كثيرا

قلتم: خامساً: زعم أنَّهم ـ أي أهل السنَّة ـ اختلفوا في التعديل اختلافاً كثيراً ـ غير مسلّم؛ فالسلف قاطبة على التعديل، وإنَّما خالف بعض المتأخرين من بعد القرن السادس, وهم أفراد، فكيف يُعارض ما أطبقت عليه جماهير العلماء بأقوال أفراد, وعند التأمُّل في المذكورين نجدهم: إمّا أصحاب كلام لا صلة لهم بالآثار، وإمَّا أشخاص تأثروا بمناهج أهل البدع، وقد مرَّ معنا كلام ابن حجر& في ذلك.

الجواب

 قد تقدم الكلام عن ذلك بنحو من التفصيل، وأثبتنا أنّ الكثير من علماء أهل السنّة لا يرون عدالة الصحابي بالمعنى الذي تقررونه, بمعنى أنهم لا يرون الرؤية كافية، بل لا بدّ من طول المعاشرة، على تفصيل تقدم في محلّه, فكلام ابن عقيل حين يتكلم عن علماء مذهبه دقيق وواضح يدركه كلّ متتبع.

ثم إنّك ها هنا تهاجم بشدة من لا يقول بعدالة الصحابة، فتصفهم بأنّهم متأثرون بمناهج أهل البدع, أو أنّهم جهلة لا صلة لهم بالآثار، ويتكلمون بما لا يعنيهم, ومن هنا يتضح رأيك بالعالم الكبير المازري وبالعلامة التفتازاني وبالعلامة ابن العماد الحنبلي وبالعلامة الغزالي، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم، والذين لا يرون عدالة جميع الصحابة بالمعنى الذي تقرره.

فقد تقدّم أنّ الدكتور النملة ذكر مجموعة من العلماء يشترطون طول الصحبة ولا يكتفون بالرؤية، منهم: إمام الحرمين في التلخيص, وابن الصبّاغ في العدّة, والغزالي في المستصفى, وابن السمعاني في قواطع الأدلة, والصيمري في مسائل الخلاف, والقرافي في شرح تنقيح الفصول([473]).

وقال الباحث السني حسن بن فرحان المالكي، بعد أن بيّن أنّ هناك مذهبان في تعريف الصحابي، ما نصّه: «أمّا المذهب الأوّل ـ وهو الأقرب للصواب ـ الذي لا يكتفي بالرؤية واللقيا فهم جمهور علماء المسلمين المتقدمين من محدثين وفقهاء على حد سواء.

ويتميز هذا المذهب بوجود صحابة أثرت عنهم أقوال تفيد إخراج بعض من رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصحبة كما سيأتي.

ومن أبرز الذاهبين إلى هذا المذهب من الصحابة والعلماء: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأمّ المؤمنين عائشة بنت الصديق وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله والأسود بن يزيد النخعي وسعيد بن المسيب ومعاوية بن قرة وشعبة بن الحجاج وعاصم الأحول والواقدي وأحمد بن حنبل (في قول) والبخاري (في قول) ومسلم وابن مندة ويحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلي وأبو داود والخطيب البغدادي وابن عبد البر والبغوي وابن الجوزي والباقلاني والماوردي وأبو المظفر السمعاني والمازري والعلائي وابن الملقن وابن عماد الحنبلي وغيرهم»([474]).

فهل ترى أنّ كلّ هؤلاء قد تأثروا بأهل البدع؟! أو أنّهم جهلة لا صلة لهم بالآثار؟!

قول الألباني: لا يجوز الاقتداء بكل صحابي

أوردنا لكم قول الألباني: «كيف يسوغ لنا أن نتصور أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يجيز لنا أن نقتدي بكلّ رجل من الصحابة, مع أنّ فيهم العالم والمتوسط في العلم ومن هو دون ذلك! وكان فيهم مثلاً من يرى أن البرد لا يفطر الصائم بأكله!».

وأجبتم عن ذلك بعدّة أمور:

قلتم: ما قاله الالباني هو معتقد أهل السنة

الأول: قلتم: إنّ الشيخ الألباني يقرّر معتقد أهل السنّة, فإنّهم لا يقولون إنّه يجوز الاقتداء بكلّ صحابي, ولا نعرف أحداً من أهل العلم قال بجواز الاقتداء بكلّ صحابي([475]).

الجواب

 يتّضح بأدنى مراجعة لآراء علماء أهل السنة عدم صحّة كلامكم! فإن هناك بحثاً موسّعاً بين العلماء في حجيّة قول الصحابي، على تفصيل فيما إذا انتشر أو لم ينتشر، أو وُجد له مخالف أو لم يوجد, وهناك من يذهب إلى حجيته حتّى وإن لم ينتشر, فكيف تدّعي أنّه لا قائل من العلماء بجواز الاقتداء بكلّ صحابي!!

قال النووي: «وقول الصحابي حجّة أيضاً عند أبي حنيفة»([476])، وقال: «وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني: قول الصحابي إذا انتشر حجّة مقطوع بها»([477]).

وفي حاشية ردّ المختار لابن عابدين: «والحاصل أن قول الصحابي حجّة يجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شيء آخر من السنّة»([478]).

وقال الغزالي: «وقد ذهب قوم إلى أنّ مذهب الصحابي حجّة مطلقاً، وقوم إلى أنّه حجّة إنْ خالف القياس، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول أبي بكر وعمر خاصّة لقوله (ص): اقتدوا باللذين من بعدي، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتّفقوا...»([479]).

وقد ذكر النووي معركة الآراء في قول الصحابي إذا انتشر أو لم ينتشر، وإذا وجد له مخالف أو لم يخالفه أحد, وهل يُقدّم على القياس أم لا وهكذا.

وذكر أنّ الرأي القديم للشافعي بأنّ قول الصحابي إذا لم ينتشر ولم يخالفه غيره فهو حجّة([480]).

وقال الشاطبي: «وطائفة أيضاً رأوا أنّ قول الصحابي حجّة، فكلّ قول صحابي وإنْ عارضه قول صحابي آخر كلّ واحد منهما حجّة للمكلف في كلّ واحد منهما متمسّك, وقد نقل هذا المعنى عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) حيث قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم, فأجاز جماعة الأخذ بقول من شاء منهم إذا اختلفوا»([481]).

فلا ندري كيف تقول بعد ذلك: إنّك لا تعرف أحداً من أهل العلم يقول بجواز الاقتداء بكلّ صحابي؟!!

قلتم: عظماء الصحابة يجوز الاقتداء بهم

الثاني: قلتم: عظماء الصحابة كالصدِّيق والفاروق وذي النورين وأبي السبطين ومَنْ كان قريباً منهم في الفضل والعلم يُقتدى بهم ويُرجع إلى فتاواهم لعلمهم وفضلهم.

الجواب

 قد ذكرنا مراراً أنّ الصحابة اختلفوا فيما بينهم اختلافاً فاحشاً, فلا يمكن الاقتداء بهم جميعاً، فلو افترضنا جدلاً أنك كنت حاضراً في معركة الجمل، وترى عظماء الصحابة يتقاتلون فيما بينهم، وقد كان علياً× في جانب وكانت السيدة عائشة وطلحة والزبير في جانب آخر, فمع أي الجانبين ستقف؟ وبوجه مَن سوف ترفع سيفك؟! فهل ستقاتل إلى جانب علي×، لإقرارك أنّ علياً مصيب في حروبه, أم تقاتل مع السيدة عائشة وأصحابها؟! وإذا اخترت الوقوف مع معسكر علي×، فهل تعتقد أن عائشة ومن معها كانوا على حق أيضاً، أم أنّها كانت على باطل؟ فإذا كانت على حقّ فما المبرّر لقتالها؟ وإذا كانت على باطل فكيف يمكن الاقتداء بها وبمن معها من الصحابة؟!

والنتيجة: أنّه مضافاً للاختلاف الشديد الذي وقع بين الصحابة, أو لا أقلّ بين عظماء الصحابة، كما يحلو لك التعبير به, فقد ثبت بالدليل أيضاً خطأ اجتهاد بعضهم وجهل بعضهم بالأحكام, فعمر كان لا يعرف أنّ المجنب حكمه التيمم، بل كان يأمره بترك الصلاة, مع أنّ الرسول’ قد بيّن حكمه وبمحضر عمر نفسه([482])، كما أنّه كان لا يعرف حكم الكلالة([483])، وهكذا لو أردنا استقصاء ذلك لطال بنا المقام, فكيف يمكن إذن الاقتداء بعظماء الصحابة, خصوصاً مع ثبوت خطأ اجتهاد بعضهم، وهذا سيولد حالة شك في كلّ ما يقوله الصحابي برأيه, على أنّه لا يوجد دليل شرعي يوجب الرجوع إلى الصحابة أو إلى ثلّة خاصّة منهم, وما يمكن الاستدلال به على ذلك وهو ما روي عن النبيّ’ في كتبكم من قوله: «عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ...»([484])، فهو على فرض ثبوته غير تام في الدلالة على مرادكم, إذ إنّ المراد بخلفائه ليس الخلفاء الأربعة، بل هم أهل البيت الاثني عشر، بقرينة ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من قوله’: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»([485])، فخلفاؤه، عليه الصلاة والسلام، ليسوا أربعة, بل اثنا عشر خليفة, وقد أمر الأمّة بالرجوع إليهم بأحاديث عدّة، أهمّها حديث الثقلين المتواتر في معناه عند الفريقين حيث قال: «إنِّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([486]).

فهذه الأحاديث بعضها يفسّر بعضاً، وكلّها تصبّ في مجرى واحد، وتنسجم مع ما عليه الشيعة الإمامية من الإيمان باثني عشر إماماً بعد النبيّ’، وهم أهل البيت^.

فما ذكرتموه من الاقتداء بعظماء الصحابة في الرجوع إلى آرائهم والأخذ بفتاواهم, غير تام في نفسه، ولا يساعد عليه الدليل.

قلتم: كلام الألباني يفرّق بين العدالة والإقتداء

الثالث: ذكرتم أنّ قول الألباني ليس له علاقة بالعدالة, فكون الصحابي عدلاً لا يعني كونه قدوة.

الجواب

 إنّكم من الجهة العملية تتعاملون مع الصحابة معاملة المعصومين، وتضفون عليهم هالة من القداسة ما أنزل الله بها من سلطان، وتتكلفون كثيراً في الدفاع عنهم, ولا تقبلون أنّهم بشر كغيرهم يصدر منهم الخطأ والمعاصي, وكلّ ما تقولونه هنا لا يتجاوز الناحية النظرية, أمّا عملاً فأنتم تحملون أعمالهم على محامل لا يعلمون بها أنفسهم, فقد رضيتم بحكومة معاوية التي هدمت الإسلام وهدّت أركانه, وأخذتم بالدفاع عنه، وتدّعون أنّه متأوّل, مع أنّه قتل الأبرياء والصلحاء والأتقياء، وشقّ عصا المسلمين، وسالت أنهاراً من الدماء في حربه مع أمير المؤمنين علي×, وحوّل الخلافة إلى ملك عضوض يتلاعب به بنو أمية, وكانت سيرته غير مرضيّه، وثبت شربه للخمر وارتكاب المحرّمات, وسلّط ولده الفاجر يزيد على رقاب المسلمين([487]), ومع هذا كلّه تتأوّلون له أفعاله، وتترضون عليه، وتعتقدون أنّه في الجنّة! أفلا يساوق هذا القول بالعصمة؟! ولا نعرف لماذا خلق الله تعالى النار، ومن سيدخلها، إذا كان مرتكب كلّ هذه الأمور سيدخل الجنّة؟!!

وقد مرّ بنا سابقاً أنّك تتأوّل حتّى لمن قتل عمار بن ياسر في حرب صفين! مع أنّ النبيّ صرّح بأنّ قاتل عمار وسالبه في النار! فأي قداسة أكثر من أنْ تخالف قول النبيّ’ وتتأوّل للصحابي؟!! ولذا رأينا الشيخ الألباني يرفض قاعدة التأويل والاجتهاد في حقّ أبي الغادية الجهني، ويخرجه من قائمة الصحابة العدول, ويقرّ بدخوله النار، وقد تقدّم ذلك فلا نعيد.

كما رأينا منكم الدفاع عن الحَكَم، طريد رسول الله’، وتعدّونه من الصحابة! لكن تقدّم أنّ الشيخ الألباني صحّح الروايات المصرّحة بلعن الحكم, ونقلنا لكم كلامه في ذمّه للحفّاظ الذين حاولوا كتم حقائق التاريخ, وتساءل مُستنكراً تواطؤ بعض الحفاظ للحكم قائلاً: «هذا, وإنّي لأعجب أشدّ العجب من تواطؤ بعض الحفاظ المترجمين لـ (الحكم) على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته، أهي رهبة الصحبة، وكونه عمَّ عثمان بن عفانL، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أم هي ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق؟»([488])، وقد تقدّم ذكر كلامه مفصّلاً.

فالألباني، على سلفيته، لا يقول بعدالة الصحابة أجمع بالطريقة التي تريدونها وتدافعون عنها!

أقوال لعلماء آخرين ينفون عدالة جميع الصحابة

بعد أنْ ذكرنا لك آراء مجموعة من علماء السنة في عدم عدالة الصحابة، قلنا: «وقريب من ذلك عن الشوكاني المتوفى سنة 1255 هـ والشيخ محمود أبو ريّة المتوفى سنة 1370 هـ والشيخ محمد عبده المتوفى سنة 1323 هـ، والسيّد محمد رشيد رضا المتوفى سنة 1354 هـ والرافعي المتوفى سنة 1356 هـ».

وقد أجبت بعدّة أمورأهمّها:

قلتم: الشيعة يجمعون بين المتناقضات

الأول: ذكرت بأنّنا جمعنا بين المتناقضات، بين رجال يدافعون عن السنّة وبين رجل خرج عليها, وبيّنت أنّ (محمود أبو ريّة) ليس من أهل السنّة, بل هو خارج عليهم...

الجواب

 إنّ الشيخ محمود أبو ريّة من علماء أهل السنّة، ومن علماء الأزهر, وكتب كتابه لتنقية السنّة من شوائبها, ومن الإسرائليات التي أوردها كعب الأحبار وغيره من علماء اليهود الذين اندسّوا بين المسلمين, وكلّ استدلالاته كانت من كتب أهل السنّة ومن كلمات علمائهم، وهو يؤمن بالشورى وبخلافة أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي، ولا يؤمن بالنص, فهو سنّي أزهريٌّ, واختلافه معك بالرأي لا يسوغ لك إخراحه من أهل السنّة.

ثمّ من العجائب؛ أنْ نراك ترفض الاستدلال بكلمات الشيخ محمود أبو ريّة! وهو مَن قد عرفت شخصية حقيقية، لها وجودها الأزهري الذي لا يقبل الإنكار, بينما نجدك تستدلّ بشخص موهوم لا وجود له, وهو (حسين الموسوي), وكتابه المُخترَع (لله ثم للتاريخ), والموسوي هذا لم يُر له وجودٌ، ولم يُسمع له صوتٌ، ولم تُرَ له صورة، ولا يُعرف كيف عمّر كلّ هذه السنين بحيث تجاوز عمره المائتي سنة، فلا درس له ولا تلاميذ ولا كتب ولا مؤلّفات, ولم يره أحد بعينه قط، وكتابه المزعوم يحمل مجموعة تناقضات لا يصدقها العقل, وتكشف زيف مخترعه, فكيف رضيت لنفسك أن تحتجّ بكتاب موهوم المؤلف, ولم تقبل الاحتجاج بكتاب عالم دين مصري أزهري؟!! أليس هذا من غرائب الأمور ياسماحة الأستاذ الدكتور؟!!

 

قلتم: كلام محمد عبده ورشيد رضا لاعلاقة له بالعدالة

الثاني: ذكرت بأنّك لم تجد كلاماً للشيخ محمّد عبده ورشيد رضا يتعلق بالموضوع لا في تلك الصفحة لا في غيرها...

الجواب

1ـ من الغريب أنّك لا تعرف آراء الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا, وهما من كبار علماء الأزهر, أو أنّك تعرف حقيقة آرائهما لكن لا تريد بيانها.

2ـ صرّح الشيخ رشيد رضا بعدم قبول القول بعدالة الصحابة جميعاً, وذهب إلى القول بعدالة معظمهم, ونورد لك الآن نصّ كلامه بحسب الطبعة الموجودة بين أيدينا الآن, فقد جاء في تفسير المنار، في آخر بحثه عن الآية 187 من سورة الأعراف تحت عنوان: (خلاصة القول في أشراط الساعة) النقطة السابعة: «إنّ بعض الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كلّ مسلم، وما كلّ مؤمن صادق، وما كانوا يفرقون في الأداء بين ما سمعوه من النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو من غيره، وما بلغهم عنه بمثل سمعت وحدثني، وأخبرني، ومثل: عن النبيّ أنه قال، أو قال رسول الله،كما فعل المحدثون من بعد عند وضع مصطلح الحديث، وقد ثبت أن الصحابة كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتّى عن كعب الأحبار وأمثاله، والقاعدة عند أهل السنّة أنّ جميع الصحابة عدول فلا يخل جهل اسم راو منهم بصحّة السند! وهي قاعدة أغلبية لا مطردة، فقد كان في عهد النبيّ منافقون قال تعالى فيهم: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ}»([489]).

وقد رأينا كلاماً آخر للسيد رشيد رضا يُعرّض فيه بالصحابي تميم الداري الذي حدّث عن قصّة الجساسة([490]).

وقال معرّضاً بمعاوية بن أبي سفيان: «لقد كان مقتضى هذا الإصلاح الإسلامي العربي أن يعم الأرض ويملك أهله من العرب سائر ممالك الشرق والغرب؛ ولكن حال دون ذلك تعارض المانع والمقتضي، أمّا المقتضي فقد عرَّفناه إجمالاً بما تقدّم، وأمّا المانع الذي حال دونه فهو (على قاعدة تقابل العدم بالملكة) عدم الاستقامة على ذلك المنهج الإصلاحي الذي شرّعه الإسلام, وسار عليه الرسول وخلفاؤه الراشدون، وكان أوّل من سنَّ الخروج عنه معاوية بن أبي سفيان، ببغيه على أمير المؤمنين علي (عليه السلام والرضوان)، ثم بإكراهه الناس على بيعة ولده الفاسق يزيد، واحتكار السلطان لبني أميّة، فهدم بذلك الحكم الإسلامي الشوروي المبني على أساس سلطة الأمة، وأقامه على الأساس الوراثي المبني على تغلب القوة، فما زالت القوة تعمل عملها حتّى سلبتهم هذا المُلك المغصوب، وتغلغل نفوذ أعاجم الفرس في الدولة العباسية، ثم قضى عليها همج الشعوب التركية، فتفرقت السلطة، وتمزقت الوحدة، وزلزلت العدالة، وزالت الخلافة.

من ثمّ قال أحد علماء الألمان المتعصّبين لجنسيتهم: إنه ينبغي لنا أن نقيم لمعاوية تمثالاً من الذهب في أعظم ساحة من عاصمتنا (برلين), وينبغي مثل ذلك لجميع شعوب أوربا، إذ لولاه لكانت هذه الشعوب كلّها عربية تدين بالإسلام، وبيّن ذلك بنحو ما قلناه آنفاً»([491]).

فتبيّن بوضوح أنّ الشيخ رشيد رضا لا يقبل ولا يرتضي بنظريّة عدالة الصحابة أجمع.

ومن الواضح الجليّ أنّ الشيخ رشيد رضا قد تأثّر بمدرسة أستاذه الشيخ محمّد عبده، وسار على نهجه, وبيّن وأوضح أفكاره, بل إنّ ما يحمله من أفكار ورؤى فهي في واقعها أفكار شيخه الأستاذ, ولذا قام بإكمال مشروعه في التفسير، حيث أكمل من بعده المشروع، ونزل مطبوعاً يحمل عنوان تفسير المنار, كما أن له كتاباً من ثلاثة أجزاء يتناول فيه حياة شيخه محمّد عبده أسماه (تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده).

هذا، ونراك قد أغضضت الطرف عن قول الرافعي, ولم تتعرّض له لا من قريب ولا من بعيد.

رأي الشيعة موافق للكثير من علماء أهل السنّة

بعد أن ذكرنا لك مجموعة من أقوال علماء أهل السنّة، والذين تقدّم الكلام عنهم هنا، ختمنا كلامنا بالقول: «وهذا بعينه هو رأي الشيعة الإمامية».

قلتم: خلطتم فيما نقلتم بين الخارجين عن الإسلام وبين أئمته

وأجبتم على كلامنا بما لا محصل منه، وقلتم: «هذا الكلام الذي ذكرته لا أدري ما المقصود منه, فهو إحالة على كلام تقدم, بعضه من خارجين على الإسلام, وبعضه من أئمّة الإسلام, وهذا جمع بين المتناقضات, وليتك أوضحت ما تريد؛ لأنّك أحلت على أقوال متناقضة»([492]).

الجواب

 إنّ جميع من ذكرنا هم من أهل السنّة، وليسوا من الخارجين على الإسلام، كما تدّعي! وأنت في نقاشاتك لم تُخرج عن الإسلام إلاّ طه حسين, وهنا تُصوّر المسألة للقارئ وكأنّنا نقلنا واستدللنا بكلمات أناس خارجين عنه, اللهم إلاّ أن يكون نظرك بأن التفتازاني والمازري وابن العماد الحنبلي وغيرهم ممّن تقدّم ذكرهم خارجين عن الإسلام؛ لأنّهم خالفوك في تبنّي القول بعدالة الصحابة!

 وحينئذٍ نترك الجواب للقارئ ليقول كلمته, وعليك أيضاً أن تُخرج من الإسلام كلّ مَن ذكرناهم في هذا البحث، وهم كثر بحمد الله, ولازمه أن تؤسّس قواعد جديدة لدخول الإسلام، منها: كون المسلم سلفياً يقول بعدالة الصحابة أجمع, ولعلّ قولك يشمل حتّى الألباني المتربّع على العرش السلفيّ، فهو رفض دخول أبي الغادية الجُهني في الصحابة، بخلافك حيث تأوّلت له، كما تقدّم!

فالمراد من كلامنا واضح؛ وهو أنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول, وهذا القول ليس من مختصات الشيعة الإمامية، بل يشاركهم فيه الكثير من علماء أهل السنّة, فإمّا أن تتهم الجميع بالزندقة, ولم يبق في الأمة الإسلاميّة حينئذٍ إلاّ أهل الحديث, بل خصوص القائلين بعدالة جميع الصحابة منهم, أو تعترف بأن هذه المسألة وقع الخلاف فيها بين العلماء، حالها حال الكثير من المسائل, ولا يلزم مَن قال بها التفسيق والتكفير والاتّهام بالابتداع والزندقة، كما تفعل مع الشيعة.










حوار
 في أفضلية غير الصحابة


أفضلية بعض التابعين على الصحابة بتصريح ابن عبد البر

ذكرنا لكم أنّ هناك من يرى أنّ بعض من يأتي بعد الصحابة يكون أفضل منهم، وقد نقل القرطبي تصريح ابن عبد البر في ذلك...

وأجبتم بأمور أهمها:

قلتم: ابن عبد البر  قسّم الصحابة قسمين

1ـ إنّ ابن عبد البرّ قسّم الصحابة إلى قسمين: الأوّل: الذين شهدوا بدراً والحديبية. الثاني: من كان بعدهم, ويرى أنّ القسم الأول لا يُلحقون, والقسم الثاني يمكن أن يُلحقوا في العمل دون الصحبة, وذلك حينما يفسد الزمان([493]).

الجواب

 أمّا كون القسم الأول لا يُلحقون؛ فهذا لا يغيّر من الأمر شيئاً, فإنّ المراد متحقّق، وهو أنّه يأتي من بعد الصحابة مَن هو أفضل مّمن كان في جملة الصحابة ـ وإنْ كان من القسم الثاني منهم، حسب تقسيمه ـ فكلامه ينفي أفضلية جميع الصحابة على غيرهم.

وأمّا كون مراده الأفضلية في العمل دون الصحبة فهو خلاف الظاهر من كلامه؛ فهو صرّح بالأفضلية المطلقة, ولم يقيّدها بشيء, أضف إلى ذلك أنّ الصحبة المجرّدة عن العمل لا فضل لها, فحتّى القائلون بعدالة جميع الصحابة لا يلتزمون بذلك، بل يصوّرون الصحابي في قمّة من العدالة والتقوى؛ لأنّ ذلك ـ عدم العمل ــ يتنافى مع قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}! فالصحبة بلا تقوى لا ترقى بالإنسان ولا تعطيه قيمة إيمانية يكون على ضوئها في محل الاحترام والتقدير, فالمناط إذن هو العمل والتقوى, وقد أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن نساء النبيّ’ حينما تناولنا الآيات الواردة في زوجتي لوط ونوح([494]).

قلتم: (خير الناس قرني) لفظ يراد به معنى خاص يخرج المنافقين

2ـ ذكرتم أنّ ابن عبد البرّ قال في خبر «خير الناس قرني»، إنّه لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص, وعقبتم عليه بقولكم: أراد& أن يبيّن أنّ المراد بـ (قرني) أصحابي, وهو لفظ عام, والمراد به الخصوص؛ ليخرج المنافقين من غيرهم([495]).

الجواب

أوّلاً: أنّه صرّح بعدم معارضة هذا الحديث لأحاديث الباب, أي الأحاديث الواردة بمجيء ناس أفضل من الصحابة, من قبيل قوله’ «أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً؟ قلنا: الملائكة, قال: وحقّ لهم, بل غيرهم. قلنا: الأنبياء، قال: حقّ لهم, بل غيرهم، قلنا: الشهداء، قال: هم كذلك وحقّ لهم, بل غيرهم, ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني, يجدون ورقاً فيعملون بما فيه، هم أفضل الخلق إيماناً»([496]).

فبعد أن ذكر مجموعة من الروايات في ذلك قال: «قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه (صلّى الله عليه وسلّم): «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم<، وهو حديث حسن المخرج جيد الإسناد وليس ذلك عندي بمعارض؛ لأن قوله (صلّى الله عليه وسلّم) خير الناس قرني ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه مع السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود وقال لهم: ما تقولون في الشارب والسارق والزاني...»([497]).

وعدم المعارضة تعني أنّ الأفضلية التي وردت في تلك الروايات ثابتة، وأنّ حديث خير القرون خاص وليس عاماً في كلّ الصحابة.

ثانياً: أنّ تفسيركم لقوله بأنه أراد الخصوص ليخرج المنافقين خلاف تصريحه في الكلام المتقدم، حيث ذكر أنّ العموم منقوض بالمنافقين وبأهل الكبائر الذين أقام الرسول’ عليهم أو على بعضهم الحدود, وبالذين أشار لهم النبيّ’ بقوله: «ما تقولون في الشارب والسارق والزاني»([498]) فكيف تأوّلتم كلامه وهو يصرّح بمراده!!

قلتم: لعل ابن عبد البر يقصد آخر الزمان حين يفسد الناس

3ـ قلتم: لعلّه يشير إلى أنّه حينما يفسد الزمان، ويعود الابتلاء على المؤمنين، فإنهم تتضاعف لهم الأجور كما ضوعفت للصحابة في بداية الإسلام ما عدا أهل بدر والحديبية، فقد جاء في آخر كلامه: «فيستوي حينئذٍ أوّل هذه الأمة بآخرها في فضل العمل, إلاّ أهل بدر والحديبية, والله أعلم».

الجواب

أوّلاً: غاية ما أثبتموه من هذا الكلام هو التساوي في فضل العمل، ولم تستطيعوا إثبات أفضلية الصحابة, وهذا بحدّ ذاته كاف في إثبات عدم أفضلية الصحابة على الجميع.

ثانياً: ما بينتموه غير صحيح، ولا يفهم من عبارته, فقد صرح في أول كلامه بأفضلية من يأتون بعد الصحابة على ممّن كان في جملة الصحابة, ثم صرح بأن حديث خير القرون لا يعارض الأحاديث الدالة على الأفضلية, وإذا تأملنا في الروايات التي استند عليها لعرفنا انسجام آخر كلامه مع أوّله ووسطه؛ وذلك لأن بعض الروايات أعطت مزيّة أخرى غير فضل العمل وهو الإيمان بالنبيّ’ مع عدم رؤيته, لاحظ قوله’: «أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني، يجدون ورقاً فيعملون بما فيه, هم أفضل الخلق إيماناً»([499]).

فيكون من تأخر عنه مشمول بمزيتين: إحداهما: الإيمان به مع عدم رؤيته, وثانيهما: مضاعفة أجورهم في العمل لفساد الزمان وكثرة الابتلاء على المؤمنين, فيكونون أفضل ممّن كان في جملة الصحابة, وبذا يستقيم كلام ابن عبد البر في أوله وآخره ووسطه, أمّا على تفسيركم فيلزم التناقض والاختلاف من عالم كبير في مطلب واحد كتبه بأسطر معدودة!

قلتم: عبارتكم لا تنطبق على كلام ابن عبد البر ومذهبه

حاولتم توجيه كلام ابن عبد البر بما يتناسب مع معتقدكم، وقلتم بعد ذلك: >إذن عبارتكم لا تنطبق على كلامه ومذهبه<.

الجواب

أوّلاً: من خلال ما تقدّم تبيّن أنّ عبارتنا تنطبق على كلامه.

ثانياً: أنّ الأهمّ في الموضوع هو تصريح الروايات بأفضلية البعض على الصحابة, فتصريح النبيّ’ هو الحكم والفيصل في كلّ الأمور, فينبغي النظر ولو مختصراً في مفاد هذه الروايات, ولذا سنتناول هذه الروايات بنحو من الاختصار بعد إتمام الإجابة على ما يتعلّق بالموضوع.

العلماء وفهمهم لكلام ابن عبد البر

ذكرنا لكم: أنّ قول ابن عبد البر نقله النووي عن القاضي عياض، والمناوي في (فيض القدير)، والمباركفوري في (تحفة الأحوذي)، وابن حجر في (فتح الباري) ثمّ ناقش فيه.

وقد أجبتم عليه بكلام طويل نجمله بما يأتي:

قلتم: كلام القاضي عياض تفسير لكلام ابن عبد البر

أوّلاً: أنّ كلام القاضي هو تفسير لكلام ابن عبد البرّ, وقد قسّم الصحابة إلى طبقتين: الأولى السابقون... ومن سلك مسلكهم.. وهؤلاء لا يُلحقون.

الثانية: من خلّط ولم يكن له سابقة.

ثمّ أَضفتَ بأنه لا يوجد أحد من السابقين مَن خلّط, ولم يقل أحد من علماء السنّة أنّ أحداً من السابقين يمكن أن يُلحق.

الجواب

أوّلاً: نحن نتحدّث عن أفضلية من يأتي بعد الصحابة على بعض الصحابة، فلا تُخصص الموضوع بفئة معيّنة منهم وتخرج عن محل الحوار والنقاش، فإن الكلام في أفضلية من يأتي بعدهم على بعضهم، وليس في أفضلية صحابي على آخر, فالقاعدة الكلية التي تتبنونها غير تامة، والروايات بخلافها، وكلام ابن عبد البر مؤيّد لذلك.

ثانياً: لم ندّعِ أن القاضي عياض قال بذلك، بل قلنا إنه نقل قول ابن عبد البر بالتفضيل, يعني أن القاضي عياض فهم من كلام ابن عبد البر القول بتفضيل من يأتي على بعض الصحابة, ومنه يتضح عدم صحّة تأويلاتكم المتقدّمة والتي تكلمنا عنها, وقد رأينا في طبعتك الجديدة، أنك اتهمتنا بعدم نقل كلام ابن عبد البر كاملاً فتغير المعنى([500]).

 وجوابه اتضح من خلال نقاشنا في كلماتك, كما هو مدفوع بفهم القاضي عياض لكلام ابن عبد البر, والذي يتّفق مع فهمنا أيضاً, بل وسيأتي أنّ ابن حجر والمناوي والمباركفوري فهموا ما نحن فهمناه.

ثالثاً: أنّ القاضي عياض صرّح بموافقة جمع لرأي ابن عبد البر, كما أوردتم ذلك في جوابكم([501]), وهذا يدلّ على أنّ مراد ابن عبد البر واضح وبيّن, ووافقه جماعة عليه.

رابعاً: ـ وهو الأهم ـ مع تصريح النبيّ’ بمحضر من الصحابة وبيانه لهم أنّ هناك من يأتي من هو أفضل منهم, لا نحتاج إلى تصريحات أهل السنة وتخصيصها بغير السابقين, سواء قال بعض أهل السنة بذلك أو لم يقل أحد منهم به؛ فإن النبيّ’ لم يستثن جماعة دون أخرى, ولا الصحابة قيدوا كلامه بطائفة دون أخرى, وقد ثبت في التاريخ والحديث الصحيح أنّ بعض أهل بدر شرب الخمر, وكذا ثبت رمي السيدة عائشة بالفاحشة من بعض أهل بدر! والكلام يطول في ذلك وتقدّم ما يدلّ عليه.

قلتم: لم أعثر على تصريح المناوي

ثانياً: ذكرت بأنّك لم تجد كلام المناوي...([502])

الجواب

 لو أتعبت نفسك قليلاً لوجدت كلام المناوي وتصريحه بذلك, وكون الطبعة التي نستخدمها غير موجودة عندك لا يعني أن العبارة غير موجودة، ولا يعني أن يتوقف البحث, وعلى أية حال, فقد ذكر المناوي كلام ابن عبد البر في تعليقه على حديث: «طوبى لمن رآني وآمن بي مرة، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات», حيث قال: «وذلك لأنّ الله مدحهم بإيمانهم بالغيب, وكان إيمان الصدر الأول غيباً وشهوداً، فإنهم آمنوا بالله واليوم الآخر غيباً, وآمنوا بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) شهوداً، لما أنّهم رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات، وآخر هذه الأمة آمنوا غيباً بما آمن به أوّلها شهوداً، فلذا أثنى عليهم النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم). وأخذ ابن عبد البر من هذا الحديث ونحوه أنّه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة، وأيّده بعضهم بخبر ابن عمر مرفوعاً: أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وحقّ لهم, بل غيرهم، قالوا: الأنبياء، قال: وحقّ لهم, بل غيرهم، ثمّ قال: أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني, فهم أفضل الخلق إيماناً, انتهى»([503]).

فالمناوي أيضاً فهم من ابن عبد البرّ القول بالتفضيل فلاحظ؟

قلتم: لم أعثر على كلام ابن عبد البر في تحفة الأحوذي

ثالثاً: قلتم: أمّا (تحفة الأحوذي) فلم أجد فيه نقلاً لكلام ابن عبد البر...

الجواب

 وهنا نرى همّتك تقصر عن نيل المطلوب, فقد ذكر المباركفوري ذلك عند شرحه للحديث المروي عن أبي أمية الشعباني، قال: «أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُـرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأى برأيه، فعليك بخاصّة نفسك, ودع العوام، فإن من ورائكم أيّاماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل: يا رسول الله, أجر خمسين رجلاً منّا أو منهم؟ قال: لا، بل أجر خمسين رجلاً منكم»([504]).

فقال المباركفوري في أثناء شرحه لهذا الحديث: «وقد تكلّم ابن عبد البرّ في هذه المسألة، وقال: يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل»([505]). وكما ترى فهو فهم من كلام ابن عبد البر مثل ما فهمنا.

قلتم: ابن حجر ضعف الأحاديث التي أوردها ابن عبد البر

رابعاً: ذكرتم إن ابن حجر أشار إلى قول ابن عبد البر وتعقبه في تضعيف بعض الأحاديث التي أوردها في التمهيد...

الجواب

أوّلاً: نحن ذكرنا أنّ ابن حجر ناقش في كلام ابن عبد البر, لكنّه لم يتأوّل كلام ابن البر, بل فهم منه مثل ما فهمنا, فإيرادك هنا بأن ابن حجر تعقّبه في تضعيف بعض الراويات خارج عن الموضوع.

ثانياً: أنّ ابن حجر ناقش في بعض الروايات لا في جميعها، وسيتم بحث الروايات بعد الانتهاء من الجواب.

قلتم: مراد ابن عبد البر أن الافضلية في غير السابقين

خامساً: قلتم ما حاصله أنّ العلماء الذين أوردنا أسماءهم لم يوافقوه... وأن مراده الأفضلية في غير السابقين...

الجواب

أوّلاً: نحن لم ندّع أنهم وافقوه, بل نقلوا كلامه وفهموا منه مثل فهمنا.

ثانياً: كلامنا في أفضلية جميع الصحابة على غيرهم, وقد تبيّن أن ابن عبد البر لا يرى ذلك, ولم يكن البحث مختصاً في السابقين, وسنتطرق إلى الروايات فيما بعد لنرى شمولها للسابقين أم لا, فهي الحكم والفيصل.

قلتم: كل أجر تحصل عليه الأمة فللصحابة نصيب منه

سادساً: قلتم في الطبعة الجديدة: «كلّ عمل تعمله الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة فللصحابة مثل أجورهم؛ لأن الصحابة هم السبب في نصرة الإسلام وحفظه ونشره, فكيف يمكن أن يلحقهم غيرهم»([506]).

الجواب

أوّلاً: هذا من غرائب الاستدلال؛ ففيه فرضية غير متحققة في الواقع, وهي أنّ كلّ المعارف الإسلامية أتى بها كلّ شخص من الصحابة منفرداً! وإلا لا يستقيم كلامك، فهناك الكثير منهم ليس لهم إلاّ رؤية النبيّ’، ولم ينقلوا حديثاً واحداً، ولم يشتركوا بجهاد، ولم يساهموا بشيء يذكر, فبأيّ دليل يستحق أجر وثواب العامل, وهو لم يكن له أي دور في ذلك.

ثانياً: هل تلتزم بأن من أوقف مسجداً يكون أفضل من المصلّين في كلّ عصر وحين, وأنّ من أوقف داراً على الأيتام يكون أفضل منهم, وهكذا...فإن هذا لا يلتزم به أحد.

ثالثاً: نحن لا نسلّم بأن حفظ الشريعة متوقف على فعل الصحابة, وإنّ كنّا نجل الكثير منهم ونحترم ونقدس ما قدّموه من تضحيات في سبيل الدين والإسلام, إلاّ أنّ حفظ الشريعة ونشرها وتبيين أركانها هو من شؤون أهل البيت^ دون غيرهم, فما وافقهم فيه غيرهم إنّما نأخذ به من باب عمل أهل البيت على ضوئه, وما خالفهم فيه غيرهم لا يؤخذ به, فإن المرجعية الدينية والعلمية منحصرة بهم, طبق حديث (الثقلين) و(السفينة) وغيرها من الأحاديث النبويّة الواردة في أهل البيت^.

رابعاً: دلّت الأخبار على أنّ بعض الصحابة أحدث وغيّر وبدل بعد رسول الله’، بل صرّح النبيّ’ بدخول عدد منهم إلى النار, فكيف يكونون حينئذٍ أفضل الخلق؟! فحتّى لو فرضنا أنّ لهذا البعض دوراً في حفظ الإسلام ونشر أحكامه, فهل يكونون دائماً أفضل ممّن يأتي من بعدهم بدعوى أنّه يحصل على أجر مثل من يعمل! وكيف يكونون الأفضل على الإطلاق مع التصريح بدخول بعضهم النار, وإذا كان أفضل هذه الأمّة مستقرّهم النار فما حال بقيّتها, وهل ستكون خير الأمم حينئذٍ؟!

الروايات الدالّة على أفضلية غير الصحابة على بعض الصحابة

تلخّص ممّا تقدّم أنّ ابن عبد البر يرى أنّ بالإمكان مجيء أناس بعد الصحابة أفضل من بعضهم, وقد استثنى من ذلك أهل بدر والحديبية؛ وكلامه واضح في ذلك, والعلماء فهموا ذلك منه أيضاً, لذا يستحسن بنا أنْ نبحث الروايات بنحو من الاختصار؛ لنرى مقدار ما تدلّ عليه:

الرواية الأولى

الرواية الأولى: أخرج أحمد في مسنده: «ثنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي قال: حدثني أسيد بن عبد الرحمن قال: حدثني صالح بن محمد قال: حدثني أبو جمعة قال: تغدينا مع رسول الله! (صلّى الله عليه وسلّم) ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: نعم, قوم يكونون من بعدكم, يؤمنون بي ولم يروني».

قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «حديث صحيح»([507]).

وأخرجه أحمد ثانياً باختلاف يسير في السند, فعلّق شعيب الأرنؤوط قائلاً: «إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد بن عبد الرحمن ـ وهو الخثعمي الفلسطيني ـ فمن رجال أبي داود، وخالد بن دريك فمن رجال أصحاب السنن وكلاهما ثقة»([508]).

وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»([509]).

وأخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي([510]).

وقال ابن حجر: «إسناده حسن, وقد صححّه الحاكم»([511]).

ونلاحظ في هذه الرواية أن الصحابي ركّز في سؤاله على أمرين مهمّين: الأول: الصحبة, وذلك بقوله: «أسلمنا معك», فهو يسأل عن وجود ناس خير منهم مع أنّهم أسلموا مع النبيّ’، فيكون مراده هل يوجد أحد أفضل منا ونحن أصحابك؟

الثاني: الجهاد مع النبيّ’, فقد صرّح الصحابي عن سؤاله بأنّنا جاهدنا معك.

فسؤال الصحابي عن خيريّة غيرهم عليهم متضمن لقيدين, الصحبة والجهاد.

فجواب النبيّ’ حينئذٍ لا بدّ أن يكون ناظراً لهذين القيدين, وكان الجواب بالإيجاب, وأنّه يوجد من هو أفضل منهم وخير منهم مع كونهم صحابة ومجاهدين مع النبيّ’, معللاً ذلك بأنّ من يأتي بعدهم يؤمنون به ولم يرونه, ومن هنا نجد أنّ الصحبة لذاتها ليست مزية ومنقبة, بل قرب النبيّ’ ووجوده يوفر المقتضي للإيمان به, بخلاف الذي لم يره, إذ لم يَقرأ عن النبيّ’ إلاّ في الصحائف, وسيأتي التصريح بذلك في بعض الروايات.

فالمتحصّل من هذا الكلام: أنّ الأفضلية والخيريّة في الرواية مطلقة غير مختصة بجماعة دون غيرهم, وغير مختصة بالعمل دون الصحبة كما حاولتَ تأويل المعنى بذلك, فالصحبة منظورة في السؤال, والجهاد منظور في السؤال, والسؤال كان عامّاً في كلّ الصحابة, وكان الجواب عامّاً ومطلقاً, وهو دليل قويٌّ ومتين على عدم أفضلية الصحابة على سائر الأمة.

أبو عبيدة من السابقين

وهنا نضيف ملاحظة مهمّة جدّاً: وهي أنّ أبا عبيدة بن الجراح هو الذي سأل النبيّ’ عن وجود ناس خير منهم أم لا, وهو من العشرة السابقين والمبشّرين بالجّنة, وهاجر الهجرتين, وشهد بدراً, وهو أمين هذه الأمة, ومع ذلك أجاب النبيّ’ بما أجاب دون أن يخصّصه أو يستثنيه, فلا شكّ في شموله بالخبر، فهو السائل وهو المُجاب, وهو المعنيّ أوّلاً وبالذات بالإجابة, وهذا واضح بيّن لا يرتاب فيه أحد من العلماء, فالاستثناء بمن شهد بدراً والحديبية غير تام, وقولك بأنّه لم يقل أحد من أهل السنّة بأن أحداً من السابقين يمكن أن يُلحق؛ لا نفع فيه مع قول النبيّ’ وتصريحه بذلك أمام أبي عبيدة وهو من السابقين.

الرواية الثانية

الرواية الثانية: عن عمر بن الخطاب, أن رسول الله قال: «أخبروني بأعظم الخلق عند الله منزلة يوم القيامة، قالوا: الملائكة، قال: وما يمنعهم مع قربهم من ربهم, بل غيرهم، قالوا: الأنبياء، قال: وما يمنعهم والوحي ينزل عليهم، بل غيرهم، قالوا: فأخبرنا يا رسول الله، قال: قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق فيؤمنون به، أولئك أعظم الخلق منزلة, وأولئك أعظم الخلق إيماناً عند الله يوم القيامة»([512]).

وحديث عمر هذا أخرجه البزار بطريقين, ضعّف ابن حجر الأول منهما لوجود محمد بن أبي حميد وقال عنه: «ضعيف الحديث سيئ الحفظ»([513]) ولم يتعرّض لطريقه الآخر, وهو طريق معتبر لذاته, لذا حسّنه الهيثمي في المجمع وقال: «وأحد إسنادي البزار المرفوع حسن، المنهال ابن بحر وثقه أبو حاتم وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح»([514]).

على أنّ الحديث له شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم، قالوا: فالنبيّون، قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم، قالوا: فنحن، قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم، قال: فقال رسول الله: إن أعجب الخلق إلي إيماناً لقوم يكونون بعدكم، يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها»([515]).

وهذا الحديث جزم بنسبته ابن كثير إلى الرسول’، واستدلّ به على صحّة الوجادة, حيث قال: «وقد ورد في الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أنه قال: (أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟) فذكره, ثمّ قال: وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري، ولله الحمد. فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها. والله أعلم»([516]).

وقال بصحّته السخاوي في (فتح المغيث)([517]).

أمّا الشيخ الألباني فقد ضعّف الحديث لعدم وجود ما يقوّيه، ثم تنازل عن ذلك وصححّه بعد أن عثر على شاهد معتبر لذاته، فضلاً عن صلاحيته لتقوية الحديث به.

وكان الألباني قد استغرب من تصحيح الحافظ ابن كثير له في كتابه اختصار علوم الحديث, واحتمل أنّ ابن كثير قد عثر على طرق تقوّيه, فقال: «فعلى هذا لا يصلح الحديث شاهداً للذي قبله، فلا أدري لمَ جزم الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص143) بنسبته إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بقوله: وقد ورد في الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أنه قال: فذكره واستدل به على جواز العمل بالوجادة، فلعله ظن أن ابن أبي حميد هذا ممّن يستشهد به، أو أنّه وقف له على طريق أو طرق أخرى يتقوّى الحديث بها. وحينئذ ينبغي النظر فيها، فإن صلح شيء منها للاستشهاد فبها، وإلا فنحن على ما تبيّن لنا الآن»([518]).

ثمّ عاد في الصحيحة وذكر للحديث طريقاً آخر عن أنس: «أي الخلق أعجبُ إيماناً؟ قالوا: الملائكة. قال: الملائكة كيف لا يؤمنون؟! قالوا: النبيّون، قال: النبيّون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟! قالوا: الصحابة، قال: الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون؟! ولكن أعجب الناس إيماناً: قوم يجيئُون من بعدكم فيجدون كتاباً من الوحي فيؤمنون به ويتَّبعونه، فهم أعجب الناس إيماناً ـ أو الخلق إيماناً»، وصرّح بأن رجاله كلّهم ثقات باستثناء سعيد بن بشير وهو حسن الحديث لذاته, أو لغيره على الأقل, ثم قال: «وقد كنت خرّجت حديث الترجمة بنحوه في (الضعيفة) (647) من طريقين الأولى خير من الأخرى، وذكرت أن الحافظ ابن كثير جزم بنسبته إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وأنه لعله وقف له على طريق أو طرق أخرى يتقوى بها، وحينئذٍ ينبغي النظر فيها، وها أنذا قد وقفت على هذه الطريق، فبادرت إلى تخريجها وفاءً بما قلت هناك، فالظاهر أنه من جملة الطرق التي ألقى مجموعها في قلب الحافظ ابن كثير ثبوت الحديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فجزم بنسبته إليه، وهذا أُلقي في صدري أيضاً حين وقفت على هذه الطريق التي عرفت مما سبق أنها حسنة لغيرها على الأقل، فهي قوية بالطريق الأولى المشار إليها آنفاً...»([519]).

ويمكن أن نضيف أمرين:

الأول: أنّ حديث عمر ليس شديد الضعف على رأي الألباني نفسه؛ فإن الشيخ الألباني بنفسه يقبل محمّد بن أبي حميد في المتابعات والشواهد, وفعل ذلك في صحيحته مراراً([520]).

الثاني: أنّ هناك طريقاً آخر للحديث لا يوجد فيه محمد بن أبي حميد, أخرجه البزّار, فقد قال بعد أن ذكر الطريق الذي فيه محمّد بن أبي حميد: «وحدثناه محمد بن مرزوق قال: نا المنهال بن بحر قال: نا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبيّ» وذكره([521]).

وهذا الطريق معتبر لذاته, وقد حسّنه الهيثمي على ما تقدّم وقال: «وأحد إسنادي البزار المرفوع حسن، المنهال ابن بحر وثقه أبو حاتم وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح»([522]).

نعم حاول البزار جعل الطريق مرسلاً بدعوى أنّ حديث المنهال بن بحر عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر إنما يرويه الحفاظ الثقات عن هشام عن يحيى عن زيد بن أسلم عن عمر مرسلاً([523]). أي أنّ زيد بن أسلم لم يروه عن أبيه, وهذا كلام لا معنى له مع اعتبار الطريق, ومع كون زيد يروي عن أبيه عن عمر كثيراً، ولو تنزلنا وقبلنا بالإرسال, فإن هذا الحديث يصلح أن يكون شاهداً لما قبله, لكنّ الشيخ الألباني لم يتعرّض لهذا الطريق لا من قريب ولا من بعيد.

فتلخّص أنّ الحديث صحيح ومعتبر, وحتّى لو لم يرجع الألباني عن تضعيفه, فهو صحيح طبق القواعد التي يتبناها.

وللحديث دلالات عدّة أهمها:

1ـ إنّ الصحبة لذاتها لا مزيّة لها، فإن مقتضي الإيمان موجود، وهو وجود الأنبياء بين أظهرهم, فالمزية لمن لم يروا النبيّ’ وعرفوه من طريق الصحائف فقط, وهذا المعنى هو صريح قوله’: «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم» أو: «الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون؟!» على ما تقدم.

2ـ إنّ النبيّ’ صرّح بالأفضلية من دون استثناء طبقة دون أخرى فقال: «أولئك أعظم الخلق منزلة، وأولئك أعظم الخلق إيماناً عند الله يوم القيامة»، ولم يعط للصحبة قيمة إيمانية تجعل الصحابة يتفاوتون بها على غيرهم, بل العكس هو المفهوم من كلامه, مع كونه ناظراً للصحبة مصرحاً بها, فلا يمكن استثنائها من الكلام.

روايات أُخرى

ويوجد في الباب مجموعة من الروايات الأخرى التي تتفق في الدلالة على ما ذكرناه, من قبيل حديث ابن عباس: «أعجب الناس إيماناً قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، أولئك إخواني حقاً», وحديث أبي أمامة: «طوبى لمن رآني فآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي» وغيرها الكثير, لم نبحثها هنا توخياً للاختصار, وقد تعرض ابن عبد البر لذكر أكثرها, من شاء فليراجع([524]).








حوار
حول مشاجرات الصحابة ونزاعاتهم


ذكرنا لك بأنّ صفحات تاريخ الصحابة بعد وفاة رسول الله’ مليئة بألوان الصراع والنزاع بينهم, حافلة بتبادل السبّ والشتم, بل تجاوز الأمر بهم إلى التقاتل وسفك الدماء... وهذا ممّا لا يختلف فيه اثنان.

وأجبتَ عن ذلك بوجوه:

قلتم: تاريخ الصحابة مشرق والفتنة حصلت أواخر خلافة عثمان

أوّلاً: ذكرتم في ص137: بأن للصحابة تاريخاً مشرقاً ومضيئاً... وأن شرارة الفتنة انطلقت في أواخر خلافة عثمان في حدود سنة 33 أو 34 للهجرة.

الجواب

 نحن لا ننكر أنّ هناك تاريخاً مشرّفاً للصحابة, فقاتلوا وجاهدوا بين يدي الرسول الأكرم’, لكنّ هذا لا يعني عدم إمكانية الانحراف, ولا يعني رضا النبيّ’ عن جميعهم, ولا يعني أنّ كلّ من قاتل كان مخلصاً لدينه وعقيدته, كيف وقد تقدّم أنّ النبيّ’ ذمّ بعضهم وصرّح بدخول بعضهم النار, وهذا يتناسب مع مجريات التاريخ والحوادث والاختلافات التي جرت بينهم, على أنّ إقرارك بأن الفتنة حصلت في أواخر خلافة عثمان يدلّك على أنّ هناك انحراف قد حصل, ولا يغيب عن ذهنك إنّما الأعمال بخواتيمها, فلو سلّمنا معك بعدالة الصحابة أجمع في تلك الفترة, فما تقول في ما بعدها وما جرى من زهق للأرواح وشق لعصا المسلمين, والانزلاق في هوى الدنيا, على أنّ بعض الصحابة صرّح بأنهم أحدثوا بعد رسول الله’، وكلّ ذلك تقدّم في محلّه, فلا نعيد.


سبب الفتنة

بعد أن ذكرت أنّ شرارة الفتنة انطلقت في أواخر خلافة عثمان بدأت توضّح سبب الفتنة, وقد نقلت في ص139 سببين ذكرهما ابن كثير:

الأول: بعض القرّاء وكانوا تسعة أو عشرة في الكوفة وآخرون في البصرة, أخذوا يُشنّعون على عثمان بسب عزله بعض الصحابة وتوليه أصحابه, فسيّر بعضهم إلى الشام ومصر.

الثاني: قال ابن كثير: «وذكر سيف بن عمر أنّ سبب تألّب الأحزاب على عثمان أن رجلاً يقال له: (عبد الله بن سبأ) كان يهوديّاً فأظهر الإسلام, وصار إلى مصر, فأوحى إلى طائفة من الناس كلاماً اخترعه من عند نفسه. فذكر منه أن قال: وقد كان أُوصي إلى عليّ بن أبي طالب, فمحمّد خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء, ثمّ يقول: فهو أحق بالإمرة من عثمان، وعثمان معتدٌّ في ولايته».

قلتم: ترك الفترة المضيئة للصحابة فيه تجاوز

ثمّ قلتم: فاستمال به كثيراً من الناس, فوقعت الفتنة, وقتل عثمان على أيدي هؤلاء الخوارج, ومن وقتها بدأت الفتنة في الأمّة... وانتهيتَ إلى أنّ ترك الفترة المضيئة للأمّة فيه تجاوز.

الجواب

1ـ قدّمنا لك قبل قليل بأنّنا لا نغفل دور الخلّص من الصحابة, لكن بنفس الوقت لا نُبرّئ جميع الصحابة, فالفتنة التي حصلت اشترك فيها الكثير من الصحابة وأجلّة التابعين, وكون هناك فترة مضيئة في تاريخ بعضهم لا تعني العصمة, ولا تعني عدم التغيّر, والأعمال بالخواتيم, فمن بقي على عهده مع رسول الله’ فهو محلّ تبجيل واحترام وتقدير دون سواه.

2ـ إنّ عزل عثمان للصحابة وتوليته أقرباءه كان أحد الأسباب المهمة في الثورة عليه؛ إذ إنّ الأمّة رفضت هذا السلوك الاستبدادي في الحكم، ولم يكن الأمر مقتصراً على تسعة أو عشرة كما ذكرت, ولو سلّمنا وتنزلنا وقلنا إنّ هؤلاء التسعة هم الأساس في إذكاء الفتنة, فذلك مدح لهم لا مذمّة, إذ عملوا بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونبّهوا الأمّة عمّا يجري, وحين اقتنعت الأمّة بكلامهم خرجت من كلّ حدب وصوب ثائرة على عثمان رافضة حكمه الاستبدادي.

ثم إنّ ابن كثير ذكر ثمانية، أربعة منهم من الصحابة وثلاثة من أجلّة التابعين, فعمرو بن الحمق الخزاعي صحابي, وعروة بن الجعد صحابي, وجندب بن كعب الأزدي صحابي, وجندب بن زهير صحابي, وعلقمة بن قيس النخعي, من كبار التابعين وأجلّتهم, ووصفه بعضهم بأنّه من الربّانيين, وكان بعض الصحابة يسألون علقمة هذا ويستفتونه([525])، وكميل بن زياد من كبار التابعين وله إدراك, وكان شريفاً مطاعاً ثقة, شهد صفين وكان في جنبة الحق مع عليّ×([526]), ومالك الأشتر من كبار التابعين وله إدراك, وكان رئيس قومه, شهد الجمل وصفين وكان في جنبة الحق مع علي×, وولاه الإمام علي على مصر([527]).

فهل ترى أنّ هؤلاء منحرفين زائغين عن الحق، كما يدّعي ابن كثير، حيث قال: «فإذا هم يتمادون في غيّهم، ويستمرون على جهالتهم وحماقتهم، فعند ذلك أخرجهم من بلده [يعني معاوية] ونفاهم عن الشام، لئلا يشوشوا عقول الطغام، وذلك أنّه كان يشتمل مطاوي كلامهم على القدح في قريش كونهم فرطوا وضيعوا ما يجب عليهم من القيام فيه، من نصرة الدين وقمع المفسدين، وإنّما يريدون بهذا: التنقيص والعيب ورجم الغيب، وكانوا يشتمون عثمان وسعيد بن العاص، وكانوا عشرة، وقيل تسعة وهو الأشبه، منهم كميل بن زياد، والأشتر النخعي ـ واسمه مالك بن يزيد ـ وعلقمة بن قيس النخعيان، وثابت بن قيس النخعي، وجندب بن زهير العامري، وجندب بن كعب الأزدي، وعروة بن الجعد وعمرو بن الحمق الخزاعي» فهل ترى أنّ هؤلاء خوارج؟ وهل لك بعد هذا الالتزام بعدالة الصحابة أجمع؟!

ثم إنّ ابن كثير لم يقتصر على هؤلاء، إذ قال بعد ذلك: «وفي هذه السنة سيّر عثمان بعض أهل البصرة منها إلى الشام، وإلى مصر بأسباب مسوّغة لما فعلهL، فكان هؤلاء ممن يؤلّب عليه ويمالئ الأعداء في الحط والكلام فيه، وهم الظالمون في ذلك، وهو البار الراشد رضي الله عنه»([528]).

وقد تقدّم سابقاً، حينما تعرّضنا لأسباب الثورة على عثمان, أنّ الأمة الإسلامية بأطرافها المترامية كلها اشتركت في دم عثمان، فالوفود التي حاصرت عثمان، مضافاً إلى أهل المدينة, قد أقبلت من مصر والكوفة والبصرة, ويترأسها الصحابة والتابعين.

قلتم: سبب الفتنة كان عبد الله بن سبأ

3ـ أمّا ما يتعلق بالنقطة الثانية التي ذكرها ابن كثير وهي: أنّ سبب الفتنة هو عبد الله بن سبأ وما أحدثه من القول بالوصيّة.

الجواب

 نقول: هذا أمر يُضحك الثكلى, وذلك لأمور:

الأول: أنّ سيف بن عمر ناقل الخبر هو شخص كذاب مطعون فيه:

قال ابن حبان: «اتّهم بالزندقة... يروي الموضوعات عن الأثبات»([529]).

وفي تهذيب التهذيب: «قال ابن معين: ضعيف الحديث وقال مرّة: فُليس خير منه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي.

وقال أبو داود: ليس بشيء.

وقال النسائي والدارقطني: ضعيف.

وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.

وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الإثبات قال: وقالوا أنه كان يضع الحديث, قلت: بقية كلام بن حبان اتّهم بالزندقة.

وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك الحديث.

وقال الحاكم: اتُّهم بالزندقة, وهو في الرواية ساقط»([530]).

قال الإصبهاني في الضعفاء: «سيف بن عمر الضبي الكوفي, متّهم في دينه, مرميٌّ بالزندقة, ساقط الحديث, لا شيء»([531]).

قال الذهبي: «متروك باتّفاق»([532]).

وذكر السيوطي أنّه وضّاع؛ إذ عقب على سند فيه سيف وسعد بن طريف فقال: «سعد وسيف وضّاعان»([533]).

فكيف يمكن الاعتماد عليه في إثبات الفتنة, خصوصاً أنّهّ جعل السبب مسألة عقائدية وهي الوصية, فهل يمكن الاعتماد في قضية عقدية مهمّة جدّاً على خبر تاريخي! وهل يمكن الاعتماد في إثبات قضية عقدية على شخص متّهم بالزندقة, فليست القضية مختصة بالتاريخ، حتّى تحاولون القول بأنه عمدة في التاريخ، على ما صرّح ابن حجر, بل إنّها قضيّة تخصّ العقيدة, والعقيدة لا تؤخذ من هو متّهم بالزندقة, متّهم في دينه, ساقط ليس بشيء, متروك باتّفاق, فهل تقبل أنْ تؤمن بعقيدة ما على قول هكذا شخص؟!

على أنّ تفريق ابن حجر ليس بمتين, إذ إنّ المتقدمين أطبقوا على ترك سيف وذمّه, وقد نقل ابن حجر عباراتهم في تهذيب التهذيب, فلم يكن هناك من يفرّق بين الحديث والتاريخ, بل ذمّوه بأجمعهم بعبارات متعدّدة تقدمت, ويستفاد من ضمّ بعضها إلى بعض أنّ الشخص مطعون فيه بنفسه, إذ كان وضّاعاً وكذّاباً ومتّهم في دينه ومتّهم بالزندقة, فكيف نعتمد على أقواله حتّى في خصوص التاريخ!

الثاني: أنّ ابن كثير لم يذكر سند سيف إلى الحادثة, بل أرسله هكذا, وصدّره بكلمة: وذكر سيف... وكأنه يريد الخروج من عهدة الموضوع ويرميه على كاهل سيف, وهذا يدلّ على ارتيابه بالخبر, فالخبر ضعيف وغير مسند, ولا يمكن الاعتماد عليه.

الثالث: أنّ الاعتماد على هذا الخبر ونسبة حصول الفتنة إلى عبد الله بن سبأ فيه تسفيه لعقول الصحابة والتابعين, بحيث خرجت الجماهير من كلّ حدب وصوب يتقدّمهم الصحابة وكبار التابعين يحاصرون الخليفة, معتمدين ومصدّقين بكلام شخص يهوديّ!!! وكأنّ الصحابة بلا عقول، وليس فيهم رجل رشيد, وبمجرد أن يلقي بينهم شخص إشاعة ما, صدّقوا بها وخرجوا، ولو كانت النتيجة قتل خليفتهم!!

الرابع: أنّ الثوار لم يطرحوا الوصيّة شعاراً لهم طيلة أيّام الثورة والحصار, بل كانوا يطالبون بالعدالة وتغيير سياسة عثمان فقط، وجرت هناك مفاوضات ومحادثات على هذا الأمر، وقد تدخّل علي× أكثر من مرة لحلحلة الوضع وإخماد نار الفتنة, فكيف يُدّعى أنّ الوصية لعلي هي سبب الفتنة بإثارة ابن سبأ لها, وها هي كتب السير والتاريخ لم تنص على أنّ الثوار قد رفعوا شعار الوصية لعلي×, ولو كان هذا هو الهدف فما معنى تدخّل علي لإيقاف الفتنة بطلب من عثمان, وما معنى التفاوض, وما معنى رضا الثوار بالعودة والهدوء بعد أن طمأنهم عثمان بإجراء تغييرات وتعديلات, فحوادث الثورة وما جرى فيها يثبت أنّ الوصيّة كانت بمعزل عن ذلك([534]), نعم لا شك أنّ هناك من يرى أحقيّة الخلافة لعلي×, لكنّ عليّاً× لم يكن ليرضى بأخذ الخلافة بهذه الطريقة، وكان كلّ همّه حفظ الدين وسلامة المسلمين, لكنّ هذا مبحث آخر أجنبي عن سبب الثورة وقيام الأمّة بكافة أطيافها ضد عثمان.

الخامس: تقدّم سابقاً أنّ من جملة المؤلبين على عثمان هو طلحة, فهل كان ذلك بتأثير عبد الله بن سبأ, وهل كان طلحة يرفع شعار الوصيّة لعلي, ومن جملة المؤلبين أيضاً هي السيدة عائشة، فهل تأثرت هي الأخرى بعبد الله بن سبأ!

أسباب الثورة باختصار

تبيّن أنّ حدوث الثورة بتأثير عبد الله بن سبأ أمر غير قابل للتصديق، وتأبه العقول السليمة عن قبوله, ويخالفه الواقع التاريخي, فكان لابدّ إذن من وجود أسباب حقيقية أدّت بالأمة إلى القيام بهذه الثورة, وكنّا قد تعرّضنا إلى هذا المبحث فيما سبق، لذا نجمل هنا أهمّ الأسباب باختصار:

الأول: قيام عثمان بعزل صحابة رسول الله’ وتوليته لأقاربه من بني أميّة وتسليطهم على رقاب المسلمين, مع أنّهم لا سابقة لهم ولا دين.

الثاني: استئثاره بأموال المسلمين وإعطائها لأهله وأقربائه من بني أميّة دون حق, فأقطع آل الحكم دوراً بناها، وأعطى مروان بن الحكم خمس إفريقية، وأعطى سعيد بن العاص مائة ألف درهم, وهكذا خص ناساً من أهله ومن بني أمية بالأموال والحلي دون سائر المسلمين.

الثالث: عدم الانصات إلى نصائح الصحابة حينما كانوا يستعتبونه على ما يعمله ولاته من مناكير.

الرابع: مخالفته للرسول الأكرم’؛ خصوصاً في إرجاعه عمّه الحكم إلى المدينة، وهو طريد رسول الله’، ثمّ ولاه على الصدقات, بل صار يهبها له، وعدم إقامته الحدود الشرعية منذ بداية حكمه، حيث رفض الاقتصاص من قاتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة الصغيرة بإشارة من عمرو بن العاص, وسط إجماع المهاجرين والأنصار وتشجيعهم على قتله!! إلى غير ذلك من المخالفات.

الخامس: معاملته السيئة لكبار الصحابة؛ حيث أمر بضرب عمار بن ياسر حتّى أغمي عليه، وأخرج عبد الله بن مسعود من المسجد بعنف وضربوا به الأرض فدق ضلعه، ونفى أبو ذر للربذة، حتى مات غريباً وحيداً.

وقد تقدّم ما يدلّ على كلّ ذلك، عند تعرضنا لمبحث قتلة عثمان وظروف الثورة بإيجاز، فليراجع.

قلتم: الاقتتال كان فتنة ومعاوية ليس بكافر

ذكرتم في ثانياً: أنّ ما حدث من الاقتتال كان اقتتال فتنة أذكاها الخوارج على عثمان إلى اجتهاد خاطئ من معاوية...

 ثم بيّنتم أنّ معاوية كان باغياً ولم يكن كافراً بقتاله لعلي×([535]).

الجواب

أوّلاً: بيّنا أنّ قتلة عثمان كانوا من الصحابة، وقرّاء القرآن، وأجلّة التابعين، ومن بينهم عبد الرحمن بن عُديس البلوي، وهو ممّن بايع تحت الشجرة, فإذا راق لك أن تُسمّي الصحابة وجلّة التابعين بالخوارج, فهذا أمر يخصّك, ولا تغفل أن الخوارج مأواهم النار.

ثانياً: بيّنا في أكثر من موضع أنّ معاوية كان عامداً في قتاله, وعرفنا أن ّ النبيّ’ صرّح بأن معاوية من الفئة الباغية التي تدعو إلى النار, والداعي إلى النار مصيره معروف, وأمّا مسألة الكفر من عدمه فنحن لم نتطرق إلى ذلك لا من بعيد ولا من قريب.

نعم، تقدّم في بحوثنا حديث صحيح السند عن النبيّ’ يفيد أنّ معاوية يموت على غير ملّته([536])، وكلام النبيّ’ أحقّ أن يتّبع.

قلتم: ما جرى من شتم وسب بين الصحابة أمر فردي

ذكرتم بأنّ السبّ والشتم بين الصحابة هو أمر فرديّ، وما حدث من بعضهم هو فعل خاطئ لا يمثّل الأغلبية, وأمّا وصف الفترة بأنّها حافلة بتبادل السبّ والشتم ففيه إجحاف وتجن غير مقبول من باحث وأستاذ جامعي([537]).

الجواب

أوّلاً: نحمد الله أنّك اعترفت بوجود حالات سبّ وشتم جرت بين الصحابة أنفسهم.

ثانياً: أنّ إغفال فترة الخلافات والسبّ والشتم والتفسيق والقتال بين الصحابة والتركيز على الفترة المضيئة هو أمر لا يليق بالباحث عن الحقيقة, خصوصاً أنّ الفتنة برزت وطفت على السطح في فترة متأخرة عمّا توسمه بالفترة المضيئة, فتقرير حال الصحابة يُفترض أن يكون ناظراً إلى خواتيم أعمالهم لا إلى بدئها فقط, وهذا واضح لأي إنسان, أفلا تشاهد أنّ الكل يدعو بأن يثبته الله على الدين, وأن يكتب له حسن العاقبة.. والقتال الذي جرى وسالت فيه أنهار من الدماء لهو أشدّ بآلاف المرات من حالات السبّ والشتم التي تحاول النقاش فيها ونفيها, بل إنّ الحرب والفتنة التي جرت تقتضي بطبيعتها وجود حالات عديدة من التفسيق والسبّ والشتم واللعن بين الأطراف المتحاربة, وبغض النظر عن ذلك، فسوف أنقل لك حالات عديدة من السبّ والشتم والتفسيق واللعن الذي جرى بين الصحابة:

أمثلة على السب والشتم والتفسيق بين الصحابة

1ـ إنّ الصحابة حسان ومِسْطَح وحمنة بنت جحش, اتّهموا السيدة عائشة بارتكاب الفاحشة([538]), فأي سبّ وشتم أعظم من أن يُتّهم الإنسان في عرضه؟! كيف وهو عرض النبي’؟! وهذا في زمان النبيّ’ وقبل وفاته!!

2ـ إنّ عمر وسم الصحابي حاطب بن أبي بلتعة بالنفاق وأراد قتله، بقوله للنبيّ’: «دعني أضرب عنق هذا المنافق»([539]).

3ـ تكذيب أسيد بن الحضير لسعد بن عبادة ورميه بالنفاق, ففي البخاري عند الحديث عن حادثة الإفك: «فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه, إنْ كان من الأوس ضربنا عنقه، وإنْ كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً, ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير, فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه فإنّك منافق تجادل عن المنافقين, فثار الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا, ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على المنبر»([540]).

وهذا التكذيب المتبادل حدث بمحضر النبيّ’!!

4ـ قول عثمان لعبد الله بن مسعود: «ألا أنّه قدمت عليكم دويبة سوءٍ من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكنّي صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان»([541]).

5ـ قال عثمان لعمار حين اعترضه على نفي أبي ذرّ إلى الربذة: «يا عاضَّ أير أبيه، أتراني ندمت على تسييره؟»([542]) وهي كما ترى!!

وقال له حين اعترض عليه في أخذه الحُلي والجواهر من بيت المال وحلّى به بعض أهله: «أعلَيّ يا بن المتكاء([543]) تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان فدعا به، فضربه حتّى غشي عليه»([544]).

فهل تعدّ فعل عثمان عملاً فردياً!!

6ـ السيدة عائشة تستجيز الطعن في كلّ واحد من أصحاب رسول الله إلاّ عمّاراً, وتقول: «ما أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلاّ لو شئت لقلت فيه ما خلا عمّاراً، فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: مُلئ إيماناً إلى مشاشه».

قال الهيثمي: «رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح»([545]).

7ـ معاوية يسبّ عمرو بن العاص بقوله: «لا تزال داحضاً في بولك».

قال الهيثمي: «رواه الطبراني ورجاله ثقات»([546]).

8ـ معاوية يسبّ عمرو بن العاص أيضاً بقوله: «إنّك شيخ أخرق ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض في بولك»([547]).

9ـ معاوية يسبّ عليّاً× ويأمر بسبّه, ففي صحيح مسلم: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم...»([548]).

فمعاوية هنا يأمر سعداً بسبّ عليّ×, قال ابن تيمية: «وأمّا حديث سعد لمّا أمره معاوية بالسبّ فأبى فقال: ما منعك أن تسبّ علي بن أبي طالب؟ فقال: ثلاث قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلن أسبّه، لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم، الحديث، فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه»([549]).

بل إنّ سبّ عليّ× صار ظاهرة عامّة في عصر معاوية, لذا حاولت أم سلمة الوقوف بوجه هذه الموجة البغيضة لعليّ ببيان حقيقة جليّة وواضحة, وهو أنّ سبّ عليّ هو سبٌّ لرسول الله’، فعن أبي عبد الله الجدلي قال: «دخلت على أم سلمة (رضي الله عنها) فقالت لي: أيسبّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم؟! فقلت: معاذ الله, أو سبحان الله, أو كلمة نحوها، فقالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني».

أخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي([550]).

وفي لفظ لأمّ سلمة أنّه كان يسبّ على المنابر, إذ قالت: «أيسبّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على المنابر؟! قلت: وأنّى ذلك؟ قالت: أليس يسبّ عليّ ومن يحبّه؟ فأشهد أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان يحبّه».

أخرجه أبو يعلى([551]) وصحّحه الألباني([552]).

10ـ قاتل عمّار وهو أبو الغادية يقول: «سمعت عمّار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل» فَقَتَلَهُ في صفين, علماً أنّ قاتل عمّار وعمّار وعثمان جميعهم من الصحابة! وأنّ رسول الله’ قال: «إنّ قاتله [يعني عمّاراً] وسالبه في النار»([553]).

والحديث النبوي وقول أبي الغادية صحّحه الألباني في صحيحته([554]).

11ـ عمر بن الخطاب يصرّح بأن عليّاً× والعبّاس بن عبد المطلب يعتقدان أن أبا بكر وعمر كاذبان آثمان غادران خائنان([555]).

12ـ كتب معاوية بن أبي سفيان إلى الصحابي قيس بن سعد: «أمّا بعد، فإنّك يهوديّ ابن يهوديّ، إنْ غلب أحبّ الفريقين إليك عزلك واستبدل بك، وإنْ غلب أبغضهما إليك قتلك»([556]).

13ـ قيس بن سعد بن أبي عبادة ـ وهو صحابي ـ كتب إلى معاوية: «أمّا بعد، فإنّما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً, وخرجت منه طوعاً، لم يقدم إيمانك, ولم يحدث نفاقك»([557]).

14ـ إن أبا الجَهْم بن حذيفة العدوي مع مجموعة من الصحابة أرادوا أن يصلّوا على عثمان بن عفان فعارضهم مجموعة من رجال الأنصار قائلين: «لا ندعكم تصلّون عليه»، فأجابهم أبو الجهم: «إلاّ تدعونا نصلِّي عليه فقد صلَّت عليه الملائكة»، فقال الحجَّاج بن غَزِيَّة: «إن كنت كاذباً فأدخلك الله مدخله»، قال: «نعم، حشرني الله معه»، قال ابن غزية: «إنّ الله حاشرك معه ومع الشيطان، والله إنّ تركي إلحاقك به لخطأ وعجز»، فسكت أبو الجهم([558]).

والحجّاج بن غزية وكذا أبو الجهم من الصحابة، كما لا يخفى([559]).

15ـ إنَّ عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة قد سبَّا الإمام عليّاً×، وفي نص الرواية: «فصعد عمرو المنبر فذكر عليّاً ووقع فيه، ثمّ صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ وقع في عليٍّ رضي الله عنه». والرواية أخرجها الطبراني بسند صحيح, رجالها رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى, قال الذهبي: «أحد الإثبات ما علمت فيه جرحاً أصلاً»، وقال ابن القطّان: «مختلف فيه في الحديث، وثقه قوم وضعفه آخرون»([560]).

وقال ابن حجر: «ولا يغترّ أحد بقول ابن القطان, قد جازف بهذه المقالة وما ضعّف زكريا الساجي هذا أحد قط كما أشار إليه المؤلّف [يعني الذهبي]»([561]).

وقال في التقريب: «زكريا بن يحيى الساجي البصري، ثقة فقيه»([562]).

16ـ روى الطبراني أنّ الحسن بن علي×, قال لعمرو بن العاص: «أمّا أنت يا عمرو فإنّه تنازع فيك رجلان فانظر أيّهما أباك»([563]). وقال للصحابي أبي الأعور: «وأمّا أنت يا أبا الأعور فإن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعن رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان»([564]). وعمرو بن سفيان هو اسم الصحابي أبي الأعور السلمي.

ومن طريق آخر عند ابن عساكر أنّه قال لهما: «أمّا أنت [يعني عمرو] فقد اختلف فيك رجلان: رجل من قريش، وجزار أهل المدينة، فادّعياك فلا أدري أيّهما أبوك، وأقبل عليه أبو الأعور السلمي، فقال له الحسن: ألم يلعن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان؟!»([565]).

17ـ ورد أنّ السيدة عائشة ـ وهي صحابيّة ـ لعنت عمرو بن العاص ـ وهو صحابي ـ متّهمة إيّاه بالكذب, فعن مسروق أنّه ذكر عند عائشة: >أنّ عليّاً (رضي الله عنه) قتل ذا الثدية، فقالت لي: إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناساً ممّن شهد ذلك ممّن تعرف من أهل البلد، فلما قدمت وجدتُ الناس أشياعاً، فكتبت لها من كلّ شيع عشرة ممّن شهد ذلك، قال: فأتيتها بشهادتهم فقالت: لعن الله عمرو بن العاص, فإنّه زعم لي أنه قتله بمصر!<.

أخرجه الحاكم وصحّحه، ووافقه الذهبي([566]).

18ـ كان الصحابي معاوية بن حديج من أسبّ الناس لعليّ×, وقد عدّه الإمام الحسن من المنافقين الذين يذودهم الإمام علي× عن حوض رسول الله’ يوم القيامة, فعن عليّ بن أبي طلحة مولى بني أمية قال: «حجّ معاوية بن أبي سفيان، وحجّ معه معاوية بن حديج ـ وكان من أسبّ الناس لعليّ ـ قال: فمرّ في المدينة وحسن بن عليّ ونفر من أصحابه جالس فقيل له: هذا معاوية ابن حديج الساب لعليّ، قال: عليّ بالرجل قال: فأتاه رسول فقال: أجبه، قال: من؟ قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه، فقال له الحسن: أنت معاوية بن حديج؟ قال: نعم، قال: فرد ذلك عليه، قال: فأنت الساب لعليّ؟ قال: فكأنّه استحيا، فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض, وما أراك ترده, لتجدنّه مشمّراً الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل، قول الصادق المصدق، وقد خاب من افترى»([567]).

19ـ السيّدة عائشة ترمي مروان بالكذب, وتصرّح أنّه فضضٌ من لعنة الله, فقد أخرج النسائي والحاكم بسندهما إلى محمد بن زياد، قال: «لمّا بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر, فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر, فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما. الآية, فبلغ ذلك عائشة, فقالت: كذب والله ما هو به, ولو شئت أن أسمّي الذي أنزلت فيه لسمّيته, ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعن مروان ومروان في صلبه, فمروان فضض من لعنة الله»([568]).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»([569]).

وقال الألباني: «هذا إسناد صحيح»([570]).

وليلحظ أنّ معاوية صحابي، وكذا عبد الرحمن بن أبي بكر، وكذا السيدة عائشة بل ومروان على أقوال عدّة!

فهذه نماذج من حالات السب والشتم والتفسيق التي جرت بين الصحابة, والمتتبع يجد الكثير, لذا سوف نختم هذا البحث بذكر كلمات لكبار علماء أهل السنّة وهي تقرّر بعضاً مما كان يجري بين الصحابة:

 

 

بعض كلمات العلماء فيما شجر بين الصحابة

1ـ قول ابن تيمية

قال في مجموع الفتاوى: «وكذلك لبعضهم في قتال بعض, ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض, أقوال معروفة»([571]).

وقال في منهاج السنّة وهو يتحدّث عن عليّ×: «فإنّ كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبّونه ويقاتلونه»([572]).

2ـ قول الذهبي

قال في السير متحدِّثاً عن أتباع معاوية: «وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى»([573]).

وقال في الرواة الثقات: «ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة، فبعض الصحابة كفّر بعضهم بتأويل ما، والله يرضى عن الكل ويغفر لهم، فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا»([574]).

3ـ قول التفتازاني

قال في شرح المقاصد: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات، على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بالخير موسوماً، إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار»([575]).

القتال بين الصحابة ومبدأ تعديلهم أجمع

ذكرنا لكم بأنّه إذا كان الصحابي يعتقد أنّ خصمه الصحابي الآخر منحرف عن الحقّ, ومجانب شريعة الله ورسوله, وأنّه باغٍ يستحق القتل, وعلى هذا الأساس يبيح سلّ السيف عليه وقتله, فكيف يجوز أن نحكم بعدالتهم ونزاهتهم جميعاً, والحال أنّ الصحابة أعرف منّا بنوازع أنفسهم, وبنفسيات أبناء جيلهم...؟

وقد أجبتَم على ذلك بكلام طويل في ص139ـ 141 نجمله ونجيب عليه ثمّ نتناول تفاصيله واحدة واحدة:

قلتم: إنّ ما جرى بين الصحابة كان كله مبررا

وقد قلتم في ردّكم ـ إجمالاً ـ بأنّنا لا نرى إلاّ الجانب المظلم من تاريخ الصحابة, وإنّ ما جرى بين الصحابة من قتال كان مبرّراً؛ إذ لم يكن بإرادتهم، بل نتيجة أحداث متلاحقة أهمها مقتل الخليفة عثمان والطلب بثأره. فليس في الصحابة من يرى خصمه جهنمياً يجب قتله, بل كلّ فئة كانت ترى نفسها على الحق، وأن اقتتالهم كان لقضية، لا لقتل شخص بعينه, مضافاً إلى أنّ التاريخ كثير منه لا يصحّ, فلا ينبغي الإصغاء له...

الجواب

نجمل الجواب هنا بأمور مهمة:

الأول: من الغريب أنّك اختصرت فترة من التاريخ حافلة بالأحداث والقتل بصفحتين فقط! وقفزت على كلّ الأحداث التي جرت؛ معتمداً على ما عرضه ابن كثير في تاريخه فقط, وختمتَ كلامك بعدم جواز الإصغاء إلى التاريخ لمن يريد أن يستبرئ لدينه؛ لأنّ التاريخ كثير منه لا يصحّ!!

فلا ندري كيف استبرأت لدينك باعتمادك على تاريخ واحد فقط!! فهل لك أن تصحّح للقارئ جميع ما ذكرته, أم أنّك تعتمد على التاريخ المشوب بالأكاذيب، كما وصفته!!

أضف إلى ذلك؛ فإنّك لم تنقل الأحداث بالكيفية التي نقلها ابن كثير, بل انتقيت ما أعجبك منها وتركت الباقي, وهذا خلاف الأمانة العلمية! وسيأتي ذكْر أحداث عديدة نقلها ابن كثير وقد تغاضيت عنها، فانتظر.

الثاني: في الوقت الذي نراك تتهمنا مراراً بأنّنا نركّز على فترة معيّنة من تاريخ الصحابة دون غيرها, نراك أنت من يقوم بهذا الأسلوب محاولاً إبراز الدور المضيء للصحابة مُعَمِّماً ذلك على جميعهم, متناسياً في الوقت ذاته القتال والسبّ والشتم والخلافات التي جرت بينهم، وكأنّ ما حدث أمر ساذج وبسيط, مع أنّه قد سالت في تلك الفترة أنهار من الدماء, وهي ليست رخيصة إلى هذا الحدّ.

الثالث: لا شكّ أنّ التاريخ فيه الكثير من الحقائق, ولا بدّ أن نتعامل مع الأمور وفق تلك الحقائق, لا أنْ نقرأ التاريخ قراءة نسقط عليها رغباتنا وأمنياتنا, فالكلّ يتمنّى أنْ يكون الصحابة متحابين متعاضدين فيما بينهم, لكن كما قيل في الشعر المشهور:

 

ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه

 

 

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

 

الرابع: من الخطأ التعتيم على حقائق التاريخ وكتم الأمور، وتربية جيل إسلامي على حقائق مغلوطة، تساهم في تكوّن فهم منقوص لحقبة تاريخية مهمة عاشها المسلمون، فإن هذا يؤدّي إلى ترك الساحة بيد المستشرقين وغيرهم؛ ليقرأوا التاريخ, ثمّ ليقدّموا مفاجآت لأبنائنا تربك عقائدهم وأمور دينهم, أفليس الأجدر بنا أن نكون صادقين في إبراز الحقائق وقراءة الأحداث كما هي دون تمحّل وتأويل ودفاع عن هذا أو ذاك.

الخامس: ذكرنا في بحوثنا السابقة أنّ الخليفة عثمان قد قُتل على يد الصحابة وأجلّة التابعين, وأنّهم كانوا يرونه محدثاً ومغيّراً في الدين بعد رسول الله’, ولم يكن هناك من الصحابة قد دافع عنه إلاّ النادر, وعرفنا أنّ من جملة من كان يؤلّب الناس على عثمان هم طلحة وعائشة, وعرفنا أنّ معاوية لم ينصره أيضاً, فكان المفترض أن يقتص هؤلاء من أنفسهم أولاً، قبل أن يطالبوا بالاقتصاص من قتلة عثمان!

السادس: عرفنا في البحوث السابقة أنّ ولي الدم منحصر بين أولاد عثمان وبين الخليفة الشرعي, فبأي حق يطالب بدمه معاوية أو تطالب به عائشة؟ وهل غاب عن ذهنك أنّ مروان قتل طلحة في معركة الجمل بسبب إعانته على قتل عثمان، مع أنهم كانوا في فرقة واحدة([576]), فكيف تطالب عائشة بدم عثمان وتنتصر له بمن هو معين على قتله؟!

السابع: يبدو أنّك غفلت عن أنّ طلحة والزبير وغيرهما قد بايعوا عليّاً ثمّ نكثوا, وقاتلوه بلا مسوّغ شرعي، إذ لم يكن علي×، الذي يمثل الخلافة الشرعية آنذاك، قد انحرف عن جادة الحق, حتّى يخرجوا لقتاله! بل كان الدافع لقتالهم إيّاه هو توزيع علي× العادل لبيت المال، الذي لم يعجب بعض الصحابة، الذين اعتادوا في زمن عثمان على نصيب أكبر, فشعروا عندها بقيمة دم عثمان!

الثامن: متى كان معاوية حريصاً على دم عثمان؟ فأين معاوية وقت الشدة حينما قُتل الخليفة, ولماذا لم يبعث الجيوش لنصرته وهو القادر على ذلك, ولماذا لم يطالب بالقصاص من عائشة وطلحة المؤلّبين على عثمان أيضاً, وبأيّ حقّ يرفض بيعة الخليفة الشرعي!

التاسع: لا معنى أنْ يدخل الفريقان معركة مدجّجين بالسلاح لقتل خصومهم من دون الاعتقاد بأنّهم مستحقين للقتل!! أمّا كونهم متأوّلين فلا تعني أنّ كلّ فريق لا يرى خصمه يستحق القتل, فلماذا جُيّشت الجيوش, ولماذا دخلوا بالقتال؟ وكون الأمر كان خارجاً عن إرادتهم، فهذا عذر ساذج مضحك للثكلى, إذ إنّ المترقّب منهم أنْ يخضعوا للخلافة الشرعية ويأتمروا بأوامرها, لكنّهم أبوا إلا شقّ عصا المسلمين، متّخذين دم عثمان ذريعة لتحقيق أغراضهم, فطفقوا برفع الشعارات والتحريض إلى أنْ وصلت الأمور ما وصلت إليه.

ثمّ إنّ العذر بالتأويل هو عذرٌ غير مقبول من أساسه, فقد ذكرنا تلك المسألة مفصلة في مبحث أسامة بن زيد وغيره, واتّضح هناك بطلان هذه القاعدة بالكيفيّة التي تصورونها، فراجع.

 على أنّ هناك الكثير من الشواهد التي تنبئك بحقيقة الأمر، مع هذا النمط من الناس، الذي يمتنع معه فكرة التأويل المخترعة والتماس العذر، فها هو معاوية مستخفاً بقتل عمار! وهو يعلم أنّ النبيّ قال له: تقتلك الفئة الباغية:

فحينما جاءوا إليه يخبرونه بقتله أجاب بطريقة تنمّ عن الاستخفاف والازدراء، قال: «قد قتل عمار فماذا!! فقال له عمرو بن العاص: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دحضت في بولك؛ أًوَ نحن قتلناه، إنّما قتله عليّ وأصحابه جاؤوا به حتّى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا»([577]).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه بهذه السياقة». ووافقه الذهبي بأنه على شرط الشيخين([578]).

وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح»([579]).

فالملاحظ على الرواية أعلاه: أنّ معاوية لم يكن مهتمّاً لقتل الصحابة، بل كان مستهزئاً بهم، بحيث إنّ عمرو بن العاص كان فزعاً، وأخبر معاوية بأن عمّاراً قد قُتل، فأجابه معاوية بسخرية: قد قتل عمّار فماذا؟! فنبهه عمرو إلى عظم الجرم، فقد سمع رسول الله يقول: «تقتله الفئة الباغية» فانتفض معاوية عليه وأجابه بإجابة لا يرتضيها هو في أعماق نفسه, وهي: «دحضت في بولك، أونحن قتلناه، إنّما قتله عليّ وأصحابه جاؤوا به حتّى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا»، وكأنّ معاوية يعرف الرواية سابقاً؛ لذا فالإجابة مُعدّة وجاهزة, ولم ترتعد فرائصه من كلام النبيّ’، ولم يشعر بالندم, مع أنّ جوابه أوهن من بيت العنكبوت، فإن لازمه أنّ النبيّ قد قتل الكثير من الصحابة؛ لأنّه’ زجّهم في الحروب!! مع أنّ العقلاء كلّهم يفهمون من كلام النبيّ’ أنّ المراد هو أنّ معاوية وأصحابه هم الذين قتلوا عمّاراً وليس عليّاً×، وحتّى عمرو بن العاص، مع دهائه، فإنّه لم يفكّر بهذه الطريقة الغريبة؛ لذا جاء فزعاً من هول الصدمة حينما عرف أنّهم الذين قتلوه!!

وبهذه النقاط التسع، يتّضح أنّ القتال كان عمديّاً لا يمكن تأويله، وكان وراءه أغراضاً معيّنة؛ من طلب السلطة وتحقيق المغانم الدنيوية وغيرها، ولو على حساب الدين والعدل, وأنّ المسألة لا تتصل بمقتل عثمان لا من قريب ولا من بعيد.

 وحيث إنّ جلّ جوابك كان متوقّفاً على مسألة مقتل عثمان, فترانا مضطرّين أنْ نقدّم لك شواهد تبيّن موقف معاوية وعائشة وطلحة من مقتل الخليفة عثمان, لتكون الصورة جليّة وواضحة, مع أنّ الكثير منها تقّدم في البحوث السابقة.

موقف معاوية

إنّ القارئ للتاريخ بموضوعية يقف على معطيات واضحة بأنّ معاوية كان ممّن خذل عثمان ولم ينصره, بل كان يترقّب موته ليظفر بالخلافة من بعده, وسوف نذكر مجموعة من الشواهد تُبيّن بجلاء ووضوح موقف معاوية.

1ـ مرّ بنا في الخبر الصحيح أنّ معاوية لم يأبه بقتل الصحابي الجليل عمّار بن ياسر, ولم يأسف على ذلك, ولم يعتن بقول رسول الله’ بأنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغية, وهذا يعني أنّ معاوية مصرٌّ على قتال علي×، مع معرفته أنّ الحق مع علي×، وأنّه وجيشه يمثلون الفئة الباغية, فلا معنى ـ مع تصريح النبيّ’ بذلك ـ أن يجتهد معاوية بأن غرضه الأخذ بثأر عثمان؛ لأنّ معاوية ـ بعد أن عرف قول النبيّ’ ـ يكون بين أمرين:

 الأول: إمّا إنّه كان صادقاً في طلبه لدم عثمان، وكان صدقه نابعاً من اجتهاده, لكن تبيّن له بعد مقتل عمار بأنه باغ وداعية إلى النار بفعله هذا، طبق الحديث النبوي المصرّح بأنّ عماراً يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار([580]), فيكون طلبه بدم عثمان فاقداً للشرعية، فعلى معاوية حينئذٍ الكف عن معاداة علي ووقف الحرب, والعودة إلى حضيرة الخلافة, وهذا ما لم يفعله.

الثاني: وإمّا أنّه كان كاذباً في ادّعائه، وكان الطلب بدم عثمان شعاراً الغرض منه الاستيلاء على الحكم والسلطة, فلم يزده الحديث الشريف معرفة, فهو عارف بقرارة نفسه ونواياها, وحينئذٍ لا نتوقع أيّ تغيير يحصل بعد معرفة معاوية بهذا الحديث, وهذا ماحدث بالفعل, وهو استخفاف معاوية بمقتل عمّار واستمراره بالنهج السابق وشقّ عصا المسلمين.

2ـ إنّ المراسلات التي جرت بين علي× ومعاوية تثب أنّ غرض الثاني هو الملك والسلطان، وقد صرح علي× بذلك. روى البلاذري أن: >معاوية أرسل كتاباً إلى علي× يطلب فيه تسليم قتلة عثمان إليه, فلما وصل الكتاب إلى علي في الكوفة, اجتمع الناس في المسجد وقرئ عليهم الكتاب, فقالوا: «كلّنا قتلة عثمان وكلّنا كان منكراً لعمله»([581]).

فرفض علي× طلب معاوية وكتب إليه كتاباً جاء فيه: «وذكرت عثمان وتأليبي الناس عليه، فإن عثمان صنع ما رأيت، فركب الناس منه ما قد علمت، وأنا من ذلك بمعزل إلاّ أن تتجنى، فتجنَ ما بدا لك.

وذكرت قتلته ـ بزعمك ـ وسألتني دفعهم إليك وما أعرف له قاتلاً بعينه، وقد ضربتُ الأمر أنفه وعينيه، فلم أره يسعني دفع من قبلي ممن اتهمته وأظننته إليك، ولئن لم تنزع عن غيك وشقائك؛ لتعرفن الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين لا يكلّفونك طلبهم في سهل ولا جبل والسلام»([582]).

وفي الأخبار الطوال للدينوري أنّ عدد الذين قالوا: «كلّنا قتلة عثمان» كانوا بزهاء عشرة آلاف رجل وكانوا قد لبسوا السلاح([583]).

أفهل يقتص علي من هذه الشريحة الواسعة من المسلمين، والتي تضم الصحابة والتابعين, وهل كلّ هؤلاء قد أخطأوا ولم يصيبوا, مع أن في جواب أمير المؤمنين× إلى معاوية كلمات واضحة في أنّ أعمال عثمان كانت غير مرضية، فقد جاء فيه: «فإن عثمان صَنع ما رأيت فركب الناس منه ما قد علمت».

وفي لفظ الدينوري أنّ كتاب الإمام علي× جاء فيه: «أما بعد، فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك، تذكر فيه قطعي رحم عثمان، وتأليبي الناس عليه، وما فعلت ذلك، غير أنه& عتب الناس عليه، فمن بين قاتل وخاذل، فجلست في بيتي، واعتزلت أمره، إلاّ أن تتجنى، فتجن ما بدا لك، فأما ما سألت من دفعي إليك قتلته، فإني لا أرى ذلك، لعلمي أنك إنما تطلب ذلك ذريعة إلى ما تأمل، ومرقاة إلى ما ترجو، وما الطلب بدمه تريد، ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لينزل بك ما ينزل بالشاق العاصي الباغي، والسلام»([584]).

3ـ إنّ عمرو بن العاص صرّح بأنه ومعاوية قد خذلا عثمان, وذلك حينما طلبه معاوية, فجاءه وتذاكرا في أمر الخروج على علي×, فقد جاء في الأنساب: «ثمّ قدم على معاوية فذاكره أمره، فقال: أمّا علي فلا تسوّي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإنّ له في الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قريش، قال: صدقت، وإنما نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه دم عثمان، فقال عمرو: وإن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت، أما أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين، وأما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، حتّى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه، فقال معاوية: دع ذا وهات فبايعني، قال: لا، لعمرو الله، لا أعطيك ديني حتّى آخذ من دنياك، فقال معاوية: سل، قال: مصر، تطعمني إياها»([585]).

فابن العاص يعترف بأنّه ومعاوية قد خذلا عثمان, بل يصرّح بانحرافهما عن جادّة الشريعة وبيعهما دينهما في سبيل المادّة والدنيا, وذلك حينما يقول لمعاوية وبكلّ وقاحة: «لا أعطيك ديني حتّى آخذ من دنياك!!».

4ـ إنّ معاوية حين وصله استغاثة عثمان بعث بجيشه وأمره أن يبقى في منطقة (ذا خشب) وأن لا يتحرك منها, وبالفعل بقي الجيش هناك حتّى قُتل عثمان! فقد أخرج ابن شبّة النميري بسنده إلى جويرية قال: «أرسل عثمانL إلى معاويةL يستمده، فبعث معاويةL يزيد بن أسد، جد خالد القسري، وقال له: إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، قال: أنا الشاهد وأنت الغائب، فأقام بذي خشب حتّى قتل عثمانL، فقلت لجويرية: لمَ صنع هذا؟ قال: صنعه عمداً ليقتل عثمانL فيدعو إلى نفسه»([586]). وقد نقله ابن أبي الحديد عن البلاذري([587]).

وفي الطبري: أنّه لمّا وصل كتاب عثمان إلى معاوية: «تربّص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وقد علم اجتماعهم, فلمّا أبطأ أمره على عثمان كتب [يعني عثمان] إلى يزيد بن أسد بن كرز وإلى أهل الشام يستنفرهم ويعظّم حقّه عليهم»([588]).

ومن هنا نجد أنّ أبا أيّوب الأنصاري كتب في جوابه إلى معاوية: «وما نحن وقتل عثمان! إن الذي تربّص بعثمان وثبط يزيد بن أسد وأهل الشام عن نصرته لأنت»([589]).

5ـ إنّ الصحابي أبا الطفيل أفصح عن عدم نصرته لعثمان، وأن المهاجرين والأنصار لم ينصروه, مُبيّناً أنّ معاوية لم ينصره أيضاً, فقد أخرج ابن عساكر بسنده إلى عبد الرحمن الهمداني قال: >دخل أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني على معاوية، فقال له معاوية: أبا الطفيل؟! قال: نعم، قال: ألست من قتلة عثمان؟ قال: لا، ولكني ممن حضره فلم ينصره, قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار، فقال معاوية: أما لقد كان حقه واجباً عليهم أن ينصروه، قال: فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام؟ فقال معاوية: أما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل، ثمّ قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر:

لا ألفينك بعد الموت تندبني

 

وفي حياتي ما زودتني زادي([590])

6ـ وهذا شبث بن ربعي يشير لنفس الحقيقة، وهي أنّ معاوية لم ينصر عثمان، بل كان ينتظر قتله, فقال لمعاوية: «إنّه والله لا يخفى علينا ما تطلب، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهوائهم وتستخلص به طاعتهم إلاّ قولك: قتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاء طغام، وقد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر, وأحببت له القتل؛ لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب»([591]).

7ـ قد اعترف عمرو بن العاص حين وصل إلى معاوية بأن قتالهم لم يكن مطالبة بدم عثمان، فقد جاء في الطبري والكامل: أنّ عمرو بن العاص، قال لمعاوية: «أما والله, إنْ قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إنّ في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا»([592]).

فهذه نماذج قليلة من الشواهد وهناك الكثير نغض النظر عنها, تُثبت خذلان معاوية وكذا رفيق دربه عمرو بن العاص لخليفتهم عثمان؛ طمعاً في الدنيا والسلطان.

موقف السيدة عائشة

أمّا السيّد عائشة فموقفها معروف من عثمان وهي التي كانت، تقول: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر»([593]).

وهي التي وسمته بالطاغية, وطلبت من ابن عباس أن لا يرد الناس عنه, فقد جاء في الأنساب: «ومرّ عبد الله بن عباس بعائشة ـ وقد ولاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل طريقها ـ فقالت: يا بن عباس إن الله قد أتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية»([594]).

وهذا الأحنف يصرّح بأن عائشة كانت تقول في عثمان وتنال منه, قال ابن عبد البر: «وكان الأحنف عاقلاً حليماً ذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إليه فأتاها، فقالت: ويحك يا أحنف، بم تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان, أمِن قلّة عدد أو أنك لا تطاع في العشيرة؟ قال: يا أمّ المؤمنين، ما كبرت السن ولا طال العهد، وإنّ عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه، قالت: ويحك يا أحنف، إنهم ماصَوْه موص الإناء ثمّ قتلوه، قال: يا أمّ المؤمنين، إني آخذ بأمرك وأنت راضية وأدَعْه وأنت ساخطة»([595]).

وجاء في تاريخ المدينة, والطبقات, والأنساب, واللفظ لابن سعد: «فلمّا حُصر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشدّ القتال، وأرادت عائشة الحج وعثمان محصور، فأتاها مروان وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص، فقالوا: يا أمّ المؤمنين, لو أقمتِ, فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور, ومقامك مما يدفع الله به عنه، فقالت: قد حلبت ظهري وعريت غرائزي ولست أقدر على المقام، فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول:

وحرَّقَ قيسٌ عليَّ البلاد

 

حتّى إذا استعرتْ أجذما

فقالت عائشة: أيها المتمثّل عليَّ بالأشعار، وددتُ والله أنّك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحاً وأنّكما في البحر, وخرجت إلى مكة»([596]).

وفي تاريخ الطبري: «خرجت عائشة (رضي الله عنها) وعثمان محصور، فقدم عليها مكة رجل يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟ فقال: قتل عثمانُ المصريين، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيقتل قوماً جاءوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم؟ والله لا نرضى بهذا، ثم قدم آخر، فقالت: ما صنع الناس، قال: قتل المصريون عثمان، قالت: العجب لأخضر, زعم أن المقتول هو القاتل، فكان يضرب به المثل: أكذب من أخضر»([597]).

قال ابن أبي الحديد: «قال كلّ من صنّف في السير والأخبار: إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان، حتّى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته. قالوا: أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة... وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً! وروى المدائني في كتاب الجمل، قال: لما قتل عثمان، كانت عائشة بمكة، وبلغ قتله إليها وهي بشراف، فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر، وقالت: بعداً لنعثل وسحقاً! إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا بن عمّ! لكأنّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له: حثوا الإبل ودعدعوها»([598]).

وفي أنساب البلاذري: «خرجت عائشة (رضي الله تعالى عنها) باكية تقول: قُتل عثمان رحمه الله، فقال لها عمار بن ياسر: أنت بالأمس تحرّضين عليه, ثمّ أنت اليوم تبكينه!!»([599]).

وهناك الكثير من الشواهد وكلّها تثبت موقف عائشة المؤلّب على عثمان.

موقف الصحابي طلحة

قال ابن حجر: «وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم, أنّ مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل، فقال: هذا أعان على عثمان, فرماه بسهم في ركبته, فما زال الدم يسيح حتّى مات»([600]).

وروى البلاذري في أنسابه, عن ابن سيرين، أنه قال: «لم يكن أحد من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أشدّ على عثمان من طلحة»([601]).

وفي الأنساب أيضاً: «ومرّ مجمع بن جارية الأنصاري بطلحة بن عبيد الله فقال: يا مجمع، ما فعل صاحبك؟ قال: أظنكم والله قاتليه، فقال طلحة: فإن قتل، فلا ملك مقرب ولا نبيٌّ مرسل»([602]).

بل ورد أنّ الذي أمر بقطع الماء عن عثمان هو طلحة, فقد جاء في الأنساب: «قال أبو مخنف وغيره: واشتدّ عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار، ومنع من أن يدخل إليه الماء حتّى غضب عليّ بن أبي طالب من ذلك، فأدخلت عليه روايا الماء»([603]).

وفي الأنساب أيضاً أنّ طلحة قال لعثمان: «إنك قد أحدثت أحداثاً لم يكن الناس يعهدونها، فقال عثمان: ما أحدثت حدثاً ولكنّكم أظِنّاءُ تفسدون عليّ الناس وتؤلّبونها»([604]).

وأخرج الطبري بسنده إلى بشر بن سعيد، قال: «حدثني عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة، قال: دخلت على عثمانL فتحدثت عنده ساعة، فقال: يا ابن عباس، تعالَ, فأخذ بيدي, فأسمعني كلام من على باب عثمان، فسمعنا كلاماً, منهم مَنْ يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم مَن يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبيد الله فوقف، فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا، قال: فجاءه ابن عديس فناجاه بشيء، ثمّ رجع ابن عديس، فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده، قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله، ثمّ قال عثمان: اللهمّ اكفني طلحة بن عبيد الله, فإنّه حمل على هؤلاء وألّبهم، والله إنّي لأرجو أنْ يكون منها صفراً, وأن يسفك دمه، إنه انتهك منّي ما لا يحلّ له»([605]).

وهكذا يتّضح ممّا تقدم أنّ هؤلاء الثلاثة لم ينصروا عثمان, بل خذلوه, وكان لطلحة وعائشة دور كبير في تأليب الناس عليه, ومن ذلك يتبيّن أنّ مسألة المطالبة بدم عثمان هي خديعة استمالوا الناس من خلالها وجيّشوا الجيوش ضدّ الإمام علي×, إمّا طمعاً في الجاه والسلطان، أو طمعاً في المادة، أو بغضاً وحقداً عليه، أوغير ذلك من الدواعي.

وإذا اتضح ذلك, فقد انهار الأساس الذي أقمت بناءك عليه, وهو أنّ الصحابة كانوا متأوّلين، وكان هدفهم هو المطالبة بدم عثمان, وانجر الأمر إلى التقاتل, فقد تبيّن أنّ القتال كان مقصوداً, وقميص عثمان كان خدعة يُستنهض من خلالها عوام الناس, وإذا ما عرفنا أنّ القتال كان عمدياً وكان وراءه أغراضاً دنيويّة, لم يكن للقول بعدالة الصحابة جميعاً وجه, وخصوصاً في المتقاتلين, فإنّ هناك جهة أراقت دماء الأبرياء, وفرّقت صفّ المسلمين, وخالفة شريعة سيّد المرسلين, وهي عامدة في ذلك.

وبعد هذا الجواب نعود لنبيّن النقاط التي ذكرتها مفصّلة, حول مسألة القتال بين الصحابة.


تفاصيل الجواب حول القتال بين الصحابة

بعد أنْ بيّنا بصورة جليّة وواضحة حقيقة القتال الذي جرى بين الصحابة, نعود لنذكر نقاطكم بصورة مفصّلة, ونجيب على ما تحتاج إلى إجابة:

قلتم: إنّ الشيعة لاترى الا الجانب المظلم من حياة الصحابة

قلتم في ص139: «أوّلاً: هذا الكلام كسابقة لا يرى إلاّ جانباً واحداً من حياة الصحابة، وبالغٌ في عرض الأمور بتعميم لا يُليق بباحث يُقدِّر قيمة الكلام».

الجواب

 تقدّم الجواب عليه كسابقه, ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الواقع يثبت أنّكم أنتم مَنْ تقرأون تاريخ الأمّة من جانب واحد، فتركزون على الجانب الإيجابي فقط وتغفلون جانباً آخر من حياة الصحابة, أمّا نحن فنقرأ التاريخ بموضوعيّة تامّة, ونلحظ جميع فترات الصحابة لنخرج بنتيجة منطقية. وعدم ذكرنا للجانب الإيجابي في حواراتنا معك لا يعني أننا نغفله، بل نفتخر به، ولكننا نرى أن النظر إلى التاريخ بعين واحدة ـ كما هو دأبكم في هذا البحث ـ ينتج خللاً في تاريخ الأمة، يؤدي بطبيعة الحال إلى خلل في النتائج، لا ينبغي لباحث متحرر أن يقع ضحيتها.

قلتم: لا يوجد من الصحابة من يرى خصمه مستحقاًً للقتل

قلتَ: أين في حياة الصحابة من يرى خصمه خصماً جهنمياً!! يستحق القتل؟! هل تستطيع أنْ تذكر أمثلة بالاسم؟! مُدللاً على ذلك من كلامهم؟!

الجواب

 تقدّم الجواب فيما ذكرناه لك من النقاط التسع وما بعدها, وقد عرفنا أنّ القتال كان عن عمد، ولم يكن قميص عثمان إلاّ ذريعة لتحريك الثوار, وعرفنا أنّ معاوية لم يأبه لمقتل الصحابي عمّار بن ياسر، بل قابله باستخفاف, وذكرنا أنّ من يعدّ الجيوش ويسلح الأسلحة ويدخل المعركة فإنما غرضه قتل الفريق الآخر, فكان لا بدّ أنْ يراه مستحقّاً للقتل! وإلا لما فعل كل ذلك!

وحتّى لو سلمنا أنّ الغرض هو المطالبة بدم عثمان فبالنتيجة أنّ السيّدة عائشة ومعاوية ومن معهم كانوا يرون أنّ على عليّ إمّا تسليم قتلة عثمان أو قتاله, وهو يعني أنّهم يرون أنّ مَن لم يُسلّم قتلة عثمان وجب قتاله, ولذلك قاتلوه وأزهقوا الأرواح بلا ذنب, فقد سقط في الجمل وحدها عشرة آلاف قتيل من الطرفين, فليستعدّ من تسبّب في قتل هؤلاء ومن وافق على ذلك إلى خصومتهم عند الله سبحانه وتعالى.

قلتم: ما جرى بين الصحابة أمر خارج عن ارادتهم

ثالثاً: قلتَ: ص139ـ 140: أمّا ما حدث من خلاف أدَّى إلى التقاتل فهو أمر خارج عن إرادتهم, ولم يقصدوا القتال، وفيما يلي عرض موجز بالحوادث التي وقعت بينهم:

1ـ بعد قَتل عثمان حُمل قميصه ملطّخاً بدمه إلى الشام وأصابع زوجته نائلة التي قُطعت وهي تحاجف عنه (رضي الله عنهما) فوضعه معاوية على المنبر, وندب الناس إلى الأخذ بثأره.

2ـ ولمّا استقرّ الأمر لعليّ دخل طلحة والزبير على عليّ وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان, فاعتذر إليهم بأنّ هؤلاء لهم مدد وأعوان وأنّه لا يمكنه ذلك يومه هذا.

3ـ حدث في جميع الأمصار اضطراب بسبب مقتل عثمان, وكلّهم يطالب بقتل قتلته.

4ـ كان هناك تبادل نصائح بين علي وابنه الحسن (رضي الله عنهما).

5ـ خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة (رضي الله عنهم) إلى البصرة لتحريض الناس على قتلة عثمان.

6ـ عند وصولهم إلى البصرة وقع اختلاف بينهم وبين عامل علي عليها أدّى إلى قتال بين الطرفين.

7ـ كان عليّ يريد أنْ يتّجه إلى الشام فلمّا عَلِم بذهاب طلحة والزبير وعائشة إلى الشام([606]) غيَّر وجهته واتجه إلى البصرة.

8ـ تراسل الطرفان علي وطلحة ومن معه واتفقا على الصلح.

9ـ عندما عَلِم قتلة عثمان وكانوا ضمن جيش عليّ وأدركوا أنّ إمضاء الصلح يعني الأخذ بالثأر منهم، عمدوا إلى حيلة بأنْ يثيروا الحرب من أواخر الليل، ويشيعوا بأنّ أهل البصرة خدعوهم، ففعلوا ووقعت المعركة.

هذا ملخّص قتال عليّ مع طلحة ومن معه كما عرضها ابن كثير (رحمه الله).

فأين في هذه الحادثة استحلال الدماء, وهي فتنة لم يقصدها كلا الطرفين؟!

الجواب

أوّلاً: ذكرنا لك بأنّك اختصرت فترة حافلة بالأحداث بصفحة واحدة؛ مستنداً على ابن كثير وحده، وهذا فيه تضييع للحقائق.

ثانياً: لم نجدك أميناً حينما نقلت الأحداث معتمداً على ابن كثير، فقد اخترت ما يعجبك من الأحداث، وتركت ما لا يعجبك منها, ومن الأمور التي لم تذكرها ما يلي:

1ـ لم تذكر أنّ ابن كثير ذكر بعد مقتل عثمان: جاءت الناس لتبايع عليّاً وكان طلحة أوّل من بايع([607]).

2ـ لم تذكر أنّ عليّاً بعث إلى معاوية كُتباً كثيرة فلم يرد عليه جوابها، وتكرر ذلك مراراً إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان([608]).

3ـ لم تذكر أنّه لما جاء رسول معاوية إلى علي أنّ علياً قال: «اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان»([609]).

4ـ لم تذكر حادثة الحوأب المشهورة, فقد مرّت السيّدة عائشة ومن تبعها بماء يقال له الحوأب, فنبحتهم كلاب عنده, فلمّا سمعت ذلك عائشة قالت: «ما اسم هذا المكان؟ قالوا: الحوأب، فضربت بإحدى يديها على الأخرى وقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ما أظنّني إلاّ راجعة، قالوا: ولمَ؟ قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول لنسائه: ليت شعري أيّتكنّ التي تنبحها كلاب الحوأب، ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردّوني ردّوني, أنا والله صاحبة ماء الحوأب».

قال ابن كثير: «وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في (دلائل النبوة) كما سبق، فأناخ الناس حولها يوماً وليلة، وقال لها عبد الله بن الزبير: إنّ الذي أخبرك أنّ هذا ماء الحوأب قد كذب([610]).

وحادثة الحوأب تناولتها الكتب الحديثية بسند صحيح، بل صحّحها ابن كثير نفسه, فلا ندري لمَ أغضضت الطرف عنها؟! فهل لأنّها تكشف عن الحقيقة قبل وقوع المعركة؟! أفلم يكن مرادك إيصال الحقيقة إلى القارئ؟ أفلا ترى أنّ هذه الحادثة تسهم في بيان ولو مقداراً من حقيقة الأمر؟! فإذا سلمنا بأنّ السيّدة عائشة قد اغترّت بقول ابن الزبير, فما تقول في ابن الزبير نفسه, لماذا افترى كذباً عليها؟ وماذا كان يهدف من ذلك؟! ثم إنّ هؤلاء الذين شهدوا لعائشة بأنّ هذا ماء الحوأب, لماذا استمرّوا وقد عرفوا أنّها على باطل؟ فهل ما زالوا يرون صحّة ما راموا إليه؟ وكيف استطاعوا تنحية قول الرسول’ جانباً بهذه السهولة والبساطة؟!

وعلى أيّة حال، فقد أخرج هذه الحادثة أحمد في مسنده من طريق يحيى, عن إسماعيل, عن قيس، قال: «لمّا أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أيّ ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلاّ أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب».

قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين»([611]).

وقال الذهبي: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه»([612]).

والمراد من البعض في الخبر أعلاه هم طلحة والزبير, فقد جاء في لفظ المصنّف: «فقال لها طلحة والزبير: مهلاً رحمك الله، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم...»([613]).

وفي لفظ آخر عند أحمد من طريق شعبة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم: «أنّ عائشة قالت ـ لمّا أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب ـ فقالت: ما أظنني إلاّ راجعة، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لنا: أيتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله عزّ وجلّ أنْ يصلح بك بين الناس».

قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح»([614]).

وقال الهيثمي: «رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح»([615]).

وقال ابن حجر: «وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حِبّان والحاكم, وسنده على شرط الصحيح»([616]).

وقال ابن كثير: «وهذا إسناد على شرط الصحيحين، ولم يخرجوه»([617]).

وعن ابن عباس، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لنسائه: ليت شعري أيتكنّ صاحبه الجمل الأدبب, تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير, ثمّ تنجو بعد ما كادت».

قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات»([618]). وكذا قال الحافظ ابن حجر([619]).

أمّا الألباني فقد صحّح كلا الطريقين أعلاه (طريق قيس وطريق ابن عباس), وأجاب بقوّة على من حاول تضعيف الحديث كابن العربي وغيره, وذكر أنّ خمسة من أئمّة الحديث صحّحوا هذا الحديث, وهم الحاكم وابن حبان والذهبي وابن حجر وابن كثير([620]).

ولا ندري ولا نفهم كيف يقول لها الزبير: عسى الله أنْ يصلح بك بين الناس, بينما الرسول يقول: إنّه يُقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير! ولم نفهم وجه تقديم عائشة لقول الزبير على قول رسول الله؟!!

وهناك أمر نرى من الضرورة إلفات النظر إليه, فقد تقدّم أنّ ابن كثير قال: «وقال لها عبد الله بن الزبير: إنّ الذي أخبرك أنّ هذا ماء الحوأب قد كذب([621]).

وقد جاء في أنساب البلاذري: «فأتاها عبد الله بن الزبير فقال: كذب من زعم أنّ هذا الماء الحوأب، وجاء بخمسين من بني عامر فشهدوا وحلفوا على صدق عبد الله»([622]).

وجاء في الكامل لابن الأثير: «فقال لها عبد الله بن الزبير: إنّه كذب، ولم يزل بها وهي تتمنع فقال لها: النجاء النجاء، فقد أدرككم علي بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة»([623]).

وهنا نقول: إمّا أنّ عبد الله بن الزبير قد شهد لعائشة زوراً, وقد صدّقت قوله وشهادته, وهذا الاحتمال على فرض أنّه يبرّئ عائشة إلاّ أنّه يجعل ابن الزبير في موقف حرج, فقد ارتكب كبيرة وشهد زوراً وغرر بأمّ المؤمنين, وكانت النتيجة عشرة آلاف أو أكثر من القتلى وتفتيت أواصر المسلمين وزرع الفرقة والفتنة بينهم, وحينئذ لا يمكن أن نعدّه من الصحابة العدول. أو نقول: إنّ الشهادة غير ثابتة, وليست بصحيحة, وحينئذٍ يتعيّن على السيّدة عائشة الرجوع بعد أنْ عرفت أنّ هذا ماء الحوأب, وتحقّقت نبوؤة النبيّ’ حين نبحتها الكلاب, فلم يبقَ لها عذر في الاستمرار, فتكون عاصية عامدة في إشعال نار الفتنة، والتي تسببت في إزهاق الآلاف من الأرواح, وترميل النساء, وتيتيم الأطفال, وتفريق المسلمين.

ومنه يتّضح أنّ الحرب لم تكن عن صدفة, بل كان مُعدّاً لها سلفاً، بحيث لم يثن فريق عائشة عن الاستمرار في ما يسمّوه بالمطالبة بدم عثمان، حتّى بعد أنْ لاحت لهم علائم النبوة في أنّ موقفهم خاطئ.

وقد حاول الشيخ الألباني التفصّي من هذه المشكلة, فأقرّ بأنّ عائشة مخطئة, فهي ليست بمعصومة, إلاّ أنّها ندمت وتابت على فعلها وكانت متأوّلة, فيكون خطأها من الخطأ المغفور, بل المأجور([624]).

والجواب على ذلك: أوّلاً: أنّ عائشة لم تكن مخطئة ومتأوّلة, بل كانت عاصية عامدة في فعلها هذا؛ لأنّ علائم النبوة لاحت لها في نباح كلاب الحوأب, واعترفت بخطئها, لكنّها مع ذلك تأثرّت بكلام عبد الله بن الزبير وأكملت المسير, وكأنّ ابن الزبير يتنبأ لها بأفضل ممّا تنبّأ به رسول الله’، فالمعصية هنا ثابتة لكليهما؛ لعائشة التي سمعت قول الرسول’ بنفسها, وعبد الله بن الزبير الذي غرّها بالاستمرار بالمسير، مع أنّه سمع منها قول الرسول’، فلا يوجد تأويل واجتهاد أمام نصّ واضح من الرسول’.

ثانياً: أنّ الندم لوحده في مثل خطأ السيدة عائشة غير كاف ما لم يقترن بإصلاح ما فسد نتيجة ذلك الخطأ العظيم, ونحن لم نقرأ في التاريخ أنّها أصلحت أمرها مع علي بن أبي طالب× ودخلت في طاعته برضا, ولم نسمع لها حسيساً في حرب صفّين, ولم تبيّن أي حقيقة تذكر, فأين الندم الذي تتحقق معه التوبة, ويكون مقبولاً عند الله تعالى؟

ثالثاً: كما أنّ التوبة لا تتحقق بمجرد الكلام أيضاً ما لم يقترن بالندم الحقيقي المقترن بفعل يدلّ على ذلك الندم، فما ذنب الآلاف الذين قتلوا, وما ذنب الأطفال الذين أيتموا, وما ذنب النساء اللواتي رُمّلت, فكلّ ذلك حدث بسبب هذا (الخطأ) الذي تابت منه عائشة, فهل تتحقق التوبة من دون تسوية النتائج الوخيمة الذي سبّبه (خطؤها هذا)؟!

رابعاً: أنّ هذا الخطأ الفادح لم تقتصر نتائجه على الضحايا, بل أدخل الأمّة الإسلاميّة في فتنة لها أوّل ولكن ليس لها آخر, وولّد الأحقاد, وقصم عرى المسلمين, وشتّت شملهم, وشغل الخليفة الشرعي بالحروب بدلاً عن الانشغال بإصلاح حال المسلمين, فكيف ندمت وتابت ولم نسمع منها قول واحد تدعو فيه إلى الانضواء تحت راية علي×, وأنّها راية الحق, وهو الخليفة المبايع له من قبل المهاجرين والأنصار؟

فهل يمكن القول مع كلّ ذلك أنّها مأجورة؟!!

فتلخّص أن السيّدة عائشة وكذا الزبير وابنه عبد الله وطلحة ومن تبعهم كانوا عامدين في القتال, ولذا نراك لم تذكر مسألة ماء الحوأب ضمن سردك لتوالي الأحداث حتّى لا تتبيّن الحقيقة للقارئ كاملة.

 وبعد هذه الوقفة مع ماء الحوأب نعود ونستمر في بيان الأحداث التي لم تذكرها من ابن كثير.

5ـ لم تذكر أنّ السيدة عائشة وجيشها حينما وصلوا البصرة، قام أنصار السيدة عائشة بنتف شعر الوالي الشرعي عثمان بن حنيف, المنصوب من قبل الخليفة الشرعي علي×, واقتادوه إلى طلحة والزبير, وهم البغاة الناكثين لبيعة الخليفة, فقد ذكر ابن كثير ما يلي: «فتكلّم طلحة ـ وكان على الميمنة ـ فندب إلى الأخذ بثأر عثمان والطلب بدمه، وتابعه الزبير، فتكلم بمثل مقالته، فردّ عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف، وتكلّمت أمّ المؤمنين، فحرّضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش، فتراموا بالحجارة، ثمّ تحاجز الناس، ورجع كلّ فريق إلى حوزته...».

وقال: «ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير, ولم يبق في وجهه شعرة إلاّ نتفوها».

ثمّ سيطروا على بيت المال, قال: «وولّوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر, وقسّم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس... واستبدّوا في الأمر بالبصرة»([625]).

فهل تجد من مسوّغ شرعي يسمح لهم بالقتال والتحريض عليه واحتلال البصرة واقتياد واليها بهذه الطريقة! والاستيلاء على بيت المال من دون إذن الخليفة وواليه, فهل من يفعل هذا لم يكن قاصداً للقتال! وهل هناك مجال للاجتهاد والتأويل؟!

6ـ لم تذكر أنّ عائشة كتبت إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها، فإنْ لم يجئ فليكفّ يده وليلزم منزله ـ أي لا يكون عليها ولا لها ـ فقال: >أنا في نصرتك ما دُمتِ في منزلك، وأبى أنْ يطيعها في ذلك، وقال: رحم الله أم المؤمنين، أمرها الله أن تلزم بيتها، وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها، وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحقّ بذلك منّا»([626]).

فهل نسيت عائشة قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}؟ وهل نسيت تنبيه النبيّ’ لها ونهيها عن هذا الخروج؟ فلو تجاوزت عائشة رواية ماء الحوأب المتقدّمة اغتراراً بإقناع ابن الزبير لها, فهل يمكنها التفصّي من رواية أم سلمة الواضحة في نهي النبيّ’ لعائشة عن الخروج, فقد أخرج الحاكم من طريق عبد الجبار بن الورد, عن عمّار الدهني, عن سالم بن أبي الجعد عن أمّ سلمة (رضي الله عنها)، قالت: «ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خروج بعض أمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أنْ لا تكوني أنت، ثمّ التفت إلى عليّ، فقال: إنْ وليت من أمرها شيئاً فارفق بها»([627]).

والحديث صحّحه الحاكم على شرط الشيخين, أمّا الذهبي، فقال: «عبد الجبار لم يخرجا له»([628]).

لكن عبد الجبار بن الورد ثقة, فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان, وغمز فيه البعض غمزاً لا يقدح به، فقد قال البخاري: >يخالف في بعض حديثه، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: يخطئ ويهم، وقال السلمي عن الدارقطني: لين»([629]).

ولذا نرى الحافظ في التقريب قال: «صدوق يهم»([630]).

وقال الذهبي: «صدوق، وثقه أبو حاتم»([631]).

وقال الألباني معلّقاً على قول البخاري بأنّه يخالف في بعض حديث: «قلت: وقول البخاري هذا، جرح ليّن لا ينهض عندي لإسقاط حديث عبد الجبار هذا، فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم وقال ابن عدي: لا بأس به يكتب حديثه، وقال السلمي عن الدارقطني: ليّن, قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن»([632]).

وقال العلامة أحمد محمد شاكر: «عبد الجبار بن ورد: ثقة, وثقه أحمد وابن معين وغيرهما»([633]).

فالحديث معتبر ولا شائبة فيه, ويدلّ بوضوح على تنبيه النبيّ’ للسيدة عائشة ونهيها عن الخروج لقتال عليّ×, لكنّها مع ذلك خالفت وخرجت, فهل هناك اجتهاد وتأويل يستحق الأجر في قبال نصّ جليّ وواضح من النبيّ’؟!!

7ـ لم تذكر أنّ عليّاً >لمّا اقترب من الكوفة وجاءه الخبر بما وقع من الأمر على جليته من قتل ومن إخراج عثمان بن حنيف من البصرة، وأخذهم أموال بيت المال، جعل يقول: اللهم عافني ممّا ابتليت به طلحة والزبير، فلمّا انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشّماً وليس في وجهه شعرة، فقال: يا أمير المؤمنين، بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية وقد جئتك أمرداً، فقال: أصبتَ خيراً وأجراً، وقال عن طلحة والزبير: اللهمّ احلل ما عقدا, ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا»([634]).

فهل أنّ علياً كان يراهما عدولاً ويدعو عليهما؟ وهل كان يراهما متأولين ويدعو عليهما؟!! أفلستم تعترفون وطبقاً للأخبار النبوية أنّ علياً كان مصيباً في حروبه هذه, أفيمكنك الجمع بين هذه المتناقضات؟! هل يمكنك معرفة الصالح من الطالح طبق قاعدة التأويل العريضة؟!

8ـ لم تذكر السبب الذي جعل الزبير يعتزل القتال, وهو تذكير عليّ له بأن الرسول’ قال للزبير: بأنّك تقاتل هذا وأنت ظالم له!! ولم تذكر أنّ الزبير أقسم حينها أنْ لا يقاتل عليّاً, لكنّه وبتأثير ابنه عبد الله حنث يمينه, وكفّر وأعتق غلامه جرجس!!

فقد أخرج الحاكم من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، قال: «شهدت علياً والزبير لمّا رجع الزبير على دابته يشقّ الصفوف, فعرض له ابنه عبد الله فقال: ما لكَ؟ فقال: ذكر لي علي حديثاً سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله، قال: وللقتال: جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس, ويصلح الله هذا الأمر بك، قال: قد حلفت أن لا أقاتل، قال: فاعتق غلامك جرجس وقف حتّى تصلح بين الناس، قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف، فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه»

 قال الحاكم: «وقد روي إقرار الزبير لعليّ (رضي الله عنهما) بذلك من غير هذه الوجوه والروايات».

ثمّ ذكر عدّة أخبار عن عليّ فيما يخصّ الزبير وقتله، وقال بعدها: «هذه الأحاديث صحيحة عن أمير المؤمنين عليّ, وإن لم يُخرجاه».

وقال الذهبي: «هذه أحاديث صحاح»([635]).

أما الألباني فقد صحّح الرواية إلاّ أنّه تراجع عن تصحيح قصّة الزبير وابنه عبد الله دون بقية الرواية, فإن لأصل الرواية طرق تتقوى بها, أما قصّة الزبير فقد أعلّها بأمرين:

الأول: أنّ رواية الحاكم هي من طريق عبد الله بن محمد بن سوار, عن منجاب, وعبد الله هذا لم يعرفه الألباني، فقال: «إن ابن سوار هذا لم أعرفه، وقد فتشت عنه فيما لدي من كتب الرجال، فلم أعثر عليه، فأخشى أنْ يكون غير مشهور بالرواية، فإن الحافظ المزي لم يذكره في الرواة عن منجاب»([636]).

قلنا: تجد عبد الله بن محمد بن سوار في سؤلات الحاكم للدارقطني, حيث أجابه الدارقطني بأنّ عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي مولاهم صدوق([637]).

ثمّ لم نفهم كيف صححّ الألباني الرواية في أوّل بحثه وهو لم يعرف عبد الله بن محمّد بن سوار!

الثاني: أنّ البيهقي أخرج الرواية بزيادتين, الأولى: أنّه أخرجها عن يزيد الفقير, عن أبيه صهيب, وليست عن أبي الأسود مباشرة, وصهيب لم يجد له الألباني ترجمة, والثانية: أنّ البيهقي زاد بعد قوله: ابن أبي الأسود: «دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه» وهذه الزيادة تحول دون معرفة كون القصّة بالإسناد الأول أم الآخر([638]).

الجواب: إنّ الحاكم حدّث بهذه الرواية عن شيخه أبي عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر ـ الذي وصفه بالعدل المأمون ـ وقد صرّح أنّه حدّثه بها من أصل كتابه, أما البيهقي فلم يرويها عن أبي عمرو، بل رواها عن شيخه أبي بكر أحمد بن الحسن القاضي, عن أبي عمرو محمد بن جعفر, ولا شك حينئذ في تقديم رواية الحاكم على رواية أبي بكر القاضي؛ لشدة إتقانه وحفظه، خصوصاً أنّ أبا بكر أحمد بن الحسن قد أصابه وقر في أذنه في آخر عمره، وكان يُقرأ عليه مع ذلك إلى أنْ اشتد ذلك قريباً من سنتين أو ثلاث، فما كان يحسن أن يسمع([639]), فالزيادة التي عند البيهقي غير محفوظة إذن.

أضف إلى ذلك: أنّ الحاكم صرّح بأن شيخه أبا عمرو قد حدّثه من أصل كتابه, بينما لم يصرّح أبو بكر بذلك, فنقل الحاكم أكثر اتقاناً, فيكون المعوّل في هذه الرواية هو كلام الحاكم، خصوصاً أنّا لم نجد في حدود تتبعنا أنّ يزيد الفقير يروي عن أبيه سوى ما ذكره البيهقي في هذا الخبر, وهذا يؤكّد أنّ الوهم في رواية البيهقي دون رواية الحاكم، والله تعالى أعلم.

فتلخّص: أنّ ما حصل بين الزبير وعلي هو ثابت بلا شكّ, وأمّا ما حصل بين الزبير وابنه عبد الله فهو محلّ كلام، وقد أثبتنا صحّته, على أنّ ثبوته من عدمه لا يغيّر أمراً جوهرياً في الموضوع.

وهنا نتساءل: هل كان الزبير ناسياً حقّا لهكذا أمر مهم, أمر يتعلق بمستقبل حياة الزبير الدينية ومصيره في الآخرة, يُنسى بهذه السهولة! لا شكّ أنّ هذا الأمر يثير الغرابة!

هل كان قصد الزبير القتال أم الإصلاح؟ فإذا كان قصده الإصلاح؛ لمَ لمْ يعتذر للإمام بأنه ما جاء ليقاتل, بل جاء مصلحاً؟ وإذا كان قصده القتال فقد صدقت النبوءة النبوية بحقه، فلماذا اقتنع بقول ابنه عبد الله بأنه جاء للإصلاح؟ أفهل ابنه أعلم بنواياه ويعرف حقيقة باطنه؟!

فكيف تعامل عبد الله ـ وكذا أبيه الزبير ـ بنبوءة النبيّ محمّد’؟ فالزبير سمع النبوءة من النبيّ مباشرة، وعبد الله سمعها في المعركة من أبيه, فلماذا لم يلتزما بقول النبيّ’ ويعلنا توبتهما؟ ولماذا حاول عبد الله التغرير بأبيه؟ وكيف جاز للزبير حنث يمينه؟ فالتكفير عن الحنث عقوبة ولا يسقط معها الإثم, فلماذا تجاوز الزبير الحكم الشرعي بهذه البساطة, ولماذا حثّه ابنه على هذا الإثم؟

ثمّ هل اعتزال الزبير من دون أن يرجع لمبايعة الخليفة الشرعي كافٍ في التعامل مع قول النبيّ’ وإرشاداته؟ أفلم يفهم الزبير وكذا ابنه عبد الله أنّ قول النبيّ’ يعني أنّ عليّاً هو طرف الحقّ وأنّ طرفهم هو الباطل؟ ألم يُعدُّ الاستمرار بالقتال ـ بعد معرفة هذه الرواية ـ بأنّه قتال عمدي لطرف الحقّ, ومخالفة صريحة لكلام النبيّ’؟ فهذه الحادثة لوحدها كفيلة في بيان الحقائق، لكنّك لم تذكرها في سردك للأحداث! مع أنّ ابن كثير ذكرها([640]), وقد عرفنا أنّها صحيحة ولله الحمد.

خلاصة ما تقدم

هذه جملة من الأمور التي ذكرها ابن كثير ولم نرك تشير لها لا من بعيد ولا من قريب, وهناك غير ذلك تركناه؛ تَوخيّاً للاختصار.

 فتحصّل: إنّه مضافاً إلى أنّك لم تتعرّض للأحداث المتعلّقة بمعركة الجمل بصورة موضوعية، ومن كافّة الكتب التي نقلت هذه الأحداث، وتمحيص الصحيح من الضعيف منها، بل اقتصرت على تاريخ ابن كثير, لكنك لم تتناول منه أحداثاً كثيرة كان لها دوراً كبيراً في معرفة حقيقة المعركة، ومعرفة المحقّ من المبطل، ومعرفة العامد من غيره، وقد نقلنا للقارئ بعضاً منها لنوقفه على الحقيقة.

وبعد هذا البيان نعود لنتكلم عمّا ذكرته من الأحداث من تاريخ ابن كثير بصورة مجملة:

 

قلتم: بعد مقتل عثمان حمل قميصه ملطخا بالدماء إلى الشام

1ـ قلت ص139: «بعد قَتل عثمان حُمل قميصه ملطخاً بدمه إلى الشام، وأصابع زوجته نائلة التي قُطعت وهي تحاجف عنه (رضي الله عنهما) فوضعه معاوية على المنبر, وندب الناس إلى الأخذ بثأره».

الجواب

 عرفنا أنّ معاوية قد خذل عثمان ولم ينصره, بل كان ينتظر قتله ليتسنى له الحصول على السلطة, ومطالبته بدم عثمان لم تكن إلاّ لعبة سياسية, مضافاً إلى أنّ معاوية ليس ولياً لدم عثمان حتّى يطالب بثأره, بل أولياؤه هم ولده وهم أحياء, فالمطالبة بدمه تدور بين أبنائه وبين الخليفة الشرعي, والموضوع غير مرتبط بمعاوية، وقد تقدم ذلك أيضاً.

قلتم: إنّ طلحة والزبير طلبا إقامة الحد فاعتذر علي

2ـ قلت ص 139: «ولما استقر الأمر لعلي دخل طلحة والزبير على علي وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم بأنّ هؤلاء لهم مدد وأعوان, وأنّه لا يمكنه ذلك يومه هذا».

الجواب

عرفنا أنّ وليّ الدم منحصر بين أبناء عثمان وبين الخليفة الشرعي, ولا يوجد حق لطلحة أو الزبير أن يطالبوا بدمه, وعرفنا أنّ طلحة كان من المؤلبين على عثمان وقد منع أنْ يدخل عليه الماء, وعرفنا أن طلحة والزبير بايعا الإمام علياً ثم نكثا عهدهما, وعرفنا أنّ علياً ذكَّر الزبير في يوم المعركة بقول الرسول له: بأنك ستقاتل هذا وأنتم ظالم له, فاعتزل الزبير المعركة، وعرف الناس بقصّته, لكن لم نجد أحداً منهم ترك القتال أو عاد لبيعة علي×, وهذا يدّلك على عصيانهما وتمرّدهما على أوامر الرسول’.

قلتم: بعد مقتل عثمان اضطربت الناس وكلهم يطالب بدمه

3ـ قلت: حدث في جميع الأمصار اضطراب بسبب مقتل عثمان, وكلّهم يطالب بقتل قتلته.

الجواب

تقدّم سابقاً أنّ الصحابة وأجلاّء التابعين هم من قتل عثمان، وأن الوفود التي حاصرت عثمان كانت من مختلف الأمصار، فاشتركت الكوفة والبصرة ومصر والمدينة، وتنادب الأصحاب فيما بينهم، وحدث ما حدث، فأيّ اضطراب هذا الذي يتحدّث عنه ابن كثير, ولماذا ينظر للتاريخ من زوايا ضيّقة ولا يقرأه بصورة موضوعية بعيدة عن التعصّبات, فإن الاضطراب حصل بدعوة السيدة عائشة وطلحة والزبير ومعاوية للأخذ بدمه, وعرفنا أنّ أسباب ذلك تنحصر بين بغض لعليٍّ وبين طلب للدنيا وطلب للجاه والسلطان.

 

قلتم: كان هناك تبادل للنصائح بن علي وابنه الحسن

4ـ قلتَ: كان هناك تبادل نصائح بين عليّ وابنه الحسن (رضي الله عنهما).

الجواب

إنّ هذا الخبر تفوح منه رائحة الوضع, ولا أظنّ شخصاً يدّعي احترام الصحابة يقبل الألفاظ التي ذكرها ابن كثير, فقد قال: «وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق، فقال: لقد نهيتك فعصيتنى، تقتل غداً بمضيعة لا ناصر لك، فقال له علي: إنّك لا تزال تحنّ عليّ حنين الجارية، وما الذي نهيتني عنه فعصيتك، فقال: ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل أو يتحدث متحدث، ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتّى يبعث إليك أهل كلّ مصر ببيعتهم، وأمرتك حين خَرَجَتْ هذه المرأة وهذان الرجلان أنْ تجلس في بيتك حتّى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كلّه»([641]).

انظر إلى وقاحة الوضّاع لهذا الخبر! فهو لم يجعل أي احترام لعليّ من قبل ولده الحسن, ويسيء للحسن وهو سيّد شباب أهل الجنّة حين ينسب إليه الكلام مع أبيه بصيغة الأمر, مع أنّ عليّاً× أبوه وخليفته الشرعي, بل نرى أنّ الحسن يتجرّأ على أبيه وينسب إليه المعصية «لقد نهيتك فعصيتني... ألم آمرك قبل مقتل عثمان...» فماذا تريد من هذه الفقرة؟

أتريد أنْ تقول: إن عليّاً كان مخطئاً في خروجه؟ فهو خلاف رأيك، بل خلاف مشهور أهل السنّة إنْ لم نقل إجماعهم على صحّة موقف عليّ وبطلان موقف عائشة ومعاوية.

 أو تريد أنْ تقول: إنّ الحسن لم يكن مع أبيه على وفاق, فهو خلاف التاريخ، مضافاً إلى أنّ الحسن من الصحابة, فأنت لا تزيد بذلك إلاّ خلافاً آخر بين الصحابة.

 أو تريد أن تقول: إنّ عليّاً هو المتسبب في الحرب والقتال, فهو خلاف الحقائق التاريخية.

ثم هل رأيت أنّ الداني يأمر العالي؟ فكيف يأمر الحسن أباه، مع أنّه خليفة المسلمين؟ وهل مخالفة علي× تسمّى معصية للحسن؟!

فقد خفيت على وضّاع هذه الأسطر أدنى النكات البلاغية, وكان غرضه بيان أنّ عليّاً كان داعياً للحرب والحسن داعياً للصلح, لكن فاته أنّ الحرب لم تكن بإرادة علي وطلبه، بل فعلها الخارجون المارقون عن طاعة خليفتهم, وخفي عليه أنّ الحسن كان في طليعة المقاتلين مع علي، والمهيجين الناس في الانضمام إلى عليّ، على ما ذكره ابن كثير أيضاً.

 كما فاته كذلك أنّ الحسن وبعد وفاة أبيه سار على نفس نهج أبيه وجهّز الجيش وأعدّ العدة لإعادة معاوية إلى حضيرة الخلافة, لكنّ الظروف والدسائس التي قام بها معاوية حالت دون ذلك, وأدّت إلى صلح مشروط لم يلتزم معاوية بأيّ بند منه.

قلتم: خرج طلحة والزبير للتحريض على قتلة عثمان

5ـ قلت: خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة (رضي الله عنهم) إلى البصرة؛ لتحريض الناس على قتلة عثمان.

الجواب

عرفنا أنّ طلحة وعائشة كانوا ممّن يؤلّبون على عثمان, ثم لم ترق لهم خلافة علي, فرفعوا شعار المطالبة بدم عثمان, وعرفنا أنّ من له الحق في المطالبة بدم عثمان منحصر بين أولاد عثمان والخليفة الشرعي, ولا حقّ لعائشة ولا طلحة ولا الزبير في ذلك, فخروجهم لتحريض الناس على قتلة عثمان وعدم دخولهم في طاعة الخليفة الشرعي هو خروج عمدي لا مبرر له, فضلاً عن تسبيبه بإهراق دماء الآلاف من المسلمين.

قلتم: عند وصولهم البصرة وقع خلاف مع والي البصرة

6ـ قلت: عند وصولهم إلى البصرة وقع اختلاف بينهم وبين عامل عليّ عليها؛ أدّى إلى قتال بين الطرفين.

الجواب

 هل لك أن تخبرنا عن سبب مجيئهم إلى البصرة, وهل يحلّ لهم المطالبة بدم عثمان وَقَتَلَتِهِ من واليها, وهل هناك حقٌّ لواليها أنْ يسلمهم الأمور وهو منصوب من الخليفة الشرعي, فهم إذن جاءوا للقتال, وكان طبيعياً لعثمان بن حنيف أن يقف بوجههم لحين قدوم علي× ليرى ما يرى, فلم يكن الأمر اختلافاً عابراً كما تحاول تصويره, فقد جاءوا بجيوشهم المدجّجة بالسلاح, وبلغ الأمر إلى أنّهم احتلّوا البصرة, وسيطروا على بيت المال!

قلتم: حين علم علي بمسيرهم إلى الشام اتجه إلى البصرة

7ـ قلت: كان عليٌّ يريد أنْ يتّجه إلى الشام, فلمّا عَلم بذهاب طلحة والزبير وعائشة إلى الشام([642]) غيَّر وجهته واتّجه إلى البصرة.

الجواب

 لا نرى لهذه الجملة موقعاً من الإعراب, فمعاوية رفض البيعة, وشقّ عصا المسلمين, وحشّد الناس على الخليفة الشرعي, فخرج الإمام يريد الشام, فلمّا عرف في الطريق أنّ طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا إلى البصرة يريدون القتال تحت شعار المطالبة بدم عثمان, كان طبيعياً أن يتوجه الإمام نحو البصرة ليصلح الأمور هناك, ثمّ يواصل مسيره إلى الشام.

قلتم: اتفق علي مع خصومه على الصلح

8ـ قلت: تراسل الطرفان عليّ وطلحة ومن معه, واتّفقا على الصلح.

الجواب

 لو كان كذلك, فلماذا نكثا البيعة وخرجا في أوّل الأمر؟ ولماذا القتل الذي أحدثوه بالبصرة؟ ولماذا لم يتركوا المعركة (حينما أثارها الخوارج) على حدّ زعمكم؟ أفلم يتمكن الزبير من الاعتزال حين عرف أنّه على باطل, فلماذا لم يعتزل طلحة ولم يعتزل عبد الله بن الزبير؟ ولماذا لم تأمرهم عائشة بوقف القتال؟

إنّ مجريات الأحداث الصحيحة لا تنسجم مع الحوادث التاريخية التي تنقلونها دون تنقيح وتصحيح، مع أنّكم تزعمون أن التاريخ مليء بالروايات الضعيفة ومشوب بالأكاذيب!

على أنّه إنْ كان هناك داعية إلى الصلح فهو عليّ×؛ إذ لا يرضى بإهراق الدماء وتفتيت قوة المسلمين, لكن السيدة عائشة وطلحة والزبير لم يرق لهم حكمه ولا تَسنّمه الخلافة, فتلبّسوا بلباس الطالب بثأر عثمان, مع أنّ دمه بأعناقهم, فأحدثوا الفتنة وما كانت لتنتهي لولا هزيمتهم المُذلّة يومها.

قلتم: قتلة عثمان ضمن جيش علي هم أثاروا الحرب

9ـ قلت: عندما علم قتلة عثمان، وكانوا ضمن جيش علي، وأدركوا أن إمضاء الصلح يعني الأخذ بالثأر منهم، عمدوا إلى حيلة بأن يثيروا الحرب من أواخر الليل، ويشيعوا بأنّ أهل البصرة خدعوهم، ففعلوا، ووقعت المعركة.

الجواب

 عرفنا مراراً أنّ قتلة عثمان هم من الصحابة وقرّاء القرآن وخيار التابعين, ومن لم يشترك في القتال ضدّه من الصحابة كان خاذلاً له, إلاّ قلّة معدودين, وعرفنا أنّ عائشة وطلحة كانوا يؤلّبون الناس ضدّه, فهذا الخبر لا قيمة علمية له, مضافاً لما ذكرناه في الجواب السابق, فإنّ الزبير عرف أنّه على باطل واعتزل القتال, لكنّ البقيّة لم يعتزلوا, ونضيف أيضاً أنّ السيّدة عائشة إذا كانت قد خُدعت في ماء الحوأب بأنّها خرجت للصلح, فقد تبيّن لها الأمر الآن, وأنّ الدماء تُسفك, واتّضح لها أنّها هي صاحبة الحوأب, وسيقتل حولها قتلى كثير, وهي تشاهد بأمّ عينها ما يجري, لكنّها لم تأمر بوقف القتال ولم تأمر بانسحاب الجيش, بل كانت تُحرّض على قتال قتلة عثمان وهم مع أصحاب علي ـ على ما يقرّره ابن كثير ـ وهنا تجد التناقض الصريح، ففي الوقت الذي يقرّر أنّ قتلة عثمان كانوا مع أصحاب علي, تجده ينقل أنّ علياً يقول: «اللهمّ العن قتلة عثمان»([643]), ونقل قبل ذلك أنّ مالكاً الأشتر كان يقول: «قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأمّا رأي عليّ فلم نعرفه إلى اليوم، فإنْ كان قد اصطلح معهم فإنّما اصطلحوا على دمائنا, فإن كان الأمر هكذا ألحقنا علياً بعثمان»([644]).

فهل يعقل أن مالكاً لا يعرف رأي الإمام علي×, وهل كان عليّ لا يعرف رأي مالك كذلك؟!!

مع أنّ الأخبار الصحيحة تؤكّد أنّ مالكاً كان مقرّباً من علي إلى آخر عمره، حين ولاه على مصر، وقتلته جنود العسل التي بعثها معاوية([645])!

أضف إلى ذلك، أنّك تصور الأمور بطريقة لا يقبلها ذو بصيرة, فكأنّ علياً لم يكن له أي سيطرة على جيشه، وأنّ الأمور خارجة من يده تماماً, ولو فرضنا أنّ المعركة جرت بالطريقة التي تذكرها فمالنا لا نرى أي تصريح من علي بعد المعركة حول ذلك؟ بل نراه يولي مالكاً على مصر! بل ولماذا اعتزل الزبير القتال؟ لماذا لم يعتذر لعلي بأنّ أصحابكم من بدأ القتال ونحن جئنا من أجل الصلح والإصلاح؟!

فتلخّص أنّ هذه الأخبار نُقلت من أجل تبرئة ساحة الصحابة في قتالهم لعلي×, وهي غير مقبولة, ويردّها الأحاديث الصحاح المعتبرة التي تقدّمت في ماء الحوأب، واعتزال الزبير للمعركة، وغيرها من الأحاديث التي تؤكّد أنّ عليّاً مع الحقّ ومع القرآن, وليت شعري ألم تكن السيّدة عائشة تعرف تلك الأحاديث في فضل عليّ من أوّل يوم في خروجها, أم أنّها كبرت ونست؟!!

معركة صفين

قلتم: لا يوجد استحلال للدماء في حادثة صفين

قلت ص140: «رابعاً: وقعة صفّين كانت بعد أن انتهى عليّ من وقعة الجمل, فقد أرسل إلى معاوية وطلب منه أن يبايع, فامتنع إلاّ إذا سلَّم له قتلة عثمان, فجهَّز عليّ جيشاً واتّجه به إلى الشام, وجهز معاوية جيشاً فالتقوا في صفّين, وبعد مراسلات لم تثمر شيئاً مفيداً وقع القتال. فأين في هذه الحادثة يا تُرى استحلال الدماء؟! أليس ظاهر الأمر أنَّ كلّ طرف يرى أنَّ الحق معه؟! وأنَّ اقتتالهم كان لقضية لا لقتل شخص بعينه؟!».

الجواب

تقدّم أنّ معاوية لم ينصر عثمان, بل خذله, ومنه يتّضح أنّ الطلب بدم عثمان هو لعبة سياسية من أجل نيل الخلافة, وكذلك عرفنا أنّ معاوية ليس بوليّ دم عثمان حتّى يطلب بثأره, فوليّ الدم منحصر بين الخليفة الشرعي وبين أولاد عثمان, وأمّا أنّ اقتتالهم كان لقضية لا لقتل شخص بعينه, فهذا لا يعني أنّهم لا يرون جواز قتل الآخر, فما معنى دخول المعركة وبدْء القتال, هل يقتل خصمه على تلك القضيّة وهو يراه بريئاً لا يستحقّ القتل, فهم بين أمرين:

الأوّل: أنْ يقتل كلّ منهما خصمه وهو يراه لا يستحق القتل, وهذا قتل عمدي لناس أبرياء, فاعله فاسق بلا شك, بل كأنّه قتل الناس جميعاً.

الثاني: أنْ يقتل كلّ منهما صاحبه وهو يراه يستحقّ القتل, وهذا يعني أنّ الصحابي كان يرى خصمه منحرفاً عن الحقّ, مُجانباً للشريعة، يجوز سل السيف بوجهه وقتله, فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

روايات التاريخ

قلتم: لا ينبغي لمن يريد دينه ان يصغي لروايات التاريخ

 قلت: ص141: خامساً: «ما يوجد في روايات التاريخ كثير منه لا يصح والذي يريد أن يستبرئ لدينه، فلا ينبغي له أن يصغي إلى تلك الروايات؛ لكثرة ما شابها من الأكاذيب».

الجواب: نعم, هذا صحيح, وقد نقلنا لك مجموعة من الأخبار الصحيحة التي تؤكّد عمدية موقف عائشة وطلحة والزبير ومعاوية, بخلاف صنيعك, حيث اقتصرت على ما نقله ابن كثير دون تفحّص ولا تمعّن، وأوهمت القارئ بأنّ هذه هي حقيقة المعركة, مع أنّك لم تنقل كلام ابن كثير بتمامه, ولم تذكر الأحداث الصحيحة فيه!

قلتم: التنقيص من قدر الصحابة له تأثير سيّئ

قلت: ص141: «سادساً: أنّ الحرص على نقض عدالة الصحابة بمثل هذه الدعاوى له آثاره السيئة التي تفقد الثقة في هذا الجيل، وفيما نقله إلينا من دين، بل تجرح رسول الله’ بأنه خلَّف جيلاً انتقض على الدين واستباح الحرمات، والله المستعان».

 

الجواب

 لطالما نسمعك تكرر هذه النغمة, وهذا الكلام الخطابي الذي يبتعد عن الجو العلمي, بل هو عبارة عن تهم رخيصة توحي للقارئ بأنّنا نرى فشل الرسول’ في تربية الأمّة, وقد تقدّم الجواب عليه في الجزء الأول([646])، ونكرّر القول هنا بأنه لا يوجد مسلم يؤمن بالله ورسوله يرى فشل النبيّ’ في دعوته، بل نقول إنّ النبيّ’ عمل بوظيفته على أتمّ ما يكون, وخرّج في هذه الأمة أُناساً صُلحاء حملوا على عاتقهم راية الجهاد والكفاح والعلم, ووجود ثلّة قد انحرفت وزاغت عن طريق الحقّ ليس لها علاقة بفشل النبيّ’، فهاهم الأنبياء نوح وموسى وعيسى ولوط وغيرهم (عليهم وعلى نبينا آلاف التحية والإكرام), ومع استمرار دعواتهم لفترات طويلة إلاّ أنّه لم يؤمن برسالاتهم إلاّ النزر اليسير, فهل ترى هذا فشلاً, فاتّهامك للشيعة بأنهم يرون فشل النبيّ’ من خلال قولهم بانحراف بعض الصحابة يدلّ على تبنيك القول بفشل الأنبياء السابقين, فالعلّة هي العلّة, ونحن نجلّك عن التمسّك بذلك, وليس من دأبنا إلصاق التهم بالآخرين بلا دليل, فإنّه غير خفيّ عليك أنّ وظيفة الأنبياء هي التبليغ وإيصال التعاليم الإلهية على أتمّ وجه, وتبقى الهداية على الله سبحانه وتعالى, فقلّة المؤمنين لا تدلّ على أي فشل يذكر, فها هو القرآن بين أيدينا يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}([647])، ويقول: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أكثركُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}([648])، أفهل ترى أنّ القرآن يوحي بفشل النبيّ’؟!

على أنّ نجاح النبيّ’ في تبليغ الشريعة والخروج بالمجتمع من وحل الجاهلية لا تعني صيرورته مجتمعاً معصوماً من أيّ خطأ وانحراف! فإنّ النبيّ’ ثبّت أركان الإسلام وبيّن معالمه وجعل نوره ساطعاً في الأوساط, ولم يترك الأمة في مهبّ الريح، بل نعتقد أنّه نصّب عليهم أهل البيت، أئمّةً، يأخذون بأيديهم نحو الهدى والإيمان, فانحراف بعض الصحابة أو أكثرهم لا يؤدّي إلى ضياع الدين, فنحن نجلّ الدين من أن يكون نَقَلَته أمثال معاوية الباغي أو مروان أو الوليد أو من نكث وغيّر وبدّل، أو من شقّ عصا المسلمين وخرج على إمام زمانه فقُتل بسببه الآلاف من الصحابة والتابعين، وهذه النقطة هي التي يتمحور حولها البحث, فبسبب رفضكم للنصوص التي تدلّ على إمامة أهل البيت أو تأويلها بما لاينسجم مع فحواها ومقصودها، تخيّلتم أنّ الجرح في بعض الصحابة سيؤدّي إلى ضياع الدين؛ ولذا اتّخذتم منحى غريباً في الدفاع عنهم لم يرتضه حتّى الصحابة أنفسهم, وكان المناسب لكم أنْ تدرسوا الروايات الواردة في اتّباع أهل البيت بموضوعية وحيادية ليتّضح لكم الحقّ.

وعلى أيّة حال, فإن وجود مجموعة منحرفة من الصحابة ممّا لا شكّ فيه, ولو كان وجود هذا العدد يؤدّي إلى القدح بالرسول’ ـ نستجير بالله ـ فستكون كتبكم وعلماؤكم أوّل القادحين فيه, لأننا لم نستشهد بكل ذلك من مصادرنا، وقد عرفنا من خلال ما تقدّم من البحوث أنّ هناك معاصي كثيرة صدرت من الصحابة، وقد تمرّد البعض منهم على النبيّ’ في أثناء حياته, وعرفنا أنّ النبيّ’ صرّح بدخول بعضهم في النار، إلى غير ذلك.

 وما نوّد أنْ نبيّنه هنا أنّ هناك عدداً من الصحابة ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا من الدين, فهل تنسبون خروجهم من الدين إلى خلل في التربية، أو نقص في التبليغ، أو فشل للنبي المرسل’ ـ نستجير بالله من هذا القول ـ ومنهم:

بعض الصحابة ارتدوا عن الإسلام

1ـ الصحابي علقمة بن علاثة: قال ابن حجر: «قال ابن قتيبة: كان ارتدّ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولحق بقيصر، ثمّ انصرف عنه، وعاد إلى الإسلام, واستعمله عمر على حوران.

وقال أبو عبيدة: شرب علقمة الخمر, فحدَّه عمر، فارتدّ ولحق بالروم، فأكرمه ملك الروم، وقال: أنت ابنُ عمِّ عامر بن الطفيل، فغضب، وقال: لا أراني أُعرف إلاّ بعامر، فرجع وأسلم»([649]).

وسبب غضبه أنّه كان هناك تنافر بينه وبين الصحابي عامر بن الطفيل، على ما ذكره ابن حجر في ترجمته.

2ـ ربيعة بن أميّة: قال ابن حجر: «وهو ممّن أسلم في الفتح, وشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حجّة الوداع، وحدّث عنه بعد موته، ثمّ لحقه الخذلان، فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصّر (أي ارتدّ وصار نصرانياً) بسبب شيء أغضبه»([650]).

3ـ الصحابي زمان بن عمار الفزاري: قال ابن حجر: «كان ممّن ارتدّ مع طليحة بن خويلد وحارب المسلمين ثمّ تاب»([651]).

4ـ الصحابي عمرو بن عبد العزى السلمي: قال ابن حجر: «ذكره الواقدي في كتاب الردّة, وأنّه كان ممّن ارتدّ ثمّ عاد»([652]).

5ـ الصحابي عُيينة بن حصن بن حذيفة: قال ابن حجر: «قال ابن السكن: له صحبة, وكان من المؤلّفة، ولم يصحّ له رواية، أسلم قبل الفتح وشهدها وشهد حنيناً والطائف، وبعثه النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) لبني تميم، فسبي بعض بني العنبر، ثمّ كان ممّن ارتدّ في عهد أبي بكر، ومال إلى طلحة فبايعه, ثمّ عاد إلى الإسلام»([653]).

6ـ قيس بن المكشوح: وكان ممّن ارتدَّ عن الإسلام ثمَّ رجع([654]).

7ـ الصحابي الأشعث بن قيس: قال ابن حجر: «وكان الأشعث قد ارتدّ فيمن ارتدّ من الكنديين، وأُسر فأُحضر إلى أبي بكر، فأسلم, فأطلقه وزوّجه أخته أم فروة في قصّة طويلة»([655]).

8ـ عبد الله بن أبي سرح (أخو عثمان من الرضاعة): قال ابن عبد البر: «قال الواقدي: وأوّل من كتب من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثمّ ارتدّ ورجع إلى مكّة، فنزل فيه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ»([656]).

وقال ابن حجر: «من طريق السدي أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم, ثمّ ارتدّ فلحق بالمشركين»([657]).

وقال: «ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس، قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب للنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فأزلّه الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أنْ يقتل ـ يعني يوم الفتح فاستجار له عثمان ـ فأجاره النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم([658]).

9ـ الصحابي عطارد بن حاجب: قال ابن حجر: «وارتدّ عطارد بن حاجب بعد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) مع من ارتدّ من بني تميم وتبع سجاح, ثمّ عاد إلى الإسلام»([659]).

10ـ الصحابي عمرو بن معد يكرب: قال ابن حجر: «فلمّا مات النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ارتدّ عمرو، وذكر ذلك سيف في كتاب الردّة، وأنّ المهاجر بن أبي أميّة أسر عمرو بن معد يكرب، فأرسله إلى أبي بكر، فعاود الإسلام»([660]).

وفي السيرة النبوية: «قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك، فلمّا توفى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ارتدّ عمرو بن معد يكرب»([661]).

11ـ كعب بن عدي التنوخي: وهذا الصحابي قد أسلم عند النبيّ’ وبعد وفاة النبيّ’ تردّد وساوره الشك, فبقي لا مسلماً ولا نصرانياً, قال ابن حجر: «فصار في حكم من رجع عن الإسلام، ثمّ عاد بعد ذلك وأسلم, فلمّا شاهد نصرة المسلمين مرّة بعد مرّة رجح عنده الإسلام وعاوده اليقين، فعلى هذا يُعدّ في الصحابة؛ لأنّه لو تخللت له ردّة صريحة ثمّ عاد, استمرّ له اسم الصحبة»([662]).

12ـ عمومة كثير بن الصلت بن معد يكرب: قال ابن حجر: «قال ابن سعد: وفد عمومته إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فأسلموا، ثمّ رجعوا إلى اليمن فارتدّوا فقُتلوا يوم النحر»([663]).

13ـ أبو صفرة([664]) وقومه: قال ابن سعد: «وكان أبو صفرة من أزد دباء، ودباء فيما بين عمان والبحرين، وقد كانوا أسلموا, وقدم وفدهم على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مقرّين بالإسلام، فبعث عليهم مصدّقاً منهم، يقال له: حذيفة بن اليمان الأزدي من أهل دباء وكتب له فرائض الصدقات، فكان يأخذ صدقات أموالهم ويردها على فقرائهم، فلمّا توفي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ارتدّوا ومنعوا الصدقة، فكتب حذيفة إلى أبي بكر بذلك, فوجّه أبو بكر عكرمة بن أبي جهل إليهم، فالتقوا، فاقتتلوا، ثمّ رزق الله عكرمة عليهم الظفر، فهزمهم الله وأكثر فيهم القتل، ومضى فلهم([665]) إلى حصن دباء فتحصنّوا فيه وحصرهم المسلمون في حصنهم، ثمّ نزلوا على حكم حذيفة بن اليمان الأزدي، فقتل مائة من أشرافهم وسبى ذراريهم وبعث بهم إلى أبي بكر إلى المدينة وفيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ يومئذ...»([666]).

14ـ الصحابي نبهان: قد ارتدّ هذا الصحابي ثلاث مرات, قال ابن حجر: «قال وثيمة في آخر كتاب الردة: حدّثنا إسماعيل بن علية عن ميمون أبي حمزة، عن إبراهيم هو النخعي، أنّ نبهان ارتدّ عن الإسلام فأتى به النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فاستتابه فتاب, فخلّى سبيله ثمّ ارتدّ عن الإسلام، فأتي به النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فاستتابه، فتاب، فخلّى سبيله، فقال في الثالثة، أو في الرابعة: اللهمّ أمكنّي من نبهان في عنقه حبل أنوف، فأتي به النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في عنقه حبل أنوف، فأمر بقتله, فلمّا انطلق به ليقتل عاج برأسه إلى الذي انطلق به، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ما قال لك؟ قال: قال: إنّي مسلم, أقول: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال: خلِّ سبيله, وله طريق أخرى موصولة، لكن سندها ضعيف جدّاً، فأخرج الطبراني في الأوسط في ترجمة محمّد بن المرزباني، عن محمّد بن مقاتل الرازي، عن حكام بن سلم، عن طعمة بن عمرو، عن أبان، عن أنس أنّ نبهان ارتدّ ثلاث مرّات فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): اللهمّ أمكنّي من نبهان في عنقه حبل أسود، فالتفت فإذا هو نبهان, قد أخذ وجعلوا في عنقه حبلاً أسود، فأتوا به النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فأخذ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) السيف بيمينه والحبل بشماله ليقتله، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله لو أمطت عنك، قال: فدفع السيف إلى رجل، فقال: اذهب فاضرب عنقه، قال: فانطلق به، فضحك نبهان، وقال: أتقتلون رجلاً يشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فخلّى عنه، وقال: لم يرو هذا الحديث عن طعمة إلاّ حكام بن سلم»([667]).

قلنا: وحديث الطبراني هذا، قال فيه الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، إلاّ أنّ محمّد بن المرزبان شيخ الطبراني لم أره في الميزان ولا غيره»([668]).

ثمّ وجدنا أنّ الهيثمي قد وثّق شيخ الطبراني هذا, فقد جاء في أحد أسانيد الطبراني: «حدّثنا محمّد بن المرزبان، نا الحسن بن جبلة الشيرازي، نا سعد بن الصلت، عن الأعمش، عن وبرة بن عبد الرحمن المسلي، عن خرشة بن الحر، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكفّ الرجال في صوم رجب..([669]).

فقال الهيثمي معلقاً: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسن بن جبلة, ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات»([670]).

وقال الشيخ الألباني: «وأمّا محمّد بن المرزبان شيخ الطبراني فلم أجد له ترجمة، ويظهر أنّه من شيوخه المعروفين؛ فقد رأيت الطبراني قد روى عنه في الأوسط: (27) حديثاً»([671]).

15ـ النضر (النضير) بن الحارث، قال ابن حجر: «وقد ذكره البلاذري عن الهيثم بن عدي قال: هاجر النضير بن الحارث إلى الحبشة, ثمّ قدم مكة فارتدّ، ثمّ أسلم يوم الفتح أو بعده، واستشهد باليرموك»([672]).

فهذه نماذج من الصحابة الذين ارتدّوا في أوقات ما, مع أنّهم رأوا النبيّ’، فلم تعصمهم رؤيته من الكفر والارتداد, فهل تفسّرون ذلك بخلل في تربية النبيّ’؟

وهل تُحمّلونه وزر من ارتدّ على أساس أنّه لم يغرس في نفوسهم العقيدة الحقّة بصورة صحيحة؟

وإذا كانت الرؤية غير عاصمة من الارتداد, فهل تعصم من المعصية والانحراف؟

 فالتاريخ كما أثبت ارتداد بعض الصحابة, كذلك صرّح بزيغ وانحراف بعض الصحابة, ولا نرى ذلك مرتبطاً بالنبيّ’ لا من قريب ولا من بعيد, فإن نفوس البعض مرضت وزاغت, والهداية والتوفيق من الله سبحانه وتعالى, أمّا من يربط انحراف بعض الصحابة بفشل النبيّ’, ويدّعي أنّ القول بعدالتهم هو جرح بالنبيّ فعليه أنْ يفسّر حالات الارتداد التي ذكرناها، وحالات الارتداد التي حصلت بعد وفاته’ فإنّها أشنع وأشدّ من ارتكاب المعصية.

قول ابن عقيل فيما جرى بين الصحابة

أوردنا لكم في ختام كلامنا حول ما جرى من السبّ والشتم والقتال بين الصحابة, قولاً لابن عقيل، جاء فيه: «أنّ الصحابة أنفسهم لا يدّعون لأنفسهم هذه المنزلة التي ادّعاها بعض المحدّثين لهم من العدالة العامّة فيهم، وهم أعرف بأنفسهم وبمن عاصروه وعاشروه من هؤلاء الذين كادوا يتّخذون الصحابة أنبياء معصومين، كيف وقد نقل عنهم وشاع وانتشر ردّ بعض منهم روايات البعض الآخر, واتّهامه في النقل, وعدم قبول ما جاء به إلاّ بعد تثبّت شديد، وتحرّ عظيم؟

وقد صحّ عن عليّ (كرم اللّه وجهه) أنّه يقول: ما حدّثني أحد بحديث عن رسول اللّه إلاّ استحلفته، وما استثني أحداً من المسلمين إلاّ أبا بكر»([673]).

ولم نرَ منك أي تعليقاً يذكر على هذه الفقرة؛ لأنّ ما تناوله ابن عقيل هنا ثابت وواقع لا مجال لإنكاره, لذلك تركت هذه الفقرة وانتقلت إلى الموضوع اللاحق؛ لأنّه لا ينفعك هنا أنْ تقول: إنّ ابن عقيل ليس من أهل السنة، فهو لا ينفع في المقام؛ لأنّ ما ذكره من الأمور هي وقائع ثابتة, فسواء كان من أهل السنّة أو غيرهم لا يغيّر من الأمر شيئاً، لذا لم يكن عندك سبيل إلاّ ترك هذه الفقرة من الكلام والانتقال لما بعدها.

ابن عقيل: عدالة الصحابة أبعد من قول الشيعة بعصمة أئمتهم

ذكرنا لكم قول ابن عقيل: «إنّنا أهل السنّة قد أنكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للأئمّة الاثني عشر، وجاهرناهم بصيحات النكير، وسفّهنا بذلك أحلامهم، ورددنا أدلّتهم بما رددنا، أفبعد ذلك يجمل بنا أن ندّعي أنّ مائة وعشرين ألفاً حاضرهم وباديهم، وعالمهم وجاهلهم، وذكرهم وأنثاهم، كلّهم معصومون، أو كما نقول: محفوظون من الكذب والفسق، ونجزم بعدالتهم أجمعين، فنأخذ رواية كلّ فرد منهم قضيّة مسلّمة، نضلّل من نازع في صحّتها ونفسّقه ونتصامم عن كلّ ما ثبت وصحّ عندنا, بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي, والكذب, والقتل بغير حق, وشرب الخمر، وغير ذلك مع الإصرار عليه، لا أدري كيف تحلّ هذه المعضلة, ولا أعرف تفسير هذه المشكلة»([674]).

قلتم: ابن عقيل مجهول وأهل السنة لا يقولون بعصمة الصحابة

وأجبتم على ذلك بما حاصله: أنّ ابن عقيل رجل مجهول متحامل وليس من أهل السنّة, وكثير من دعاويه كاذبة, فأهل السنة لا يقولون بعصمتهم أو بحفظهم، فهذا كذب غير موجود في كتب أهل السنة, بل يقولون إنّ الأصل فيهم الخير؛ لدخولهم الإسلام طائعين مختارين حتّى يتبيّن لنا خلاف ذلك؛ لشرف صحبتهم, ثمّ طلبتم أسماء من ارتكب المعصية من شرب للخمر وقتل بغير حقّ وغيرها مع إثبات دعوى إصرار الصحابة على ذلك.

الجواب

1ـ عرفنا فيما سبق أنّ ابن عقيل ليس برجل مجهول، بل هو من علماء أهل السنّة، فلا نعيد.

2ـ لم نَرَ كِذْبَ دعاويه عند النظر في الأحاديث والواقع التاريخي, بل رأينا كلامه مطابقاً للواقع, فغاية ما هناك أنّ الرجل بحث مسألة الصحابة بموضوعية, فكان عليه أنْ يسلّم بالنتائج, ولو أنّ كلّ علماء أهل السنة انتهجوا الموضوعية في البحث لما حصل هذا الافتراق الكبير بين المسلمين.

3ـ عدم وجود تصريح بعصمتهم في الكتب لا يُغيّر من الواقع شيئاً, فلم يقل أحد إنّّكم تصرّحون بذلك, لكن تعاملكم معهم يفوق رتبة المعصومين, فلا تقبلون عليهم المعصية وتؤولون كلّ أفعالهم وأقوالهم, فإنّكم من الناحية العملية تؤمنون بعصمة الصحابة, وتضفون عليهم هالة كبيرة من القدسية, وتروْن أنّ مجرد رؤية النبيّ’ كافية في تبرير عمل الصحابي وإنْ أدّى ذلك إلى قتل آلاف الأبرياء, فهو صحابي مجتهد وله أجر.

فقولكم فيهم أشدّ من العصمة, فهم مأجورون في خطئهم وصوابهم, فأيّ نوع من البشر هؤلاء بحيث يؤجرهم الله دائماً وهم يسفكون الدماء ويشربون الخمر ويزنون ويستحلّون الحرمات, وملائكة الله تسجل في كتبهم الحسنات تلو الحسنات!! وأبواب الجنّة مفتّحة أمامهم وبساطهم مطوي!! ولم تقتصروا على ذلك، بل وصلت الجرأة إلى أن تحاك لهم الفضائل ولو أدّت إلى الانتقاص من الرسول’، وقد قدمنا أمثلة على ذلك في بحوثنا السابقة فلا نعيد.

4ـ إن ابن عقيل فسّر مراده من العصمة، بقوله: «أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق، ونجزم بعدالتهم أجمعين، فنأخذ رواية كلّ فرد منهم قضيّة مسلّمة، نضلّل من نازع في صحّتها ونفسّقه ونتصامم عن كلّ ما ثبت وصحّ عندنا» وهذا ما نقوله من العصمة العملية للصحابة, أي أنّكم تتعاملون معهم معاملة المعصومين, وهذا الكلام من ابن عقيل ليس بكذب, بل هو عين الحقيقة, أفهل تدلّنا على رواية واحدة رُدّت بسبب عدم وثاقة صحابي معيّن؟ أو هل تدلّنا على صحابي واحد لا تجزم بعدالته؟

 وقد ذكرتَ بنفسك في مبحث سابق: «والقصد من عدالة الصحابة هو قبول رواياتهم من غير بحث عنهم, وهذا قد أجمع عليه جميع المحدثين ولم ينقل عن أحد منهم من ردَّ رواية صحابي ثبتت صحابته بدعوى جهالته أو عدم عدالته، وكذلك الفقهاء والأصوليون والمفسرون لم يرد عن أحد منهم جميعاً أنَّه ردَّ رواية صحابي أو توقف فيها بشبهة عدم العدالة, والمطّلع على كتب التراجم يرى ذلك واضحاً جلياً»([675]). فمع تحفظاتنا على ما ورد في هذا النصّ, إلاّ أنّه بالنتيجة يمثل رأيك.

أفلا يعني هذا أنّهم محفوظون من الكذب والفسق؟! فلا نفهم معنى لتكذيبك كلام ابن عقيل! أفهل تقول بوجود كذابين في الصحابة, أو تعترف بوجود فسّاق بينهم؟ أفلم تصرّحوا ويصرّح علماؤكم بأنّ البحث عن العدالة وصدق الرواية إنّما هو في غير الصحابة؟! ألم تحملوا كلّ أعمال بعضهم المشينة على أنّهم متأولون فيها؟! ألم تلْووا أعناق الروايات وتقلبوا حقائق التاريخ رأساً على عقب من أجل دفع التهم عن بعض الصحابة؟!

ومن غرائب الأمور أنّكم تعدّون من الصحابة حتّى من رأى النبيّ ولو لم يره النبيّ’, وحتّى من رأى النبيّ’ وهو طفل صغير ولم يرو عنه, فبالله عليك من أين تثبتّم في صدق هؤلاء, وكيف جاز لكم الحكم بعدالتهم؟!

5ـ ذكرت أنّ الأصل فيهم الخير ما لم يثبت الخلاف, ونقول إنّه حتّى لو سلمنا بهذا الأصل، فإن الخلاف قد بان, وثبت من خلال الروايات والواقع التاريخي فسق وانحراف الكثير منهم, لكنكم تتأولون لذلك ولا تأخذون به.

6ـ ذكرنا لك سابقاً مجموعة ممّن سرق وشرب الخمر وعصى, وذكرنا لك بأن النبيّ’ أطلق لفظ العصاة على مجموعة منهم, وذكرنا لكم أن بعضهم كان يعصي النبيّ’ علانية ولا يطيعه, وذكرنا لك أنّ النبيّ لعن بعضهم وتوعد بالنار بعضاً آخر, وذكرنا لك بأن النبيّ’ صرّح أنّ معاوية يموت على غير ملّته, وذكرنا لك بأنّ معاوية وطلحة وعائشة والزبير كانوا عامدين في حربهم التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين.

أمّا مسألة الإصرار، فنحن من نطالبك بإقامة الدليل على التوبة بعد أنْ ثبتت المعصية ولم تثبت التوبة, على أنّه أثبتنا في بحوثنا السابقة أن بعضهم كان مُصرّاً على المعصية بحيث جلبوه للخليفة من أماكن أخرى, فأقام الحدّ عليه, مضافاً إلى أنّ من توعّده النبيّ’ بالنار لا يرتجى له توبة؛ لأنّ النبيّ’ جزم بدخوله النار.

فتبيّن من خلال ما تقدّم أنّ كلّ دعاواك ينقصها الدليل وتعوزها الحجّة, وأنّ كلام ابن عقيل المتقدّم متين لا غبار عليه.










حوار حول
 حكم من يطعن في الصحابة


الاتهام بالزندقة لمن طعن في الصحابة

ذكرنا لكم بعض أقوال أهل السنّة المتعلّقة باتّهامهم كلّ من يطعن في الصحابة بالإلحاد والزندقة([676]).

وقد أطلتم في الجواب, حتّى خرجتم عن محور الحديث؛ لذا كان لزاماً علينا إعادة القارئ إلى محلّ البحث، ثمّ نجيب على أهمّ ما ذكرتموه في كلامكم.

محل البحث والكلام

كان موضوع الحوار يدور حول عدالة جميع الصحابة, وقد تناولنا الموضوع من زوايا عديدة, وتبيّن أنّ الآيات والروايات لا تساعد على إثبات عدالة جميع الصحابة, كما أنّ الواقع التاريخي أثبت عدم صحة تلك النظرية، وأنّ هناك ممّا شذّ عن هذه القاعدة.

كما عرفنا أن الصحابة أنفسهم لم يكونوا يرون مبدأ عدالتهم جميعاً؛ لذا نجدهم قد تقاتلوا وتسابّوا، بل كفّر بعضهم بعضاً.

 وبيّنا أيضاً أنّ الكثير من علماء أهل السنّة أيضاً لا يؤمنون بمبدأ عدالة جميع الصحابة خصوصاً على القول في كفاية الرؤية بتحقق عنوان الصحبة.

وبعد أن أشبعنا البحث في تلك النقاط، قلنا: مع هذا كلّه نجد أنّ بعض علمائكم يتّهم من ينتقد الصحابة بالزندقة والخروج من الدين والإلحاد!

كان هذا هو محلّ البحث، ولكنك غفلت عن مقصودنا من الكلام وتركت الجواب عليه.

 وعلى أيّ حال، فإنّه يترتب على اتّهامكم ـ لكلّ من يطعن في الصحابةـ بالإلحاد والزندقة، أمور، منها:

1ـ من الثابت تأريخياً أن الصحابة قد طعن بعضهم ببعض, فلازمه أنْ يكون بعضهم ملحدين وزنادقة, وهم أبصر بغيرهم بحال معاصريهم, وطعنهم مستند إلى الحسّ دون الحدس.

 وعلى أيّة حال، فأنت بين أمرين: فإمّا أن تبقى مُصرّاً على التمسّك بنظرية عدالة الجميع، ولازم ذلك أنْ تعترف بأنّ بعض الصحابة زنادقة وملحدين, أو ترفض مبدأ عدالة الجميع، وتعدّ الطعن ببعضهم أمراً طبيعياً؛ وبهذا ينبغي أنْ تترك الاتهامات الباطلة والأفكار السوداء عن الشيعة، وتعترف بأنهم لم يبتدعوا في ذلك، بل قالوا بما قاله الصحابة أنفسهم.

 2ـ إنّ الخليفة عمر قد طعن ببعض الصحابة ورماهم بالنفاق, وبلا شك أنك لا تعتقد أن طعنه هذا يدخله في خانة الزنادقة.

3ـ عرفنا أنّ بعض الصحابة كحسّان بن ثابت, ومِسْطَح بن أثاثة, وحمنة بنت جحش, قد اتّهموا السيدة عائشة في عرضها, ولا أخالك تجرؤ على وصفهم بالزنادقة حينها. وعرفنا أيضاً أن مجموعة من الصحابة يترأسهم معاوية كانوا يقعون في علي بن أبي طالب ويسبّونه, وهو من أكابر الصحابة, فهل تعد هؤلاء زنادقة؟!

4ـ إن مجموعة من علماء أهل السنّة لم يقولوا بعدالة جميع الصحابة، بل طعنوا ببعضهم, مثل المازري, وابن العماد الحنبلي, والعلامة التفتازاني, وعلاّمة المغرب عبد الله بن الصديق، والعلاّمة حسن السقاف وغيرهم, فهل تدخل جميع هؤلاء في خانة الزندقة؟!

 هذه أمثلة نسوقها فقط لبيان التناقضات التي تتبعها في حوارك, والتي تكشف كيفية التعامل اللامنصف والبعيد عن الأجواء العلمية من طرفك، فحين يتعلّق الأمر بالشيعة تحكم بأنهم زنادقة وملاحدة, أما حين يكون قول الشيعة هو ماقاله الصحابة، وقاله جملة من علماء أهل السنة، تأخذ الصمت مذهباً. فما لكم! كيف تحكمون؟!!!

وقفات حول حكم من يطعن بالصحابة

قلتَ ص142: «أوّلاً: لماذا يجرح الشيعة الصحابة ويرفضون عدالتهم؟ وما هو المقصود من ذلك؟ أليس المقصود هو إفقاد الثقة في مروياتهم والتشكيك في إيمانهم وإخلاصهم؟!».

الجواب

 كنّا نتمنى أنْ يكون الحوار الديني أرفع مستوى، ويبتعد عن إيصال معلومات أو إيحاءات خاطئة للقارئ, فإنّ كلّ مَنْ يقرأ عبارتك أعلاه سيفهم أنّ للشيعة موقفاً مسبقاً من الصحابة يقضي بعدم عدالتهم, فالشيعة لم يجرحوا الصحابة بقصد مضمر لهم, كما تُريد أنْ توحي بذلك! وليس لهم عداء معيّن مع شخص من الصحابة أو لهم علاقة وطيدة مع آخر, إنّما هو المنهج العلمي, فتارة تكون نتائجه خاضعة للمنطق النبوي والقرآني الذي يُحتّم تقديس وتبجيل شخص؛ لأنه يحمل نفساً إيمانياً عالياً وله مواقف جهادية مشرّفة, وتارة تكون نتائجه خلاف ذلك.

 ثمّ إنّ الأمة الإسلاميّة قد مرّت بفترات عديدة من التوتر والانقسام والاختلاف, فكان لا بدّ ـ لأجل بيان العقيدة الحقّة والأحكام الصحيحةـ من دراسة تلك الفترة طبق الموازين العلمية الصحيحة؛ اعتماداً على القرآن والسنة والتاريخ الصحيح؛ ليتبين المنهج الصحيح لاستقاء العقائد والأحكام؛ وليتبين الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه من غيره, وبغض النظر عن النتائج التي نتوصل اليها, فإنّ الحقّ أحقّ أنْ يتّبع.

ومن خلال ذلك يتبيّن أنّه لم يكن هناك غرض خفي للطعن في الصحابة أو التشكيك في إيمانهم! بل هي دراسة علمية للوقوف على العقيدة الحقّة؛ اعتماداً على الأدلّة المعتبرة, فكما أنّ المازري وكذا التفتازاني وابن العماد وغيرهم توصلوا إلى نتائج معينة تفضي إلى القول بفسق بعض الصحابة, فكذلك الشيعة، دون أي فرق يذكر, بل قد عرفنا أنّ الصحابة أنفسهم كانت لهم آراء مختلفة وقد طعن بعضهم ببعض، وكفّر بعضهم بعضاً.

 فتحصّل أنّ المسألة علميّة خالصة، حالها حال بقية المسائل التي يختلف فيها المسلمون، سواء كانت في العقيدة أم الاحكام.

آثار الجرح والتشكيك بالصحابة

قلتُم ص142: ثانياً: ماذا يترتب على جرح الصحابة والتشكيك في عدالتهم؟ ثمّ بسطت هاهنا كلاماً طويلاً فيما يترتب على ذلك، وسنقف على أهم ما أوردتموه فيه:

قلتم: الطعن بالصحابة يستلزم إبطال الشريعة

قلتم: إن الطعن بالصحابة يترتب عليه:

أولاً: أن الصحابة غير أمناء على الشريعة؛ لأنهم قتلة زناة... وهذا يؤدّي إلى إبطال الشريعة, وهذا أفضل طريق يستغلّه أعداء الشريعة لإبطال هذا الدين.

الجواب

نقول: أوّلاً: لم يقل أحد من الشيعة بأنّ جميع الصحابة مطعون فيهم, فنحن حينما ننفي مبدأ عدالة جميع الصحابة لا نقصد بنفي العدالة عن كلّ واحد فيهم، بل نريد أن ننفي قيد الجميع فقط، بمعنى أنه ليس كل واحد من الصحابة بالضرورة هو عادل، بل هناك المئات منهم ثقات وعدول ويؤخذ بكلامهم لو صحّ السند إليهم.

 فالطعن ببعضهم لا يؤدّي إلى إبطال الشريعة، بل يؤدّي إلى تهذيبها والاعتماد على الثقات المتدينين في إثبات العقائد والأحكام.

ثانياً: أنّ اتّباع توجيهات النبيّ’ يقتضي اتّباع أهل البيت^، وعلى رأسهم علي×, فالأحاديث في ذلك عديدة صحيحة عند الفريقين، بل إن بعضها متواتر, وهذه الأحاديث توجب على كلّ مسلم أن يتّبع منهج أهل البيت^ والأخذ بتعاليمهم، من قبيل حديث الثقلين الدال على وجوب التمسك بهم وأنّه منج من الضلال, ومن قبيل حديث السفينة الدالة على نجاة المتمسك بهم, وغرق المخالف لأوامرهم وتوصياتهم, فالشريعة إذن غير متوقفة على عدالة الصحابة جميعاً، فقد نصّب لنا الشرع طريقاً نستقي منه تعاليم ديننا.

فلو كانت الأمّة قد تمسّكت بهم وأخذت عنهم معالم دينهم لاستطاعوا حينئذٍ تغطية كلّ المعارف الفقهية والشرعية والأخلاقية.

قلتم: الطعن بهم يستلزم عدم صحة أصل الدين

قلتم: ثانياً: هذا الدين غير صحيح؛ لأنّه لم يستطع أن يربي الجيل الأول تربية إيمانية سليمة, فما أنْ مات الرسول حتّى انقضوا على دينهم وارتكبوا كلّ محرم.

الجواب

 نقول: ـ مضافاً إلى ما ذكرناه من أن الطعن ببعض الصحابة لا يستلزم الطعن بغيرهم ممّن ثبتت عدالته ـ قد تقدّم مراراً بأن نجاح النبيّ’ في دعوته لايعني تحويل المجتمع إلى مجتمع معصوم, كيف ذلك والقرآن بنفسه حكم بفسق بعض الصحابة، كالوليد مثلاً، كما أن الرسول قد حكم على بعضهم بأنهم عصاة, وصرّح بدخول بعضهم النار؟

 ولو كان تحقق فسق بعض الصحابة يفضي إلى القول بفشل النبيّ في دعوته وعدم صحّة دينه؛ لكان يلزم من ذلك الحكم بفشل عيسى وموسى وغيرهم من الأنبياء (عليهم وعلى نبيّنا وآله أفضل الصلاة والسلام)؛ بذريعة أنّهم لم يستطيعوا تربية جيل صالح يتبعهم!!

قلتم: الطعن بهم يستلزم أن النبي كان يربي المجرمين

 قلتم: ثالثاً: أنَّ رسول الله كان يرّبي جيلاً مجرماً قرابة ثلاث وعشرين سنة، وهو لا يدري أنَّهم مجرمون ومخادعون كانوا معه على النفاق والخداع، فلمَّا مات انكشفت النوايا وظهر المستور.

الجواب

أولاً: لم يقل أحد أن الجميع كانوا منحرفين ومجرمين, لكن هناك عدد كثير من المنافقين كانوا يعيشون وسط المجتمع، وقد نزلت آيات عديدة في حقّهم, وتقدّم مراراً أنّ الله سبحانه أطلع نبيّه’ على بعض منهم، وبقي البعض الآخر لا يعرفه, أما مسألة وجود منحرفين دينياً في وقته’ فهذا مما لا يمكن إنكاره, فالنبيّ’ كان يقيم الحدود والتعزيرات وغير ذلك من الأحكام على السارق والزاني وغيرها، وقد أثبت التاريخ الصحيح ذلك. وتقدّمت نماذج من ذلك في طيّات البحث.

ثانياً: لا شكّ في أنّ الانحراف ممن عاشر النبي’ لم يكن منحصراً في زمنه’، بل إنّ البعض ممّن كان مع النبيّ’ قد طاله الانحراف بعد وفاته، فلا ينكر أحد حدوث حركة الارتداد في مناطق واسعة من المجتمع الإسلامي, ولا يعني هذا بالضرورة فشل النبي في تربيته للجيل الإسلامي! فإن النبي’ قد بلّغ وأحسن في الأداء, والهداية من الله سبحانه وتعالى, وأنّ كل نفس بما كسبت رهينة, والله سبحانه يقول: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}([677]).

كما لا ينكر أحد حدوث فتن كبيرة بين المسلمين بعد ذلك، لعلّ أهمها الفتنة التي أودت بقتل الخليفة عثمان على يد الصحابة وخيار التابعين وقراء القرآن, وما تلاها بعد ذلك من حروب ضمّت إحدى جبهاتها الإمام علي× وممّن معه من المهاجرين والأنصار، وضمّت جبهتها الأخرى عائشة وطلحة والزبير وأنصارهم في حرب الجمل, ومعاوية وابن العاص وأنصارهم في حرب صفين, والخوارج في حرب النهروان, فهذه الأحداث تكشف حالة من التفكك والإنحراف سادا في المجتمع بعد وفاة النبي’, وهذا الإنحراف في أفراد المجتمع الإسلامي قد يكون لبعضه جذوراً منذ حياة النبي’ لكن لا شكّ في أنّ الدنيا وملذاتها لها دور كبير في هذا الإنحراف، حتّى لبعض من كان مستقيماً في حياة النبي’, ومن هنا نجد تصريح الصحابي أنس بأنهم أضاعوا كلّ شيء بعد وفاة النبيّ’ حتّى الصلاة([678]).

قلتم: الطعن بالصحابة يستلزم الطعن بالله تعالى

قلتم: رابعاً: أنّ الله تعالى كان يعلم عن ذلك الجيل وأنَّه جيل شرير ولم يخبر رسوله به؛ ليستبدل به غيره، وهذا إقرار للباطل وتغرير بالناس؛ لأنّ الناس يرون هؤلاء يرافقون رسول الله ويحيطون به والرسول يعاشرهم ويستشيرهم ويزوجهم من بناته, ويتزوج من بناتهم, ويُثني عليهم, ويذكر من فضائلهم، وهذا اتّهام لله أولاً بعدم كشفهم لنبيه, وللأمَّة لئلا ينخدعوا بهم ثانياً، بل الله عزّ وجلّ أكثر من الثناء عليهم عامّاً وثناءً خاصّاً, وذلك فيه تغرير للناس بذلك الثناء، حسب زعمكم. هذه هي نتيجة جرح الشيعة الإمامية للصحابة.

الجواب

هذا الكلام لايعدو كونه كلاماً خطابيّاً غير مستند للأدلّة ومجاف للحقيقة, وفيه رؤية للأحداث من زاوية ضيّقة متمذهبة بمذهب معيّن، هدفها الدفاع المحض، دون الوصول إلى الحقيقة! ويتّضح عدم صحّة الكلام أعلاه من خلال النقاط الآتية:

أوّلاً: أنّ الله سبحانه وتعالى لم يثن على جميع الصحابة! بل كان الثناء متوجهاً إلى بعض منهم ـ كما تقدّم وسيأتي في البحوث اللاحقة ـ مضافاً إلى أنّه قد ورد ذمّ صريح للبعض الآخر، كما في مسألة صلاة الجمعة حين تركوا الرسول’ وانفضّوا إلى التجارة, أمّا الآيات الواردة في المنافقين ومرضى القلوب فهي كثيرة جدّاً, فالله سبحانه وتعالى إذن أخبر بعدم عدالة جميع الصحابة.

ثانياً: تقدّم مراراً أنّ النبي’ ذمّ العديد من الصحابة؛ بل صرّح بدخول عدد كبير منهم في النار، كما في أحاديث الحوض التي تقدّمت، مضافاً إلى ذمّه جماعات معيّنة في حياته مصرّحاً بأنهم عصاة لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون بنهيه, فضلاً عن إقامته الحدود على بعضهم لارتكابهم المعاصي في زمنه’, فالرسول’ كذلك أخبر بعدم عدالة جميع الصحابة, مصرّحاً بفسق العديد منهم.

ثالثاً: أنّ النبيّ’ لم يترك أمر هذه الأمّة سُدىً تتجاذبها الأهواء, بل نصّ على خلفائه من بعده في أكثر من حادثة، وهم الاثنا عشر من أهل بيته^ أولهم علي× وآخرهم المهدي#, مؤكّداً أن النجاة والأمان لا يحصل إلاّ باتّباعهم والاقتداء بهديهم والسير وفق نهجهم. وأنتم وإنْ كنتم ترفضون هذا جملة وتفصيلاً, وتحاولون بشتّي الطرق والأساليب تفريغ هذه الأحاديث من محتواها، لكنه هو الصحيح والمنسجم مع الأدلة فيما لو نظرتم لها نظرة موضوعية، ففي حديث الثقلين والسفينة وغيرها من الأحاديث الواردة في عموم أهل البيت^ ما يؤكّد صحّة ذلك، وكذا الأحاديث العديدة الواردة في علي×, وقد ورد في البخاري ومسلم وغيرها من صحاح ومسانيد المسلمين أنّ خلفاء النبيّ اثنا عشر خليفة, ولا يجد الباحث انطباق هذا الرقم إلاّ على أئمة أهل البيت^, فلا تغرير إذن مع بيان الطريق وإتمام الحجّة.

قلتم: الطعن بهم يستلزم التشكيك بالقرآن والسنَّة

 قلتم: خامساً: في دعاوى الشيعة الإمامية أنَّ الله لم يبين البيان الكافي لمعرفة الأخيار من الأشرار ممَّا يجعل الأمر مختلفاً, فإمَّا أن يُزكَّى الأشرار وإمَّا أن يُتَّهم الأخيار لعدم الوضوح والبيان. ثمَّ يترتب على ذلك عدم الثقة في مروياتهم؛ لأنَّنا نشكّ فيهم ونخشى أن يكذبوا علينا. أو لا ندري من هو المؤمن فنقبل روايته، ومن هو المنافق فنرد روايته، فإن الأمر مختلط والقرآن لم يُحدَّد والسنَّة نقلها هؤلاء. وبهذا نفقد الثقة في القرآن والسنَّة لأنَّ نقلَتها مشكوك فيهم.

الجواب

 بيّنا سابقاً أن هناك من الصحابة الثقات والعدول عدداً كبيراً يكفي في نقل ما صدر عن النبي’، فلا مانع حينئذٍ من الأخذ فيما ينقلونه عن النبي’ مع صحّة الطريق إليهم.

وبيّنا أيضاً أن طريق نقل الشريعة ليس منحصراً في الصحابة، فإنه تعالى قد أوضح الطريق الذي يجب على الأمّة اتّباعه, وإن اتّباع خلافه يعدّ خلاف المنهج القرآني والتوصيات النبوية، إذ الشريعة ومعرفة أحكامها منوط بعد النبي’ بأهل البيت^, فكلامك أعلاه ممّا لا محصّل له.

إثبات إيمان الصحابة

قلتم: لا يمكن إثبات إيمان الصحابة على المنهج الشيعي

ذكرتم في ص143 تعقيباً على ما قلناه من أنه كيف يتّهم بالزندقة من ينتقد الصحابة, مع أن الصحابة أنفسهم قد طعنوا ببعضهم البعض؟

فذكرتم كلاماً طويلاً ضمن ردّكم يتركز على بيان عدم القدرة على التمييز بين المؤمن وغيره على المنهج الشيعي.

 وحاصله مع التوضيح: أنّ الشيعة قد أبطلوا الدلالات العينية للآيات على معرفة المؤمنين من الصحابة باستثناء ما فسّروه بعليّ، فيمتنع عندئذٍ معرفة المؤمن من غيره عن طريق القرآن، بل لو شكك شخص بإيمان الخلفاء الأربعة لما أمكن الردّ عليه؛ لأن الثلاثة بحسب اعتقاد الشيعة قد اغتصبوا الخلافة وخالفوا الوصية، والخليفة الرابع ـ الإمام علي ـ قد أضاع الوصية ولم يصرّ على تنفيذ مضمونها؛ خوفاً على نفسه, وهذا دليل على النفاق، وعندئذٍ يصعب جواب هذا التشكيك، بل إن القرآن قد وصف مَنْ مع النبي’ بالإيمان وكذلك في نفس الوقت قد وصفهم بالنفاق, ولم يكشف لنا المؤمن منهم والمنافق.

ولا يمكن الاحتكام إلى السنّة؛ لأنها نُقلت عن طريق هؤلاء الأشخاص الذين نشكّ في إيمانهم, ويترتب على ذلك عدم التصديق لا بالقرآن ولا بالسنّة، فالدين عندئذٍ باطل.

ثمّ بعد ذلك ترحمتم على أبي زرعة لتصريحه بزندقة من يطعن بالصحابة، ونقلتم قوله: >إنّما يريدون أنْ يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنّة, والجرح بهم أولى, وهم زنادقة<.

الجواب

ذكرنا مراراً أنّ طريق استقاء المعارف الدينية ليس منحصراً بمدرسة الصحابة، بل الصحيح أنّه منحصر بأهل البيت^، وفق ما ثبت من الأدلّة الصحيحة.

 كما تقدّم أيضاً أنّ الاحتجاج يختلف عن الاستدلال، فالاحتجاج لا بدّ أنْ يكون بما صحّ عند الطرف الآخر, بخلاف الاستدلال، فإنّ كلّ طرف يعتمد فيه على ما صحّ عنده, فيكفي أنْ نثبت لكم عدم صحّة نظرية أنّ جميع الصحابة هم عدول، بما ثبت من صحيح كتبكم, فضلاً عمّا اتّفق عليه الفريقان, وهذا إلزام لكم بما تتبنونه وتقولون به.

أمّا لو أردنا أنْ نستدلّ على أمر معيّن فيكفينا الرجوع إلى ما ثبت عندنا بطريق صحيح عن أهل البيت^, فما ثبت عنهم من روايات لا يعدو سنة النبي’؛ لأنّ مرجعها إلى أقوال النبيّ الأكرم وأفعاله، كما دلّت عليه مجموعة من الأحاديث المعتبرة.

ومنه يتّضح أنّ معرفة وتفسير القرآن ليس متوقفاً على الاعتقاد بعدالة الصحابة؛ فالقرآن قد حفظه أهل البيت^ وفسّروه، وبالإمكان عندئذٍ معرفة إيمان الكثير من الصحابة من عدمه. فلايتوقف معرفة إيمان الصحابة وعدالتهم على الصحابة أنفسهم, بل يُعرف من خلال القرآن ومن خلال روايات أهل البيت^، وكذلك يمكن إثبات ذلك من خلال بعض الحوادث التاريخية المسلّمة من قبيل قتال معاوية لعلي×، أو من قبيل ذمّ النبي’ لمجموعة من الصحابة.

فهناك إذن طرق ومنهجيّة مقبولة يمكن من خلالها معرفة إيمان وعدالة الصحابة، وكذا انحراف البعض الآخر, فالتشكيك بعدالة بعض الصحابة لا يؤدّي إلى إبطال الدين، كما زعمتم!

ومنه يتّضح أيضاً بطلان قول أبي زرعة حول من يطعن ببعض الصحابة بأنهم: «يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنَّة, والجرح بهم أولى, وهم زنادقة».

ولا بدّ أنْ نشير إلى أنّك قد خلطت بين مسألة الخطأ والمعصية, وبين مسألة النفاق في كلامك حول الخلفاء الأربعة, فأنت اعترفت في أكثر من مورد بإمكانية صدور الخطأ والمعصية من الصحابي, وأنّه ليس معصوماً, فما رتبت من دليل كان يثبت أن الخلفاء قد صدر منهم الخطأ والمعصية لا النفاق، ويترتب عليه أنّ كلامك حول الخلفاء الأربعة على فرض تمامه؛ إنّما يثبت لهم الخطأ والعصيان، فتدبّر!

قلتم: إن عليا تنازل عن الخلافة حفاظا على حياته

ذكرت في كلامك أنّ مؤدى عقيدة الشيعة هو أنّ علياً أضاع الخلافة حفاظاً على حياته.

الجواب

هذا الكلام باطل حتماً, وقد وقع في سياق الخلط بين الإمامة والخلافة، وهذا الخلط طالما أدخل أهل السنة في متاهات عديدة, وعدم فهمٍ لاعتقاد الشيعة في هذه المسألة, بينما حقيقة النزاع إنّما هو في إمامة أهل البيت^ ومرجعيتهم للأمّة في كافّة شؤونها بما في ذلك الشؤون السياسية, بمعنى أن للإمام وظائف عديدة, منها بيان الأحكام وبيان القرآن, وبيان العقيدة, وحفظ الشريعة من الضياع ونحو ذلك، وكذا الخلافة السياسية وإدارة شؤون البلد، وعلي^ وكذلك بعده الحسن× لم يتنازلوا عن وظيفتهم كمراجع للأمة في شؤونها الدينية, بل إنّ هذا الأمر لا يمكن سلبه منهم, فكثير من الناس كانت ترجع إليهم وتسألهم وتتمسّك بتوجيهاتهم, فغاية ما تنازلوا عنه هو الخلافة السياسية.

وسكوتهم لم يكن حفاظاً على أنفسهم, بل كان حفاظاً على الدين ووحدة المسلمين, فما دامت هناك صورة للإسلام وإقامة لشعائره بصورة عامّة فالمصلحة الإسلامية تقتضي السكوت, أمّا لو ضاعت معالم الإسلام فلم تعد مصلحة السكوت باقية, ولذا حين وصلت الخلافة إلى يزيد شارب الخمر والمستهتر بكلّ القيم والمبادئ أعلن الحسين× كلمة «لا» لمبايعته, حتّى وصل الأمر إلى شهادته×.

قلتم: آثار الشيعة لا تخلو من تضليل للصحابة أو تكفيرهم

قلت في ص145ـ 147: >رابعاً... لا يكاد يخلو كتاب من كتب الآثار المرويّة في العقائد أو التفاسير أو الرجال من تضليل الصحابة أو تكفيرهم إلاّ أربعة أشخاص<.

ثمّ أوردت روايات حاولتَ أن تؤيّد بها مطلبك, وأضفتَ بعد ذلك قائلاً: >إنّ الروايات بين أمرين...فإنْ كانت معتمدة فهذا كاف لبيان سوء هذا المعتقد, وإن كانت غير معتمدة فهي كذلك دليل على أنّ هذا المذهب استغلّه الزنادقة للطعن في أصحاب رسول الله, بل والطعن في القرآن<.

الجواب

 من الواضح أنّ الاعتقاد بشيء لا يتكون نتيجة مفاد رواية واحدة أو روايتين، بل تساهم في تشكيله وصياغته دلالات الآيات والروايات بعد تدقيقها وإثبات صحّتها, وحلّ التعارض بينها, وعرضها على القرآن الكريم.

 أمّا النظر لخصوص طائفة بعينها من دون النظر إلى ما يعارضها ولا النظر إلى أسانيدها ولا النظر إلى ما يصرّح به القرآن حول مفادها, فهذا ليس منطقياً.

وفيما نحن فيه، هناك روايات وآيات دلت على عدالة مجموعة كبيرة من الصحابة, كما أن هناك روايات تذم بعضهم، وفيها ما هو المعتبر وما هو السقيم, كالرواية التي ذكرتموها مثلاً عن تفسير الصافي والقمّي، فهي مرسلة في تفسير الصافي, وتفسير القمّي لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه, فلا يمكن الاعتماد عليها.

وبهذا يتّضح أنّ استدلالك بالروايات بشكل انتقائي غير صحيح، خصوصاً أنّ الشيعة أوضحوا رأيهم في قضية عدالة الصحابة واختاروا الوسطية في ذلك، فكما أنه في الصحابة عدول, كذلك فيهم غير عدول، وهو رأي مدعوم بالدليل والحجّة والبرهان.

أمّا ما ذيّلت به كلامك من أنّ الروايات إذا كانت غير معتبرة فهو يدلّ على أنّ المذهب استغلّه الزنادقة... الخ, فهو كلام غريب منك، فما أكثر الروايات الضعيفة التي في كتبكم، بحيث أُفردت كتب خاصّة اقتصرت على ذكر الروايات الضعيفة أو الموضوعة، وقد انتشر فيها الكثير الذي يخالف التوحيد ويسيء للنبي’، وعندئذٍ لا بدّ أن يقال ـ وفقاً لكلامك هنا ـ أن مذهب أهل السنة قد وقع ضحية الزنادقة!!

أمّا ما يتعلّق بالروايات التي ذكرت ارتداد الناس إلاّ أربعة؛ فقد تقدم بيان المراد من ذلك في الجزء الأول فلا نعيد([679]).

قلتم: الآثار الشيعية كلها مكذوبة على أهل البيت

قلت: ص147: >نحن نعتقد أنّ هذه الآثار كلّها مكذوبة على آل البيت, فقد حذروا في أكثر من رواية من الكذابين< ثمّ ذكرت رواية من رواياتنا تحذر من الكذابين وتذكر مجموعة منهم، وانتهيت إلى أنّ هذا التناقض سببه هؤلاء الكذابون وأخوانهم الذين أفسدوا عقائد الشيعة.

الجواب

1ـ نحن لا ننكر وجود كذّابين على أهل البيت^, إلاّ أنّ الرواية التي أوردتها ضعيفة من حيث الإسناد غير صالحة للإستدلال, ففيها محمّد بن خالد الطيالسي وهو مجهول.

المقرر في علم الحديث هو وجوب اتّباع الحديث المعتبر دون غيره, فالرواية الضعيفة أو الموضوعة لا يعمل بها كلا الفريقين، ولا تسبّب تناقضاً يذكر, لأنّها ساقطة من رأس. ووجود كذابين لا يعني سقوط الروايات المعتبرة سنداً, وإلا لزم سقوط جميع الروايات عند الفريقين!!

3ـ كما أنّ هناك كذّابين على أهل البيت^ فكذلك كان هناك كذابون على النبيّ محمّد’، سواء في حياته أو بعد مماته, وهذا أمر لا يماري فيه أدنى من درس علم الحديث, فهل يؤدي هذا إلى تناقض وفساد في العقيدة الإسلامية؟!

الكلام حول حديث: الله الله في أصحابي...

قلتم: كيف تضعّفون الحديث ثم تناظرون شرّاحه في معناه؟

قلتم في ص149: رداً على إيرادنا وتضعيفنا لحديث الله الله في أصحابي: >لا أدري ماذا تقصد من إيراد هذا الحديث وتضعيفه...<

إلى أن قلتم: >والعجب أنّك تورد تضعيف العلماء للحديث, ثمّ تستطرد للاستشهاد به ومناظرة شراحه, فكان الأولى الإعرض عنه؛ لعدم صحّته<.

الجواب

بعد أنْ أثبتنا لكم وجود بعض المنحرفين في الصحابة، وأبطلنا القول بعدالة مطلق الصحابة، وبيّنا أنّ الصحابة أنفسهم لا يثبتون لأنفسهم هذه المنزلة التي ترونها لهم.

ثم استغربنا بعد ذلك اتّهام أبي زرعة لكلّ من يطعن في الصحابة بأنه زنديق! وذكرنا أنّ ابن حجر بعد نقله لقول أبي زرعة هذا أخذ يستدلّ على أفضلية الصحابة، وادّعى أنّ أدلّ دليل على المقصود هو حديث (الله الله في أصحابي)؛ لذا نقلنا الحديث وبيّنا ضعف سنده.

 ثمّ تنزلنا عن صحّة السند، وناقشنا في دلالة متن الحديث، وعرفنا أنّها غير نافعة في المراد, وبعبارة أخرى؛ أنّ أدلّ دليل عند ابن حجر هو غير تام من ناحية السند والدلالة.

 فالعجب إذن من استغرابك مناقشتنا الدلاليه له بعد تضعيف سنده, فكأنّك تقول: لا مبرّر للمناقشة الدلالية مع القول بتضعيف السند، مع أنّ هذا المنهج من أقوى المناهج عند العلماء في الاحتجاج والاستدلال؛ ضرورة أن ضعف السند لا يعني القطع بوضعه وكذبه، لذلك قد يكون السند ضعيفاً برأي البعض لكنّه تامٌّ عند بعض آخر؛ لذا فالمناقشة الدلالية لها ما يبرّرها, وتكون أقوى في إثبات الحجّة على الخصم.

دلالة حديث: (الله الله في أصحابي)

قلتم: معرفة من يحبهم النبي من الصحابة متوقف على الصحابة

كنّا قد قلنا: إنّ الحديث إنّما يدلّ على وجوب حبّ كلّ صحابي يحبّه النبيّ، كما يدلّ على بغض كلّ صحابي يبغضه النبيّ’.

فقلتم: >لكن من هم الذين يُحبّهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ وكيف تثبت حبّه لهم؟ إنَّ ذلك لا يتمّ إلا من خلال الأحاديث... والأحاديث نقلها الصحابة رضي الله عنهم... فلا يستقيم لكم الاستدلال بمرويَّاتهم إلا إذا عدلتموهم<.

الجواب

 لا يحمل كلامك هذا إلاّ ما تكرّره دائماً وتفترضه من مسبَّقات لا نرى صحتها؛ إذ إنّ كلامك هنا يفرض مسبقاً القطع بصحّة مذهبك دون غيره؛ لذا فأنت تعتقد أن كلّ دليل من غير طريق أهل السنة يكون باطلاً, وهذه مصادرة واضحة, لأنك تستدلّ علينا بمورد النزاع، فنحن لا نعتقد أنّ فهم الشريعة يكتمل من خلال ما رواه الصحابة، بل نعتقد ذلك من خلال ما رواه أهل البيت^، فهم الذين حملوا السنّة المحمّدية, وهم الذين حملوا لنا القرآن وفسّروه وبيّنوه, فسنّة النبيّ’ وآراؤه ينبغي استقاؤها بالأساس منهم^.

 أضف إلى ذلك، أنّه يمكن تمييز المخلص من الصحابة عمن انحرف منهم، من خلال التاريخ المسلّم به بين الفريقين، ومن خلال الروايات والأحداث المروية عندهما, بل يمكن الاحتجاج بانحراف مجموعة منهم بخصوص روايات أهل السنة؛ لأن بعضها يمثل إقراراً للصحابة بإحداثهم وانحرافهم عن منهج النبي’، وإقرار العقلاء على أنفسهم حجّة.

قلتم: قولكم:حب جميع الصحابة لا يرتبط بحب النبي، كلام عام

كنا قد قلنا في سياق دلالة حديث (الله الله في أصحابي): >لا ريب أنّ حبّ جميع الصحابة ولو كان فيهم من يبغضه النبي أو أغضبه أو لعنه, فليس من حبّ النبي في شيء, كما ورد عن علي بن أبي طالب: أصدقاؤك ثلاثة... وأعداؤك ثلاثة: عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك <

فأجبتم عن ذلك بعدّة أمور: الأوّل: قلتم: >هذا كلام عام ولم يتبين المقصود منه<.

الجواب

 ليس الكلام عامّاً، بل هو واضح، والمقصود أن النبي’ لعن بعض الصحابة, وغضب من بعض الصحابة... فهل نحبّ الجميع حتى من لعنه النبي’؟ واستشهدنا بكلام لأمير البلاغة علي بن ابي طالب×، فمن يبغضه أو يلعنه النبي’ يكون داخلاً في صنف أعداء النبي’، فهو عدوّ لصديقنا وحبيبنا النبيّ’ لا صديقاً لنا، فلا يمكن لنا أن نحبه أو نحترمه.

قلتم: المخالف لحب جميع الصحابة مبتدع

الثاني: قلتم: >ثبت عندنا أنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبّ أصحابه جميعاً، ولم يثبت عندنا أنَّه يبغضهم؛ وخاصّة أهل بدر وبيعة الرضوان، فقد ثبتت فيهم الأدلّة القرآنية والنبوية القطعية التي لا نشك في صحتها، فمن خالفها عندنا فهو مبتدع معارض لكلام الله عزّ وجلّ، رادٌّ على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم<.

الجواب

قد ثبت من خلال القرآن ومن خلال روايات الفريقين أنّ النبيّ’ لم يحبّ جميع الصحابة، كما زعمت! بل لعن الحكم بن العاص وهو صحابي, وصرّح بدخول قاتل عمار في النار وهو صحابي, وصرّح بأن بعض الصحابة عصاة, كما صرّح في أحاديث كثيرة بأن بعض الصحابة سيدخلون النار، وأهمّها أحاديث الحوض المعروفة, فهذه أحاديث لا يشكّ أحد في صحّتها, وتقدّم تفاصيل ذلك في طيّات البحث, فكلامك غير رصين ويفتقر للدليل العلمي.

قلتم: حديث أصدقاؤك ثلاثة... غير معروف في دواوين الاسلام

الثالث: قلتم: >الحديث غير معروف في دواوين الإسلام, والله أعلم بواضعه<.

الجواب

أولاً: الحديث عن علي× أوردناه لتأييد مسألة واضحة لا للاستدلال, وصحّته من عدمها لا تغيّر شيئاً.

ثانياً: دواوين الإسلام غير مقتصرة على كتبكم, بل للشيعة في تلك الدواوين تراث غزير يحمل أحاديث أهل البيت التي نقلوها عن النبي’.

اعتقاد الشيعة الإمامية في الصحابة

كنا قد نقلنا لكم في مراسلاتنا كلمات بعض أئمّة أهل البيت^، وكيف أنهم كانوا يثنون على الصحابة، فذكرنا كلاماً للإمام علي× والإمام علي بن الحسين× وكذلك نقلنا كلاماً لبعض علماء الشيعة, وقد حاولتم الإجابة عن ذلك بعدّة أمور, نذكر أهمّ ما تناولتموه تباعاً.

قلتم: إن عليا لا صلة له بالشيعة

1ـ ذكرتم في ص150: أنّ عليّاً لا صلة له بالشيعة, بل إنّ أقوال الشيعة فيه قد شانته, وهم أعداء له؛ لأنهم اتّهموه بما لم يقل... الخ.

الجواب

هذا كلام لا يستحق الرد! فهو في واقعه اقتداءٌ بآراء ابن تيمية، في توجيه الاتهامات والافتراءات ضدّ الشيعة من دون دليل.

ومع ذلك؛ فإن الأدلّة على إمامة علي ووجوب اتّباعه وأنه مع شيعته هم الناجون يوم القيامة أكثر من أن تحصر, وأنّه× قد ذكر إمامته وحقّه في الخلافة تصريحاً وتلويحاً في خطب وكلمات عديدة، سيأتي بعض منها في المبحث الآتي.

وما أوردتموه من شواهد على أنّ الشيعة أعداء علي×، وأنهم اتّهموه بما لم يقل، سيأتي التعرّض لها فيما يلي إنْ شاء الله.










حوار
حول الوصية

(وأثرها في عدالة الصحابة)


قلتم: إن الشيعة نسبت الوصية لعلي افتراء عليه

ذكرتم في ص150: أن الشيعة: >ادّعوا أنَّه وصي من الله عزّ وجلّ, ومن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ ذلك بنصٍّ من القرآن والسنَّة، ليخلف النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أمَّته، ثمّ إنَّه لم يقم بحق الوصاية بدعوى التقية، وهذا يعني أنَّه قد خان الوصية وجبن عن القيام بها<

الجواب

هذا الكلام أيضاً كسابقه، كلام يفتقر إلى الدليل العلمي, ويُنبئ عن رؤية مشوشة لا ترتقي إلى فهم صحيح لموقف الشيعة من مسألة الإمامة, فالإمامة عند الشيعة غير منحصرة بالخلافة السياسية، كما ذكرنا سابقاً ـ ومضطرون لتكراره هنا أيضاً ـ بل تعني قيادة الأمة في مختلف شؤونها, فوظيفة الإمام أعمّ من ذلك، فتشمل بيان الأحكام الشرعية وتطبيقاتها الصحيحة، وبيان المسائل العقائدية وتوضيحها وترسيخها، وتفسير القرآن، وحفظ وحماية الدين، وتولي زمام الخلافة السياسية على الأمة الإسلامية, إلى غير ذلك من شؤون الإمامة. فالأمر الذي لم يتح للإمام علي تطبيقه هو الخلافة السياسية بمتعلّقاتها, ولم يتنازل عن مرجعيته للأمّة في بيان مسائل دينها وتفسير القرآن وغير ذلك, وذلك حفظاً للشريعة الإسلامية ومراعاة لمصلحة الإسلام, فالإمام عليّ وجد أنّ المطالبة بسلطته السياسية آنذاك ستؤدّي إلى تفريق المسلمين وتشتيت كلمتهم, وبالتالي إلحاق الضرر بالدين الإسلامي وشريعته, فحفاظاً على تلك الشريعة وعلى كلمة المسلمين لم يقاتل عليٌّ في سبيل تلك الخلافة ـ أي السياسية ـ لكنّه لم يسكت عن تبيين أنّها من حقوقه المغتصبة, وذلك في أكثر من مناسبة, نذكر هاهنا نماذج منها:

نماذج من عدم سكوت علي عن حقه في الخلافة

1ـ ما دل على أن سكوته كان مخافة تفريق المسلمين وعودة الكفر

جاء في الاستيعاب عن علي× أنّه قال: «إنّ الله عزّ وجلّ لما قبض رسول الله قلنا: نحن أولياؤه ولا ينازعنا سلطانه أحد، فأبى قومنا فولّوا غيرنا، وأيم الله, لولا مخافة الفرقة, وأن يعود الكفر ويبور الدين لغيرنا، فصبرنا على بعض الألم، ثمّ لم نر بحمد الله إلاّ خيراً»([680]).

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: «وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه»([681]).

وفي الأنساب من كتاب له× لمعاوية، جاء فيه: «ولقد أتاني أبوك حين قبض رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وبايع الناس أبا بكر، فقال: أنت أحقّ الناس بهذا الأمر فابسط يدك أبايعك، قد علمت ذلك من قول أبيك، فكنتُ الذي أبيتُ ذلك؛ مخافةَ الفرقة؛ لقرب عهد الناس بالكفر والجاهلية، فإنْ تَعرفْ من حقّي ما كان أبوك يعرفه تصبْ رشدك، وإلا تفعل فسيغني الله عنك»([682]).

فهذه النصوص وغيرها تكشف أنّ سكوت عليّاً كان مخافة الفرقة وعودة الكفر وبوار الدين؛ لقرب عهد الناس بالجاهلية.

 وربما نظرة يسيرة إلى الواقع التاريخي تؤكد تلك الحقيقة, فالأمة كانت فتية آنذاك ولم تصل بعدُ إلى مرحلة الرشد والنضج الكافي, فكان أي انشطار داخلي فيها قد يودي بها إلى الهاوية، خصوصاً أنّها محاطة ببلاد الروم والفرس الذين كانوا يتربّصون السوء بالإسلام والمسلمين, فحفاظاً على بقاء الإسلام وحتى لا يُستغلُّ الوضع من قبل الروم والفرس فضّل علي× السكوت, ولذا كان يقول: «لقد علمتم أنّي أحقّ النّاس بها من غيري، وواللّه لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّةً؛ التماساً لأجر ذلك وفضله, وزُهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»([683]).

أضف إلى ذلك أن الإمام× كان يفتقر إلى وجود العدد الكافي من الأنصار الذين يمكن أن يتحرك بهم، ليستعيد منصبه، ويحول دون تشتّت المسلمين وتفرق أمرهم وعودتهم إلى الكفر, وهذه المسألة عليها عدّة من الأخبار والروايات نوردها في النقطة الآتية.

2ـ ما دل على أن سكوته كان بسبب قلة الناصر

فهذه الأخبار مكمّلة للأخبار السابقة، وتبين ـ بملاحظة مجموعها ـ أنّ الإمام قد أوضح أنه هو صاحب الحق في مسألة الخلافة، لكن قلّة الناصر وخوف رجوع الناس إلى الكفر وحفاظاً على وحدة المسلمين اختار السكوت.

قال× في حديث مشهور بالخطبة الشقشقية: «وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا من أن أرى تراثي نهبا»([684]).

قال ابن الأثير في مادة (جذذ): «ومنه حديث علي (رضي الله عنه»(أصول بيد جذاء) أي مقطوعة، كنّى به عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو، فإن الجند للأمير كاليد»([685]).

وفي الكافي بسنده إلى الهيثم بن التيهان أنّ أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة، فقال: «... والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم، وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم، ووصي نبيكم، وخيرة ربكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمتكم، معهم تحشرون، وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون، أما والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت, أو عدّة أهل بدر, وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق»([686]).

وفي الغيبة للطوسي عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله, أنّ النبي’ قال لعليّ في وصية له: «يا علي، إن قريشاً ستظاهر عليك, وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإنْ وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك، فإن الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك»([687]).

إلى غير ذلك من النصوص العديدة التي تبيّن أنّ الإمام علي× أفصح عن حقّه, وأن الأمر كان له دون غيره, لكن الشروط لم تكن متوفرة لاستعادتة حقّه؛ بسبب قلّة الناصر، وقرب عهد الناس بالجاهلية، وخوفه على تَصدّع بُنى المجتمع وعودة الكفر.

3ـ تصريحاته ومناشداته المختلفة بأحقيته في الخلافة

نتعرّض هنا للأخبار التي تفيد تصريحاته× ومناشداته المختلفة التي تؤكّد أحقيته بالخلافة ـ مع غضّ النظر عن كنه الأسباب التي دعته للسكوت عن حقّه ـ وهذه الأخبار بنفسها ـ إنْ تمت ـ فهي تثبت أنّ علياً× قد أفصح بأن الحق له, وأنّ الخلافة من شؤونه, وبتمامية هذه الأخبار يسقط زعمكم أنه× لم يدّع ذلك, وأن الشيعة ادّعت الوصية بلا دليل, بلا حاجة إلى إثبات صحّة الأخبار السابقة التي بينت أسباب سكوته, وعدم مطالبته بحقّه, كما هو واضح.

وتلك الأخبار كثيرة نورد بعضاً منها:

أـ ما ورد في صحيح مسلم عن علي× مخاطباً أبا بكر، قائلاً: «ولكنّك استبددت علينا بالأمر, وكنّا نحن نرى لنا حقّاً؛ لقرابتنا من رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم), فلم يزل يكلّم أبا بكر حتّى فاضت عينا أبي بكر»([688]).

وفي البخاري بلفظ «ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) نصيباً، حتّى فاضت عينا أبي بكر»([689]).

وهذه الرواية تدلّ على أنّ لأهل البيت^ حقاً ونصيباً، وهو الخلافة بعد النبيّ’، لكن أبا بكر استبدّ بهذا الأمر وأخذه منهم.

 ويشهد لهذا المعنى ما ورد مسنداً في العلل والأمالي للصدوق, وغيرها من المصادر عن علي× حينما سأله رجل من بني دودان قائلاً: «لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علماً بالكتاب والسنة»؟

فقال×: «يا أخا بني دودان, ولك حق المسألة، وذمام الصهر، فإنك قلق الوضين، ترسل في غير سدد، كانت إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ولنعم الحكم الله، والزعيم محمد»([690]).

وفي نهج البلاغة: «يا أخا بنى أسد، إنك لقلق الوضين، ترسل في غير سدد، ولك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة، وقد استعلمت، فاعلم، أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً، والأشدون بالرسول (صلّى الله عليه وسلّم) نوطاً، فإنها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه يوم القيامة»([691]).

وقال في حديث الشقشقية المشهورة: «والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليّ الطير، لكنّي سدلت دونها ثوباً، وطويت دونها كشحاً...»([692]).

ب ـ أخرج أحمد بسنده عن أبي الطفيل، قال: «جمع عليّ الناس في الرحبة، ثمَّ قال لهم: أُنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خم ما سمع لمَّا قام، فقام ثلاثون من الناس (وفي رواية: فقام ناس كثير)، فشهدوا حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه، قال: [أي الصحابي أبا الطفيل] فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليَّاً L يقول كذا وكذا، قال: فما تنـكر؟ قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول ذلك له»([693]).

قال الهيثمي: «رواه أحمد, ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»([694]).

وعن رياح بن الحارث، قال: «جاء رهط إلى عليٍّ بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم غدير خُمٍّ يقول: مَن كنتُ مولاه فإنّ هذا مولاه. قال رياح: فلمّا مَضَوا تبعتهم، فسألت مَنْ هؤلاء؟ قالوا: نفرٌ مِن الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري»([695]).

قال الهيثـمي: «رواه أحمد والطبراني... ورجال أحمد ثقات»([696]).

ونلاحظ في الخبر الأول أنَّ الصحابي أبا الطفيل عندما سمع شهادة الصحابة لعلي بالولاية صار في نفسه شيء، حتَّى أكَّد له زيد صحّة ذلك، وهذا يوضح أن في الحديث دلالةً ما غير مسألة النصرة؛ لأنّ النصرة لا تحتاج إلى تعجّب وعناية في التصديق, بل الذي يحتاج إلى ذلك هو مسألة الولاية بمعنى الأولوية والإمامة العامة.

ونلاحظ في الخبر الثاني: أنَّ قوماً من الأنصار سلّموا على الإمام عليٍّ بقولهم: «السلام عليك يا مولانا» فاغتنمها الإمام× فرصةً لينبّه الناس إلى معنى الولاية في حديث الغدير، فتساءل عن السبب في كونه مولىً لهم، والذي يعني أنهم تحت إمرته وطاعته، مع أنّهم قوم عربٌ، والإمام لا يكون مولىً للعربي، فأجاب الأنصار: أنه كذلك بموجب حديث الغدير.

فالإمام بهذين الخبرين وغيرهما الكثير قد بيّن وأفصح عن أحقيته بالإمامة والخلافة بعد النبي’.

جـ ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسنٍ، عنه×, قال: «إنّما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكتاب([697]) حطة في بني إسرائيل»([698]).

وهذا الخبر صريح في أنّ عليّاً× يرى أنّ مثل أهل البيت في هذه الأمة كسفينة نوح التي نجا من ركبها وغرق وهلك من تخلف عنها, وهذا يعني بالضرورة أنّه يرى وجوب طاعتهم والالتزام بنهجهم والسير وفق طريقتهم, وما هذا الاعتقاد إلاّ نتيجة لتوصيات النبي الاكرم’, فعلي إذن قائل ومصرّح بوصية النبي’ في استخلافه هو وأهل البيت^.

4 ـ رفضه× شرعية خلافة من سبقوه

وقد تمثل ذلك بأكثر من موقف, وما نودّ بيانه هنا هو عدم مبايعته للخليفة أبي بكر:

جاء في صحيح البخاري: «وعاشت بعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ستّة أشهر، فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها، وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر، أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك؛ كراهية لمحضر عمر»([699]).

وروى البلاذري عن عائشة, قالت: «لم يبايع علي أبا بكر حتّى ماتت فاطمة بعد ستّة أشهر»([700]).

وروى عن ابن عبّاس، قال: «بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (رضي الله عنهم) حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام، فقال: احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤثرك غداً»([701]).

والأخبار في عدم مبايعة علي كثيرة جدّاً, لا مجال لبسطها واستنطاقها واحداً واحداً.

فمصادر أهل السنة تؤكّد أنّ الإمام عليّاً لم يكن قد بايع أبا بكر, ويكفي في تسجيل الاعتراض وسلب الشرعية رفض البيعة ولو ليوم واحد, وحاشا لعلي أن يكون عاصياً في ذلك أو مدّعياً ما ليس له, أمّا ما تؤكّده المصادر الشيعية فهو لم يبايع أبداً حتّى بعد ستة أشهر([702]), وليس المقام يسمح بذكرها هنا مفصّلاً.


قلتم: إن حديث الغدير لا يفيد الأمرة والسلطان

تفسير حديث الغدير برواية الحسن المثنى

أوردتم في ص151 ـ نقلاً عن طبقات ابن سعد ـ خبراً عن الحسن بن الحسن بن علي، جاء فيه: «ألم يقل الرسول لعليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ قال: أما والله, لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لكم بذلك كما أفصح لكم بالصلاة والزكاة والصيام والحج... ولو كان الأمر كما تقولون, إنْ كان ـ أي عليّ ـ لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرماً؛ إذ ترك ما أمره به رسول الله».

الجواب

1ـ هذا الخبر تفرّد به أهل السنّة, ولم يرد في كتب الشيعة, فلا يصحّ لك الاحتجاج به علينا, وهذا أمر مفروغ منه في مقام الاحتجاج، وتقدّم مراراً كلام ابن حزم في ذلك.

2ـ إنّ الخبر المذكور معارض بروايات صحيحة، وردت في كتب الفريقين، تؤكّد وجوب التمسّك بعلي وأهل البيت، من قبيل حديث الثقلين والسفينة وغيرها، وهي مقدّمة على هذا الخبر بلا شك.

3ـ إنّ الخبر يدّعي أنّ النبيّ لم يفصح عن إرادة الأمرة والسلطان, وهذا خلاف الظاهر, فإنّ القرائن اللفظية وغيرها كلّها تدلّ على إرادة الإمرة والسلطان والأولوية في التصرّف.

 ومن هذه القرائن: إشهادُ النبيّ’ للناس على أنّه أولى بهم من أنفسهم, وبعد إقراراهم بذلك نادى: فَمَن كنت مولاه, هذا عليٌّ مولاه, فهو ’ قد نقل تلك الولاية التي كانت ثابتة له’ ـ وهي الأولوية بالتصرف ـ إلى علي×.

 ومن القرائن أيضاً: اقتران حديث الغدير في بعض طرقه بحديث الثقلين الدال على وجوب التمسّك بالقرآن والعترة, وهذا يدلّ على أنّ أوّل من يتُمسّك به من العترة هو علي×، ووجوب التمسّك يعني الإمرة والسلطان.

4ـ أنت لم تذكر الخبر كاملاً, بل اقتطعت منه أمراً مُهمّا ينقض استدلالك به, فقد جاء في الخبر: «أما والله, أن لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحجّ البيت، ولقال لهم: أيّها الناس هذا وليكم من بعدي...»([703]).

وهذا المقطع الأخير الذي يرى الحسن فيه الدلالة تامّة, قد ورد بسند صحيح ومعتبر, فقد صرّح النبيّ’ أمام مجموعة من الصحابة بذلك, قائلاً: «ما تريدون من عليٍّ؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنَّ عليّاً منِّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي»([704]).

قال الترمذي: «حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان»، وعلَّق عليه الألباني بقوله: «وهو ثقة من رجال مسلم، وكذلك سائر رجاله، ولذلك قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي»([705]).

وعن ابن عبّاس, أنّ رسول الله’ قال لعلّي: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي»([706]).

والحديث صحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي([707])، وأقرَّهما الألباني([708]).

فهل ستقبل تفسير الحسن بأن لفظ هذا الحديث يفيد الخلافة والإمرة والسلطان, أم سيكون قول الحسن ليس بحجّة حينئذٍ؟

5ـ عرفنا ـ فيما تقدّم من أجوبتناـ أنّ الإمام عليّ× لم يترك ما أمره الله به، بل إنّ الإمامة لها شؤون مختلفة، والتي سُلبت منه× هي الخلافة بجانبها السياسي, وكان سكوته عنها لأسباب ذكرناها سابقاً.

6ـ من غير المعلوم أنّ المتكلم هو الحسن المثنى بنفسه، كما ذكرت, فقد نسبها المزي إلى الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن وإبراهيم بن الحسن بن الحسن, وأمّهم فاطمة بنت الحسين×([709]).

والحسن هذاـ بالإضافة إلى أنه غير موثق عند أهل السنة ـ غير موثق عند الشيعة أيضاً، بل وردت بحقّه بعض الأخبار تدلّ على انحرافه عن مذهب أهل البيت^, فتفسيره لحديث الغدير لا ينفع شيئاً.

قلتم: لم يقع ظلم وإيذاء على الزهراء

حاولتم في ص151ـ 152, نفي ما تعرضت له الزهراء من ظلم واضطهاد عن طريق ادّعاء أنّ ذلك لو حصل؛ لدافع عنها الإمام علي، وعدم دفاعه عنها يدلّ على جبنه وعدم غيرته. فقلتم: >دعوى أنَّ فاطمة (رضي الله عنها) قد أُوذيت ومُنِعت حقّها، وضُربت وهَدّدها عمر (رضي الله عنه) بإحراق بيتها! أليس هذا انتقاصاً لعليّ (رضي الله عنه)؛ أنْ يرى زوجته (رضي الله عنها) تُؤذى وتُعذب حتى تُسقط جنيناً لها وهو يشاهد؟! أين الشجاعة التي يوصف بها؟! أين الغيرة على زوجته (رضي الله عنها)؟!...<.

وهنا حاولتم استنتاج أمرين:

الأوّل: أنّ أيّ مظلومية لم تقع على السيّدة الزهراء من الخليفتين.

الثاني: أنّ الشيعة حيث اعتقدوا بذلك فهم يتّهمون الإمام عليّ بالجبن وعدم الغيرة.

الجواب

أوّلاً: لا بدّ أن ننوّه بَدْواً بأنّ بعض كلماتك لم تكن لائقة بحق السيدة فاطمة الزهراء، حين ذكرت: «لو وقع عليها ما يسوؤها أو يدنس عرضها...» فعبارة: أو يدنس عرضها عبارة ثقيلة، ما كان ينبغي لك أن تتفوه بها، وأنت تتكلم عن امرأة طاهرة نقية ذات قدسية خاصة عند المسلمين، وقد وصفها النبي’ بأنها سيدة نساء العالمين.

ثانياً: لئن لم ينقل التأريخ كل تفاصيل الإيذاء الذي جرى على السيدة فاطمة فهذا لا يعني الجزم بعدم حدوثه في الواقع، فإن الفترة التي أعقبت وفاة النبي’ كانت مليئة بالأحداث والتوترات والخلافات والتجاذبات والصراعات المريرة التي أوشكت أن تفتّت جسد المجتمع الإسلامي آنذاك, لذا من غير المؤمّل أن تصل جميع أحداثها التاريخية لنا, لكن ذلك لم يمنع وصول خيوط تكشف حقيقة ما جرى.

ثالثاً: أنّ أصل وقوع ظلم على السيدة الزهراء لا يمكن إنكاره، وإن كان هناك اختلاف فإنّما هو في تفاصيل ذلك, فقد أثبتت المصادر وعلى رأسها مسلم والبخاري([710]) أنّ الزهراء ماتت وهي غاضبة على أبي بكر! ولم تقبل أنْ يُصلّي عليها, وهذا يكشف نوع من النزاع المرير قد جرى بينهما، ويكشف أنّ الزهراء لم تبايع أبا بكر إلى حين وفاتها, وحاشا لسيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء أهل الجنّة أنْ تموت وليست في رقبتها بيعة لإمام, فقد دلّت الأخبار الصحيحة أنّ من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية([711]).

أضف إلى ذلك، أنّ الزهراء أوصت أن تدفن ليلاً وأنْ يعفى([712]) موضع قبرها, وإلى اليوم والمسلمون لا يعرفون موضع قبرها, وكلّ ذلك يؤكّد أنّ تلك الحقبة الزمنية كانت مليئة بالأحداث.

وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج وعمرو بن دينار أن حسن بن محمّد أخبره أنّ فاطمة بنت النبيّ’ دُفنت بالليل، قال: «فرّ بها عليٌّ من أبي بكر أن يصلّي عليها، كان بينهما شيء»([713]).

وأخرج عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن حسن بن محمّد مثله، إلاّ أنه قال: «أوصته بذلك»([714]).

ومظلومية الزهراء وما جرى عليها قد أُلّفت فيها كتب كثيرة، والخوض فيها مُفصّلاً لا يسعه هذا البحث, وستأتي بعض الإشارات في النقطة اللاحقة.

رابعاً: لئن سكت علي× عن ذلك فلا يعني أن سكوته جبناً، كما يدّعي الخصم، وهو خلاف المعروف عنه من البسالة والشجاعة المنقطعة النظير، بل إن سكوته جاء في سياق الظروف القاهرة التي جعلته يتوقف عن ردّة الفعل, ويرجّح مصلحة الإسلام على مصالحه الشخصية والعائلية، فقد عرفنا أنّه اعتزل القوم آنذاك ستّة أشهر، وعرفنا أيضاً أنّهم اقتادوه إلى بيعة أبي بكرة بالقوة والإكراه, ولا يخفى عليك أنّ الخليفة عمر قد هدّد كلّ من كان مجتمعاً في بيت الصديقة فاطمة بإحراق الدار عليهم, فقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى أسلم مولى عمر: «أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص), كان عليّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله (ص)! والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك، إنْ أمرتهم أنْ يحرق عليهم البيت. قال: فلمّا خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني, وقد حلف بالله لئن عدّتم ليحرقنّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين»([715]).

فعمر يهدّد بإحراق دار فاطمة على من فيه, والزهراء تقسم أنّه سيفعلها!!

فبغض النظر عمّا إذا ثبت الإحراق أو لم يثبت, فإنّ التهديد والتخويف بحدّ ذاته يُعدّ تجاوزاً وظلماً وقع على ريحانة رسول الله، ابنته وبضعته الطاهرة, وأيّ جرأة هذه؟! ثم كيف أيقنت الزهراء أنّ الخليفة عمر سينفذ تهديده؟ فأيّ تصورات كانت تحملها عنه؟ وما مدى الألم الذي تركه هذا التهديد وهذه المداهمة على روحها (رضوان الله عليها)؟

يقول العلامّة حسن بن فرحان المالكي ـ بعد أن أقرّ بصحة رواية المصنف أعلاه([716]) ـ: «ولكن حزب عليّ كان أقلّ عند بيعة عمر منه عند بيعة أبي بكر الصديق، نظراً لتفرّقهم الأوّل عن عليّ بسبب ما رأوه من بوادر الفتنة التي انتهت بمداهمة بيت فاطمة في أوّل عهد أبي بكر، وإكراه بعض الصحابة الذين كانوا مع علي على بيعة أبي بكر، فكانت لهذه الخصومة والمداهمة ـ وهي ثابتة بأسانيد صحيحة ـ ذكرى مؤلمة لا يحبّون تكرارها»([717]).

وروى البلاذري عن سليمان التيمي، وعن ابن عون: «أن أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر, ومعه قبس, فتلقته فاطمةُ على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب، أتراك محرّقاً علي بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي فبايع، وقال: كنتُ عزمتُ أنْ لا أخرج من منزلي حتّى أجمع القرآن»([718]).

قال الشيخ الطوسي: «وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة، وإنّما الطريف أن يرويه شيوخ محدّثي العامّة، لكنّهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة، وربّما تنبّهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم، فكفوا منه، وأي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتّى يبايع؟!»([719]).

وقد مرّ بنا سابقاً أنّ أبا بكر حين قربت وفاته كان نادماً على ثلاثة أمور فعلها: أحدها كشف بيت فاطمة÷.

فالظروف كانت ظروف قهر وتسلّط وإجبار, وعلي اقتيد اقتياداً من الدار, فلو لو يكن يرى في قتالهم ودفعهم عن دخول الدار والتضحية بنفسه في سبيل ذلك مفسدة في الدين لما بقي حياً, ولقاتلهم أشدّ القتال, إلاّ أنّه أدرك أنّ جرّ السيف بوجههم، وقتله بعد ذلك، سوف يؤدي إلى تشتيت كلمة المسلمين، وضعف شوكتهم، وانهيار البناء الذي أسّسه الرسول’, فتجرّع الصبر في سبيل حفظ الإسلام, فتمثّلت شجاعته عندئذٍ بقوّة صبره وتحمله المصائب والأذى في سبيل ثبات الدين.

على أنّه× لم يسكت تماماً، بل سعى لكشف مظلوميّته وأحقيته في أكثر من موقف.


الإمام علي× وفدك

قلتم: إن عليا كان يعتقد أن فدك مسألة اجتهادية

ذكرتَ في ص152 بأن علياً كان يعتقد أنّ قضية فدك قضية اجتهادية من السيّدة الزهراء, قد عارضها نصٌّ من النبيّ’؛ لذلك عليّ× لم يقسّم الإرث حين ولي الأمر:

فقلتم: >أمَّا قضية (الميراث), فلو لم يعلم أنَّها قضية اجتهادية منها (رضي الله عنها)، قد عارضها نصٌّ من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لكان أوّل من يطالب به، وقد ولي الأمر, فلم يُقسّم ميراثاً<.

الجواب

لقد تعاقب على فدك كثيرٌ من الخلفاء، فهي بين خليفة آخذ لها, وبين معيد لها لأصحابها, أو منتزع لها مجدّداً، وهكذا.

وموقف علي× من فدك، يمكن إجماله بالنقاط التالية:

1ـ إنّ علياً كان يعتقد أنّ فدك ملكاً للزهراء÷، ثم اقتطعها الخليفة أبو بكر أول خلافته, وهذا ما يدلّ عليه كتابه إلى عثمان بن حنيف, حيث جاء فيه: «بلى, كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانّها في غدٍ جدث، تنقطع في ظلمته آثارها, وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يداً حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى, لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق»([720]).

فالإمام يبين بشكل صريح أنّ فدك هي ملكاً لهم لكن شحّت عليها نفوس قوم, وسخت عنها نفوس قوم آخرين, فمع موت الزهراء÷، التي هي صاحبة الحق وموت أبي بكر الذي انتزع ذلك الحق، عندئذٍ سيكون الحكم لله, والإمام× حينما ترك الأمر فقد تركه زهداً فيه، وسخت نفسه الكريمة عن التعلّق به بعد أنْ جرى ما جرى، خصوصاً أنّ الإمام عليّاً× كان من ضمن الشهود لفاطمة÷ على أنّ فدك كانت ملكاً لها, فقد أخرج ابن شبّة, عن النميري بن حسان، قال: >قلت لزيد بن عليّ (رحمة الله عليه) وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر (رضي الله عنه) انتزع من فاطمة (رضي الله عنها) فدك. فقال: إن أبا بكر (رضي الله عنه) كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أنْ يغيّر شيئاً تركه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأتته فاطمة (رضي الله عنها)، فقالت: إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أعطاني فدك. فقال لها: هل لك على هذا بينة؟ فجاءت بعليّ (رضي الله عنه) فشهد لها، ثمّ جاءت بأمّ أيمن، فقالت: أليس تشهد أني من أهل الجنة؟ قال: بلى. قال أبو أحمد: يعني أنها قالت ذاك لأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) قالت: فأشهد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أعطاها فدك. فقال أبو بكر: فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية؟<([721]).

2ـ لو تنزلنا عن الجواب الأوّل، فغاية ما يمكن أن تثبته من كلامك أنّ التاريخ لم يذكر أنّ عليّاً أرجع فدك لأهل البيت، لكن لا يمكننا نفي أن الإمام علياً× لم يستفد منها ومن منافعها في بيت المال، فمن الثابت أن فدك كانت قبل خلافة علي× بيد مروان قد أقطعها له الخليفة عثمان بعد أن زوّجه ابنته، وقد استرجع الإمام× كلّ القطائع في خلافته ومنها فدك وأعادها إلى بيت المال، وربّما لم يسلمها لخصوص أبناء فاطمة÷ آنذاك؛ حفاظاً على سياسته الإصلاحية التي على رأسها إصلاح الواقع الاقتصادي الفاسد، فكان الإمام يخشى أنّ إرجاعها يُحدث شرخاً في تلك السياسة، لذلك استثناها وألحقها ببيت المال، وربما هناك مبررات موضوعية أخرى قد جعلت الإمام علياً× يغضُّ النظر عن إرجاعها لأهل البيت.

3- لقد ثبت تأريخياً أنّ الخليفة عمر بن عبد العزيز أعاد فدك لأهل البيت, وهذا بلا شك يُعدُّ منه إقراراً بملكية أهل البيت لها، لكن مع هذا لم تسلم فدك من انتزاعها ممّن ارتقى الخلافة والملك بعد عمر بن عبد العزيز، فكانت بين منتزع ومعيد لها، فلو قام علي× باسترجاعها وقت خلافته فلن يمنع هذا من انتزاعها مستقبلاً من أهل البيت^ بذريعة أنّه× جرّ النار إلى قرصه.

4ـ إنّ عليّاً× لو كان يرى أن المسألة اجتهادية قد عارضها النص ـ كما تدّعي ـ فلماذا وقف مع زوجته, ولماذا لم يبين لها وجه الصواب في هذه المسألة, ولماذا سكت عن مسألة قد استغرقت وقتاً طويلاً وكان زمام أمرها بيده؟ فلو كان قد بين لها خطأها لانتهى التوتر وعادت الأمور إلى نصابها, لكنّا نرى أنّ علياً لم يكتف بالمطالبة فقط، بل كان يرى أبا بكر كاذباً آثماً غادراً فاجراً, كما يروي لنا مسلم في صحيحه: قال عمر مناشداً علياً والعباس: «فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ما نورث، ما تركنا صدقة، فرأيتماه كاذباً آثما غادراً خائناً»([722]).

قلتم: الزهراء لم تطالب مطلقا بالخلافة لزوجها

ذكرت ص152 ما حاصله: أنّه لو كانت هناك إمامة لعلي بالوصيّة فكيف طالبت الزهراء بنصيبها المادي وغضبت من أجله، ولم تطالب بالإمامة التي هي أمر ديني أعظم من كل مال.

فقلتم: >ثمَّ كيف تطالب (رضي الله عنها) بنصيبها من الميراث وتغضب له، وهو أمر دنيوي، وينقل ذلك عنها، ولا تغضب لأمر ديني أعظم من مال يُفنى وهو (الإمامة) ولم تتكلّم به مطلقاً؟<.

الجواب

 من الواضح أنك لم تتأمل في قراءتك الأحداث التاريخية بصورة معمّقة, بحيث تجعلك تكتشف حقيقة بعض الوقائع, فكلّ ما فعلته الزهراء وطالبت به إنّما كان مصبّه الخلافة والإمامة, فكان غرضها الأساس إبطال خلافة السقيفة, فهي بذلك تسجل للتاريخ وللعالم أجمع صرختها ضدّ هذا اللون من الحكم, ولذا نجد أنها في كثير من خطبها، وحتّى في المسجد أمام المهاجرين والأنصار، في الوقت الذي تطالب بحقّها بفدك تؤكّد على أحقية زوجها في الخلافة، من خلال التركيز على مدح علي× وتخليد مواقفه, وكذلك أعادت الموقف ذاته في خطبتها أمام نساء المهاجرين والأنصار، حينما صرّحت بأنهم زحزحوا الخلافة عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، وأوضحت أن الخلافة من حقّ علي×([723]).

 ومما يشهد لذلك، عدم مبايعتها لأبي بكر، وعدم إذنها أنْ يُصلّي عليها، أو يشهد جنازتها، ومن ثم رحيلها وهي غاضبة عليه, وغير ذلك من المواقف التي تُدلل على مطالبتها بالإمامة, وعدم إعطائها الشرعية إلى خلافة السقيفة.

وعلى هذا، فالكلام بأنّ الزهراء لم تطالب بالإمامة مطلقاً يكون في سياق الدعاوى الخالية من الدليل.

 

زواج عمر من أم كلثوم

قلتم: كيف زوّج الإمام علي ابنته لعمر رغماً عنه؟

ذكرتم في ص152 بأن الإمام علياً قد زوّج ابنته من الخليفة عمر، في حين أن الثاني كافر أو فاسق في نظر الشيعة. وزعمتم: أنّ هذا الزواج كان غصباً على الإمام عليّ من دون أن يدافع عليّ عنها، ورضي أن يستحل فرجها بغير حقه.

فقلتم: >زوَّج علي (رضي الله عنه) بنته أم كلثوم لعُمَر (رضي الله عنه)، وعمر في نظركم كافر أو فاسق، وزعمتم أن هذا كان غصباً من علي (رضي الله عنه)، ولم يدافع علي (رضي الله عنه) عن بنته، ورضي أنْ يُسْتحلَّ فرجها بغير حقه، وهذا من أعظم الذم!! ونحن نرى في عالم الحيوانات والطيور أنَّ هناك من يدافع عن أولاده حتّى الموت. فهذه (الدجاجة) إذا أراد شخص أنْ يأخذ بعض فراخها تدافع دفاعاً شديداً. فهل تكون هذه الدجاجة أشجع وأكثر غيرة على أولادها من عليّ (رضي الله عنه)؟<.

الجواب

أولاً: نحن لا نعتقد بكفر الخليفة عمر، وهذا من اتهاماتك المستمرة بلا دليل.

ثانياً: أنّ قصة زواج أم كلثوم من الخليفة عمر، في كتب أهل السنّة، مما يثير الاشمئزاز، وتحمل إساءة كبيرة إلى عمر نفسه, ففيها من الأفعال المنسوبة لعمر ما يأباه خلق المسلم المؤمن, فضلاً عن شخص تقولون إنه ثاني أفضل المسلمين والمؤمنين بعد النبيّ’, فهلّم معي نتفحّص ألفاظ رواياتكم عن هذه القصة:

ففي خبر: «خطب عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، فأقبل عليّ عليه وقال: هي صغيرة، فقال عمر: لا والله ما ذلك... ولكن أردتَ منعي، فإنْ كانت كما تقول فابعثها إلي، فرجع عليّ فدعاها فأعطاها حلّة، وقال: انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين، فقولي: يقول لك أبي كيف ترى هذه الحلّة؟ فأتته بها, فقالت له ذلك، فأخذ عمر بذراعها، فاجتذبتها منه فقالت: أرسل، فأرسلها»([724]).

ولا ندري كيف يأخذ عمر بذراع من لم تحلّ له, وهو أمير المؤمنين!!

وفي خبر آخر: «خطب عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أمّ كلثوم ـ وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال له علي: إن عَليَّ فيها أُمراء حتّى أستأذنهم، فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا: زوجّه، فدعا أمّ كلثوم ـ وهي يومئذٍ صبيّة ـ فقال: انطلقي إلى أمير المؤمنين، فقولي له: إنّ أبي يقرؤك السلام ويقول لك: إنّا قد قضينا حاجتك التي طلبت، فأخذها عمر فضمها إليه...»([725]).

فكيف ساغ له أن يضمّها إليه وهو خليفة المسلمين, ومن دون إجراء أيّ عقد يُذكر؟

وفي خبر ثالث: «خطب عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته من فاطمة, وأكثر تردّده إليه، فقال: يا أبا الحسن, ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): كلّ سبب وصهر منقطع يوم القيامة، إلاّ سببي ونسبي، فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر، فقام علي فأمر بابنته من فاطمة فَزُيّنت, ثم بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر، فلما رآها قام إليها فأخذ بساقها وقال: قولي لأبيك قد رضيت، قد رضيت، قد رضيت. فلمّا جاءت الجارية إلى أبيها قال لها: ما قال لك أمير المؤمنين؟ قالت: دعاني وقبّلني, فلما قمت أخذ بساقي، وقال: قولي لأبيك قد رضيت. فأنكحها إيّاه...»([726]).

انظر إلى الاشمئزاز في مضمون الرواية، فمن جهة نجد علياً× يزيّن ابنته ويبعثها إلى عمر، ومن جهة ثانية نجد عمر يقبّلها ويأخذ بساقها وهي ليست زوجته بعد!!!

وفي خبر رابع: «فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك لعمر، فقال: قولي له قد رضيته رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت له: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء...»([727]).

انظر: ووضع يده على ساقها فكشفها... وقد حاولوا تلطيف هذا الخبر, فحين عادت إلى أبيها وأخبرته ما جرى, قال لها: يا بنيّة أنّه زوجك!!

ولا ندري أي نوع من أنواع الزواج وقع بهذا الشكل؟

هذه نماذج من رواياتكم في تزويج أم كلثوم من عمر, وهي مضافاً إلى مشاكلها السندية، فإن متنها يسيء إلى عمر قبل غيره.

على أن متون الروايات السنية أكّدت في أكثر من لفظ أن عمر كرّر ذلك على علي، وعلي كان يرفض ويتحجّج عليه.

وأمّا ما ورد في الكتب الشيعيّة ـ وإن كان بعضها ينكر هذا الزواج من الأساس ـ فهو يبيّن أنّ عمر كان يريد التزويج من أم كلثوم بشتى الوسائل وتحت التهديد، فما كان من عليّ× وهو الصابر المحتسب إلى الله في أمره ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ إلاّ أن يقبل بهذا الزواج؛ مراعاة للمصلحة الإسلامية آنذاك, وهو لا يكشف عن عمق المحبة بين الرجلين كما تروم إثباته.

 ثمّ لماذا الاقتصار في إثبات هذا المطلب([728]) على كتب تاريخية مع غض النظر عن الأحاديث الصحيحة التي تؤكّد أن علياً والعباس كانا يريان عمر كاذباً آثماً غادراً خائناً على ما نقلناه لك في صحيح مسلم؛ إذ جاء فيه على لسان عمر مخاطباً علياً والعبّاس: «ثمّ توفى أبو بكر وأنا ولىّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وولى أبى بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً»([729]).

تسمية علي× أولاده بأسماء الخلفاء

قلتم: كيف جاز لعلي تسمية أولاده بأسماء الكفرة والفسقة؟

ذكرت ص153: بأنه كيف لعلي أن يسمّي أولاده بأسماء الكفار أو الفسّاق؟ قلتم: >لم يكتفِ عليّ رضي الله عنه بكل تلك التنازلات ـ حسب زعمكم ـ بل أقدم على تسمية أولاده بأسماء الكفار أو الفساق؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!<.

الجواب

هذا في الحقيقة نوع من التمسّك بالقشور وترك اللب؛ اعتماداً على تخرّصات لم يقم عليها الدليل, وهو بنظرنا من أوهى ما تُمسّك به؛ فالتسمية لا تلازم المحبّة والمودّة لكلّ من تسمّى بها؛ خصوصاً في الأسماء العربية المعروفة المشهورة, فليست هذه الأسماء حكراً على الخلفاء حتّى تكون التسمية بها تلازم المحبة لهم, فهو من قبيل أسماء سعد وخالد وغيرها، فإلى اليوم تجد المجتمعات الشيعية مليئة بهذه الأسماء مع أنّ لهم موقفاً من خالد وسعد وما إلى ذلك, بل تجد من أصحاب الأئمّة من اسمه يزيد, فهل هذا يدلّ على حبّ يزيد؟!!

على أنّ هذا الاستدلال فيه تكلّف واضح, فمع معرفة موقف علي الصريح والواضح من الخلفاء لا معنى أن نتمسّك بهذه الترّهات, وقد تقدم آنفاً موقف علي× من الخليفتين وأنهما كاذبان، آثمان، غادران، خائنان، على ما صرّح به عمر بنفسه.

أضف إلى ذلك، فإن أهل البيت^ أجلّ من أن ينجروا إلى ترّهات في الصراع، فهم يحملون مبدأ سامياً, وهدفهم هداية الأمّة وجمع كلمتها, لذلك يحاولون جاهدين النأي بأنفسهم عن كلّ ما من شأنه أن يفرّق كلمة المسلمين ويتحملون الجور على أنفسهم؛ شريطة أن يبقى الدين سالماً ورايته مرفرفة, وما انفكوا يتحينون الفرص في إثبات مظلوميتهم وغصب حقهم، مراعين بذلك الحفاظ على الشريعة بكلّ صورة ممكنة, فلا تتوقع من أهل البيت إذن أن يحملوا أحقاداً على فلان وفلان بحيث تصل النوبة بهم أن يفكروا في التسميات العربية وأن فلاناً تسمّى بها فلا بدّ أن يختاروا غيرها, فهذه أمور لا تعدو كونها سفاسف بنظر أهل البيت^.

 

قلتم: لماذا لم يهاجر علي× من أرض يُظلم فيها؟

قلتم في ص153: >لماذا يبقى عليّ في أرض يُذلّ فيها ويُهان, حتّى في عرضه ودينه, ولم يهاجر ويخرج من هذه الأرض, كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}، فهل كان من هؤلاء المعذورين ويكون إماماً موصى به من ربّ العالمين وهو يعلم عدم قدرته على تحقيق الوصية؟!<.

الجواب

ذكرنا كثيراً أنّ الوصيّة لم تكن متعلقة بالخلافة في جانبها السياسي فقط، بل الجانب السياسي أحد شؤونها، فالإمام علي× إمامٌ حتّى لو لم تكن هناك حكومة ولم يتقلّد سلطة الخلافة، فالإمامة أعمّ من الخلافة السياسية، لذا كانت عليه وظائف ينبغي إنجازها تتمثل في بيان الأحكام والعقائد والتفسير وغيرها, بل كان عليه أيضاً توجيه الخلفاء وتبيين الحلول لما عجزوا عنه, ولذا كان عمر يقول: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسـن»([730]), فكيف يهاجر علي× آنذاك وهو الصابر المحتسب في سبيل رفعة هذا الدين وتوحيد كلمة المسلمين؟

فسكوته وصبره عندئذٍ لم يكن خوفاً ولا جبناً، بل كان قمّة الشجاعة في تحمّل المصاعب ما دام أمر هذا الدين باقياً, وشعائره قائمة وما دام المسلمون بخير وسلام.

 وهكذا يكون قرار بقائه وعدم هجرته هو الذي ينسجم مع سكوته عن حقّه وعدم تجريد السيف؛ حفاظاً على الإسلام ووحدة الأمة.

ثمّ على تقدير امتثال علي× لمضمون الآية، فقد يقال: أي أرض سيهاجر لها وكلّ أرض المسلمين تحت سيطرة الخلفاء وولاتهم المنتشرين فيها؟ وهل سينجو من الظلم الذي نتج من عدم بيعته لأبي بكر أم سيطاله ذلك، فأينما حل في بلد سوف يطالبونه بالبيعة؟ بل ربّما يكون الضرر والإيذاء عليه أشدّ وهو بعيد عن موطن المهاجرين والأنصار الذين يعرفون منزلته ومكانته, كيف لا, وهناك من كان يعدّ للفتك به وهو في موطنه الذي طالما عُرف فيه جهاده وتضحياته في سبيل الإسلام([731]).

خلاصة ما تقدم

اتّضح أنّ النقطة الأولى التي حاولت فيها إثبات أنّ علياً ليس من الشيعة؛ زاعماً أن الشيعة أعداؤه, وأن أقوالهم فيه تشينه, كانت في الحقيقة محاولة بائسة، ومجرّد دعاوى تجافي الحقيقة, وكلّ ما عرضته من الشواهد التي حاولت فيها أن تدعم موقفك قد أجبنا عليها, وتبيّن أنّها لا تدلّ على مطلبك, وعرفنا أنّ علياً قد تحمّل ما تحمّل، كلّه في سبيل تثبيت الدين ولمّ شمل المسلمين, وتوحيد كلمتهم.

قلتم: لا يصح شرعا تسمية علي بإمام المسلمين

اعترضتم في ص154 على قولنا: بأن من أراد أن يقف على رأي الشيعة في الصحابة فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي في حقّهم، فكان ردّكم: أنه لا يصحّ شرعاً ولا واقعاً تسمية علي بإمام المسلمين في عصرنا هذا، بل ذلك مختص في زمن خلافته، فهو ليس إماماً للمسلمين على الإطلاق وفي كلّ العصور، وكذا أبو بكر وعمر وعثمان.

الجواب

 من غير الصحيح أن تحمّلنا ما تتبناه من آراء وفق مصادرك, فنحن كشيعة نعتقد أنّ عليّاً إمام المسلمين بعد النبيّ’ على مرّ العصور والأزمان؛ وذلك حينما نصبه النبيّ’ للإمامة العامّة وجعله مرجعاً للأمة في كلّ شؤونها, فعليّ هو مرجع المسلمين وإمامهم منذ ذلك الوقت والى اليوم، كما أن محمداً’ نبيُّ المسلمين إلى يومنا هذا.

على أنّنا نسمع من علمائكم وكذا نقرأ في كتبكم عبارة أمير المؤمنين ـ التي جعلها الخليفة عمر لنفسه ـ لكلّ خليفة, وفي كلّ العصور، بل حتّى أنكم تطلقون هذه التسمية إلى الآن على يزيد برغم فسقه وقتله سيد شباب أهل الجنة, ولم يعترض معترض منكم على ذلك بأن ذلك مختص بزمان خلافته, فلا أدري ما الذي حرّك مشاعرك حين أطلقنا كلمة إمام المسلمين بحقّ (أمير المؤمنين عليّ×).

مدح علي لبعض الصحابة في نهج البلاغة

قلتم: الاعتماد على نهج البلاغة مضيعة للدين

أوردنا لكم إحدى خطب الإمام علي في مدح بعض الصحابة وقد أجبت على ذلك في ص154ـ 156 بأمور أهمّها:

أوّلاً: أنّ كتاب نهج البلاغة لا سند له, واعتماد الشيعة عليه يكشف عن عدم وجود منهج علمي يؤسّس عليه العلم عندهم, وهذا المنهج يؤدي إلى ضياع الدين...

الجواب

لا شكّ أن كتاب نهج البلاغة عند الشيعة واحداً من الكتب المهمة والجليلة, والذي يعتز به كلّ شيعي، بل كلّ مسلم منصف، بل غير المسلم أيضاً، فإنه غالباً يحتوي على مضامين ومعارف عالية تنبئ عن أن قائلها لا يمكن أن يكون إلا أمير المؤمنين×، وقد جهد مؤلف الكتاب الشريف الرضي على جمعه وتأليفه من مظانّه من مصادر الفريقين، وكان غرضه ـ كما بين في مقدمته ـ أن يجمع ما تناثر من درر كلامه سلام الله عليه.

قال الشريف الرضي في مقدمته: «وسألوني... أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين× في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب، علماً أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة, وغرائب الفصاحة, وجواهر العربية, وثواقب الكلم الدينية والدنيوية, ما لا يوجد مجتمعاً في كلام, ولا مجموع الأطراف في كتاب... لأنّ كلامه× الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي، فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر، واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين× في هذه الفضيلة, مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمّة... وربّما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد والمعنى المكرّر، والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافاً شديداً، فربما اتّفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثمّ وُجد بعد ذلك في رواية أُخرى موضوعاً غير وضعه الأول، إمّا بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهاراً للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام»([732]).

والذي يظهر من كلام الشريف الرضي أن هدفه الأساس من كتابه هو نقل خطب وكلام أمير المؤمنين بما لها من فنون الفصاحة والبلاغة والبيان وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، فلذا وسمه بـ(نهج البلاغة)؛ لذلك لم يتعرّض لذكر مصادر الخطب والكلمات والمواعظ، فجعلها مرسلة غير مسندة، فبقيت الحاجة ماسّة ـ عندما يراد ترتيب الأثر العملي على المذكور في الكتاب ـ إلى البحث عن أسانيده ومصادره؛ من هنا شعر بعض علماء الشيعة بأهمية ذلك، فقال الشيخ كاشف الغطاء: «وعسى أن يوفق الله لإفراد كتابٍ يجمع أسانيد (نهج البلاغة) من كتب الفريقين، فإني أحسّ بشدّة الحاجة إلى ذلك، وقد اضطرنا هذا الوقت وأعوزنا إلى مثله، على أني لا أجد لنفسي كفاءة القيام بمثل هذا العمل الجليل، فعسى أن يعنى له بعض الأفاضل فينهض بمثل هذا المشروع الشريف الذي فات السلف الصالح أن يقوم بمثله، وكم ترك الأول للآخر»([733]).

فنحن نوافقك الرأي بأنّ كتاب نهج البلاغة كتاب مرسل بلا سند, وهو ليس من الكتب التي نقول بصحة جميع رواياته, بل لا يوجد عند الشيعة كتاب صحيح بأكمله, وأنّ كلّ رواية خاضعة للدراسة والتمحيص والتدقيق, فما ثبت اعتبارها أخذ بها وإلا فلا.

 وهذا المنهج المتين لم نره عند السنّة, إذ التزموا بصحّة كتابين قد حويا ما يُسيء للإسلام والنبيّ’ الشيء الكثير, وأنّ أصح كتاب عندكم قد اعتمد مؤلفه وهو البخاري على النقل بالمعنى, بل كان يدلّس فيه كثيراً, ومن المطالب التي لا يمكن قبولها وقد وردت في كلا الصحيحين تصويرهم للنبيّ بأنه رجل جنسي يطوف على نسائه التسع بليلة واحدة([734]), وتصوير نبي الله موسى بأنّه رجل مليء بالشرّ, يرفض الموت, فيضرب ملك الموت فيفقأ عينه([735]), إلى غير ذلك من الترّهات العديدة التي يطول المقام بذكرها, فمنهجكم هو الأجدر بأنْ يوصف بأنه بعيد عن الجو العلمي, وقواعدكم الرجالية والحديثية هزيلة متضاربة متعارضة لا تصمد أمام التحقيق الدقيق.

أمّا مسألة التعامل مع المطالب العلمية في نهج البلاغة، مع كون الكتاب مرسلاً, فالمتابع يعلم أنّ هناك الكثير من أخباره وردت في كتب أخرى وهي مسندة، فيلحظ إسنادها, فإنْ تمّت فبها, وإن لم تتم فتلحظ الشواهد على صحّة تلك الخطبة، أو ملاحظة القرائن الأخرى، فإن تمت أخذ بها وإلا فلا.

 وفي الفترة الأخيرة ـ وبحمد الله تعالى ـ سعى بعض المحققين، وبعض المؤسسات التحقيقية بمهمّة البحث عن مصادر نهج البلاغة وأسانيده من مصادر الفريقين، فتم إنجاز بعض الأعمال حول بيان أسانيد ومصادر نهج البلاغة، وقد طبعت عدّة كتب تهتم بهذا الشأن، مثل كتاب مصادر نهج ‏البلاغة وأسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ومدارك نهج البلاغة للشيخ رضا الأستادي، وأسناد ومدارك نهج البلاغة للشيخ محمد الدشتي، وغيرها من الكتب في هذا المجال.

وما نحن فيه من مدح أمير المؤمنين لبعض الصحابة (رضي الله عنهم)، في نهج البلاغة، قد دلّت أيضاً عليه الشواهد التاريخية, فهؤلاء وقفوا معه مواقف مشرفة، واشتركوا معه بالحروب، وضحّوا في سبيله, فما هو وجه الرفض في هكذا رواية تبجّل أناس أقرّ الفريقان بجهادهم وتفانيهم في سبيل الله؟

أضف إلى ذلك، فإن ما أوردناه لك هو شواهد ومؤيدات كلّها تدلّ على عدم صحة نظرية عدالة الصحابة جميعاً, فقد ذكرنا مراراً أنّ الروايات الصحيحة عند أهل السنّة، فضلاً عن الشيعة، ـ كما أنّ روايات التاريخ الصحيح ـ تؤكد على عدم صحة هذه النظرية، بل أنه قد وقع بعضهم في المعاصي وضلّ الطريق, لذا نحن نعتقد أنّه كما أن في الصحابة عدولاً فإن فيهم غير العدول أيضاً, فيجب عليك إقامة الدليل على كلامك، ولا أظنك تعثر على ما يؤيد كلامك، كيف ونحن نعتقد أن هناك الكثير من الصحابة ممن خاض الجهاد في سبيل الدين ونصرته, ووقعوا شهداء بين يدي الرسول الأكرم’، وبقي بعده ثلّة كبيرة من المهاجرين والأنصار في طريق الجهاد في سبيل الله, ووقفوا مع علي× في حروبه يساندونه ويدافعون عن دينهم وإسلامهم.

قلتم: مدح علي للصحابة لم يكن شاملا لجميعهم

ثانياً: ذكرتَ أنّ الخطبة ليس فيها ثناء على أصحاب النبيّ’، بل فيها ذم لهم؛ لأنه لم يذكر إلاّ عمّاراً وشخصين، وترك أبا بكر وعمر وعثمان، وهذا يعني أنّه غير راض عنهم...

الجواب

1ـ فيما يتعلّق بقولك أن الخطبة ليس فيها ثناء على جميع أصحاب النبيّ’, فهذا موافق لما تعتقد الشيعة من أن العدالة تختصّ بمن كان عادلاً فقط, وتستثني الفاسق منهم, وما جاء في كلام أمير المؤمنين× موافق لذلك ؛ لأنّه مدح جماعة من الصحابة لا جميعهم.

2ـ فيما يتعلّق بقولك أن في كلام الأمير ذمّاً للصحابة؛ لأنّه خصّ ثناءه بثلاثة من الصحابة فقط, فهذا في الواقع تحريف منك لكلام الإمام علي×، فالخطبة تقول: «أين أخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق» فهو هنا يتكلم عن جماعة لا عن شخصين أو ثلاثة, ثم قال: «أين عمّار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين» فذكر مثالاً ومصداقاً لأولئك الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق، فذِكْرُ الثلاثة كان من باب المثال لا الحصر, ثم إنّ الإمام ذكر بعد ذلك مباشرة ما نصّه: «وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة, واُبردَ برؤوسهم إلى الفجرة([736])؟ أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه, وتدبروا الفرض فأقاموه, وأحيوا السنّة وأماتوا البدعة, دُعوا للجهاد فأجابوا, ووثقوا بالقائد فاتبعوه»([737])، فنظراء عمار وابن التيهان وذوي الشهادتين كثيرون، فكيف استفدت أن الإمام خصّ مدحه وثناءه بثلاثة فقط؟! أليس هذا تحريفاً للكلام في وضح النهار؟!

3ـ أمّا قولك إن علياً× قد ترك مدح الثلاثة: (أبو بكر وعمر وعثمان) في خطبته, فأقول: إنْ كانت الصفات التي ذكرها الإمام متوفرة فيهم فهم قطعاً داخلون في فحوى ثنائه، وإن لم يذكرهم صريحاً, على أنّ عدم ذكرهم بأسمائهم هو المناسب لموقف الإمام× تجاه الخليفتين أبي بكر وعمر؛ لأنّه منسجم مع ما ورد في صحيح مسلم وعلى لسان عمر بأن الإمام علي كان يرى عمر وأبو بكر كاذبين آثمين غادرين خائنين, وقد تقدم ذلك قبل قليل فلا نعيد, وإذا عرفت موقف الإمام من الأول والثاني سيتّضح لك جلياً موقفه من الثالث الذي قتله الصحابة وقرّاء القرآن وخيار التابعين.

قلتم: نهج البلاغة كتاب متهافت ومتناقض

ثالثاً: ذكرت كلاماً حول نهج البلاغة, وأنه متهافت ومتناقض؛ لأنه تارة يتضمّن مدحاً للخلفاء وتارة قدحاً بهم, فإن كانوا أخياراً فمن ثم مدحهم فلماذا يمنعونه حقاً قد ثبت له، وإن كانوا أشراراً فكيف يمتدحهم([738]).

الجواب

قد اتضح مما سبق طبيعة كتاب نهج البلاغة، وأن في ثناياه بعض المضامين الضعيفة، والمنهج الشيعي فيما يخص مضامين كل الكتاب خاضع للنقد والنقاش، فإنْ وجد لها سند في كتاب آخر نُظر فيه، فإن صح فهو, وإلا نُظر في الشواهد الحديثية والتاريخية وغيرها مما لها أثر في قبول الكلام من عدمه, فإن تمّت الشواهد على صدور الخبر أخذ به وإلا فلا.

 على أنّ صحّة الخبر لا تعني اليقين بصدوره, بل يعني اكتسابه درجة الحجية والاعتبار, وحينئذ ينظر هل هناك ما يعارضه ليجمع بينهما أم لا, وهذا بيّن واضح, فقد الّفت الكتب العديدة في علم مختلف الحديث, إذ وردت أحاديث متعارضة جداً، سواء عند الشيعة أو السنة, ودأب علماء الفريقين على أمكانية التوفيق بينها, فإن تمّ وإلا رجّح أحد الخبرين بموجب المرجّحات, وإنْ لم يمكن الترجيح توقف العمل بهما على تفصيل طويل ذكرته كتب الأصول.

وإذا لاحظت هذا التسلسل المنطقي الذي في ضوئه يتم العمل بالرواية لاتضح لك جليّاً أن الروايات المادحة ليس لها نصيب من القبول, فهي مرسلة في النهج كغيرها, كما هو واضح, وكذلك لا يوجد لها سند في كتب أخرى, أضف إلى ذلك معارضتها بما ورد في كتاب النهج نفسه, بل معارضتها بروايات صحيحة وردت في كتب الفريقين, وقد عرفنا أنّ مسلماً في صحيحه ذكر موقف الإمام علي من أبي بكر وعمر، وهو ذم صريح.

أمّا كيف يمتدح الإمام من منعوه حقّه؟ فهو كلام الهدف منه الاستخفاف بعقول القرّاء؛ لأنّ الإمام لم يمتدح جميع الصحابة, بل امتدح الصحابة ضمن مواصفات خاصّة، وهم من ثبتوا على الدين، وأحيوا السنن وأماتوا البدع، وجاهدوا في سبيل الله، وتلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه.

علي بن الحسين يمتدح الصحابة

قلتم: مدحه للصحابة مخدوش سنداً ودلالة

كنّا قد ذكرنا لك دعاءً للإمام علي بن الحسين في الصحيفة السجادية المعروفة, يتضمّن مدحاً صريحاً للصحابة، وبه تعرف أن الشيعة ليسوا خصماء مع الصحابة كما تزعمون، لكنك أجبت عن ذلك في ص157 بالخدشة بالسند أوّلاً، وبتعارضها مع معتقد الشيعة ثانياً، وبإمكان تفسيرها على كلا المعتقدين ثالثاً.

الجواب

لا يصحّ شيئاً ممّا ذكرتم أعلاه, فالصحيفة تشرق على مضامينها وألفاظها أنوار النبوة، فمتنها عبارة عن دعاء ومناجاة لله سبحانه وتعالى، ومن يتأمّل في مضامينها يشعر بعظمة من تفوّه بها، فهو لا يمكن إلا أن يكون قد ارتضع من مناهل النبوّة وعاش في أحضان بيتها، فعظمتها وعلوّ شأنها يؤكّد صحتها وصدورها عن الإمام×.

وأمّا ما يتعلّق بالكلام الوارد في مدح الصحابة الذين أحسنوا الصحبة, فهو غير متعارض مع معتقد الشيعة، كما تدّعي، بل هي تمدح مجموعة من الصحابة ممّن وقعوا في خط العدالة، لا مطلق الصحابة حتّى ولو لم يكن عادلاً، فهي جاءت على غرار كلمات الأمير علي× كما هو واضح لمن تدبرها, فهي منسجمة مع عقيدة الشيعة في عدم عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً, بل إنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول كما أشرنا إلى ذلك عند الكلام عن خطبة نهج البلاغة, وما هذا الدعاء إلا شاهداً آخر على ما نقول, فيسقط إشكالك الثاني والثالث حينئذٍ أيضاً.

 قلتم: عقائد الشيعة تنتهي إلى اتهام النبي وسبه

ذكرتم بأنّ >أكثر عقائد الشيعة تنتهي إلى اتهام النبيّ بأنه لم يبلغ البلاغ المبين في ولاية علي<، ثمّ أوردتم كلاماً للسيد الخميني تدعي فيه أنه ينسب إلى النبيّ’ عدم تبليغ الإمامة طبقاً لما أمر به الله تعالى, فقلتم: >قال روح الله الخميني: أن النبيّ لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر به الله لما نشبت في البلدان الإسلامية كلّ هذه الاختلافات<. بعد ذلك ذكرتم كلاماً طويلاً عن مسألة الوصية وإحداث الشيعة لها, فقلتم: >فالشيعة أحدثوا عقيدة الوصية وحشّدوا لها عشرات الأدلة التي لا تنص عليها مباشرة<. ثم أعدت كلاما سابقاً تكرر منك كثيراً بأن الشيعة تقول بكفر أو فسق الصحابة، وكذا كفر أو فسق زوجاته، أو ارتكاب بعضهن للفاحشة, فقلتم: >ثمّ إنّ عقائد الشيعة كلّها تنتهي إلى سبّه، فزوجاته إمّا أنهن كافرات أو فاسقات.. أما سبّ الصحابة فقد اعتقدوا فيهم الكفر أو الفسق... أما الطعن في عرضه فقد روى المجلسي...< ثم تحدّثت عن كفر منكر الإمامة عند الشيعة, وقلتَ: >قال المفيد اتفقت الإمامية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين ضلال فاسقون< وأنكرت حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه, وقلتَ: >وهذا الحديث ظاهره الكذب<, ثمّ سقت كلاماً للسيّد الخميني حول الشيخين... هذا أهمّ ما ورد في كلامكم المطوّل([739]).

الجواب

1ـ لا شكّ في وجوب تعظيم النبيّ محمّد’، بل وكذا سائر الأنبياء عليهم وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام, ولذا ترى أنّ وجوب قتل من سبّ النبيّ’ بل وكذا سائر الأنبياء ممّا ثبت عند الشيعة الإمامية, وهو الذي يتناسب مع عظمة الأنبياء ووجوب تقديسهم, قال الشهيد في المسالك: «وفي إلحاق باقي الأنبياء^ بذلك قوة؛ لأن كمالهم وتعظيمهم عُلم من دين الإسلام ضرورة, فسبّهم ارتداد ظاهر»([740])، هذا من ناحية كبروية.

أمّا الصغرى وهو أن الشيعة تتهم النبيّ وتسبّه, فهو بهتان عظيم لا يليق صدوره ممّن هو مثلك, وهو في حقيقته سير على نهج ابن تيمية الذي طالما اتهم الشيعة زوراً وبهتاناً بأمور جلّها خرافية ومن صنيع خياله, فإنّ الشيعة تعتقد أنّ النبيّ الأكرم هو أفضل شخص عرفته البشرية على الإطلاق، وأنه مسدّد من السماء، معصوم في كلّ حركاته وسكناته بالتبليغ وغيره، لا تصدر عنه المعصية, ولا يعتريه الخطأ, ولا يشوبه النسيان, بخلاف عقيدتكم التي أنزلت من قدر النبيّ’ وقيمته، وأساءت له أيّما إساءة، فسلبتم عنه العصمة ـ في غير التشريع ـ ونسبتم إليه أموراً لا تليق بشأن أيّ رجل عظيم، فكيف به’ وكتبكم مليئة بالشواهد على ذلك؟!

أمّا ما ذكرته من كلمات نسبتها للإمام الخميني، فهو أيضاً سير على نهج قديم سلكه علماؤكم من تحريف لكتب الحديث والتاريخ، بتقطيع النص تارة, ووضع نقاط مكان النص أخرى، وتحريفه عن مساره ثالثة, وها أنتم اليوم تُحرّفون كلمات علمائنا عن طريق الترجمة الخاطئة للنصوص, تبتغون بذلك إيهام القراء ما ليس له واقع, والله أعلم بحقائق ما تصنعون, ونحن هنا نورد النص الذي أوردتموه ونتعقبه بذكر النص الصحيح الذي ذكره السيد الخميني؛ ليرى القارئ مقدار تلاعبكم بالنصوص وتغييرها؛ تبعا للهوى.

التلاعب بالنصوص وتشويه الحقائق

ذكرتم أنّ السيد الخميني، قال: «وواضح بأن النبيّ لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر به الله, وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كلّ هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه». ونسبتم ذلك لكتابه كشف الأسرار: ص155.

لقد استغربت من هذا الكلام الذي نقلته، وارتأيتُ أن أراجع المصدر الأصلي له بنفسي، فبحثت عن النسخة العربية المترجمة والنسخة الفارسية الأصل، وحينما طالعت الأصل هالني ما رأيت! فقد رأيت أن هناك تلاعباً فظيعاً في كلام الرجل! وهو تلاعب متعمد بلا شك، الهدف منه إسقاط الفكر الشيعي بشتى السبل ولو على حساب النزاهة والصدق والحوار العلمي.

فما وجدته في كشف الأسرار يختلف عما نقلتم جملة وتفصيلاً, فقد جاء فيه: «والواضح أنّ الإمامة لو تمّت كما أراد الله وكما بلّغه النبيّ وسعى إليه, لم تكن لتقع جميع هذه الاختلافات في بلاد الإسلام، ولم تكن لتقع كلّ هذه الحروب وسفك الدماء، ولم تكن لتحصل كلّ هذه الخلافات في أصول الدين وفروعه»([741]).

وأمّا النصّ الفارسي للكلام، فهو: «وپر روشن وواضح است که اگر أمر إمامت بآنطور که خدا دستور داده بود وبيغمبر تبليغ کرده ودو کوشش در بارۀ آن کرده بود جريان پيدا کرده بود اينهمه اختلافات در مملکت إسلامي وجنگها وخونريزي ها اتفاق نمي افتاد»([742]).

فلماذا التحريف المتعمد في كلمات السيد الخميني, ولمصلحة مَن هذا الافتراء؟ وعلى أيّة نسخة اعتمدت في نقلك لقوله؟ ومن ترجم ذلك؟ ولمَ لمْ تتثبت في النقل قبل أن تنشره أمام الملأ؟ أ ليس من المعيب أن تنشر مثل هذه الأراجيف وتدّعي أنّه حوار علمي؟

إن مثل هذا الأمر يجعل القارئ يشكّك في كلّ ما تتهمون به الشيعة وخصوصاً ما يتعلّق منها بكتبهم, لذا عطفاً عليكم أنصحكم بالتثبت دائماً في النقل, وعدم الاعتماد على المغرضين الذين يحاولون اتّهام الشيعة وعلمائهم بالافتراءات والكذب, ونحن نتوخى فيكم الدقّة, وعدم الانجرار إلى كلّ ما لا يمت للعلم والحقيقة بصلة.

ويمكنك التأكد من هذا النص الفارسي، الذي جعلته بين يديك، فتعرضه على أي مترجم منصف؛ لترى الكذب والافتراء الذي طاله.

2ـ ما ذكرته حول الوصية فسيأتي البحث عنه مفصّلاً في محلّه إنْ شاء الله تعالى.

3ـ أمّا ما ذكرته من أنّ الشيعة تقول بكفر أو فسق الصحابة فهذا قد تكرر منا الإجابة عنه كثيراً, بقدر ما تكثر أنت من تكراره كلّ مرة.

قلتم: عقائد الشيعة تنتهي إلى الطعن بعرض النبي

ذكرتم في ص157 ما نصّه: >ثم إن عقائد الشيعة كلها تنتهي إلى سب النبيّ، فزوجاته إمّا أنهن كافرات أو فاسقات... أما الطعن في عرضه فقد روى المجلسي..الخ<.

الجواب

طالما حاولتم التفصّي من المواقف الحرجة التي وضعتكم فيها كتبكم المعتبرة، فتحاولون بشتّى السبل التخلّص من ذلك، وهو أمر طبيعي، ولكن الغريب أن يكون لصق مساوئ تلك الكتب بالشيعة هو طريقكم السائد للخلاص.

وفي المقام نقول باختصار ـ بعد أن بحثنا هذا سابقاً([743])ـ إن اعتقاد الشيعة بطهارة أزواج النبيّ’ هي أشد من عقيدة أهل السنة، فالشيعة يعتقدون باستحالة إمكان الزنا في زوجات النبيّ’ فضلاً عن إمكان وقوعه خارجاً, فهو محال عقلاً بغض النظر عن وجود دليل نقلي على ذلك من عدمه.

وكلمات علمائهم واضحة في هذا الأمر: يقول السيد الطباطبائي في تفسيره: «إنّ تسرّب الفحشاء إلى أهل النبيّ ينفّر القلوب عنه, فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء, وإلا لغت الدعوة, وتثبت بهذه الحجّة العقلية عفتهنّ واقعاً لا ظاهراً فحسب»([744]). وهذا على خلاف منهج السلفية التي تصرّ على إمكانيّة وقوع الفاحشة على نساء النبيّ’, وأن ذلك ليس بممتنع عقلاً، يقول الألباني في ذلك: «ولكنّه سبحانه صان السيّدة عائشة رضي الله عنها وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهنّ، ونزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها، وإن كان وقوع ذلك ممكناً من الناحية النظرية؛ لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهنّ»([745]).

أمّا ما نسبتم إلى الشيعة؛ اعتماداً على روايةٍ من تفسير القمّي, فهذه الرواية ضعيفة فضلاً عن الكتاب الذي جاءت فيه، بل حتّى لو كانت صحيحة بحسب القواعد الرجالية، فهي ساقطة لمخالفتها كتاب الله تعالى، فالمعيار في حجيّة الرواية والتعبّد بصحّتها عدم مخالفتها لكتاب الله تعالى, لكن هلمّ معي إلى كتبكم الصحيحة المعتبرة وخصوصاً صحيح البخاري والتي تصرّح بأن من رمى السيدة عائشة بالفاحشة هم ثلة من الصحابة, منهم حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومِسْطَح بن أُثاثة([746]), ومِسْطَح هذا من أهل بدر, وحسّان شاعر النبيّ’, وقد حدّهم النبيّ’ بعد أن أثبت الله براءة زوجته([747])، فلماذا ترمون الشيعة بهتاناً وتنسون الصحابة العدول الذين فعلوا ذلك؟ فهل اتّهام الغير زوراً وبلا دليل جائز عندكم؟ فبعد أن ثبت وجود الرواية في البخاري نرى أنه من المخجل هذا التهجم على الشيعة والانفعال المصطنع، فلا حاجة لمثله بعد إيرادك الرواية الشيعية الضعيفة في اتّهام السيّدة عائشة حينما قلت: «قاتلهم الله وقبحهم على هذا الطعن في عرض سيّد البشر صلوات الله وسلامه عليه» فكان الأجدر بك أن تتوجه بذلك إلى الصحابة الذين رموها بالفاحشة بدلاً عن هذا السيل من الاتهامات للشيعة.

حكم جاحد الإمامة

قلتم: الشيعة تفسق وتكفر منكر الإمامة

تحدّثتم في ص 157 عن كفر منكر الإمامة عند الشيعة, وسقتم شاهداً من كلام المفيد، بأنه قال: >اتّفقت الإمامية على أنّ المتقدّمين على أمير المؤمنين ضُلال فاسقون<.

الجواب

كثيراً ما قد ذكرت هذه المسألة مع أنّها محل اتّفاق بين المسلمين, فكل المسلمين يعتقدون أنّ منكر ضرورة من ضرورات الإسلام هو كافر خارج عن الدين, فلو كان أحدهم يعتقد بحكم فقهي كوجوب الحجاب مثلاً، ومع ذلك جحده وأنكره، فهو كافر, ونفس الكلام ينطبق على مسألة الإمامة فكلّ من ثبت عنده الدليل على وجوب الإمامة وأنكرها فهو كافر, أما من لم يثبت عنده ذلك, فهو لم يجحد شيئاً حتّى يقال بكفره, فالجحود فرع ثبوت الشيء في النفس, قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}([748]).

ومن هنا فإنّ الشيعة لا يعتقدون بكفر من لا يعلم بمسألة الإمامة، لذا فأهل السنّة ـ الذين لم يعلموا بدليل الإمامة ويجحدونه ـ مسلمون، محفوظ مالهم ومصون عرضهم ومُحرّم سَفْك دمائهم, يحلّ تزويجهم والزواج منهم, وتوريثهم والتوارث منهم, وهذا غيرُ خَفي فكتب الشيعة الفقهية تُصرّح بهذا علناً, وهي كثيرة يصعب إحصاؤها، ويمكن لكلّ أحد مراجعة بعضها، وهذا يُفسّر اعتقاد الشيعة بأن الإمامة من أُصول خصوص المذهب الشيعي.

 فلا معنى للتشبث بعبارات لأحد علماء الشيعة ليست صريحة في التكفير بهدف تسخيرها طعناً في الشيعة وتعكيراً لصفو الأخوة بين الفريقين؛ فإنّ ذلك لا يصبّ إلاّ في خدمة أعداء الدين, فالشيخ المفيد الذي نقلتم عنه قوله بتكفير منكر الإمامة بلا شكّ يقصد كفر من قامت عنده الأدلّة على الإمامة وثبتت عنده, ثمّ جحدها وأنكرها.

على أنّ هناك فتاوى كثيرة من علماء أهل السنّة تُكّفر المسلمين الشيعة وتستبيح دماءهم.

 وقد تقدّم الكلام عن موضوع التكفير في أكثر من موضع من الجزء الأول فليراجع.

حديث: من مات ولم يعرف إمام زمانه

قلتم: الحديث مكذوب

أنكرتم في ص157 المتقدّمة، حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه، وقلتم: >وهذا الحديث ظاهره الكذب<.

الجواب

نقول: من الغرابة ما نراه من إنكارك لهذا الحديث الشريف الصحيح! الثابت في كتب الفريقين باختلاف يسير في الألفاظ:

جاء في صحيح مسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»([749]).

وجاء في مسند أبي داود: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»([750]).

وجاء في صحيح ابن حبان: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»([751]).

وباللفظ الذي أوردناه عن الشيخ المفيد ونحو هذه الألفاظ قد ورد في عدّة من المصادر الشيعية أيضاً, فلا نرى مبرراً لتكذيبك هذا الحديث، وزعمك بأنْ لا وجود له في دواوين الإسلام المشهورة.

على أنّه ليس من الصحيح حصر دواوين الإسلام بمصادركم دون المصادر الشيعية، فالحديث صحيح ثابت تناقلته كتب الفريقين، وهو ينَصُّ على ضرورة معرفة الإمام وضرورة وجود إمام في كلّ عصر وزمان, وأن من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية!

كلمات السيد الخميني حول الشيخين

قلتم: الخميني يصرح بأن الشيخين حللا وحرما وأنهما ظلما فاطمة

ذكرت أنّ السيد الخميني صرّح بأن الشيخين قد حلّلا وحرّما من عندهما وقد مارسا ظلماً ضدّ فاطمة ابنة النبيّ وضدّ أولاده...

الجواب

هذا الكلام تدعمه وتثبته المصادر التاريخية الموثوقة، فقد صحّ عن الخليفة عمر أنه كان يقول: «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج»([752]).

فهو يصرّح بأنه بنفسه من ينهى عنهما ويحرمهما!! كما ثبت أنه أول من سنّ صلاة التراويح([753])ولم تكن تقام في زمن رسول الله’ فجمعهم عمر على قارئ واحد يأتمون به, ولمّا خرج في ليلة أخرى ورأى الناس يصلون بصلاة قارئ واحد وغير متفرقين كما كانوا, قال: «نعم البدعة هذه»([754])، فعمر يصرّح أيضاً أنّ فعله كان بدعة, ومعروف أنّ كلّ بدعة ضلالة، أما تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، ومن ثم حمل كلام الخليفة على البدعة اللغوية، هو كلام يفتقر إلى دليل، وما ذكر في البخاري على مشروعية صلاة التراويح زمن النبيّ’ ليس دليلاً واضحاً، ويعارضه صريح ما نقله البخاري عن السيّدة عائشة أن النبيّ’: >ما كان يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة<([755]).

وأمّا الظلم الذي تعرّضت له السيدة الزهراء فقد عرفنا في بحوث سابقة أنّها ماتت وهي غاضبة وواجدة على الخليفتين أبي بكر وعمر, كما عرفنا موقف علي× منهما، فلا داعي للتكرار مجدداً.

على أنّ السيد الخميني لم يقتصر على المخالفات التي ذكرتموها، بل ذكر في كتابه أمثلة كثيرة لمخالفتهما لكتاب الله, من قبيل مخالفات الخليفة عمر متعة النساء ومتعة الحج ووقوع الطلاق ثلاثاً, ومقولته بأن النبيّ’ يهجر, وقد ذكر قبل ذلك أيضاً مجموعة من مخالفات أبي بكر([756]), فالأولى تسليط الضوء على هذه الأمور الثابتة؛ ليكون كلامك ضمن الأطر العلمية الصحيحة.









حوار
في
أقوال علماء الشيعة في الصحابة


كلام الشيخ البهائي حول الصحابة

قلتم: كلامه لا يعدو تلاعباً بالألفاظ

كنا قد أوردنا لكم فيما يخص عقيدة الشيعة بالصحابة قولاً للشيخ البهائي وحاصله: أنّه ليس في مذهب الشيعة وجوب سب الصحابة, وأن الشخص لو تديّن بمذهب أهل البيت وتبرّأ من أعدائهم ولم يسب لم يكن مخطئاً ولا في إيمانه قصور.

وأجبتم في ص161: بأن هذا لا يعدو تلاعباً بالألفاظ, والشيعة يجيدون ذلك, فإن أهل البيت لهم أعداء، وهم الذين خالفوا النبيّ’ ولم يولّوا عليّاً، وبحسب اعتقاد الشيعة هم جميع الصحابة باستثناء أربعة منهم.

الجواب

هذا التقرير للجواب فيه مغالطة، فإن المقدمة الثانية باطلة، فنحن وإنْ كنا لا نشكّك في أنّ لأهل البيت أعداء، لكن لم يقل أحد من الشيعة أن جميع الصحابة باستثناء أربعة هم أعداء أهل البيت، كيف ذلك والكثير منهم كان يجلّ أهل البيت ويحترمهم, والكثير منهم قاتل مع علي× ونصره وضحّى معه؟ فكلامك دعوى خطابية فارغة منقوصة الدليل.

ثمّ إننا نستغرب هذا الجواب، فحينما نصرّح بأننا لا نسب الصحابة وأن ذلك ليس من صميم عقيدة الشيعة قلتم: هذا تلاعب بالألفاظ, وإن قلنا: إنّ الصحابة سبّ بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً، قلتم تلك أمّة قد خلت...وهؤلاء متأوّلون, نسأل الله العافية.


قول علي خان الشيرازي في الصحابة

قلتم: كلامه في حفظ الوصية يريد به تضليل كبار الصحابة

كنا قد ذكرنا لكم كلاماً طويلاً للسيد علي خان يبين رأي الشيعة في الصحابة، وأن الكثير منهم رجع إلى أمير المؤمنين, وأنّ نقلة الأخبار اتّفقوا على أن أكثر الصحابة كانوا معه في حروبه. ونراك تجاوزت هذا الكلام, وركّزت على مسألة واحدة وهي حفظ الوصيّة، بهدف إظهار اعتقاد الشيعة بأن خصوص أبا بكر وعمر كانا معاندين ومخالفين للحق.

الجواب

نعم، نحن نرى أن الخليفتين لم يتقيدا بوصية النبيّ’ بعلي×، وهما قد خالفا، والله تعالى هو الأبصر بحالهم إنْ شاء غفر لهم برحمته, وإنْ شاء حاسبهم, ونحن بذلك لم نتجاوز ما كان يعتقد علي× وعمّه العباس بهما، كما صرّح بذلك مسلم في صحيحه من كونهما يعتقدان أنّ أبا بكر وعمر كانا آثمين([757]), لكن في الوقت ذاته نحن نعتقد بإسلامها وعدم جواز سبّهما، بل نرى ذلك مدعاة لتفريق شمل المسلمين وشقّ وحدة صفّهم، في حين أنّنا بأمسّ الحاجة إلى وحدة الصف والتكاتف ونبذ كلّ ما يوجب الفرقة والاختلاف.


المسعودي واعتقاد الشيعة بالصحابة

قلتم: كتاب المسعودي لا يعتمد عليه

كان ممّا استشهد به السيّد علي خان على اعتقاد الشيعة بالصحابة كلاماً للمسعودي في كتابه مروج الذهب، قال: «كان ممّن شهد صفّين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً منهم: سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وشهد معه ممّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار، ومن سائر الصحابة، تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة»([758]).

وقد أجبتم على ذلك بأن كتاب (مروج الذهب) كتاب تاريخ لا يعتمد عليه في إثبات قضايا متنازع عليها, وأن مؤلّفه شيعي معتزلي، وأن الخبر لو صحّ لأثبت أن الصحابة لم يكونوا يعادون علياً، بل كانوا يوالونه، ولو كانوا يعلمون أنّه وصي لكان لهم صوت مسموع قبل ذلك, ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان يُفضّل علياً على أبي بكر وعمر.

الجواب

1ـ لا نرى سبباً وجيهاً يجعلك تستاء من وقوف آلاف الصحابة مع علي في حروبه، مع إقراراك أنّه كان مصيباً في ذلك, وأنّه كان على الحق, والأحرى ابتهاجك ملياً لموقف الصحابة الذين كانوا في جنبة الحق!

2ـ أمّا قولك إن الكتب التاريخية لا يمكن الاعتماد عليها في مسائل الخلاف، فلنا في هذا الكلام وقفتان:

الوقفة الأولى: تكرّر منكم في أكثر من مورد في هذا الكتاب رفضكم لكتب التاريخ ومصادره في تأصيل العقائد، فتارة تقول: «هل كتب التواريخ صالحة لأن تكون مرجعاً لتأصيل العقائد؟!([759]) وتارة: «ونحن أهل السنة ـ ولله الحمد ـ لا نستجيز أخذ ديننا من كتب التواريخ والأدب، ولا نحكمها في قضايا الاختلاف»([760]) وثالثة: «فإن كتب التواريخ مملوءة بالأباطيل، ولو أردنا أن نقابل صنيعك هذا بمثله لفعلنا، فإن التاريخ مملوء بالمتناقضات، لكنَّا لا نستجيز أنْ نستدلّ بالتواريخ وكتب الأدب»([761])، ورابعة: «وأمَّا روايات التواريخ، فليست صالحة للاستدلال على مسائل الاعتقاد؛ لعدم الوثوق بحفظ هذه المصادر ولا بتلك الروايات»([762]).

وقد أجبنا بشكل مُفصّل عن هذا الكلام في بحث الوصية الذي سوف يأتي لاحقاً، وهنا نشير له باختصار بما يناسب المقام:

نقول: لا شك أنّ هذا الكلام منكم هو مجرد كلام نظري لا يرتقي إلى مستوى العمل والتطبيق، بل الواقع العملي يكذّبه، فما أكثر الكتب التاريخية والمصادر الضعيفة التي اعتمدتم عليها في المسائل الخلافية العقدية، ولعل أوضح مثال لذلك اتهامكم الشيعة بأن مؤسس مذهبها ومبتكر عقائدها ـ لا سيما الوصية ـ هو رجل يهودي أسلم لاحقاً اسمه عبد الله بن سبأ، وكان المستند في ذلك هو روايات تاريخية ضعيفة ساقطة السند اخترعها سيف بن عمر الكذاب الوضاع بإجماع علماء الجرح والتعديل عندكم، فجاء الطبري فأوردها في تاريخه المعروف، وقد فنّد علماؤنا هذه الدعوى بالبحث العلمي والموضوعي، ووافقهم بعض المنصفين منكم، فما ذكرتموه إذن لا يعدو كونه شعارات لا تمتّ للواقع بصلة.

الوقفة الثانية: نقول: إنّ الكثير من الأحداث إنّما يتمّ إثباتها من الكتب التاريخية خصوصاً في مسألة المعارك والغزوات، فهي وقائع تاريخية اتّفق المؤرّخون على ذكرها وتفصيلات ما جرى فيها, والمدار في تصديقها على تجميع القرائن الدالّة على صدقها ووقوعها، مضافاً إلى ما يثبت منها بطرق معتبرة, ولا أظنّ مسلماً يشكّ في أنّ ثلة كبيرة من المهاجرين والأنصار كانوا مع علي في حروبه يناصرونه ويدافعون عن الإسلام والدين، والمسألة لم يتفرّد بها المسعودي([763]) حتّى تشكّك فيه وفيما نقله, فلا وجه لما أوردت من نقض على ذلك.

قال العلامة المحقّق حسن بن فرحان المالكي: «وأن أكثر الصحابة من البدريين وأصحاب الشجرة كانوا مع علي رضي الله عنه»([764]).

وقال في موضع آخر في ردّه على الدكتور محمّد أمحزون: «كان على المؤلّف أنْ ينقل الآثار المتصلة التي تثبت شهود أكابر الصحابة (رضي الله عنهم) مع عليL منهم (ثمان مائة) من أصحاب بيعة الرضوان، وفي هؤلاء نحو سبعين بدريّاً، بينما لم يصحّ أنّ أحداً من البدريين اعتزل إلاّ اثنين أو ثلاثة...»([765]).

3ـ لم يصرّح أيٌّ من الشيعة أن الصحابة بجمعهم وأعدادهم الكبيرة كانوا يعادون عليّاً, بل كان الكثير منهم يُحبّونه ويقدرون حميته على الدين, وإلا لما قاتلوا معه واستشهدوا, فهذه النقطة تؤكّد صحّة ما نقوله.

4ـ ذكرتم فيما مضى أنّ هؤلاء الصحابة الذين يوالون علياً لم نسمع لهم صوتاً في أنّهم يُفضّلونه على أبي بكر، وهذا يعني أنّه لم يكن هناك خلاف في بيعته، وأن علياً لم يكن وصيّاً كما تدّعي الشيعة.

فنقول باختصار: إنّ بيعة أبي بكر لم تتم بيوم وليلة، بل جاءت عقب أحداث عديدة بين المهاجرين والأنصار, وقد اعتزل بنو هاشم البيعة، وكان علي والزبير وغيرهم يجتمعون في بيت فاطمة÷ وقد هدّدهم عمر بإحراق الدار عليهم إن لم يبايعوا, وهكذا فالكلمة لم تكن مجتمعة على أبي بكر، فثمة أصوات قد سُمعت كانت ضدّه تُصرّح بأنّ علياً هو الأولى بالبيعة، وهناك خلافات كثيرة وقعت نقلها لنا التاريخ، وما لم ينقله ربّما أعظم.

وبعد تلك الأحداث والاختلافات ـ والتي لسنا بصدد تفصيلها ـ كان من الطبيعي أن تستتب الأمور لأبي بكر بمساعدة عمر بن الخطاب، وأن تهدأ الأصوات، خصوصاً أنّ علياً× كان قد اختار لنفسه نهجاً ذا طابع سلمي في مقاومته ورفضه، بعيداً عن العنف والقتال، فشرع بتبيين حقّه بطريقة لا تفضي إلى انهيار الوضع الإسلامي آنذاك، ولكنّه حينما ولي الخلافة نجده قد أشهد الصحابة على وصيّة النبيّ’ له، وذلك حينما ذكّرهم ببيعة الغدير، وحينها قام جمعٌ كثيرٌ من الصحابة شهدوا له بذلك.

فعن أبي الطفيل، قال: «جمع علي × الناس في الرحبة، ثمَّ قال لهم: أُنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خم ما سمع لمَّا قام، فقام ثلاثون من الناس (وفي رواية: فقام ناس كثير)، فشهدوا حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه، قال [أي: الصحابي أبو الطفيل]: فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليَّاًL يقول: كذا وكذا، قال: فما تنـكر؟ قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول ذلك له».

أخرجه أحمد([766])، والنسائي([767])، وابن حبان([768])... وغيرهم.

وقال الهيثمي: «رواه أحمد, ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»([769])، كما صحّحه الألباني أيضاً([770]).

ثمّ إنّنا لا ندّعي أنّ جميع الصحابة كانوا مع عليّ منذ البداية، بل نقول: إنّ موقف كثير من الصحابة الذين كانوا ضدّه قد تغيّر منه لاحقاً فأضحوا معه, وهناك من الصحابة من لم يكن موجوداً أصلاً في المدينة, فلم يكن له موقف تجاه علي×, وبعضهم كان في وسط الأحداث, لكن كان يخشى على نفسه إنْ صرّح بشيء في صالح علي×, على أنّنا نؤمن أنّ هناك حلقات مفقودة في التاريخ لم تصل إلينا, وما دام الدليل الروائي واضح وصريح وتامٌّ الدلالة على إمامة علي×, فعدم وصول روايات واضحة عن الصحابة وموقفهم الداعم لعلي× في تلك الفترة الحرجة لا يغيّر من الواقع شيئاً.

أضف إلى ذلك، فلئن لم ينقل التاريخ الموقف المساند فقد رشح منه في بعض موارده أن جمعاً من الصحابة كانوا لا يشكّون في أنّ علياً صاحب الأمر بعد النبيّ’، كما روى ذلك ابن بكار فيما رواه عنه شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، قال: «وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر بعد رسول اللّه»([771]). وذكرنا في الجزء الأول شواهد تاريخية أخرى، فليراجع([772]).

وأمّا مسألة أنّه لم يُنقل عن أحد من الصحابة أنّه كان يُفضّل علياً على أبي بكر وعمر, فهذا غير تام؛ إذ بماذا تفسر موقف الصحابة الذين كانوا مع علي× في بيت فاطمة، والذين رفضوا بيعة أبي بكر، ممّا أدى بعمر أنْ يُهدّدهم بإحراق الدار؟!

وبماذا تُفسّر موقف غالبية المهاجرين والأنصار الذين كانوا لا يشكّون في أنّ الخلافة لعلي؟ وكلّ هذا تقدّم, وبماذا تفسر موقف الصحابة الذين لازموا علياً من لحظة وفاة رسول الله وإلى حين وفاتهم أو وفاته؟

فلا يتوقف التفضيل على أن يصرّح الصحابي أنّه يفضل عليّاً, بل إنّ الأفضلية تثبت ولو من خلال الممارسة العملية، فهذا الخليفة عمر كان يرجع في كثير من المسائل الشائكة إلى علي× وكان يصرّح ويقول: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسـن»([773]).

 كما أنّ الصحابة كانوا يرجعون إليه وينهلون من علمه ويستقون من نبعه العذب. قال ابن الأثير: «ولو ذكرنا ما سأله الصحابة ـ مثل عمر وغيره رضي الله عنهم ـ لأطلنا»([774]), فالصحابة كانوا يرجعون إليه ولم يكن يرجع إليهم، وهذا كافٍ في إثبات أفضليته عليهم, بل قد فضّله نبيّ الإسلام’ على الجميع حين نوّه بذكره وأشاد بمدحه وأطال بذكر فضائله, فقد قال أحـمـد وإسـماعـيـل القـاضـي والنـسـائي وأبـو علي النيسابوري: «لم يرِد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في علي»([775]).

ولا يمكن التشكيك في كونه الأفضل من خلال التأمّل في الروايات الصحيحة الكثيرة التي دلّت على إمامته وخلافته, كحديث الثقلين وحديث السفينة, وكذلك حديث الغدير وحديث المنزلة وحديث الدار وغيرها الكثير، وكذلك الروايات التي أثنت عليه بأسلوب يدلّ معه على كونه الأفضل, كحديث الطير الصريح في أنّه أحبّ الخلق إلى الله سبحانه وتعالى, وكيف لا؟ وهو الذي ورد فيه أنّه مع الحقّ والحقّ معه, وورد فيه أنّ من أطاعه فقد أطاع النبيّ ومن أطاع النبيّ فقد أطاع الله, ومن عصاه فقد عصى النبيّ ومن عصى النبيّ فقد عصى الله, وهو صاحب الفضلية في خيبر حينما انهزم القوم, فلم تكن الراية تصلح إلا بيد رجل كرّار غير فرّار يحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله, فكان النصر على يديه, ففضائله كثيرة مشهورة، وقد تفرّق الكثير منها في صفحات هذا الكتاب, وهي تُدلّل وبلا شكّ أفضليته على الصحابة أجمع.

قول السيد الأمين العاملي في الصحابة

قلتم: قول الأمين في التفريق بين الصحابة مخدوش

أوردنا لكم قولاً مُفصّلاً للسيّد محسن الأمين يتناول التفصيل بين الصحابة, فقسْمٌ عُلِم عدالته, وقسْم عُلِم فسقه, وقسْم مجهولون لا تعرف عنهم شيئاً.

ولم نرَ منك جواباً واضحاً حول كلامه&، بل رأينا منك تكراراً مملاً سبق ذكره, وأهمّ ما ذكرتم هو: كيف يمكن أن نعرف عدالة الصحابة على مذهب الشيعة؟ وأن العاملي قد مثّل بمن عُلم فسقه ولم يُمثل بالعادل؛ لأنّه لن يمثل بعظماء الصحابة, بل سيمثل بسلمان وعمار والمقداد وأبي ذر!! ثم من هم الذي جهلت عدالتهم؟ وكيف نصر الصحابة الدين وهم خانوا الدين بعد وفاة النبيّ’ على زعم الشيعة!!

الجواب

 أمّا كيفية معرفة عدالة الصحابة عند الشيعة فقد تقدم الكلام عنها, وأما موقفنا من الشيخين وعثمان فتقدم أيضاً فلا نعيد.

 وقد عرفنا فيما مضى أيضاً أن الشيخ الطوسي قد وثّق عدداً كبيراً من الصحابة, وعرفنا من مصادر الفريقين أنّ هناك أعداداً كبيرة منهم كانوا مع علي×, فهؤلاء هم الذين نصروا الإسلام, فنحن لا نعتقد بأن الجميع قد خان وغيّر وبدّل، بل هناك الكثير ممّن كان مع الحق ونصر الدين, لكن في المقابل عليك أن تتذكر موقفكم من الصحابة بعد وفاة النبيّ’، فهذه السيّدة عائشة تقول: «قُبض رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهامها, اشرأب النفاق بالمدينة, وارتدت العرب قاطبة...»([776]). وعن أنس, قال: «لمّا توفى رسول الله ارتدت العرب...» والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي([777]).

فمن الغريب أن تتأوّلوا مثل هذا الكلام بتأويلات شتّى وبوجوه غير محتملة، في حين ترفضون ما ندّعي أنّه الصحيح من عقيدتنا في الصحابة، وتُصرّون على ما أنتم ترونه من قراءة لعقائدنا, فالسيدة عائشة وأنس يصرّحون بارتداد العرب, فهل تقبل أنّ العرب بجميعها قد ارتدت بعد وفاة النبيّ’ أم ستجد للخبرين مخرجاً وتأويلاً؟ وهل يصحّ ويجوز لك تأويل ما صحّ في تراثك ولا يصح لغيرك تأويل ما يرد في تراثه!!

أما المجهولون من الصحابة فهم كُثر, فما ذكرته كتب التراجم لا يصل إلى عشر عدد الصحابة الحقيقي, فكلّ من لم يذكر يكون في قائمة المجهولين، لا تُعرف أسماؤهم ولا مدى إيمانهم ولا التزامهم, على أنّ الذين ذُكروا منهم في كتب التراجم أيضاً لم يبيّن حالهم جميعاً, فهناك الكثير منهم لم تُعرف مواقفه, وبين يديك كتب الرجال والتراجم لترى بنفسك.

قول العاملي إن بعض الصحابة شق عصا المسلمين

قلتم: لا أدري هذا قولكم أم قول العاملي؟

ذكرتم ص164: بأنّنا علّقنا على قول العاملي كلاماً، كثير منه مقبول، لكن آخره غريب وهو: «هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج على أئمّة العدل, وشقّ عصا المسلمين< ثم قلتم: ولا أدري هل هذا من قولكم أم أنّه منقول؟ ومن ثم قمتم بذكر بعض الأجوبة وسميتموها وقفات.

الجواب

لم يكن ما ذكرته تعليقاً منّي، بل كلّ ما ذكرته هو كلام العاملي, ولذلك أحلتُ عليه, على أنّ كلامه متين ورصين مطابق للروايات الصحيحة والأحداث التاريخية الثابتة, فقد خرج معاوية ومن قبله طلحة والزبير ومن معهم على خليفة المسلمين, وتسبّبوا بإهراق آلاف الدماء المسلمة, وكذا بقية الأمور التي أشار إليها العاملي، وقد تقدّمت جميعاً أثناء البحث مدعومة بالأدلّة والشواهد؛ لذا نرى أن الوقفات التي سجلتها على النص أعلاه تم الجواب عليها مراراً، فلا نعيد.

قول كاشف الغطاء في الصحابة

نقلنا لكم قولاً للشيخ الكبير محمّد حسين كاشف الغطاء في حقّ الصحابة, حيث قال: >لا أقول إنّ الصحابة قد خالفوا النبيّ، كلا ومعاذ الله أنْ يظن فيهم ذلك, وهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ...< فلم تعلّق على كلامه، وأغضضت الطرف عنه، لأن نفسك لا تطاوعك في مدح شيعي مهما اعتقد!

 قول السيد شرف الدين في الصحابة

وذكرنا لكم قولاً مُفصّلاً للسيّد شرف الدين بيّن أنّ المذهب الشيعي في عدالة الصحابة مذهب وسط، بلا تفريط ولا إفراط, وقسّم فيه الصحابة إلى ثلاثة أصناف, ففيهم العدول, وفيهم البغاة وأهل الجرائم والمنافقون, وفيهم مجهولو الحال، وذكر بأننا نحتجّ بالعدول دون البغاة وأهل الجرائم ونتوقف في مجهولي الحال حتّى يتبين أمرهم, مبيناً أنّ أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه؛ خصوصاً مع وجود المنافقين بكثرة في المجتمع الإسلامي...

قلتم: من يدعي الوصية لا يمكن أن يكون وسطاً

في جوابكم على ما قدّمناه, قد أطلتم بما لا محصّل منه, مضافاً إلى التكرار الممل الذي صار علامة مميزة لهذا الكتاب, لذا سنقف على أهم ما أوردتموه هنا باختصار:

1ـ إن كلّ من ادّعى الوصيّة لا يمكن أن يكون وسطاً!

الجواب

 هذه مجرّد دعوى لا دليل عليها؛ خصوصاً بعد أن عرفنا أن عدداً كثيراً من الصحابة كانوا مع أمير المؤمنين علي× في حروبه، بل جملة كثيرة منهم كانوا لا يشكون في ولايته بعد النبيّ’، فمذهبنا في تقسيم الصحابة هو مذهب وسط منسجم مع القرآن والسنة والتاريخ الثابت، بل ومنسجم مع العقل السليم.

قلتم: من هم عظماء الصحابة عند الشيعة؟

2ـ من هم عظماء الصحابة وعلماؤهم عند الشيعة؟

الجواب

 تقدّم ما يكفي في الجواب على هذا الكلام، الذي يوحي أن الشيعة لا يحترمون أيّ صحابي، ولا يوجد في قاموس معتقداتهم عظيم أو عالم من الصحابة، وهو في الحقيقة لا يعدو الإشكال الأساس من أن الشيعة تطعن بالصحابة، وقد أجبنا على هذه الدعوى الخالية من الدليل في أكثر من موضع.

 ولا بدّ أن تعلم بأن عظماء الصحابة ليس أنتم من يحددهم ويفرض علينا احترامهم, مع العلم أن في الصحابة الكثير من العظماء, غير ما أنتم تعتقدون بعظمتهم.

قلتم: كيف تعتقدون بعدالة الصحابة مع أنهم بغوا على علي؟

3ـ قلتم البغاة من بغوا على الوصي، وهم جميع الصحابة، فأين العدول؟

الجواب

 ما ذكره العاملي من أن >البغاة على الوصي وأخي النبيّ.. لا وزن لهم< ليس المقصود منه ما فسرتموه، فهذا فهم سقيم، فإن مقصوده من البغاة هم خصوص معاوية وأصحابه، الذي بغوا وخرجوا على خليفتهم الشرعي، وهو الإمام علي×، في معركة كبّدت المسلمين آلاف الضحايا, وقُتل فيها الصحابي الجليل عمار بن ياسرL, وقد صرّح النبيّ’ بأن عماراً تقتله الفئة الباغية, يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار, والحديث ثابت في الصحيحين, وتقدّم ذكره بلفظ البخاري أكثر من مرّة.

قلتم: أصالة عدالة الصحابة هو مفاد الآيات

4ـ ذكرتم بأنّ الآيات ومئات الروايات تُصرّح بعدالة الصحابة، أفليس هذا دليلاً كافياً على أصالة عدالة الصحابة؟ والمنافقون ليسوا من الصحابة؛ لأنّهم لقوا النبيّ’ غير مؤمنين به!

الجواب

ذكرنا لك الآيات وعرفنا أنّها غير ناظرة إلى جميع الصحابة، بل لبعضهم, وذكرنا لك جملة من الروايات الصحيحة التي تذم عدداً كبيراً من الصحابة, فلا دليل إذن على أصالة عدالة الصحابة.

أمّا المنافقون؛ فقد تعرضنا للبحث عنهم سابقاً, وعرفنا أنهم كانوا معدودين من الصحابة؛ لأن ظاهرهم الإيمان, ولم ينكشف أمر الكثير منهم, فعلى القول بأصالة العدالة سيتم شمول جميع المنافقين الذين لم ينكشف حالهم, وهم كثر!

ثمّ لو سلمنا بأصالة العدالة، فإنّما تتم في شمول مجهولي الحال، لا من ثبت انحرافه وفسقه وإحداثه وتغييره بعد رسول الله, وأكثر المتنازع عليهم هم من ثبت إحداثهم بعد رسول الله’، فلا تنفعك أصالة العدالة في إثبات عدالتهم.

قلتم: يمكن تمييز المنافقين عن الصحابة

5ـ قلتم بأنّ المنافقين جرّعوا الرسول الغصص فهم مكشوفون, فكيف لا يميز بينهم؟ ثم أين ذهب هؤلاء المنافقون, هل تستطيع الإشارة إليهم, وهل لديكم علم بذلك أم بالظن والتخمين؟

الجواب

 كون المنافقين جرّعوا الرسول’ الغصص لا يعني ضرورة كشفهم ومعرفتهم, فقد يكون تجريع الغصص من خلال نشر الإشاعات وبث الأكاذيب وتفريق كلمة المسلمين، ومعها لا ينكشف حالهم ولا يمكن تمييزهم, على أنّنا لا ننكر أن جملة منهم قد انكشفوا وعُرف حالهم, لكن لم ينكشف أمر الجميع.

أما سؤالك أين ذهب المنافقون؟ فنتمنى عليك أن توجه هذا السؤال إلى الصحابي حذيفة اقتداءً منك بالخليفة عمر, فإنه كان حينما يتوفى أحد من الصحابة ويريد الصلاة عليه، يخشى أن يكون الميت منافقاً، فلا يصلي حتّى يسأل حذيفة عن حاله, فإنْ أخبره حذيفة أنّ هذا الصحابي ليس منافقاً صلّى عليه عمر, وإلاّ تركه([778])، وهذا يكشف لك أنّ المنافقين كانوا معدودين جزءاً من الصحابة، وحتّى الخليفة عمر لا يعرفهم, ولم يُجرِ أصالة عدالة الصحابة فيهم؛ لعلمه بأن بعضهم من المنافقين, وهذه مسألة أصولية لطيفة يقرّرها الخليفة عمر, مفادها أن مع العلم بوجود عدد من المنافقين ضمن الصحابة يمتنع إجراء أصالة العدالة فيهم, ونتمنى أن تنتفع بها وتُقلّد السلف الصالح, ولا تتمسّك بالدفاع عن أمور لا يقرونها هم بأنفسهم.

قلتم: كلمات العاملي متناقضة تنتهي إلى اتهام جميع الصحابة

6ـ ذكرتم أنّ كلمات السيّد العاملي متناقضة, فمن جهة يذكر أنّ عدول الصحابة هم عظماء الصحابة وعلماؤهم, ومن جهة يرى أن المستقيمين من الصحابة هم أهل المناقب وهم الأكثرية الساحقة, ومن جهة يقول: نحن نتولى كلّ من اضطر للحياد من الصحابة عن الإمام عليّ×، الذين التجأوا إلى مسايرة أهل السلطة آنذاك بقصد الاحتياط على الدين... وهؤلاء هم السواد الأعظم من الصحابة!

ثمّ علّقتم: فمن هم العظماء؟ ومن هم أهل الحياد؟ ومن هم أهل السلطة؟

فعاد الأمر إلى اتّهام الجميع!

الجواب

التناقض وليد سوء الفهم, وإلا فالأمر واضح لا تهافت فيه، فالعاملي يقرّر أنّ أهل السوابق والمناقب هم أكثرية في قبال المنافقين, فلا ضير في القدح بالمنافقين؛ لأن الأمّة مستغنية عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهؤلاء هم الأكثرية الساحقة، ثمّ يذكر أنّ هؤلاء الأكثرية أو السواد الأعظم من الصحابة كانوا معذورين في مسألة الوصيّة وترك علي× بعد وفاة النبيّ’؛ لمسايرة السلطة آنذاك، ثمّ قال: نحن نتولّى هؤلاء السواد الأعظم، فأين هو اتّهام الجميع؟

نعم، يعتقد الشيعة أنّ الخلافة السياسية اغتصبت، وإنّ الثلاثة أخذوها بغير حق, لكن هؤلاء ثلاثة وليسوا كلّ الصحابة. وعلى أية حال، فنحن نعتقد أنهم خالفوا في مسألة الوصية، ونحن مع ذلك لا نكفرهم ولا نسلب عنهم مناقبهم لو ثبت صحّتها، والأمر يومئذٍ لله.

قلتم: لا يوجد منهج واضح عند الشيعة تتمحص به الحقائق

7ـ ذكرتم بأنّه لا يوجد منهج شرعي عند الشيعة تمحّص به الحقائق وتصحّح به الآثار، وذكرت أنّ عالماً مثل محمد الصدر قد اعترف بأن رجال العقيدة والتاريخ الشيعي مجهولون, فكيف يمكن معرفة الصحيح في مذهبٍ رواة عقائده مجهولون؟

والروايات التي اعتمد عليها الشيعة في كتب السنّة لا يكاد يسلم منها رواية, فأين المنهج العلمي عند الشيعة.

الجواب

1ـ ليس من الصحيح أن الشيعة ليس لهم منهج واضح, بل لهم منهج متميز في وضوحه, وكلّ خبر ورواية عندهم خاضعة للتمحيص والتدقيق, ولا يرون صحّة كتاب بأجمعه, بل يتتبعون رجال سند كلّ رواية وخبر, ويرون ضرورة عرض الرواية على كتاب الله، فلئن خالف مضمونه كتاب الله يسقط عن الحجية حتّى لو كان رجاله بحسب القواعد السندية ثقات، ثمّ ملاحظة ما يوافق مضمونه أو يعارضه من بقية الأخبار والروايات.

 وهكذا تمر الرواية قبل الاعتماد عليها بمراحل متعددة، كما هو مفصّل في كتب الأصول والرجال والحديث.

وفي المقابل نجد عندكم تهافتاً عجيباً يجعلنا نحن من يقول أنكم لا تمتلكون منهجية واضحة؛ فمن جهة نجد كتبكم الصحيحة كالبخاري ومسلم تحمل في داخلها إساءات عديدة للإسلام وللنبي محمد’, ومن جهة أخرى نجد أنّ لديكم اضطراباً في علم الجرح والتعديل وتناقضاً وتهافتاً، بل رأينا أنّ نفس أئمة الجرح والتعديل عندكم قد جُرحوا من غيرهم, ورأينا أن الإمام الواحد منهم تارة يُّضعف وتارة يوثق، وهذا يدلّ على عدم اعتمادكم على منهجية علمية واضحة وصحيحة.

2ـ ما يتعلق بقول السيد الصدر، فسيأتي منك بعد قليل نقل عبارته، وسنوافيك هناك بنصّ عبارته كاملاً؛ لنرى مقدار تطابقها مع ما ستنقله عنه, ثم نجيب عمّا تخيّلت بأنه إشكال يقضّ عقيدة الشيعة, ويكشف عن حقيقة تهدم المذهب!!

3ـ بالنسبة للروايات التي اعتمد عليها الشيعة في الاحتجاج على السنّة فإنّها صحيحة معتبرة طبق القواعد عند أهل السنّة, وكلّ من يراجع ما كتبناه سيرى صحّة قولنا، ويعرف أنّ قولك مجرّد دعوى يراد منها التمويه والتشويش على ذهن القارئ.

خمسة إشكالات جديدة في الطبعة الثانية للكتاب

وجدنا في طبعتكم الجديدة في ص 178 أنك قد أقحمت بعض الاشكالات الجديدة، وذلك في سياق ردّكم على كلام السيد شرف الدين الذي برّر ردّ كثير من أحاديث الصحابة؛ انطلاقاً من الواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية, وبحثاً عن الصحيح من الآثار النبوية.

ويمكن إجمال تلك الإشكالات بما يلي:

أولاً: ما هو المقصود من هذه الآثار الصحيحة، هل هي الآثار التي في كتب الشيعة أم في كتب أهل السنة؟

ثانياً: لو كان المقصود من تلك الآثار هي التي في كتب الشيعة بالخصوص، فمن غير الممكن الوصول للحقائق؛ لابتلاء كتب الشيعة بالوضع والتحريف وغير ذلك.

ثالثاً: الشيعة متأخرون في علوم الرجال والتصحيح السندي؛ فإن بداية ذلك كان في القرن السابع الهجري، ولم يكن ولادة ذلك لحاجة علم الرجال، بل لدفع تهمة التعيير من قبل أهل السنة لهم.

رابعاً: ولو كان المقصود من تلك الآثار هي التي في كتب أهل السنة بالخصوص، فلماذا هذا الانتقاء والاستدلال بما ضعف مستنده عندهم، كالوصيّة فإنّها ضعيفة أو مكذوبة, وتجنب الصحيح الذي يبطل معه المذهب الشيعي.

خامساً: وهذا لا يتعلّق بكلام شرف الدين، وحاصله: أنّ تطبيق التصحيح السندي على الروايات الشيعية يستلزم منه الاستدراك على الإمام عندهم.

هذه هي مجمل الإشكالات الجديدة، وسوف نجيب عنها تباعاً.

الإشكال الأول:

قلتم: هل المراد من الآثار الصحيحة تلك التي عندنا أم عندكم؟

في معرض ردّكم على كلام السيّد شرف الدين في أنّ سبب ردّ بعض مرويات الصحابة كان بدافع الوظيفة الشرعية التي تقتضي البحث عن الصحيح من الآثار النبوية، قلتم: الصحيح من الآثار النبوية عندكم أو عندنا؟ أي: هل الآثار الصحيحة الموجودة في كتب أهل السنّة, أم الآثار الموجودة في كتب الشيعة؟

الجواب

نحن لا نتعامل مع الروايات والآثار في إطار شيعي محض, بل كلّ رواية كانت معتبرة الإسناد ـ ولو كان كلّ رواتها من أهل السنّة فيما لو توفر فيهم شرط الأمانة في النقل ـ تكتسب درجة الحجية وتدخل ضمن نطاق الاستدلال, ولا نفرق بين كتاب وآخر سواء كان شيعياً أو سنيّاً, غاية ما هنالك أنّ الروايات الواردة في كتب أهل السنّة لم تصل إلى درجة القبول عندنا؛ لا لكونها سنية؛ بل لأنّ أسانيدها مبتلاة بالضعف والجهالة حسب القواعد الرجالية التي عندنا.

 وهذا هو منهجكم أيضاً, فأنتم لا تقبلون برواياتنا؛ لأنّ رواتها بحسب قواعدكم الرجالية مجهولون أو ضعاف.

لكن، مع هذا، نحن نختلف معكم من حيث المنهجية, فنحن حينما نترك رواياتكم، فإن الأساس في ذلك هو عدم ثبوت وثاقة الراوي فحسب, أما أنتم فالمعيار توسّع عندكم ليشمل المذهب أيضاً، فأضحى النَفَس الطائفي حائلاً دون الأخذ برواياتنا, فكم من ثقة وثقة لم يؤخذ به لأنه شيعي رافضي! أو رافضي خبيث بحسب زعمكم!!

 لذا فتساؤلك الأول ليس له معنى على المبنى الشيعي.

 

الإشكال الثاني:

قلتم: يتعذر تمحيص الحقائق في الكتب الشيعية

ذكرتم: لو كان المقصود من البحث عن الآثار الصحيحة التي رفضتم فيها مرويات الصحابة، هي تلك التي في كتب الشيعة، فهذا متعذر ولا يمكن الوصول للحقائق؛ لابتلاء الكتب الشيعية بالوضع والتحريف ونحو ذلك.

الجواب

 إنّ المتتبع بحيادية لتاريخ تدوين الحديث عند الشيعة بمقارنته بتاريخ تدوينه عند السنّة، سيرى أن الآثار والتراث الشيعي قد سلم من الأمراض، كالوضع والتحريف التي ابتلى به الكثير من التراث السني وآثاره, فتدوين الحديث بحسب اعتقاد أهل السنة كان ممنوعاً من قبل النبيّ’ كما يدّعون، كما يدّعون أيضاً أنّ الخليفة أبا بكر وكذا عمر وغيرهم من الصحابة ساروا على نفس النهج, فكانوا يمنعون الصحابة من التحديث وكتابته ويحولون دون نشره, وكانت أول بادرة لكتابة الحديث ـ على ما يقرّره أهل السنّة ـ في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت: 101 هـ)، حينما خشي اندراس العلم وذهاب العلماء, فأمر أبا بكر بن حزم بتدوين الحديث, إلاّ أنّ هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح والاستمرار, فتوقفت عند وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز, وحين تولى الخلافة هشام بن يزيد بن عبد الملك سنة 105 هـ أمر الزهري (ت: 124هـ) بكتابة الحديث مرّة أخرى، وهذه كانت بدايات التدوين المتلكئة, على أنّ تدوين الحديث عند أهل السنة ظهر بصورة جلية في العصر العباسي.

فالتدوين إذن تأخّر عند أهل السنة لأكثر من قرن بعد وفاة النبيّ’, وقد تسبّب هذا التأخير في انتشار الوضع وكثرة النقل بالمعنى؛ ممّا أدّى إلى ضياع الكثير من المعاني التي كان يريدها النبيّ’، واختلاط الأحاديث الصحيحة بالموضوعة, ومن هنا جاءت سهام النقد للدين الإسلامي بأنّه معتمدٌ على روايات نقلها المسلمون بعد أكثر من مئة سنة على وفاة نبيهم! وهذا التأخير في التدوين قد اتخذه المستشرقون ذريعة قوية لهدم الدين الإسلامي, وبسببه ظهرت فرقة القرآنيين الرافضة لحجية السنة النبوية بحجة عدم تدوينها وكذا نقلها بالمعنى.

وهذه الإشكالات لم تعانِ منها الاثار الشيعية؛ إذ كان صحابة الأئمّة يكتبون ما يسمعونه منهم مباشرة, وكان هناك تشديد من قبل أئمّة أهل البيت^ على ضرورة تقييد الأحاديث حتّى لا تندرس وتضيع؛ لذا ألّف أصحاب الأئمّة الكثير من المؤلّفات الحديثية, حتّى بلغت الأصول أربعمائة أصل, غير الكتب الأخرى التي تربو على الآلاف, وبعد وفاة الإمام العسكري في النصف الثاني من القرن الثالث وبداية القرن الرابع، ظهرت الموسوعة الحديثية الكبرى المعروفة بالكافي, والتي استلت من تلك الكتب والأصول المكتوبة في عهد الأئمة^, ثم بعد ذلك ألّف الشيخ الصدوق كتابه القيّم (من لا يحضره الفقيه) ثمّ الشيخ الطوسي كتابيه (التهذيب) و(الاستبصار) واستمرّت حركة التأليف؛ اعتماداً على تلك الكتب والأصول التي ألّفت في عهد الأئمة^.

فإنْ كان ثمّة إشكال حول الروايات والآثار فإنّما يتوجه على رواياتكم وآثاركم بالخصوص, وأمّا الروايات الشيعية فلا شائبة فيها, ويمكن وفق منهجهم تمحيصها ومعرفة صحيحها من ضعيفها, وإذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة!

الإشكال الثالث

قلتم: لا يوجد منهج للتصحيح السندي عند الشيعة

ذكرتم: أن الشيعة لا يمتلكون منهجاً في التصحيح السندي، وأنّ علم الرجال نشأ عندهم متأخراً جدّاً في القرن السابع الهجري، ولم يكن الهدف من نشوئه هو الحاجة لعلم الرجال، بل كان الهدف منه دفع تعيير السنة لهم؟

الجواب

 إنّ من يقرأ كلماتك يعتقد جازماً بأنّك بعيد جداً عن معرفة منهج التصحيح والتضعيف عند الشيعة، لذلك تخيلت أن بداية الجرح والتعديل عند الشيعة كان عند ظهور التقسيم الرباعي للحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف, وهذا خطأ منك, فإن توثيق الرواة وتضعيفهم هو منهج الطائفة الشيعية، وقد سبق هذا التقسيم بزمان طويل.

 قال الشيخ الطوسي (ت:460 هـ): «إنا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم، وقالوا: فلان متّهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتّى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم»([779]).

فالتوثيق والتضعيف هو منهج متبع عند الطائفة الشيعية, غاية ما هناك أنّ القدماء ولقرب عهدهم من عصر النص كانت تتوفر لهم غالباً قرائن يعرفون من خلالها صدور الرواية من عدمه, فلو دلّت قرائن معينة تفيد الاطمئنان بصدور الرواية عن النبيّ’ أو الإمام وجب الأخذ بها وإن كان سندها ضعيفاً وفق القواعد التصحيحية, وكذا لو دلّت القرائن على عدم صدور الرواية من النبيّ أو الإمام فلا يجوز الأخذ بها ولو كان سندها في غاية الصحّة, كما لو كانت رواية تخالف كتاب الله فلا بدّ من ضربها عرض الجدار وإنْ كانت صحيحة.

 فالقدماء مضافاً لمعرفتهم بالتوثيق والتضعيف كان جلّ اعتمادهم على القرائن, وكان التوثيق والتضعيف من جملة تلك القرائن لا غير, ومع بعد الزمن عن عصر النص وخفاء القرائن كان لا بدّ من منهج يتميز من خلاله السقيم من الصحيح, ولا بدّ أنْ يأخذ هذا المنهج حجيته من الكتاب والسنّة, ومن هنا تلاحظ أنّ كتب الأصول الشيعية قد أولت اهتماماً منقطع النظير بحجية خبر الواحد, ودرست الأدلة المتعلقة به ـ نفياً وإثباتاًـ دراسة وافية مستفيضة، فالتقسيم الرباعي للحديث عند الشيعة لا علاقة له ببداية الجرح والتعديل عندهم.

 وأمّا ما ذكرته من هدف نشوء علم الجرح والتعديل عند الشيعة كان بسبب تعيير أهل السنّة لهم، ولم يكن الهدف هو الحاجة إلى ذلك! فهذا ليس صحيحاً، وليس سبباً يُستحقُّ أن يذكر, فإن الداعي لذلك، على ما عرفنا، هو ضياع القرائن التي كان يعتمد عليها المتقدّمون. نعم، هناك بعض الكتب الرجالية قد كُتبت لدفع تعيير أهل السنة, على أنّ المراد به هو إظهار ما معروف عند علمائنا من الجرح والتعديل؛ لأن أهل السنة ـ وعلى طريقتكم في الاستدلال ـ يتصورون أنْ لا علم رجال عندنا, فانبرى علماؤنا يبينون لهم أن عدم وجود تصنيف في مادة معينة لا يعني عدم وجودها عند الفرقة، فقاموا بكتابة بعض الكتب ليسكتوا الألسن التي تتكلّم وتثرثر, فالكتب أظهرت ما عليه الطائفة من توثيق وتضعيف, فتأليف بعض الكتب هو وليد تعيير أهل السنة لا أنّ الجرح والتعديل عندنا هو وليد ذلك، فافهم واغتنم!

الإشكال الرابع:

قلتم: الاثار الصحيحة لأهل السنة تبطل المذهب الشيعي

ذكرتم: لو كان المقصود من الآثار الصحيحة، هي تلك الآثار التي عند أهل السنة، فهذا يستدعي عدم الانتقائية في الاعتماد عليها، وعدم الاستدلال بالضعيف أو المكذوب كروايات الوصيّة, وترك الصحيح الذي لو تمسّكت به الشيعة؛ لبطل أساس مذهبهم.

الجواب

لا شك بأن المقصود هو الأعم من الآثار الشيعية والسنية، كما مرّ في جواب الإشكال الأول، فالمقصود هو واقع تلك الآثار الثابت بالطرق الصحيحة أينما كان، وأمّا قولك: إنّ روايات الوصيّة ضعيفة أو مكذوبة, وإن التمسّك بالآثار الصحيحة عند أهل السنة يُبطل العقيدة الشيعية, فهذا الكلام ليس له نصيب من الصحّة, فهناك عدّة من روايات الوصيّة معتبرة ومقبولة, وسيأتي الكلام عن ذلك عند التعرّض لبحث الوصيّة لاحقاً، فانتظر.

كما أنّ التمسّك بالروايات الصحيحة عند أهل السنّة سيقود إلى الإيمان بصحّة المذهب الشيعي لا العكس, إذ إنّ حديث الثقلين الصحيح وحديث الاثني عشر خليفة, وغيرها الكثير من الصحاح عند أهل السنّة لا يمكن أنْ تُفسّر أو تدلّ إلا على صحّة المذهب الشيعي لا غير.

الإشكال الخامس:

قلتم: التصحيح الروائي عند الشيعة يستلزم الاستدراك على الإمام

 إلى هنا انتهت الاشكالات الجديدة على كلام شرف الدين، لكنك أيضاً اضفت إشكالاً بعنوان، ثامناً: متعلّقاً بالجرح والتعديل، وهو اشكال لم يكن موجوداً في الطبعة القديمة، وحاصل هذه الإشكال: أنّه لا شك أن هناك جملة من الروايات الشيعية التي تحمل حكماً شرعياً قد صدرت وقت كلّ إمام من قبل وضاعين أو كذابين، وما دام الأئمة يعلمون الغيب، بحسب معتقدات الشيعة، وبمقتضى إمامتهم التي أساسها حفظ الدين، كان من الضروري أن يقوم كلّ إمام وقت إمامته بإبطال تلك الروايات التي صدرت قبل زمان إمامته, أو أن يقوم بتصحيحها، وإلا فهو إمّا لم يعلم شيئاً عنها، وهذا ينافي ما جعل إماماً من أجله, أو يبطل زعم الشيعة بأنّه يعلم الغيب...فلا فائدة في إمام يتناقل أتباعه الكذب إلى عصره ثمّ لا يُعرّفهم بذلك الكذب, أفلا ترى أن في تصحيحكم استدراك على الإمام؟

الجواب

ما يتعلّق بكلامك حول الإمام ووظائفه، وأنّه لا بدّ أنْ يبيّن كذب الروايات التي سبق نقلها, فهذا ممّا لا محصل له؛ لأن كلامك لا يتضمن استدلالاً علمياً سوى ذكر مبعدات عن كونه إماماً, فمع ثبوت الأدلّة الرصينة على إمامة الاثني عشر لا معنى لكلامك؛ لأن الإمام أعرف بشؤونه ووظائفه، وإذا لم يبين ويكشف الروايات الكاذبة فلا يلام على ذلك, على أنّ النبيّ’ كان يصرّح بوجود الكذابين في زمنه, ولا يوجد ما يدلّ على أن النبيّ ’ قد كشف كذب شخص من الكذابين في حياته, فتلك أمور تتعلق بوظيفته وهو أعرف بما يصلح الأمّة ممّا يفسدها.

وعلم الغيب الذي تقول به الشيعة ليس علماً مطلقاً، بل هو علم يتعلّق بما شاء الله أنْ يطلعهم عليه، فهو علم إنشائي، ولم يزعم أحداً بأنهم يعلمون الغيب مطلقاً, فهذا افتراء على الشيعة. أضف إلى ذلك، أنهم قد بيّنوا صحّة مجموعة من الروايات وضعف مجموعة أخرى, كما أنّ نفس بيانهم للأحكام والعقيدة بصورة متواصلة هو بحدّ ذاته منهج يمكن من خلاله تمييز الصحيح والضعيف من الروايات المروية قبلهم.

على أنّ ما تريد إثباته عليل, فإن نفس بيانهم وكشف الضعيف من الروايات إنّما ينحصر طريقه إلينا بالرواة، وهؤلاء الرواة لا بدّ من قواعد نستند إليها؛ لدراسة حالهم من حيث الجرح والتعديل, فليس في تصحيحنا عندئذٍ استدراك على الإمام، كما صرّحت بذلك, بل هدف التصحيح هو معرفة ما صدر من الإمام فعلاً وما هو مكذوب عليه. فتكذيب الإمام لشخص ما ولعنه لآخر لابد أن يصلنا بسند معتبر حتّى نتمكن من الاعتماد عليه.

 وبهذا يتّضح أنّ ادعاءك أن التصحيح السندي عند الشيعة يلزم منه الاستدراك على الإمام، هو ادعاء باطل.

ثمّ لو صحّ كلامك أن الشيعة بتصحيحهم وتضعيفهم الروايات يستدركون على الإمام، فهذا يكون فيما لو كان التصحيح منصبّاً على الرواة المباشرين وقد سكت الأئمة عنهم، لكنّ هؤلاء كان أغلبهم من أصحاب الأئمّة، ومن الأجلاء والمتقين، الذي حفظوا التراث وأدّوه بكلّ أمانة، ومن شذّ منهم فقد كشفه الأئمّة وحذّروا منه, فأين الاستدراك الذي تدّعيه.

فتلخص: أنّ كلامك غير تام، وهو مجرد ادعاءات بعيدة عن التحقيق. وبهذا أجبنا عن الإشكالات في الطبعة الجديدة التي ربما اعتقدت أنها مفيدة، لكنّها ـ كما اتّضح ـ فارغة من المحتوى العلمي.

 ونعود الآن إلى تسلسل الاشكالات في الطبعة القديمة، وكان الحديث عن عقيدة الشيعة في الصحابة:

ثناء الشهيد محمّد باقر الصدر على الصحابة

ذكرنا لك كلاماً رائعاً للسيد الشهيد الصدر حول الصحابة، لكننا نراك أغضضت الطرف عنه! ـ كما رأينا سكوتك عن كلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء فيما تقدّم ـ في حين تُركّز على كلّ ما يحتمل فيه الفرقة وتترك ما تلمس منه الوحدة!!

قول الشيخ جعفر السبحاني في تصنيف الصحابة

قلتم: الاستدلال بالقرآن على تصنيف الصحابة تأويل باطل

ذكرنا لكم قول الشيخ السبحاني الذي بيّن أنّ رأي الشيعة في تقسيم الصحابة إلى صالح وطالح إنما هو ناتج من الاعتماد على الآيات القرآنية, والأحاديث الصحيحة, والتاريخ القطعي, والعقل المحايد.

وقد رأيناك أطلت في الجواب, وخلطت الأمور ببعضها, لذا سنتناول أهمّ ما ذكرتموه ونجيبكم عليه الجواب الشافي.

 قلتم في ص169: >أما الاستدلال بالقران فهو ـ على الطريقة الشيعية ـ إخراجه عن مدلوله بأنواع التأويلات<.

الجواب

نترك للمنصفين أنْ يقرؤوا ما كتبناه حول الآيات الواردة في الصحابة, ويقرؤوا ما كتبتم أنتم؛ ليتّضح لهم من الذي يلوي أعناق النصوص، ويعتمد على ما ينفعه, ويغضّ الطرف عمّا لا يصبّ في صالحه!!

وأمّا ما يتعلّق بأجوبتك الأخرى على كلمات الشيخ السبحاني فأوكلناها إلى المبحث الآتي المعنون بـ >حوار حول المنهج الشيعي في تصحيح الروايات<.









حوار حول
 المنهج الشيعي في تصحيح الروايات


قلتم: لا كتاب صحيح عند الشيعة، والكافي مليء بالغرائب

ذكرتَم أن الشيعة لا يعرفون مصدراً شيعياً قديماً صحيحاً، وأما الكافي ـ وهو أصح الكتب ـ مملوء بالغرائب.

الجواب

 لعلّ من نقاط القوة عند الشيعة هو عدم وجود كتاب صحيح بأكمله عندهم، وكلّ رواية خاضعة للتمحيص والتدقيق, فكل رواية تخالف القرآن أو السنّة الثابتة فهي مردودة من قبلهم ولا يعملون بها, والكافي وإن احتوى على بعض المرويات التي تحمل بعض الغرائب إلاّ أنها ليست بصحيحة وفق المعايير السندية, والشيعة يرفضونها ويردونها، لكن هلمّ معي إلى البخاري ومسلم وهما صحيحان بأكملهما ـ وفق منهج أهل السنة ـ مع أنّهما قد كثرت فيهما الموضوعات والإسرائيليات والغرائب التي تسيء إلى الإسلام ورسوله الأعظم’, وهذا يدلّ على أنّ منهجكم مدعاة إلى هدم الدين والإساءة إلى رسول ربّ العالمين, ولو أراد مستشرق أو غيره أن يطعن في الدين الإسلامي لما وجد أحسن من هذا الطريق، وهو اتّباع ما في مسلم والبخاري من روايات, فإنّها تكفي لأن تقضّ مضجع الدين الإسلامي وتهدد كيانه.

قلتم: لا تاريخ محايد يكون معتمداً في تمييز الصحابة

 قلتَم تعقيباً على كلام السبحاني المتقدّم: >وأمّا التاريخ المحايد فلا ندري أين يوجد هذا التاريخ المحايد, وأيّ كتاب تاريخ يمكن أن يكون حجّة, والتاريخ قد امتلأ بالقصص الكاذبة والروايات الباطلة؟<.

 

الجواب

 أوّلا: أنّ عبارة الشيخ ركّز فيها على اعتماد التاريخ القطعي في مسألة التفصيل بين الصحابة، وليس التاريخ المحايد!

ثانياً: عدم اعترافك بالتاريخ يستلزم منه أن تعيد صياغة كتابك هذا من جديد، فقد أمتلأ بالاستدلالات التاريخية, فإذا كنت ترى ذلك قصصاً كاذبة وروايات باطلة, فلماذا توهم قرّاءك وأتباعك بأن هذه حقائق ثابتة؟ ولمَ التدليس على المسلمين في نشر كتب مليئة بالاستدلالات المكذوبة والموضوعة؟ وهل يحلّ شرعاً أن تستدل بأمور تعلم بوضعها وكذبها؟!

ثالثاً: نحن نعتقد ـ وقد مرّ ذلك في بحث سابق ـ أنّ كثيراً من الأمور التاريخية هي ثابتة وصحيحة؛ وذلك إمّا من خلال صحّة طرقها أو استفاضتها أو تواترها بحيث يحصل اطمئنان بصدورها وصحّة وقوعها, ولا يمكن لمسلم أن يقرّر تاريخ حقبة زمنية مليئة بالفتن من دون الرجوع إلى التاريخ ودراسته؛ ليُفرز الصحيح ويؤخذ به وينُحّى السقيم جانباً, ولا يكاد يوجد عالم من أهل السنّة ادّعى أن جميع التاريخ مكذوب موضوع, فدعواك العريضة هذه تحتاج إلى دليل, بل الدليل على خلافها.

قول الصدر في رجال التاريخ والعقيدة عند الشيعة

قلتم: رجال التاريخ والعقيدة مجهولون فلا صحيح فيها

ذكرتم: أنّ مصادر التاريخ والعقيدة عند الشيعة تقوم على رجال مجهولين, فكيف يمكن التوصّل إلى الصحيح منها, واستندت على ذلك بقول السيد محمد الصدر, في مقدمة كتابه (الغيبة الصغرى) وهو يتحدّث عن أسباب الغموض في التاريخ الإسلامي، فذكر عدّة نقاط, قال في الخامسة منها، على ما ذكرتَ: «الخامسة: نقطة إسناد الروايات, حيث إنَّ المصنفين الإمامية جمعوا في كتبهم كلّ ما وصل إليهم من الروايات, عن الأئمة^ أو عن أصحابهم بِغضَّ النظر عن صحّتها أو ضعفها... وعلماء الشيعة الإمامية الذين ألّفوا في الرجال اقتصروا في كتبهم على الترجمة لرواة الأحاديث الفقهية التشريعية وأَوْلَوْها العناية الخاصّة, بصفتها محلّ الحاجة العملية في حياة الناس... لكن هذه الكتب أهملت إهمالاً تاماً ذكر الرجال الذين وُجِدت لهم روايات في حقول أخرى من المعارف الإسلامية كالعقائد والتاريخ والملاحم ممَّا قد يربو على رواة الكتب الفقهية... فإذا وفق من حسن الحظ أنْ روى الراوي في التاريخ والفقه معاً وجدنا له ذكراً في كتبهم, أمّا إذا لم يرو شيئاً في الفقه فإنَّه يكون مجهولاً».

ثم ذكرت أن هذا اعتراف خطير يكشف عن حقيقة تهدم المذهب من أساسه!!

الجواب

أوّلاً: نلاحظ أنّك لم تكن أميناً في نقل العبارة بصورة صحيحة, فهو لم ينف نفياً باتاً وجود تراجم لرجال التاريخ والعقائد، بل قال: >يكاد يكون تاماً!!<.

ثانيّاً: أنّه صرّح أنّ من له روايات فقهية فقد ترجم له في كتب الرجال, ومن الواضح أنّ الرواة لم يكونوا متخصصين في مسألة دون غيرها, فلم يكن عندنا رواة تخصصوا بالفقه, ورواة تخصصوا بالتاريخ, ورواة تخصصوا بالعقيدة, بل تجد الأمر على عكس ذلك تماماً، فنفس الرواة تارة ينقلون مسألة فقهية وأخرى تاريخية وتارة عقيدية, وحيث إنّ علماء الرجال اعتنوا بترجمة رواة الفقه, فالنتيجة هي ترجمة لمن روى العقائد والتاريخ, اللهم إلاّ من لم يكن له أي رواية فقهية، وهو فرض نادر.

أضف إلى ذلك: فإنّ معرفة وثاقة الراوي من عدمها ومعرفة صحة الرواية من عدمها غير متوقفة على كتب تراجم الرجال فقط, فهناك قواعد عديدة ذكرت في كتب علوم الحديث والرجال يمكن من خلالها معرفة صحّة الرواية أو وثاقة أشخاص لم ترد أسماءهم في كتب تراجم الرجال.

ثالثاً: أنّ الشيعة تشدّدوا في قبول مبادئ العقائد, ولم يكتفوا بصحّة السند كما عليه السلفية, بل لا بدّ في مسائل الاعتقاد من اليقين أو الاطمئنان, لذا فالواقع الذي هم عليه ينافي ما تريد إثباته, فهذه عقائدهم كلّها مستندة إلى أدلة معتبرة من القرآن والسنّة والعقل ولم يعتمدوا على رواية ضعيفة, بل حتّى الرواية الصحيحة وحدها غير كافية في إثبات العقيدة, فمجرّد التمسك بعبارة واحدة ومن عالم واحد لا ينفعك في الوصول إلى المطلوب.

رابعاً: أنّ السيد الصدر بعد أن ذكر تلك العبارة, أوضح المنهج الذي لا بدّ أنْ يتبعه في ما هو فيه ـ أعني الإثبات التاريخي ـ وصرّح بأن أوّل طريق هو ملاحظة سند الرواية, فإنْ تمّت أخذ به, فهو لا ينفي وجود روايات صحيحة, والطريق الثاني: هو الاستفاضة أو التواتر، والثالث: ما وجد لها شاهد يشهد بصدقها, وهكذا... فهو لم يترك الباب مؤصداً كما حاولتَ إيحاءه للقارئ.

كلام الحر العاملي في التصحيح السندي

قلتم: التطبيق الشيعي للتصحيح السندي يبطل جميع مروياتهم

ذكرتم في ص171 كلاماً للحرّ العاملي يرى فيه صحّة جميع الروايات؛ وينقد المنهج الجديد في نقد الأحاديث وتقسيمه إلى أربعة أقسام, واستفدت من كلماته بأنّه لو طبّقت قواعد الجرح والتعديل لضعُف جميع رواته وكذا روايات المذهب!!

الجواب

أوّلاً: لايوجد في عبارة الشيخ العاملي بأنّه لو طبق المنهج لضعف جميع رواة المذهب, بل كان ناظراً إلى ضعف الروايات التي يرويها أصحاب الإجماع وغيرهم من الثقات, عن الضعفاء والكذابين, فإن هذه الروايات لا تصحّ سنداً, لكن دلّت القرائن على صحّة مضامينها, فطبق منهج المتقدمين لا بدّ أنْ تكون هذه الروايات صحيحة, لكن لو طبّق عليها منهج المتأخرين فلا بدّ أنْ تكون ضعيفة, وهذا كلام سليم في حدّ ذاته, والمناقشة فيه إنّما هي صغروية, أعني في تثبيت القرائن التي يُطمأنُّ معها بصدور الرواية, فإنّ حاجتنا للسند إنّما هي في فرض عدم معرفة صدور الرواية عن النبيّ ’ أو الإمام, أمّا مع العلم أو الاطمئنان بصدورها لدلالة القرائن على ذلك, فلا قائل بالحاجة إلى السند حينئذٍ.

ثانياً: أنّ التخلي عن منهج المتقدّمين في التوثيق والتضعيف بُنيَ على أسس صحيحة, وهي تنبع من دقّة علماء المذهب, إذ بعد مرور الزمن بيننا وبين المتقدّمين, ضاعت أغلب القرائن التي كانوا يعتمدونها, ولا يمكن أنْ نتّبعهم تقليداً, إذ لربّما تكون القرينة مفيدة عن شخص للإطمئنان وغير مفيدة عن آخر, فكان لا بدّ من منهج جديد تُميّز في ضوئه الأحاديث الصحيحة من السقيمة.

غير أنّ هذا المنهج لا يلزم منه ضعف جميع روايات المذهب, ولربما يكون مراد الشيخ العاملي هو ضعف خصوص تلك الروايات التي نقلوها عن الضعفاء, إذ لا قائل إنّ جميع روايات المذهب نقلت عن ضعفاء, وأنّ الثقات الأوائل وأصحاب الإجماع كانوا لا ينقلون إلاّ عن ضعفاء! كيف ذلك والواقع الذي عليه المذهب يتنافى معه, فهاهم العلماء يجرون قواعد الجرح والتعديل, ولم يؤدِّ ذلك إلى ضعف جميع روايات المذهب! وهذه كتب الرجال وكذا كتب الموسوعات الفقهية الاستدلالية موجودة منتشرة ولم نجد فيها ضعف جميع الرجال! بل هناك من الرواة الثقات والأخبار الصحيحة الكثير الكثير.

ثالثاً: من المعروف والجلي أنّ الحر العاملي& ليس من الأصوليين الذين عليهم مدار المذهب قديماً وحديثاً, بل هو من الفرقة الأخبارية التي برزت فترة محدودة ثمّ اندثرت, إذ لم يكتب لأفكارها نصيباً من النجاح, فلا يصح لك أن تحاسب المذهب بكلمات شخص واحد وإن كان محدثاً ثقة, فإن كلامه لا يُعبّر عن وجهة نظر المذهب, بل يُعبّر عن وجهة نظره, فعليك أنْ تراجع كلمات المحقّقين من القدماء والمتأخرين، ولا تطوِ أربعة عشر قرناً من التحقيق بكلمة واحدة!!

ويكفيك أن تلاحظ عبارة شيخ الطائفة الطوسي& التي تقدم ذكرها؛ لتعرف اهتمام الطائفة منذ القدم بمسألة الجرح والتعديل.

رابعاً: أنّ وثاقة الراوي هي أحدى طرق الوثوق بالرواية, وليست طريقاً منحصراً به, فإذا احتفّت الروايات الضعيفة بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها يؤخذ بها؛ لأنّ المناط في العمل هو إثبات صدورها عن النبيّ’ أو الإمام×, فالوثاقة ليست موضوعاً للعمل, بل هي طريق لمعرفة الصدور, فصحّة الروايات غير متوقف دائماً على وثاقة الرواة, ولا أدري هل خفي عليك هذا في علم الأصول, أم تعرف ذلك جيداً وتعمد إلى تجاهله؟

خامساً: أنّ الدقّة التي اعتمدها علماء المذهب, لم نرها موجودة عند غيرهم, فنراكم مثلاً اتّبعتم البخاري ومسلماً في تصحيحهم لكتابيهما, مع وجود رواة ضعفاء ومجاهيل ومدلسين وغيرهم, ورحتم تتأولون لهم ذلك بالحدس والتخمين, ولو قدّر أنْ يوجد البخاري ومسلم في هذه العصور لاستغربا من توجيه العلماء لبعض رواياتهم الضعيفة وفق المنهج الحديثي المتّبع, وكأنّ البخاري ومسلم معصومان لا يطالهما الخطأ والنسيان والاشتباه, فبرّرتم لهم كلّ ماهو ضعيف بمسوّغات واهية وحكمتم بصحّته!!

البرقعي وتهجمه على محدّثي الشيعة

قلتم: البرقعي يقول إن الصدوق كان يبيع الرز والكليني بقالاً

ذكرت ص172 كلاماً طويلاً لما أسميته بآية الله العظمى البرقعي وهو يتهجّم على مُحدّثي الشيعة وكتبهم الحديثية وخصوصاً الكافي, وذكر أنّ الشيخ الصدوق كان يبيع الرز في قم, ومحمّد بن يعقوب كان بقالاً في بغداد!!

الجواب

أوّلاً: لا ندري من أين عرفت أنّه آية الله العظمى؟!هل هو عرّف نفسه بذلك! أم رأيت أحد علماء الشيعة يوسمه بذلك! فالبرقعي مطرود من المؤسسة الدينية؛ لما شوهد منه من انحرافات وشذوذ أخلاقية وعقديّة, مضافاً إلى أنّه قد ألّف سابقاً كتاباً في حقّانية الشيعة, فماذا حدا ممّا بدا؟!

ثانياً: كيف جاز لك أن تلزمنا بكلمات منحرف عن طريق التشيع خارج عن المذهب, وأنت ترفض أن نحتج عليك بمثل كلمات العالم الأزهري محمود أبو ريّة, وهو لم يتخلّ عن المذهب السنّي, بل حاول أن ينقد بموضوعية تامة الروايات التي وردت في كتب السنّة؟

فلو أردتَ أن نتّبع معك هذه الطريقة لكتبنا لك آلاف الصفحات من كلمات المستبصرين، الذين تخلّوا عن المذهب السنّي والتحقوا بركب سفينة أهل البيت^، لما رأوه من حقّانية مذهبهم ^، ولما رأوه في كتبكم الحديثية من تهافت وضعف وإساءات للإسلام وللنبي’, فقد رأوا الإسرائيليات والموضوعات قد اجتاحت أصحّ الكتب لديكم كما في مسلم والبخاري, فما بالك ببقية الموسوعات الحديثية الأخرى!

ثالثاً: أجرينا في الجزء الأول مقارنة بين كتابي صحيح البخاري والكافي, وعرفنا هناك أنّ البخاري لا يصمد أمام كتاب الكافي من جميع الجوانب, من شاء فليراجع.

رابعاً: أنّ كتاب الكافي بمتناول اليد, وقد أشبعه العلماء بحثاً وتحقيقاً، سواء في أسانيده أو متونه, ولم نر أثراً لما يدّعيه البرقعي, فالكافي فيه عدد كبير من الروايات الصحيحة والروايات الحسنة، كما أنّه يحوي على الروايات الضعيفة أيضاً, ولا يحوي إلاّ على أقلّ من مئة رواية موضوعة من مجموع ستّة عشر ألف رواية, وقد أوضحنا ذلك لك مشافهة حين التقينا بك في سنة 1427هـ([780]).

خامساً: ما حاول به البرقعي الإساءة إلى الشيخين الجليلين الكليني والصدوق, هي محاولة فاشلة لا تستحق التتبع, فهي عبارة عن حفنة من الأكاذيب التي تدلل على ضحالة المستوى العلمي لقائلها, فلو سلمنا أنّ أحدهما كان بقّالاً والآخر يبيع الرز([781]), فما تأثير ذلك على جلالة قدرهما, وهل كسب الرزق الحلال هو عيب ومنقصة بنظر البرقعي, أم أنّه تأثر بوقوف علماء الغير على أبواب السلاطين؟!! فجلالة الشيخين ووثاقتهما وسعة اطلاعهما هي محل اتفاق الطائفة, وما هذه الخزعبلات إلاّ دلالة على إفلاس قائلها وعدم عثوره على ما يقدح بجلالتهما, بل رأينا كلمات علماء أهل السنة تصرح بفقاهة الكليني ولم نر له ذمّاً يذكر, قال ابن ماكولا: «وأمّا الكليني ـ بضم الكاف وإمالة اللام وقبل الياء نون ـ فهو أبو جعفر محمّد ابن يعقوب الكليني الرازي, من فقهاء الشيعة والمصنفين في مذهبهم، روى عنه أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري وغيره, وكان ينزل بباب الكوفة في درب السلسلة في بغداد, وتوفي بها في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة, ودفن بباب الكوفة في مقبرتها. قال الحاشر: ورأيت أنا قبره بالقرب من صراة الطائي عليه لوح مكتوب فيه: هذا قبر محمد بن يعقوب الرازي الكليني الفقيه»([782]).

وقال الذهبي: «شيخ الشيعة، وعالم الإمامية، صاحب التصانيف، أبو جعفر محمد ابن يعقوب الرازي الكليني بنون، روى عنه: أحمد بن إبراهيم الصيمري، وغيره، وكان ببغداد، وبها توفي, وقبره مشهور»([783]).

وقال في تاريخ الإسلام: «أبو جعفر الكليني الرازي, شيخ فاضل شهير، من رؤوس الشيعة وفقهائهم»([784]).

فالذهبي مع تعصّبه الشديد ضدّ المذهب الشيعي، يقول عن الكليني: شيخ فاضل!

وأمّا الصدوق فلا يمكن التشكيك بأنّه كان من كبار المحدثين, وكان من وجوه الطائفة, وكان له نحو من ثلاثمائة مصنّف, ولم يكن في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه, وقد بالغ العلماء قديماً وحديثاً في مدحه والثناء عليه, وهذا الخطيب البغدادي، يقول عنه: بأنه كان من المحدّثين ومن شيوخ الشيعة, قال في تاريخه: «نزل بغداد وحدّث بها عن أبيه، وكان من شيوخ الشيعة، ومشهوري الرافضة»([785]).

قلتم: لا يمكن بروايات الكافي إثبات امامة العسكري

ذكرت ص173 في معرض تأييدك لجهالة رواة الشيعة في العقائد والتاريخ, أنّ الكليني أورد ثلاثة عشر رواية في إثبات إمامة الحسن العسكري لا يخلو أحدها من مجهول على مباني الشيعة أنفسهم, وبالتالي فإن عدم إثبات الإمامة يؤدّي إلى هدم المذهب من أساسه, كما أنّ عدم إثبات إمامة العسكري تعني عدم إثبات الإمام المهدي من باب أولى.

الجواب

تقدّم سابقاً الكلام حول رواة العقيدة عند الشيعة, وعرفنا أنّ النظرية الشيعية قائمة على عدم حجيّة خبر الواحد الظني في العقيدة ما لم يتحقق العلم بذلك، بخلاف الوهابية الذين يبنون عقائدهم على مجرد ظنون ناشئة من أخبار الآحاد, لذا فهي عقائد متعارضة نسبت التجسيم إلى الله تعالى, ووصفته بأنّه شاب أمرد جالس على العرش وواضع رجليه على الكرسي, وأنه ينزل في الثلث الأخير من الليل, لكنّهم لم يبينوا أنّه ينزل في ثلث الليل على أي توقيت؟ فهل يمكنه أن ينزل في عدّة أماكن في وقت واحد!؟

فالغرض؛ أنّ العقيدة عند الشيعة الإمامية قد بُنيت على رصانة علمية ودقّة متناهية, فلا يؤخذ بالرواية الصحيحة الظنية فضلاً عن الضعيفة, فلا بدّ من حصول القطع واليقين أو لا أقلّ من حصول الاطمئنان في ثبوت العقيدة.

وفيما نحن فيه, فقد غابت عن ذهنك أمور عديدة:

الأوّل: أنّ الروايات التي أشرت إليها مستفيضة إنْ لم نقل بتواترها, والحديث المتواتر لا يحتاج أنْ يُبحث عن آحاد إسناده.

الثاني: أنّ ما ذكره الكليني على كثرته لا يُمثّل إلاّ جزءاً من مجموع الروايات الدالة على إمامة العسكري×. فقد ذكر الحرّ العاملي في كتابه إثبات الهداة جميع هذه الروايات وأضاف إليها خمسة عشر رواية, ليصبح المجموع ثمان وعشرون رواية, وهو عدد يحقّق التواتر دون أيّ شائبة تذكر.

الثالث: أنّ طرق إثبات إمامة الأئمّة عند الشيعة لا تتوقف على هذه الروايات, فالإمامة ثابتة في خصوص أهل البيت× حسب حديث الثقلين الصحيح المعتبر عند الفريقين, وكذا حديث السفينة الثابت الصحيح أيضاًـ على ما عليه التحقيق ـ وعدد الأئمّة هو اثنا عشر إماماً بحسب حديث الاثني عشر خليفة الثابت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرها من المجاميع الحديثية([786]), فتحصّل أنّ الأئمّة هم اثنا عشر إماماً وأنّهم من أهل البيت^, والأدلّة تقرر أنّ أول أئمّة أهل البيت هو علي× بحسب حديث الغدير والمنزلة وغيرها الكثير, وعند هذا الحدّ من البيان لا يصمد المذهب السنّي الرافض لنظرية النصّ والمخالف لإمامة أهل البيت, ومع ثبوت أنّ أوّل الخلفاء والأئمة هو علي×, عندئذٍ يقع الكلام في تحديد أسماء بقيّة أهل البيت^, وثمة طرق عديدة لبيانهم:

أـ هناك اتفاق على أن عدد الخلفاء أو الأئمة اثنا عشر فقط.

ب ـ تقدَّم في آية التطهير أنَّ النبيّ’ حدّدَ المقصود مِن أهل البيت الموجودين في زمانه، وهم أصحاب الكساء: عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين.

جـ ـ قد دلّت مجموعة من الروايات الشيعية وفيها الصحيح المعتبر على أنّ الأئمّة ـ مضافاً إلى علي والحسن والحسين ـ تسعة من صلب الحسين, فهي حصرت الأئمّة بعد عليّ والحسن والحسين^ في صلب الحسين خاصّة.

دـ لا يوجد مصداق واقعيّ ينطبق عليه حديث الاثني عشر خليفة ـ سواء في المصادر السنية أو الشيعية ـ غير أهل البيت^، مع ملاحظة أنّّهم ادعوا الإمامة في وقتهم، وأنّ أجلاء الأصحاب كانوا يتّبعونهم ويأخذون بفقههم وعقائدهم، ويقتفون أثرهم في كلّ صغيرة وكبيرة.

هـ ـ وردت روايات شيعية عديدة، وفيها المعتبرة، عن النبيّ’ تذكر أسماء الأئمّة بأسمائهم الواحد تلو الآخر، ابتداءً بعلي× وانتهاءً بالإمام المهدي×.

والمتأمّل في حياتهم^ يجد أنّهم استخدموا الجانب الغيبي في أكثر من واقعة؛ تدليلاً على إمامتهم ونصبهم من الله سبحانه وتعالى, فتجدهم يتكلّمون بلغات عديدة تارة، ويخبرون تارة عن أمور مستقبليّة تحقق بعضها, بل أحياناً يكشفون عما في نفوس المشكّكين بهم, والدارس لحياة الأئمّة يتّضح له أنّ عدداً كبيراً من الناس قد اهتدى إلى مذهب التشيع نتيجة هذا الطريق.

زـ مضافاً لذلك, فقد نصّ الأئمّة بعضهم على بعض, فكلّ إمام عليه عدّة نصوص من الأئمّة الذين سبقوه, سواء من الإمام السابق عليه مباشرة, أو من الأئمّة الذي سبقوه, فما ذكرته من الروايات على عدتها وكثرتها, فهي تمثل أحد طرق معرفة الأئمّة^ لا غير.

الرابع: أنّ الروايات الدالة على إمامة الحسن العسكري فضلاً عن تواترها على ما أشرنا إليه, فإن فيها الصحيح والمعتبر, فمثلاً الرواية العاشرة التي وردت في الكافي بسند ضعيف, هي رواية صحيحة ومعتبرة بطرق أخرى, فقد أخرجها الطوسي بسند آخر صحيح, جاء في الغيبة: روى سعد بن عبد الله الأشعري، قال: حدثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري, عن أبي الحسن العسكري×, وذكر حديثاً يقول فيه: «أبو محمّد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجونه إليه، ومعه آلة الإمامة والحمد لله»([787]).

وإذا ما عرفنا أنّ طريق الشيخ إلى سعد بن عبد الله الأشعري هو طريق صحيح ومعتبر, وأنّ سعد بن عبد الله وداود بن القاسم من الثقات الأجلاء, يتضح أنّ الرواية صحيحة السند.

فهذا مثال يكفي لنفي مزاعمك بعدم صحة روايات العقائد الشيعية, والأمثلة تطول في ذلك.

وبهذا يتّضح أنّ العقيدة الشيعية عقيدة رصينة, تعتمد على الاطمئنان أو اليقين, بخلاف المذهب الوهابي القائم على الظنون والتخمينات, واتّضح أنّ رواة العقائد كغيرهم فيهم الثقة المعتبر وفيهم المجهول والضعيف, وهذا الأمر لا يختلف فيه مذهب عن مذهب, ولا يمكنك بأيّ حال أن تدّعي أنّ جميع رواة العقيدة السنيّة هم من الثقات، فهذه دعوى يستحيل إثباتها, فكلّ المذاهب الإسلامية تجد في رواتها ـ سواء في العقيدة أو الأخلاق أو التاريخ أو الفقه ـ من هو ثقة معتمد صحيح الحديث, ومن هو ضعيف أو مجهول أو وضّاع يضع الحديث, لذا أولى العلماء من كلّ الفرق الإسلامية العناية في علوم الحديث والرجال, وما انتشار كتب الموضوعات عند المذهب السنّي إلاّ دلالة على كثرة الوضّاعين في رواة هذا المذهب، وبالتالي كثرة الروايات الموضوعة, ولم يسلم كتاب من ذلك, بما فيها البخاري ومسلم, حيث ضمّت روايات موضوعة ـ كما أشرنا سابقاً ـ لا يمكن القبول بها.

ومن هنا يتضح الردّ على كلّ وقفاتك التي سجّلتها بعد ذكر هذه الروايات, ولا نرى حاجة لذكرها بعد هذا البيان.

قلتم: تنعدم الثقة في الروايات الشيعية بسبب التقية

ذكرت ضمن كلامك في ص177: بأنّ الثقة معدومة في الروايات الفقهية الشيعية؛ لأنّه لا يدرى أيّها حقيقة وأيّها قيل تقيّة.

الجواب

أمّا ما يتعلّق بالتقيّة ومشروعيتها في الإسلام, فقد تقدّمت مفصّلاً في الجزء الأوّل من كتابنا هذا فليراجع([788]).

وأمّا مسألة التمييز بين ما صدر تقيّة عن غيره, فله قواعد مقررة تكفّلتْ ببيانها كتب الأصول والفقه, خصوصاً مع حرص الأئمّة على بيان الحكم الواقعي, وعدم الاقتصار على ما ذكروه تقيّة, ومن أبرز ما يكشف صدور الحكم تقيّة هو ملاحظة مذهب الحاكم في تلك الفترة, فلو صدرت روايتان متعارضتان من الإمام, وكلاهما يحظى بالقبول حسب الموازين السنديّة, فحينئذٍ يلاحظ ما يخالف الرأي الفقهي الذي عليه الحاكم؛ لأنّ ما يوافقه يحمل على التقيّة؛ إذ لو كان رأي الإمام الحقيقي موافق للرأي الفقهي الذي عليه الحاكم فلا يوجد مبرر لصدور رواية أخرى مخالفة لهذا الحكم, فصدور رواية مخالفة تدلّل على أنّ الرواية الموافقة كانت تقيّة.

 أضف إلى ذلك، فإن الحاجة إلى التمييز منتفية في صورة عدم وجود معارض للرواية، ومعه لا يصحّ الحمل على التقيّة، بل ذلك يكون في حالات التعارض، بل في حالات خاصّة منها, فإنّه ليس كلّ تعارض يكشف عن صدور بعضها تقيّة, ومنه يتّضح وهن كلامك, وأنّ الروايات الفقهية يمكن الاعتماد عليها من دون وجود إشكال يذكر.

قلتم: كيف نميّز الزنا من المتعة؟

ذكرت كلاماً لا يليق صدوره ممّن يدعي العلم, بل هو ترّهات من القول لا ينبغي الوقوف عليه لو لا أنّك ستقول بأنّي تركت هذه الفقرات, ولم أجب عليها, فقد أسأت لنفسك وللصحابة بذكرك كلاماً يكشف عن عدم اطلاع قائله, حيث قلتَ ص177: حرمة الزنا لا يجهلها مسلم, فلو وُجد شخص مع امرأة أجنبية يزني بها، فقال: أنا أستمتع بها, فكيف تستطيع أن تعرف الحقيقة؟

إنّ التقية ترفع حكم الزنا, فلا يمكن أن يوجد زنا مطلقاً, فلا خطأ؛ لأنّ التقية تحلّه, ولا كذب في أخبار الغيب؛ لأنّ البداء يحلّه, ولا زنا؛ المتعة تحلّه, أي دين هذا يا ترى؟!

الجواب

أمّا التقيّة فقد تقدّم الكلام عنها, وكذا البداء فقد تقدم الكلام عنه في الجزء الأول([789]), لذا سنجيبك هنا باختصار شديد عمّا أوردته عن المتعة فنقول:

أوّلاً: أنّ الله أمرنا أن نحمل أفعال المسلمين على الصحّة, وهذه القاعدة مقرّرة عند الفريقين, ونذكر لك مثالاً عرفياً: فلوأن شخصاً وُجد مع امرأة فادعى أنّها زوجته من المتعة (زواج منقطع), فالمفترض تصديقه بظاهر كلامه, ولا يختلف ذلك عما لو ادعى شخص في بلاد بعيدة كان قد سافر لها، بأنّ التي معه هي زوجته (بالزواج الدائم), لكن تنقصه أوراقه الثبوتية، فهنا إما أن يُعتمد على ظاهر حاله وكلامه فيقبل، أو يُتهم بالزنا، والأول هو المعتمد. وعندئذٍ فلا يحق لك القول أنه سوف لن يوجد زنا في السفر؛ بذريعة أن الزواج الدائمي يحلله دوماً!

هذا، ولا يليق بمسلم ورع أن يتّهم الناس بالزنا مع تشديد الشارع على احترام عرض المسلم وضرورة ستره مهما أمكن، ولهذا نجد الشارع قد وضع شروطاً صعبة ـ كما هي معروفة ـ لإثبات حادثة ممارسة الزنا خارجاً.

ثانياً: اتّفق الفريقان على أنّ المتعة كانت محلّلة في الصدر الأوّل من الإسلام، وهنا نسأل أيضاً: هل لك أن تفيدنا كيف يثبت الزنا في الصدر الأول من الإسلام مع وجود المتعة التي تحلّله دوماً؟ بل إنّ تحريم المتعة حدث في النصف الثاني من خلافة عمر, فطيلة تلك الفترة هل يصح أن يقال: لا زنا لأنّ المتعة تحلّه!!

ثالثاً: هل أنّ المتعة زواج شرعي أم زنا؟ فإذا قلت إنّها زنا، فيلزم من كلامك أنّ النبيّ’ قد حلّل الزنا في صدر الإسلام, ولا أخالك ترضى بالقول إنّ نبي الإسلام قد أحلّ الزنا! وإنْ قلت إنّها زواج شرعي, سقط كلامك من رأس.

رابعاً: ثبت في صحاحكم بأنّ جمعاً من الصحابة قد تزوجوا بالمتعة منهم: الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري, والصحابية أسماء بنت أبي بكر والصحابي معاوية, وغيرهم كُثر, فهل هؤلاء مارسوا الزنا في تلك الفترة؟ كما أنّه قد استمر على حليتها جمعٌ من الصحابة، منهم: علي وابن عباس وغيرهم, فهل هؤلاء يقولون بحليّة الزنا؟!

خامساً: أنّ عمر بنفسه يصرّح بأنّه هو الذي حرّمها, فقد جاء في المبسوط للسرخسي: «وقد صحّ أنّ عمرL نهى الناس عن المتعة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأنا أنهى الناس عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج»([790]). فعمر يصرّح بأنّه من حرّم المتعة لا رسول الله’, ولذا جاء في أوّليات عمر بأنّه: «أوّل من حرّم المتعة»([791]).

ويدلّ على صحّة ادعائه أنّ الصحابة كانوا على حليتها إلى حين تحريمها من قِبَلِه, فلو كانت محرّمة من قِبَلِ النبيّ’ فكيف غفل الصحابة طيلة هذه الفترة عن حرمتها؟ بل لماذا سكت عمر طوال تلك الفترة؟!!

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي الزبير، قال: «سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر, حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث»([792]).

فجابر يصرّح بأنّ المتعة محلّلة في زمن النبيّ’ وزمن خلافة أبي بكر وشطراً من خلافة عمر, وقد حرّمها عمر في شأن عمرو بن حريث!

وهذا الصحابي عبد الله بن مسعود يصرّح بحليّة المتعة, ويعدّها من الطيبات التي أحلّها الله, فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود, قال: >كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس لنا نساء فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك, ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل, ثمّ قرأ عبد الله: يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين<([793]).

فالمتعة من الطيّبات, والطيبات محلّلة إلى يوم القيامة, فلا نعرف كيف تحوّلت الطيبات إلى زنا عند مذهب أهل السنّة!

وبعد هذا من حقّنا أن نقول: أي مذهب هذا الذي يرى أنّ رسول الله’ يُحلّل الزنا؟ ويرى أنّ الصحابة يرتكبون الزنا حيناً من الدهر! بل وبعضهم يُحلّل الزنا (المتعة) مدى الدهر!

أي مذهب هذا الذي يرى أنّ رسول الله’ لا شغل له سوى أنّه يطوف على نسائه التسع بليلة واحدة وبغسل واحد؟! ويرى أنّ بعض آيات القرآن أكلها الداجن!؟([794]).

ويرى أنّ الداعي إلى الله والداعي إلى النار كلاهما في الجنّة !؟([795]).

ويرى أنّ نبي الله موسى متمردٌ على الموت، فيضرب ملك الموت فيفقأ عينه!!([796]).

ويرى ويرى...إلى ما هنالك من الخزعبلات التي لو أردنا إحصائها لاستوعبت مجلداً ضخماً!!!

لكن لا يسعنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

قلتم:العقل الشيعي ليس بمحايد

وبعد هذا الكلام الطويل عدّت إلى عبارة الشيخ السبحاني الذي يرى أنّ في الصحابة عدول وغير عدول, معتمداً على الآيات القرآنية, والأحاديث الصحيحة, والتاريخ القطعي, والعقل المحايد.

ثم تكلّمت في ص178ـ 179 عن العقل المحايد, وذكرت أموراً كثيرة حول كتمان الصحابة للوصيّة، وعدم مطالبة علي بالإمامة يكون خوفاً وجبناً على مبنى الشيعة, وذكرت أنّ الزهراء طالبت بأمور دنيوية وسكتت عن الإمامة, وغير ذلك من الأمور التي نسبتها إلى الشيعة وقلتَ بعد ذلك: وكم من الأمور التي ادّعاها الشيعة لا يستطيع العقل أن يسوّغ حدوثها؟

الجواب

إنّ جميع ما ذكرته قد أجبنا عليه سابقاً, فلا نرى مُبرّراً للإعادة, ونضيف هنا: إنّ العقل المحايد لا يمكن أن يرى عدالة القاتل والمقتول معاً!

ولا يمكن أنْ يرى عدالة الإمام وعدالة الخارج على الإمام معاً!

ولا يمكن أنْ يرى أنّ من صرّح رسول الله’ بدخوله النار سوف يكون في الجنّة!

ولا يمكن أنْ يرى أنّ الذين صرّح النبيّ بأنّهم عصاة، هم عدول، لكونهم صحابة!

 ولا يمكن أن يرى أنّ من يكفّر بعضهم بعضاً, ويسبّ بعضهم بعضاً, ويقاتل بعضهم بعضاً, كلّهم عدول وفي الجنّة!

 ولا يمكن أنْ يرى أنّ من يمدحه النبيّ’ فهو عادل ومن يطرده النبيّ’ ويلعنه فهو عادل أيضاً!

ولا يمكن أنْ يرى أنّ عمر عادلاً، وفي نفس الوقت يرى من قال عنه عمر أنّه منافق هو عادل أيضاً!

ولا يمكن أنْ يرى أنّ عليّاً عادل, ومن يراهم علي كاذبين وآثمين وغادرين عدول أيضاً!

 ولا يمكن أنْ يرى أنّ من يأتمر بأوامر النبيّ’ عادل ومن يعصي النبيّ’ فهو عادل أيضاً!

 ولا يمكن أن يرى أنّ من يفرّق المسلمين ويخرج على إمام زمانه ويتسبب بقتل آلاف المسلمين فهو عادل, وفي المقابل يرى إمام المسلمين وجيشه الجرار من الصحابة كلّهم عدول!

 ولا يمكن أنْ يتصور أنّ معاوية عادلاً ومن قتلهم معاوية من الصحابة عدول أيضاً!!

 وهكذا تطول القائمة, فالعقل السنّي قائم على المتناقضات! لذا ندعوك أنْ ترجع إلى العقل المحايد, وترى هل كلّ الصحابة عدول: القاتل والمقتول, الزاني والشريف, السارق والعفيف وهكذا كلّ واحد مع ضدّه عدول مثواهم الجنّة، لمجرد أنه رأى النبي’! مالكم كيف تحكمون؟!!










حوار في
 مفاد روايات الحوض



  بحثنا في رسالتنا لكم بصورة مفصّلة روايات الحوض التي تدلّ على سَوق مجموعة من الصحابة إلى النار, وانتهينا إلى أنّ المراد من ذلك هو مجموعة من الصحابة قد رأوا النبيّ’ ورآهم([797]), ولم نرك ها هنا قد أجبتَ عمّا أوردناه, سوى بضعة أمور بعيدة عن الصواب, لذا سنجمل ما أوردتموه مرتّباً ونجيب عن كلّ أمر على حدة.

 وقبل أن نذكر هذه الأمور، لا بدّ أن نشير إلى أنّ الروايات التي ذكرناها هي صحيحة ومعتبرة, بل كان التركيز فيها على ما رواه الشيخان البخاري ومسلم, لذا فإن قولك: إنّ فيها أحاديث ضعيفة ومكذوبة ممّا لا محصّل له, بعد أنْ اتّفق على روايتها الشيخان, وأمّا الأمور التي ذكرتها، فهي:

قلتم: الآيات القرآنية تدل على عدالة الصحابة

الأول: ذكرتم ص179ـ 180 بأنّه قد وردت عشرات الآيات في القرآن الكريم تؤكّد إيمان الصحابة, وتقرّر مرضاة الله عنهم, وأنّه حبّب إليهم الإيمان وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأنّهم راشدون وأنّهم خير أمّة, وأمّة وسط ـ أي عادلة وخيّرة ـ وأنّه سيستخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم كما وعد, فدلّ على إيمانهم وأنّه سيقيم رجالاً مؤمنين مجاهدين في حالة حدوث الارتداد... إلى آخر ما ورد في هذه النصوص.

فهل هذه النصوص حق؟ وهل تحقّق موعودها أم لا؟


الجواب

1ـ أنت أشرتَ هنا إلى مجموعة من الآيات, وادّعيت دلالتها على عدالة الصحابة, لكنّ المتأمل يرى عدم دلالتها على عدالة جميعهم, وسيأتي بيان ذلك لاحقاً عند التعرض لبحث الآيات المتعلقة بعدالة الصحابة.

2ـ إنّ الحكم لا يمكن أن يكون بالاعتماد على بعض الأدلّة دون بعضها الآخر, بل لا بدّ أن يكون بعد ضمّ الأدلة إلى بعضها, ونراك هاهنا اعتمدتَ على آيات معيّنة وحاولت الإيحاء بأنّها تدل على عدالة جميع الصحابة, وأغضضت الطرف عن الآيات الأخرى الذامّة لعدد من الصحابة, وكذا الروايات العديدة المصرّحة بفسق وانحراف العديد منهم, بل تجاوزتَ الواقع التاريخي، وكذا تصريحات الصحابة عن أنفسهم وما أحدثوه بعد وفاة رسول الله’, وكلّ ذلك تقدّم في طيّات البحث فلا نعيد.

قلتم: الأحاديث النبويّة تدل على عدالة الصحابة

الثاني: قلت ص180: وردت عشرات الأدلّة النبوية الصحيحة تثني على عظماء الصحابة: أبي بكر وعمر وعثمان... وتؤكّد فضلهم... وكلام الرسول’ لا يتناقض...

الجواب

1ـ جوابكم هذا يحمل في داخله الإيمان بالعقيدة السنيّة مسبقاً, وعدم صحّة ما سواها, وهو مصادرة للحوار والنقاش, فالاحتجاج لا بدّ أن يكون من كتب الفريق الآخر, ولعجزك عن هذا نلاحظ غالبية احتجاجاتك إنّما هو بكتبك لا بكتبنا, بخلاف منهجنا في الحوار المعتمد على إلزامكم بما ورد في كتبكم, فما ورد من ثناء ليس بحجّة علينا؛ إذ لم يرد في كتبنا.

2ـ في قبال هذا المدح قد ورد ذمّ كثير, وذكرنا قبل قليل أنّ العقيدة والحكم إنّما يؤخذ ويستخلص بعد ضمّ الآيات والروايات إلى بعضها البعض, ولا يصحّ التمسّك بطائفة وغضّ الطرف عن طائفة أخرى, وعرفنا مراراً أنّ الآيات والروايات والتاريخ القطعي تؤكّد أنّ في الصحابة عدول وغير عدول, فمنهم من عصى النبيّ’ في حياته, ومنهم من غيّر وبدّل بعد وفاته, ومنهم من كان منافقاً, ومنهم من زنا, ومنهم من سرق, ومنهم من تسبّب في إزهاق آلاف الأرواح البريئة...

قلتم: حديث الحوض ينطبق على الامام علي

الثالث: ذكرتم بما حاصله: أنّه بماذا تُجيبون لو حمل شخص الحديث على علي× وقال: إنّ عليّاً هو المقصود؛ لأنّ بعض النصوص جاءت بلفظ: إنّهم منّي, وهذا اللفظ يدلّ على أنّ المقصود من أهل بيتي؛ لأنّ لفظة منّي لا تحتمل غير هذا, وفي رواية أسماء: «فأقول: يا رب! منّي ومن أمّتي< وهذا دليل على علي×, وعلى الذين قاتلوا معه, فأراقوا الدماء بغير حق!! فهل يمكنك الردّ بغير الاستدلال بمن اعتقدت أنّهم ارتدّوا!

الجواب

1ـ إنّ هذا الكلام في حقيقته سيراً على منهج ابن تيمية الذي يحمل في طياّته النصب والبغض لأهل البيت^, والمتأمّل في كتابه منهاج السنة يجد ذلك جليّاً واضحاً.

2ـ إنّ الحديث أعلاه إنّما هو حجّة عليكم وليس علينا, ونراك إلى الآن لم تفرق بين منهج الاحتجاج ومنهج الاستدلال! فنحن نحتج عليكم بما صحّ في كتبكم, ولا نستدلّ به على عقائدنا! فتمامية دلالته على علي× من عدمها لا يعنينا بشيء.

3ـ نحن لا نُسلّم بدعوى إمكان انطباق الحديث على علي×؛ وذلك لما ذكرنا مراراً بأنّ الاستدلال لا يمكن أنْ يكون اجتزاءً واعتماداً على بعض الأدلّة دون غيرها, وكلّ مسلم يدرك أنّ علياً× كان وما زال محلّ اتّفاق بين الفريقين, فالكل يُسلّم بعدله وفضله ومنزلته من رسول الله؛ للأدلة القطعية على ذلك، فما يمكن أن يوهم انطباق الحديث على علي× لابدّ من طرحه أو تأويله؛ لمخالفته للدليل القطعي.

أمّا دلالة الحديث على سوق بعض الصحابة إلى النار فهو موافق لأدلّة الفريقين, من وجود منحرفين في دائرة الصحابة قد أحدثوا وغيّروا وبدلّوا بعد رسول الله’، فالحديث يتّفق مع إجماع الفريقين في جهتين:

الأولى: عدم شموله لعلي×؛ لاتفاق الفريقين على عدله وفضله وتقواه.

الثانية: شموله لعدد من الصحابة؛ لاتّفاق أدلّة الفريقين على وجود عدد من الصحابة عصوا النبيّ’ في حياته, فضلاً عمّن غيّر وبدّل وأحدث بعد وفاته.

4ـ إنّ لفظة (منّي) في هذا الحديث غير صريحة بإرادة علي×؛ لأنّها تفتقر إلى القرائن؛ بل إنّ القرائن على خلافها, ولا تُحمل على علي× إلاّ مع وجود القرينة, فقوله مثلاً: «عليّ منّي وأنا منه، لا يؤدي عنّي إلاّ أنا أو عليّ» فقد صُرّح بنفس اللفظ أنّ المراد من كلمة (منّي) هو علي×, أمّا حمل كلّ لفظة منّي على إرادة علي× فهي بحاجة إلى دليل.

ولذا ففي قوله’: «حسين منّي وأنا من حسين»([798]), لا يمكن أنْ نحمل كون النبيّ’ من حسين يعني أنّه من ذريّة الحسين, أو من أهل بيت الحسين, بل لا بدّ أنْ تُحمل هذه الرواية على وحدة المنهج والهدف والعقيدة.

وفي المقام يُحمل قول النبيّ’: «إنّهم منّي» أي: كانوا على منهجي وطريقتي, ويساعد على هذا الفهم ما جاء جواباً للنبي’ في الرواية وهو: «أنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» فالنبيّ’ يستغرب من سوقهم إلى النار؛ لأنّه تركهم بحسب الظاهر على منهجه وطريقته, فيأتيه الجواب بأنّ هؤلاء لم يبقوا على ذلك المنهج وتلك الطريقة, بل إنّهم أحدثوا وغيّروا بعده’.

وأمّا رواية أسماء وهي: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم, وسيؤخذ ناس من دوني فأقول: يا ربّ, منّي ومن أمّتي، فيُقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم، فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا»([799]).

فالرواية تفيد: أنّ النبيّ’ يرى أنّ ناساً يؤخذون من دونه فيسأل مستغرباً الأمر: «يا رب! منّي ومن أمّتي» أي هؤلاء كانوا من أتباعي ومن أمّتي, فكيف يساقون إلى النار, فيأتيه الجواب: «هل شعرتَ ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم»، فهؤلاء غيّروا ورجعوا على أعقابهم, وفي هذا المقطع دلالة واضحة على أنّ المراد بهم مجموعة من الصحابة رجعوا على أعقابهم, وليس كما يُدّعى أنّهم ليسوا من أصحابه, بل من أمّته أو من المنافقين... فالنبيّ’ كان على الحوض ينتظر من يرد عليه من أصحابه الذين كانوا يتّبعونه, ثمّ استغرب لذودهم عنه, ومن الواضح أنّه لا يستغرب لسوق المنافقين إلى النار.

فالنتيجة أنّ روايات الحوض تدلّل على سوق جماعة من الصحابة إلى النار.

قلتم: عدم عدالة الصحابة يفضي إلى هدم الدين

رابعاً: ذكرت كلاماً طويلاً حاصله: أنّ أحداً من اليهود أو النصارى لو أراد أن يطعن في هذا الدين, وأنّه دين فاشل, وأهله مرتدّون, لما وجد أسلوباً أنفع له من أسلوب الشيعة, ثمّ نقلتم نصوصاً من كلامنا في تفسير روايات الحوض, وانتهيت إلى أنّ اليهودي أو النصراني سينتهي بنتيجة تفقده الثقة بكلّ ما نقله هؤلاء الأصحاب؛ لأنّه من غير المعروف من هو الباقي الذي لم يرتدّ, وتساءلت: فكيف تردّ على هذا الكافر وتقنعه بصحّة دينك؟

الجواب

1ـ إنّ ما ذكرناه مفصّلاً حول روايات الحوض, وأنّها تفيد دخول مجموعة من الصحابة إلى النار, لم نرَ عنه جواباً إلى الآن؛ وذلك لصحّة الروايات من جهة, فهي واردة في الصحيحين, ولوضوح دلالتها من جهة أخرى, وقد بيّنا ذلك بصورة جليّة.

 لذا لا نراك تشبع ظمأ القارئ بإجابة عذبة نقية, بل لا يمكنك ذلك بعد تصريح الروايات بأنّ هؤلاء الذين يذادون عن الحوض ممّن رأوا النبيّ’ ورآهم, وكان يحسبهم من أتباعه وأصحابه.

2ـ كلامك يصادر وجود مذاهب إسلاميّة أخرى غير مذهبك, فهو يفرض مسبقاً انحصار الدين الإسلامي بالمذهب السنّي, ولذا فإنّك ترى أنّ من يفقد الثقة بالصحابة سوف يضيع عليه الدين! وهو كلام غير صحيح على الإطلاق.

 لذا ففي مقام الجواب لهذا الكافر نقول:

إنّ هناك اتّجاهين رئيسين برزا بعد وفاة النبيّ’:

الاتّجاه الأوّل: يرى أنّ النبيّ’ ترك أمّته في مهبّ الريح، فأهمل أنْ يُنصّب عليها والياً يدير شؤونها, وأنّ خلافة الأمّة تُحدّد عن طريق الشورى, فاجتمع بعض الأمّة وحصل بينهما اختلاف شديد, وانتهى بهم الأمر إلى انتخاب أبي بكر خليفة للمسلمين, وهذا الاجتماع كان خالياً من علي وبني هاشم ومجموعة من الصحابة.

 هذا الاتّجاه يمثّل مدرسة الصحابة التي ترفض أن النبيّ’ قد أوصى من بعده, بينما نجد أبا بكر كأنه أشدّ حرصاً على الأمّة من الرسول’!!! فلم يتركها في مهبّ الريح, بل أوصى من بعده إلى عمر, كما أنّ عمر لم يتركها في مهب الريح, بل أوصى إلى ستّة من بعده ينتخبون من بينهم خليفة, فآلت أخيراً إلى عثمان الذي غيّر وبدّل, فاجتمع عليه المسلمون وفي مقدّمتهم الصحابة وخيار التابعين فقتلوه, ولم يدفن لمدة ثلاثة أيّام, فاجتمعت الجماهير تبايع علياً للخلافة, وانشقّ عليه بعد ذلك طلحة والزبير تبعاً لعائشة, وجيّشوا الجيوش وقاتلوه, وانشقّ معاوية وجيّش الجيوش وقاتله.

 وهذه المدرسة ترى أنّ القاتل والمقتول في الجنة معاً! فالصحابة كلّهم عدول لا يتطرق الخطأ العمدي إلى أفعالهم وأقوالهم! فمن لعنه النبيّ’ وذمّه فهو مغفور له ومصيره الجنّة! ومن مدحه النبيّ’ فهو في الجنة، ومن قال النبيّ عنهم أنّهم عصاة فهم بالجنّة! ومن مدحهم النبيّ وزكّاهم فهم بالجنّة!

 وهكذا فهي ترى الصحابة وإنْ تقاتلوا وإنْ كفّر بعضهم بعضاً وإنْ ذمّ النبيّ بعضهم وإنْ صرّح’ بدخولهم النار، فهم جميعاً قد طوي بساطهم وهم جميعاً بالجنّة! من شرب منهم الخمر ومن لم يشرب, من زنا ومن لم يزن, من سرق ومن لم يسرق, من قتل المسلمين ومن لم يقتل, مَن كان مع الخليفة الشرعي ومن كان خارجاً عليه, من كان داعياً إلى الله ومن كان داعياً إلى النار, فكلهم إلى الجنّة!!

وهذه المدرسة تعتقد أنّ الدين الإسلامي يؤخذ من هؤلاء بلا استثناء!! فكلّ من رأى النبيّ’ ولو لم يره النبيّ’ فهو صحابي عادل يجب الأخذ بروايته, لذا ترى أنّ القدح بأيّ صحابي سوف يؤدّي إلى ضياع الدين!!

الاتّجاه الثاني: يرى أنّ النبيّ’ لم يرحل من هذه الدنيا حتّى أبرم الأمر إبراماً, ولم يدعه في مهبّ الريح, بل أوصى من بعده إلى أهل البيت وعلى رأسهم علي×, ولهم في ذلك أدلّة قوية ورصينة منها حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث الغدير وحديث الاثني عشر خليفة, فهم يرون أنّ خلفاء النبيّ اثنا عشر خليفة, أوّلهم الإمام علي وآخرهم الإمام المهدي, فمرجعية الأمّة في كلّ شؤونها بعد النبيّ’ إنّما هي إلى هؤلاء, فكلامهم وفعلهم يمثّل امتداداً وبياناً لرسالة النبيّ’، فسنّة النبيّ محفوظة عند هذه النخبة الطاهرة, لذا فإنّ الطعن في بعض الصحابة لا يؤدّي إلى ضياع الدين؛ لأنّه محفوظ عند أهل البيت^.

وهذه المدرسة لا ترى عدالة جميع الصحابة, ولا ترى فسق جميع الصحابة, بل ترى أنّ الصحابة بشر كغيرهم فيهم العادل المستقيم المتبع للنبي’ الثابت على طريقته ومنهجه, وفيهم المنافق والمنحرف والمبدّل والمغيّر بعد رسول الله’، شأنهم في ذلك شأن كل أمم الأنبياء السابقين.

 لذا فهي تُقدّر وتحترم الأشخاص بمقدار ما قدّموه للدين, وترى أنّ القرآن والأحاديث والتاريخ الصحيح دلّ على أنّ الصحابة كفّر بعضهم بعضاً, وقاتل بعضهم بعضاً, إلى غير ذلك من قضايا ثابتة، فمن غير الممكن الإيمان بعدالتهم جميعاً, كما أنّ هذه المدرسة لا ترى انحصار الشريعة بالصحابة, بل إنّ الطريق منحصر بأهل البيت^.

ويترتب على ذلك, أنّ القدح ببعض الصحابة لا يؤدّي إلى ضياع الدين؛ لأنّ مصدر الدين بعد النبيّ’ هم أهل بيته^.

3ـ إنّ ما تراه يهدم الدين هو ليس مستنداً على حقائق أو روايات شيعية, بل هو مفاد مصادركم الصحيحة, فمنها استنتجنا عدم عدالة الصحابة جميعاً بما تناثر فيها من أمور تفيد معصية بعض الصحابة وعدم عدالتهم، وعندئذٍ فإذا كان ما هو ثابت في كتبكم يفضي إلى الطعن بالدين فعليك التريث فيما تأخذ منه دينك.

4ـ إنّ استغلال اليهود والنصارى لبعض الأدلّة غير مرتبط بما نذكره في نقد مذهبكم, بل يعمّ ما تذكرونه في نقد مذهبنا أيضاً, فكلّ نصراني ويهودي حين يلاحظ كلماتكم في نقد مذهبنا سوف يراه بوابة لهدم الدين؛ لأنّ النصراني واليهودي يرى أنّ الجميع مسلمون, ولا يُفرّق بين شيعي وسنّي, فإذا كان نقد المذاهب يؤدّي إلى هدم الدين, فعلى الجميع التحاور بعقلانية وهدوء بعيداً عن التشنجات, وهذا ما يدعو إليه أتباع المذهب الشيعي طيلة القرون, لكن ما نراه من المذهب السنّي السلفي خلاف ذلك, وفيما نحن فيه خير مثال, فقد تحاورنا معكم حواراً خاصّا في بيتك, وإذا بك تطبع كتاباً كاملاً وتنشره أمام الملأ في الردّ على المذهب الشيعي ونقد عقائده بطريقة بعيدة عن الجو العلمي، بل فيها الكثير من الدعاوى غير الصادقة, لذا وجدنا أنفسنا مضطرين للإجابة عليك وأمام الملأ أيضاً.

5ـ إنّ استغلال بعض الحقائق من قبل الغير لا يعني سدّ باب النقد, فإن المساوئ التي تترتب على سدّ باب النقد أشدّ من استغلال اليهود والنصارى لبعض الأمور, فالنقد هو الذي يوصلنا إلى الحقيقة, وأنّ الدين لا يضيع من خلال النقد السليم, بل تتجلّى حقائقه بصورة أوضح.

على أنّ القدح ببعض الصحابة لا يؤدّي إلى ضياع الدين، كما حاولت أنْ تصرّ عليه! فالكثير من أصوليي أهل السنّة لم يقولوا بعدالة جميع الصحابة بالمعنى الذي تصورونه, ولم يضيع الدين عندهم, وكذا بعض المحدّثين المعاصرين أمثال المشايخ الغماريين, والسيّد حسن السقّاف, والعلامة حسن بن فرحان المالكي, وقبلهم من المتقدّمين أمثال المارزي, وابن العماد الحنبلي, وغيرهم, فكلّ هؤلاء لم يؤمنوا بعدالة جميع الصحابة, ولم يضيع الدين عندهم بالطريقة التي تريد تصويرها([800])

قلتم: اقتطعتم وزدتم فيما قاله السندي حول إسلام الصحابة

 اتّهمتنا في النقطة الرابعة في ص181ـ 182: بأنّنا اقتطعنا كلاماً للسندي على سنن النسائي, وكلام السندي هو: «إنّ الإسلام لن([801])يتمكّن في قلوبهم ـ يعني الصحابة», وقلت بعد ذلك: >ثمّ زدتم كلاماً من عندكم فقلتم:...< ولم تذكر ما قلناه, وأضفت قائلاً: >وفوق أنّ هذه الزيادة اعتداء على النصّ, فهي ليست صحيحة, وإنّما الحديث عن مسلمة الفتح<.

الجواب

1ـ لم تذكر ماذا قلنا, بل أتيت بتعليق من عندك على كلام مجهول لنا, ولم نجد فيما بين أيدينا من مكاتبات معكم أيّ كلام لنا أو زيادة على النصّ.

2ـ إنّ الرواية وتفسير السندي لها واضحان لا يحتاجان إلى تأمّل, فقد جاء في الرواية عن النبيّ’ مخاطباً عائشة: «ولولا أنّ قومَكِ حديثُ عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أنْ أدخل الجدر في البيت، وأنْ ألصق بابه بالأرض»([802]).

وفي لفظ ابن ماجة: «ولولا أنّ قومك حديث عهد([803]) بكفر، مخافة أن تنفر قلوبهم...»([804]).

وفي لفظٍ لمسلم, والنسائي, عن الزبير, عن عائشة: «لولا أنّ الناس حديثٌ عهدهم بكفر...»([805]).

فقال السندي شارحاً لرواية النسائي: «يريد أنّ الإسلام لم يتمكّن في قلوبهم, فلو هُدّمت لربّما نفروا منه»([806]), فأين الاقتطاع الذي تشير إليه, فالعبارة جليّة وواضحة! وأين هو الكلام الذي أضفته إلى الرواية بزعمك!!

فالرواية صريحة بأنّ النبيّ’ لم يهدم الكعبة ويدخل الجدر بها؛ مخافة أنْ تنفر قلوب الصحابة من الإسلام؛ لأنّهم حديثو عهدٍ بكفر وجاهلية, والإسلام لم يتمكن في قلوبهم, فالنبيّ’ يخشى أن يفعل بعض الأمور الصحيحة؛ حفاظاً على دين هؤلاء, ولم يقل إنّ شرف الصحبة يسمو بهم نحو أعلى مراتب الكمال, ولم ينظر لهم نظر تقديس, بل كان يخاف من رجوعهم عن الإسلام.

فانظر وقارن بين نظر النبيّ’ للصحابة, وبين نظركم للصحابة, واعلم أنّ الحقّ أحقُّ أن يُتّبع!

على أنّ قولك: إنّ هذا الحديث عن مسلمة الفتح, لا ينفعك في الجواب, فالرواية مطلقة, ولم تخصّ الصحابة بعهد دون آخر, ولو سلّمنا باختصاصها بمسلمة الفتح, فأنتم تُقدّسونهم أيضاً, فمعاوية من مسلمة الفتح, فمع منكراته وقتاله إمام الحقّ, وسفكه الدماء بغير حقّ, إلاّ أنّه صحابي عادل لا يجوز نقده, وهو متأوّل مجتهد في كلّ أفعاله المنكرة, فله أجر!

أفرأيت كيف ينحى النبيّ’ منحاً عقلانياً واضحاً وصريحاً مع الصحابة, وأنتم تسيرون بمنهج آخر بعيد عن منهجه’.

قلتم: لا يصح تفسير نصوص الشرع حسب المعتقد

خامساً: قُلتم ص182: فرقٌ بين أن يحكمك الشرع, وبين أن تحكمه.

ثمّ بدأتَ تبيّن بأنّ منهجنا هو توجيه النصوص حسب المعتقد، وليس المعتقد هو التابع للشرع! وضربتَ مثالاً بحملنا الارتداد في حديث الحوض على المعصية, ثمّ حاولتَ أن تبيّن بأنّ المراد من الردّة هي الكفر بحسب الآيات والروايات وأقوال الصحابة والتابعين, منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} وفي صحيح البخاري سؤال هرقل عن النبيّ ’ بقوله: >وهل يرتدّ أحد سخطة لدينه< وغير ذلك, فيكون حملنا الردّة على معنى المعصية هو خلاف الشرع, وتوجيه للنصوص حسب المعتقد!

الجواب

1ـ نحن نتّفق معك بأنّ المُعتقد لا بدّ أن يكون تابعاً للشرع, لا أنْ نوجه الشرع حسب المعتقد, ومن هنا فنحن نرى التفصيل في عدالة الصحابة, ولا نقول بعدالة جميع أفرادهم؛ وذلك بدلالة الآيات القرآنية وكذا الروايات النبويّة, ويؤيّد ذلك الشواهد التاريخيّة الصحيحة المصرّحة بانحراف عدّة من الصحابة, بينما نراك أنت من يوجّه النصوص بحسب المعتقد, وتعتقد بعدالة الصحابة أجمع, وتلوي عنق النصوص النبويّة, وتدافع عن جميع الصحابة حتّى من صرّح النبيّ’ بدخوله النار, فقد تأولت فعل أبي الغادية الجهني([807]) مع تصريح النبيّ’ بدخوله النار([808]), وتأوّلت فعل معاوية مع تصريح النبيّ’ بأنّه من الطائفة التي تدعو إلى النار([809]), وهكذا كلّ ما يرد عن النبيّ’ من ذمِّ للصحابة فهو مُؤوّل, وهذا يعني أنّكم تُؤوّلون النصوص حسب المعتقد, ولا تُخضعون المعتقد للنصوص؛ ولذا نراكم حكمتم بنكارة روايات عديدة صحيحة جاءت في فضائل أهل البيت^؛ لأنّها تخالف معتقدكم, ولم تخضعوا معتقدكم لتلك الروايات.

2ـ بيّنا بصورة مفصّلة دلالة روايات الحوض على أن المراد منها خصوص الصحابة, ولو حملنا لفظ الارتداد هنا على الكفر, لكان نتيجته كفر الكثير من الصحابة, وحيث إنّ الأدلّة تامّة على إسلامهم ـ على ما نعتقده ـ فلا بدّ من حمل لفظة الارتداد على ما يناسبها؛ صوناً للصحابة من تهمة الكفر, وهذا الحمل لا يأباه اللفظ, فقد قال ابن الأثير: «وفى حديث القيامة والحوض (فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) أي متخلفين عن بعض الواجبات، ولم يرد ردّة الكفر»([810]), وقد أورد هذا التفسير ابن منظور أيضاً في لسان العرب([811])، وحريٌّ بك أن توجه كلامك لهما.

على أنّ لفظ الارتداد لم يقتصر على روايات الحوض, فقد ورد عن عائشة أنّها قالت: «قبض رسول الله «(صلّى الله عليه وسلّم)» ولو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهامها, اشرأب النفاق بالمدينة, وارتدت العرب قاطبة...»([812]). وعن أنس, قال: «لمّا توفى رسول الله ارتدّت العرب...».

والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي([813]). فهل ترون كفر جميع العرب؟

3ـ إنّ الآيات والروايات التي ذكرتها لم تبيّن أنّ معنى الارتداد مقصور على الكفر, بل غايتها أنّ لفظ الارتداد الوارد بها يُفسّر بالكفر, وهذا لا يعني انحصار معنى الارتداد بالكفر، بل قد يستعمل في معنى المعصية، كما هو واضح.

قلتم: ترك واجب (الإمامة) لا يستلزم انقسام الأمة

سادساً: قُلتم ص184: هل الإمامة حكمها حكم إعفاء اللحية (واجبة فقط)؟! وهل نقسّم الأمّة إلى طائفتين لأجل واجب؟! وهل يُذاد الناس يوم القيامة عن الحوض لأجل ترك واجب؟...

والكلام هو تعقيباً على تفسيرنا للواجب الذي تركه الصحابة وهو ترك الوصية في علي×.

الجواب

أنت هنا بين ثلاثة أمور:

الأوّل: إمّا أنْ تحمل الارتداد في أحاديث الحوض على الكفر, وتحمل الصحبة على الصحبة اللغوية لا الإيمانية، فيكون الحديث ناظراً إلى خصوص المنافقين والمرتدين.

الثاني: أنْ تحمل الارتداد في أحاديث الحوض على الكفر أيضاً, مع التحفظ على المعنى الظاهر للصحبة، وهو الصحبة الإيمانية، والنتيجة أن الحديث يدلّ على كفر مجموعة كبيرة من صحابة النبيّ’.

الثالث: أنْ تحمل الارتداد في أحاديث الحوض على ترك الواجب، ولا مبرر عندئذٍ للتصرف بظاهر الصحبة، والنتيجة أن الصحابة سيعاقبون بترك الواجب.

أمّا الاحتمال الأوّل فهو غير صحيح بلحاظ شقّه الثاني, فإنّ تعيّن الصحبة اللغوية أو الإيمانية تحدّده القرائن في الكلام، فاستغراب النبيّ’ ممّا جرى لهم ومخاطبته الله تعالى: يا ربّ أصحابي أصحابي! تدلّك على أنّ المراد بالصحبة هي خصوص الإيمانية، والمقصود هم أصحابه الذين كان يرتجي فيهم خيراً ويتوقع دخولهم الجنّة!

وأمّا الاحتمال الثاني فهو مستبعد، لأن نتيجته كفر عدد كبير من الصحابة, وهذا ما لا نقول به، فصوناً للصحابة من الكفر لا بدّ من حمل الارتداد على الاحتمال الثالث، وهو ترك الواجب، ومعه لا يمكن القول إنّه ينبغي التصرف بمعنى الصحبة وحمله على المعنى اللغوي، فقد تقدم في الاحتمال الأول أن القرائن تدل على خلاف ذلك.

أمّا قولك: كيف تنقسم الأمة إلى قسمين, بسبب ترك واجب... فجوابه:

حينما يكون الواجب بمثل الإمامة فهذا بلا شك ـ مع عدم الالتزام بمضمونه ـ سوف يقسّم الأمة إلى قسمين، بل يقسمها إلى فتات ويجعلها متشرذمة، فنحن لا نتكلم عن أي واجب، بل نتكلم عن الرئاسة كما تعلم، فالواجبات والمحرّمات تختلف عن بعضها البعض شدّة وضعفاً, فحرمة الزنا أشدّ من حرمة حلق اللحية، والقتل أشدّ منهما, وهكذا, وكذا الواجبات فهي متفاوتة, والإمامة ووجوب طاعة ولي الأمر الذي جعله الله تعالى خليفة بعد النبي’ من أشدّ الواجبات الإسلامية؛ لأنّها تحدّد مسيرة الإنسان المسلم وتبيّن النهج السليم الذي لا بدّ أنْ يسير عليه, فمن الطبيعي إذا اختلف المسير سوف تنقسم الأمّة إلى فريقين, فترك الواجب قد يقسّم الأمّة, وقد يؤدّي إلى تقاتلها, وهذا ما حصل للأمّة الإسلاميّة مراراً, فتركُ معاوية للواجب وعدم طاعته لخليفة زمانه قد شقّ الأمّة إلى فريقين تقاتلوا وسالت بينهم أنهار من الدماء, وترك عائشة وكذا طلحة والزبير للواجب وخروجهما عن طاعة الخليفة الشرعي قد قسّم الأمّة إلى فريقين, وتسبّب بإسالة أنهاراً من الدماء أيضاً.

وحسبك أنْ تراجع نفسك لترى كم ستتفرق الأمة في مملكتكم لو رشح الملك عبد الله ملك السعودية ولياً للعهد ثم بعد رحيله لم يلتزم الناس بما أمر، وخالفه جمع كبير من الأمّة ووافقه جمع!!

أمّا فيما نحن فيه, فقد بيّن النبيّ’ طريق الهداية, وألزم الأمّة بالسير فيه، فهو بذلك قد حدّد القيادة الشرعية بعده, فلا ريب في أنّ ترك هذا المسير سوف يُقسّم الأمّة إلى قسمين, قسم ساروا بالطريق الصحيح السليم الذي أراده الله سبحانه, وقسم ضيّعوا وضلّوا طريق الهداية, فالواجب الذي تركوه هو واجب خطير, وهو أمر الله ورسوله بوجوب طاعة أهل البيت^ واقتفاء أثرهم.

قلتم: البراء تواضع عندما قال إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده

سابعاً: أوردنا لك قولاً للبراء بن عازب, أنّ المسيّب قال له: «طوبى لك! صحبتَ النبيّ وبايعته تحت الشجرة! فقال: يا ابن أخي، إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده».

ثمّ قلنا: «والبراء بن عازب من أكابر الصحابة, ومن السابقين الأوّلين الذين بايعوا النبيّ تحت الشجرة يشهد على نفسه وغيره من الصحابة بأنهم أحدثوا بعد وفاة النبيّ كي لا يغترّ بهم الناس، وأوضح بأن صحبة النبيّ ومبايعته تحت الشجرة والتي سميّت بـبيعة الرضوان لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده بعد النبيّ».

فأجبت ص 184, وقلت: ضعْ معه هذا النص ثمّ انظر:

عن قيس الخارفي, عن عليّ قال: سبق رسول الله, وثنّى أبو بكر, وثلَّث عمر، ثمَّ خبطتنا فتنة, يعفو الله عمَّن يشاء، قال أبو عبدالرحمن: قال أبي: قوله: «ثمَّ خبطتنا فتنة< أراد أنْ يتواضع.

وذكرتَ أنّه: رواه عمرو بن سفيان, وكذا عبد خير , وسعيد بن قيس الخارفي, كلّهم عن عليّ.

وقلتَ: >هل عليّ يعترف بأنّه قد حاد, وأنَّه قد دخل في أمر هو معصية، ويسأل الله أن يعفو عنه<. ثمَّ انظر إلى أهل السنَّة, أصحاب القلوب النظيفة التي تحمل كلام العظماء على أحسن المحامل.

بعد أن أورد الإمام أحمد بن حنبل حديث عليّ السابق, عقَّبَ عليه بقوله: «أراد أن يتواضع< يعني أنَّه إنَّما قال ذلك تواضعاً وتذللاً لله (يمتثل أمر الله): {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}. فهذا منهجُ صحابيٌ واحد لجميع الصحابة: تواضعٌ وهضمٌ للنفس.

ثمَّ قول البراء بن عازب: «يا ابن أخي إنَّك لا تدري ما أحدثنا بعده< هل ما حدث من الخلاف كان سرّاً لا يعلمه أحد, أم كان مكشوفاً معروفاً؟!

فكيف يقول: لا تدري, وكلّ الناس يعلمون ما حدث؟!

لو أراد أن يشير إلى أمر معلن لقال: إنَّك تدري ما حدث منَّا. ثمَّ هذه أحاسيس إيمانية لا يتذوقها أصحاب القلوب المريضة الجاهلة بربّها.

ثمَّ أرأيت أنت في خاصّة نفسك, لو أثنى عليك شخص, أكنت تقبل وتزكّي نفسك, وأنت لا تعلم من نفسك ارتكاب معصية ظاهرة, لكنَّك تستشعر التقصير في حقّ الله، فترفض التزكية! هذا الظنّ بك!...

ثمّ هذا سيّد البشر, وإمام العظماء, نبيّنا محمّد يقول: «لن يُنجي أحداً منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلاّ أن يتغمدني الله برحمته...<. وفي لفظ: «إلاّ أن يتغمدني منه بمغفرة ورحمة<. رواه عنه أبو هريرة, وأبو سعيد الخدري, وجابر بن عبدالله, وعائشة, كما في الصحاح, والسنن, والمسانيد.

أترى يمكن أن تقول: «يشهد على نفسه.. كي لا يغتر به الناس..<.

سبحان الله, ما أحوجنا إلى مراجعة هذه المواقف الخطيرة!!!

الجواب

بداية, نحن نقلنا تمام كلماتك هنا ليطّلع عليها القارئ بألفاظها, ويعرف مدى انسجامها مع أدب الحوار, ونجيبك الآن ضمن نقاط:

أوّلاً: لم يثبت هذا الحديث عن علي× في كتب الشيعة, فهو حديث ضعيف على المبنى الشيعي لا يصلح للاحتجاج به علينا, وهذا الأمر قد تكرّر منك كثيراً, وهو أنّك تحتج علينا بما ورد في كتبكم, مع أنّه خلاف الحوار العلمي الصحيح.

ثانياً: نحن لا ننكر أنّ بعض الروايات لا بدّ من صرفها عن ظاهرها للقطع بعدم إرادة المعنى الظاهر منها, فكلّ ما ينسب للنبيّ’ بما لا يتناسب ظاهره مع مكانة النبيّ’ لابدّ من تأويله, ففي ما أوردتموه لا بدّ أن يحمل كلامه’ على التواضع والتذلل, وأنّ كلّ شيء بيد الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ النبيّ’ ثبتت عصمته من الذنوب والمعاصي بأدلّة قطعيّة يقينيّة, فكلّ ما يخالف ذلك ظاهراً لا بدّ من تأويله أو طرحه, إن لم يمكن التأويل.

ونفس الكلام ينطبق على ما أوردتموه عن علي× على فرض صدور هذا الكلام منه؛ لأنّه ثبت بالأدلّة القطعيّة اليقينيّة أنّ عليّاً مع الحقّ والحقّ معه, وإنّه مع القرآن والقرآن معه, ولن يتفرقا حتّى يردا الحوض, وأنّه مولى المؤمنين والمؤمنات, وأنّه وليّ كلّ مؤمن بعد النبيّ’, وفضائله ممّا اشتهرت عند الفريقين, ولم يرد بحقّ أحد من الصحابة مثلما ورد في حقّه من الفضائل بالأسنايد الجياد([814]).

فبعد ثبوت هذه الفضائل في حقّه× كان لزاماً تأويل ما يدلّ على خلاف ذلك.

فلا بدّ من حمل الخبر المذكور إمّا على التواضع وهضم النفس، أو على إرادة الجمع بما هم جمع, من دون نظر إلى خصوصيات الأفراد, فكأنّه يريد القول: إنّ الصحابة بعد وفاة النبيّ’ طالتهم فتنة, ولا يعني ذلك بالضرورة أن تكون الفتنة طالت كلّ فرد فرد منهم, وهذا هو الأقرب المنسجم مع الواقع الذي مرّت به الأمّة الإسلاميّة في زمن عثمان, خصوصاً أنّ لسان الرواية ليس لسان تواضع, بل لسان تعبير عن حقيقة مرّة تعرّضت لها الأمّة الإسلاميّة, لذا فالرواية استثنت فترة الرسول’, وفترة أبي بكر, وفترة عمر, وخصّت الفتنة في فترة عثمان, فلسانها لسان واقعي, ولا ينسجم مع التواضع وهضم النفس, فالرواية تؤكّد ما ذكرناه من إقرار الصحابة بإحداثهم بعد رسول الله’.

وكيف ما كان, فتمثيلك بقول عليّ× ثمّ بقول النبيّ’ غير موفق؛ لوجود خصوصية لهما غير متحقّقة في غيرهما.

ثالثاً: بالنسبة لرواية البراء بن عازب وقوله: «إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده» فهي تخلو من القرائن على إرادة خلاف الظاهر, فالصحابة غير معصومين من جهة, وإنّ الفتن والأحداث جرت بعد وفاة رسول الله من جهة أخرى, ولذا نرى العيني تردّد في حملها على التواضع، فقال: «إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده، أي: بعد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، قال ذلك إمّا هضماً لنفسه وتواضعاً، وإمّا نظراً إلى ما وقع من الفتن بينهم»([815]). فالعيني يحتمل أحد الأمرين, ولم يحصر مدلول الكلام بالتواضع, ويبدو أنّ العيني على مكانته سوف يكون مشمولاً بقولك: «ثمَّ هذه أحاسيس إيمانية لا يتذوقها أصحاب القلوب المريضة الجاهلة بربّها»!!.

رابعاً: الرواية ظاهرة في الإقرار والاعتراف بالتغيير والإحداث بعد رسول الله’، فليس من التواضع بشيء أنْ يقول الشخص: إنّي أحدثتُ وغيّرتُ بعد رسول الله، فالعرف لا يفهم من هذا الكلام أنّ المتكلّم في مقام التواضع. فكيف يدّعي هذا المدّعى الخطير ويتّهم الصحابة بالإحداث والتغيير في الدين إذا لم يكن له واقع يؤيّده؟ ولو كان تواضعاً منه لكان اقتصر على نفسه بهذا الجرم الكبير ولا يتهم غيره من الصحابة معه!

خامساً: اقتصارك على ذكر رواية البراء هو هروب من الحوار, فالرواية كانت أحدى الدلائل التي تثبت إحداث الصحابة بعد الرسول’، وقد تغافلت عن رواية أبي سعيد الخدري, وتغافلت عن رواية أمّ المؤمنين عائشة, ولم تشر إليهما لا من قريب ولا من بعيد.

أمّا رواية أبي سعيد الخدري, فقد أخرجها ابن عدي «عن العلاء بن المسيّب، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا له: هنيئاً لك يا أبا سعيد برؤية رسول اللّه وصحبته!! قال: أخي, إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده»([816]). ورواه ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق), وابن حجر في (الإصابة) في ترجمة سعد بن مالك بن سنان([817]).

ورواية عائشة أخرجها الحاكم, وأوردها الذهبي في (السير) واللفظ له, عن قيس بن أبي حازم، قال: «قالت عائشة وكانت تُحدّث نفسها أن تدفن في بيتها، فقالت: إنّي أحدثتُ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حدثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع (رضي الله عنها)».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي([818]).

قال الذهبي معلّقاً على الخبر: «تعني بالحدث: مسيرها يوم الجمل، فإنّها ندمت ندامة كليّة، وتابت من ذلك، على أنّها ما فعلت ذلك إلاّ متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار، رضي الله عن الجميع»([819]).

وقال الألباني: «ولا نشكّ أنّ خروج أمّ المؤمنين كان خطأ من أصله؛ ولذلك همّت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) عند الحوأب، ولكن الزبيرL أقنعها بترك الرجوع بقوله: «عسى الله أنْ يصلح بك بين الناس< ولا نشكّ أنّه كان مُخطئاً في ذلك أيضاً، والعقل يقطع بأنّه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى, ولا شكّ أنّ عائشة (رضي الله عنها) المخطئة لأسباب كثيرة وأدلّة واضحة، ومنها: ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك ممّا يدلّ على أنّ خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور»([820]).

أقول: تقدّم ما يدلّ على أنّ عائشة كانت عامدة غير متأوّلة في قتالها لعلي× بعد أنْ لاحت لها علائم النبوّة في ماء الحوأب([821]).

والغرض, أنّنا نراك أوهمت القارئ بأنّنا أوردنا رواية البراء فقط, ولم تشر إلى غيرها, خصوصاً رواية عائشة الصريحة في إحداثها بعد النبيّ’, بحيث لا يمكن حمل كلامها على هضم النفس والتواضع كما تحاول التمسّك به.

سادساً: ضع مع حديث البراء, وحديث أبي سعيد, وحديث عائشة, هذا الحديث وانظر النتيجة:

أخرج البخاري عن الزهري قال: «دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي, فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصّلاة، وهذه الصّلاة قد ضيّعت»([822]).

فهل تحمل هذه الرواية على التواضع وهضم النفس أيضاً؟!

سابعاً: بعد أن ثبت أنّ الصحابة أحدثوا وغيّروا وبدّلوا بعد رسول الله’, لا يبقى أثر يذكر لنوع التعبير الذي ساقه البراء, فإشكالك بأنّ البراء قال: «لا تدري ما أحدثنا بعده<, ولم يقل: إنّك تدري ما حدث منّا, فكيف يقول: لا تدري مع أنّ كلّ الناس يعلمون ما حدث.

 فهذا الإشكال في حقيقته تمسّك بالقشّة, فالبراء قد استخدم المحاورات العربية الجارية, فكأنّه يشير إلى عظم الأمور التي حدثت بعد الرسول’, على أنّه من غير المسلّم أنّ كلّ تغيير وإحداث جرى فهو معروف معلن على الناس, فغالب المجتمع لا يلتفت إلى دقائق الأمور وجزئياتها, بل حتّى الأمور الواضحة الظاهرة قد تنطلي عليهم بفعل دهاء الحكّام والقادة, بحيث يصورون لهم المنكر حسناً والحسن منكراً, وهذا ما نشهده على مرّ العصور, ولذا نرى الصحابة بأنفسهم اختلفوا في متعة الحج, ومتعة النساء, بسبب فعل عمر, واختلفوا في الصلاة قصراً في السفر, بسبب فعل عثمان, وغير ذلك من الأمور التي خولفت فيها سنّة النبيّ’.

تذييل لا بد منه:

وسائل إثبات انحراف الصحابي

ذكرنا مراراً بأنّ أهل السنّة تعاملوا مع الصحابي معاملة المعصوم, وإنْ لم يُصرّحوا بذلك, فلا يمكن لأي أحد ومهما امتلك من أدلّة أنْ يُثبت انحراف صحابي واحد ـ مع أنّ القرآن بنفسه صرّح مثلاً بانحراف الوليد وفسقه ـ فقد وضع علماء السنّة قواعد وضوابط لا يمكن معها إثبات أي معصية للصحابي, ومن جملة هذه القواعد:

1ـ إذا ثبت تأريخياً بأنّ الصحابي قد قَتل, أو زنا, أو شرب الخمر, أو خرج عن خليفة زمانه, أو أو...فهو مجتهد متأوّل في ذلك, فإن أصاب فله أجران, وإنْ لم يُصب فله أجر!!

2ـ إذا صرّح النبيّ’ بانحراف بعض الصحابة, فلعنهم, أو ذمّهم ونحو ذلك, فهذا يدلّ على منزلة وفضيلة لذلك الصحابي؛ لأنّ الرسول يقول ـ بزعمهم ـ كما نقل عنه أبو هريرة: «اللهمّ إنّما أنا بشر, فأيّما رجل من المسلمين سببته, أو لعنته, أو جلدته, فاجعلها له زكاة ورحمة»([823]).

ومن هنا تحوّل قول النبيّ’ في حق معاوية: «لا أشبع الله بطنه» إلى فضيلة([824]).

3ـ إذا اعترف الصحابي بنفسه, بأنّه أحدث بعد الرسول, وغيّر وبدّل, فإن ذلك تواضع وهضم للنفس!!

ومع هذه القواعد كيف يمكن التوصل إلى معرفة حقيقة الصحابي مع إيصاد الباب بهذه الكيفية المحكمة؟ وكيف يمكن للرسول’ أن يبيّن لأمّته انحراف بعض أفرادها مع هذه القواعد؟










حوار حول
 الآيات الواردة في عدالة الصحابة


من الواضح أنّ من أهمّ الأدلّة التي يتمسّك بها أهل السنّة على عدالة جميع الصحابة هي بعض الآيات القرآنية التي أدُّعي دلالتها على ذلك, وسوف نستعرض هذه الآيات؛ تماشياً مع الغامدي، وسنرى أن جميع ما ذكر لا ينهض على المُدّعى.

الآية الأولى: السابقون الأولون

قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([825]).

سبق وأنْ تكلّمنا عن هذه الآية بصورة مفصّلة في مكاتباتنا معكم، وأثبتنا أنّها غير شاملة للصحابة أجمع، بل هي أصل مسلّم في صنف خاص من الصحابة، فهي تثني على السابقين الأوّلين من المهاجرين([826]) والسابقين الأولين من الأنصار([827]), والذين اتّبعوا هذين القسمين بإحسان, ولا يُخرَج من هذا الأصل إلاّ بدليل قطعي, وقد حاولتَ الإجابة عن كلامنا بعدّة أمور، نذكر هاهنا أهمّ ما ورد في ردّكم ثمّ نجيب عليه:

قلتم: من هم السابقون الأوّلون

الأمر الأول: قلتم في ص187: ونحن هنا نتنزل معكم في الخطاب, فمن هم السابقون من المهاجرين؟ الذين هاجروا أيّام هجرة النبيّ’ أو بعدها بقليل!!

أبو بكر, وعمر, وعثمان, وسعد بن أبي وقّاص, والزبير... الخ العشرة الذين هاجروا قبل هجرة النبيّ بقليل, أو معه, فهل هم داخلون في هذه الآية أم لا؟

أم المقصود: عمَّار, وأبو ذر, والمقداد فقط؛ لأنَّ سلمان من الأنصار؟!

الجواب

أوّلاً: أنّ كلّ حوار إذا أريد له أن يكون جاداً ومثمراً لابدّ أن تراعى فيه أسس معيّنة ومعايير محددة, وأن تناقش الأمور واحدةً واحدةً من دون تشويش، ومن دون محاولة استغفال القرّاء أو السعي لتحريك مشاعرهم بقضايا خطابية لا تستند إلى دليل علمي، فتنشغل بذلك أذهانهم ويكون التركيز على هذه الخطابيات.

أمّا كلامنا فكان عن دلالة الآية السابقة على عدالة جميع الصحابة من عدمه, وبعد أنْ أثبتنا لك عدم دلالتها على ذلك, طفقتَ تغيّرُ الموضوع على عادتك, وتوجّه لنا الأسئلة, وكأنّنا في قاعة امتحان دراسية, مع أنّه كان عليك الاعتراف والإذعان بأنّ هذه الآية لا يمكن أنْ تكون دليلاً على عدالة جميع الصحابة الذين قد يصل عددهم إلى أكثر من مئة ألف صحابي!

ومع ذلك سوف نتنزل معك, ونجيبك على ما ذكرته, ونقول لك بنحو جازم: إنّ الآية لا تشمل جميع من ذكرتهم, فهي غير ناظرة إلى الأفراد فرداً فرداً، بل إلى المجموع من حيث هو, فإن شمول الآية لجميع الأفراد ناتجٌ من جهة ظهورها في العموم, وهذا العموم ينتفي عند وجود الدليل على انحراف جماعة على وجه القطع واليقين, فنستكشف من خلال ذلك عدم إرادة الجميع من الأساس, ولذا قلنا وقلتم: إنّها أصل لا يُخرَج منه إلاّ بدليل قطعي.

 ومن هنا نقول: إنّ السابقين من المهاجرين والسابقين من الأنصار, والذين اتّبعوهم باحسان عدول (رضي الله عنهم ورضوا عنه) إلاّ من ثبت بدليل قطعي أنّه انحرف وغيّر وبدّل بعد رسول الله’, ولا يخفى عليك ما حصل من اختلاف بين الصحابة, حتّى الطبقة الأولى منهم, فكيف يكونون مشمولين جميعاً بالآية؟!

 فالآية لا يمكن لها أن تجمع بين المتناقضات, وقد عرفنا أنّ الزبير قاتل عليّاً×, مع أنّ الرسول’ كان قد أخبره بأنّه سيُقاتل علي وهو ظالم له!! وحينما ذكّره علي في أثناء المعركة بقول النبيّ’, تنحّى الزبير, ولم يلتحق بجنبة الحقّ([828])!! كما عرفنا أيضاً أنّ طلحة كان من المؤلّبين على عثمان, ومن الخارجين على علي×.

فهل يرضى الله عن عليّ, وعن الزبير في آن واحد, وعن طلحة, وعثمان في آن واحد, وعن عليّ وطلحة في آن واحد, وبعبارة أخرى أنّ العشرة المبشرة حسب رواياتكم جرى بينهم اختلاف شديدٍ وتقاتلٍ أدّى إلى إراقة دماء الآلاف من المسلمين, فكيف يرضى الله عن الجميع؟!

فهذه فقط أمثلة جليّة تدلّك بوضوح على أنّ الآية لا يمكن أن تشمل جميع من ذكرت!

أمّا سؤالك: مَنْ هم السابقون؟ وهل يُقتصر فيهم على عمّار, والمقداد, وأبو ذر؟!

نُجيبك: بأنّ الآية تشمل عدداً غير قليل من الصحابة، ولا يشترط أنْ يكون في هذا العدد مَنْ هم في ذهنك, وإليك مجموعة ممّن تشملهم الآية على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ عليّ بن أبي طالب×, والذي حاولتَ جاهداً أن لا تأتي باسمه لا من قريب ولا من بعيد! وكأنّ علي بن أبي طالب ليس من السابقين! مع أنّ الأخبار دلّت على أنّه أوّل من أسلم, فإذا كان هناك فضل كبير للسبق, فلا شكّ في أنّ فضل علي أكبر باعتباره سابق على الجميع, ومن هنا رأينا كثرة الروايات في فضائله×.

2ـ خباب بن الأرت, قال ابن حجر: «وكان من السابقين الأولين، وقال ابن سعد: بيع بمكّة, ثمّ حالف بني زهرة, وأسلم قديماً، وكان من المستضعفين. روى الباوردي أنّه أسلم سادس ستّة, وهو أوّل من أظهر إسلامه, وعُذّب عذاباً شديداً لأجل ذلك... وروى الطبراني من طريق زيد بن وهب قال: لمّا رجع عليّ من صفين, مرّ بقبر خبّاب فقال: رحم الله خباباً, أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلى في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره. وشهد خباب بدراً وما بعدها, ونزل الكوفة, ومات بها سنة سبع وثلاثين، زاد ابن حبان: منصرف علي من صفّين وصلّى عليه علي...»([829]).

وقال ابن عبد البر: «كان فاضلاً, من المهاجرين الأوّلين، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)... كان قديم الإسلام ممّن عُذّب في الله وصبر على دينه، كان رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد آخى بينه وبين تميم مولى خراش ابن الصمة، وقيل: بل آخى بينه وبين جبر بن عتيك، والأوّل أصحّ, والله أعلم، نزل الكوفة, ومات بها سنة سبع وثلاثين منصرف عليL من صفّين، وقيل: بل مات سنة تسع وثلاثين, بعد أن شهد مع علي صفين والنهروان, وصلّى عليه علي بن أبي طالبL»([830]).

3ـ حمزة بن عبد المطلب, أسلم في السنة الثانية للبعثة, ولازم نصر رسول الله’ وآخى النبيّ’ بينه وبين زيد بن حارثة, وشهد بدراً، وأبلى بها بلاء حسناً, وعقد له رسول الله’ لواء, وأرسله في سرية, فكان ذلك أوّل لواء عقد في الإسلام في قول المدائني واستشهد بأحد([831]).

4ـ جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب, قال ابن حجر: «ابن عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم), وأحد السابقين إلى الإسلام, وأخو علي شقيقه, قال ابن إسحاق: أسلم بعد خمسة وعشرين رجلاً، وقيل: بعد واحد وثلاثين، قالوا: وآخى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بينه وبين معاذ بن جبل... هاجر إلى الحبشة فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه، وأقام جعفر عنده، ثمّ هاجر منها إلى المدينة، فقَدم والنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بخيبر... استشهد بمؤتة من أرض الشام مقبلاً غير مدبر، مجاهداً للروم في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) سنة ثمان... قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): رأيت جعفراً يطير في الجنّة مع الملائكة. روى ذلك الطبراني من حديث ابن عباس، وفي الطبراني أيضاً من طريق سالم بن أبي الجعد قال: أرى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) جعفراً ملكاً ذا جناحين مُضرّجين بالدماء؛ وذلك لأنّه قاتل حتّى قُطعت يداه، وفي الصحيح عن ابن عمر, أنّه كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا بن ذي الجناحين...»([832]).

5ـ زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي, أبو أسامة, قال ابن حجر: «مولى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم), صحابي جليل مشهور, مِن أوّل الناس إسلاماً, استشهد يوم مؤتة في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين»([833]).

6ـ عمّار بن ياسر, قال ابن حجر: «كان من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممّن يُعذّب في الله, فكان النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يمرّ عليهم فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنّة، واختلف في هجرته إلى الحبشة, وهاجر إلى المدينة, وشهد المشاهد كلّها، ثمّ شهد اليمامة, فقطعت أذنه بها... وعن علي قال: استأذن عمّار على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: أئذنوا له، مرحباً بالطيب المطيّب. وفي رواية: أنّ علياً قال ذلك، وقال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: إنّ عماراً مُلئ إيماناً إلى مشاشه. أخرجه الترمذي وابن ماجة وسنده حسن. عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمّار كلام, فأغلظت له، فشكاني إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فجاء خالد فرفع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رأسه فقال: من عادى عماراً عاداه الله, ومن أبغض عماراً أبغضه الله...»([834]).

7ـ مصعب بن عمير, قال ابن حجر: «أحد السابقين إلى الإسلام، يُكنّى أبا عبد الله, قال أبو عمر: أسلم قديماً والنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في دار الأرقم, وكتم إسلامه خوفاً من أمّه وقومه, فَعَلِمَه عثمان بن طلحة, فأعلمَ أهله, فأوثقوه، فلم يزل محبوساً إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة, فهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً, ثمّ شهد أحداً ومعه اللواء فاستشهد... وقال ابن إسحاق في المغازي, عن يزيد بن أبي حبيب, لمّا انصرف الناس عن العقبة, بعث النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) معهم مصعب بن عمير يفقههم، وكان مصعب هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثمّ رجع إلى مكّة, ثم هاجر إلى المدينة، وفي صحيح البخاري عن البراء: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير, وابن أمّ مكتوم الحديث...»([835]).

8ـ سعد بن معاذ الأنصاري, قال ابن الأثير: «أسلم على يد مصعب بن عمير, لمّا أرسله النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى المدينة يُعلّم المسلمين, فلمّا أسلم, قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم عَليّ حرام حتّى تُسلموا, فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد بدراً, لم يختلفوا فيه, وشهد أحداً والخندق»([836]).

وقال ابن حجر: «شهد بدراً باتّفاق, ورمي بسهم يوم الخندق, فعاش بعد ذلك شهراً حتّى حكم في بني قريظة، وأجيبت دعوته في ذلك, ثم انتقض جرحه فمات. أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس, وقال المنافقون: لمّا خرجت جنازته: ما أخفّها, فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّ الملائكة حملته. وفي الصحيحين وغيرهما من طرق: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ...»([837]).

9ـ أبو الهيثم (مالك) بن التيهان الأنصاري, قال ابن سعد: «وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار، وشهد العقبتين جميعاً, وبدراً, وأحداً, والمشاهد كلّها مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([838]).

10ـ خزيمة بن ثابت الأوسي الأنصاري (ذو الشهادتين), قال ابن حجر: «من السابقين الأولين, شهد بدراً وما بعدها، وقيل: أول مشاهده أحد، وكان يُكسّر أصنام بني خطمة، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح... وعند أحمد, عن عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, أنّ خزيمة استشهد بصفين...»([839]).

11ـ عبادة بن الصامت, الخزرجي الأنصاري, قال ابن سعد: «شهد العقبة مع السبعين من الأنصار, وهو أحد النقباء الاثني عشر, وشهد بدراً, وأحداً, والخندق, والمشاهد كلّها, مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([840]).

12ـ سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي, قال ابن حجر: «كان من السابقين, وشهد بدراً, وثبت يوم أحد حين انكشف الناس, وبايع يومئذ على الموت, وكان ينفح عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بالنبل فيقول: نبّلوا سهلاً فإنّه سهل، وكان عمر يقول: سهل غير حزن. وشهد أيضاً الخندق, والمشاهد كلّها, واستخلفه عليّ على البصرة بعد الجمل, ثمّ شهد معه صفين، ويقال: آخى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بينه وبين علي بن أبي طالب, ومات سنة ثمان وثلاثين...»([841]).

13ـ خالد بن زيد (أبو أيّوب الأنصاري), قال ابن حجر: «من السابقين... شهد العقبة, وبدراً, وما بعدها، ونزل عليه النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) لما قدم المدينة، فأقام عنده حتّى بنى بيوته ومسجده، وآخى بينه وبين مصعب بن عمير، وشهد الفتوح, وداوم الغزو، واستخلفه علي على المدينة لما خرج إلى العراق، ثمّ لحق به بعد, وشهد معه قتال الخوارج، قال ذلك الحكم بن عيينة...»([842]).

14ـ عبيدة بن الحارث, أسلم قديماً, وكان مع النبيّ’ بمكّة, ثمّ هاجر وشهد بدراً, وجرح فيها ومات بعد ذلك([843]).

وهكذا لو أردنا استقصاء التاريخ, لوجدنا عدداً كبيراً من المهاجرين والأنصار الذين يمكن دخولهم في الآية, وذكْر جميع هؤلاء مع تراجمهم يوجب عدّة مجلّدات, لذا اكتفينا بما تقدّم لندلل على أنّ السابقين الذين (رضي الله عنهم ورضوا عنه) كُثر, ولا يتوقف تفسير الآية على شمول من هم في ذهنك فقط.

ثانياً: لا شكّ ولا ريب أنّ كلّ آية وعدت المؤمنين بالرضا والثواب والجنّة, لا بدّ أن تكون مقيّدة بالإيمان والعمل والصالح؛ لأنّه من غير الجائز وعد الفاسقين بالجنّة؛ إذ تنهدم معه التشريعات والإحكام؛ لتساوي المتقي مع غيره, وهو أمر قبيح لا يصدر من الباري جلّ وعلا.

 ولعلّ نقطة الإختلاف تتمحور بأنّ إخبار الله سبحانه وتعالى بالرضا عن جمع معيّن يتضمّن الجزم واليقين بأنّ أعمال هؤلاء أعمال صالحة حسنة, وأنّ سيّئاتهم مغفورة, إلاّ أنّ هذا الكلام غير تام؛ لأنّه مع الالتزام بعدم عصمة الصحابة, ستكون هذه الآية إغراءً لهم بعمل القبيح, باعتبارهم ضمنوا الجنة والرضا الإلهي, مع أنّ الله يعطي المعيار والميزان بصورة جليّة في كتابه حيث يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, فكيف يكون كريماً عند الله مع علمنا بانحرافه, وإحداثه بعد رسول الله’، والقرآن ذكر آيات عديدة تتحدّث عن دخول الفاسقين في النار, وعدم رضاه عنهم, منها قوله تعالى: {فإن اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}([844]) وفي قبال ذلك, نرى آياتٍ عديدةً تَعِدُ التائبين بالجنان والمغفرة, فالوعود الإلهية إذن, انصبّت على التقوى والعمل الصالح, مع التوبة بالنسبة للفاسقين, وحينئذٍ, فإن الأعمال بخواتيمها, فمَن غيّر وبدّل بعد رسول الله’, لا يمكن أن تشمله الوعود الإلهية مهما كان([845]), وفي القرآن الكريم أمثلة على ذلك, فقد أطلق القول في دخول الصابرين إلى الجنّة, فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَـيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأموال وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}([846]).

فهل تلتزم بأنّ جميع الصابرين مشمولون بالخطاب من دون تقييد بالعمل الصالح وترك المعاصي؟

فمن هذا القبيل ما نحن فيه, فإن السابقين ومن تبعهم لا بدّ أن يتحلّوا بالإيمان, والعمل الصالح, والابتعاد عن المعاصي والذنوب؛ لكي يكونوا مشمولين بالآية, ومن هنا فأنت قرّرت أنّ الآية أصل لا يخرج منه إلاّ بدليل قطعي, ونحن نقرر ونتّفق معك بأنّ الآية أصل ولا يخرج منه إلاّ بدليل قطعي, فيكون النقاش والحوار في المصاديق لا في أصل دلالة الآية, ولا في شمولها لجميع الصحابة, فالكلام تحول إلى طائفة من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان, وأين هذا من أصل الحوار الدائر حول عدالة جميع الصحابة؟

وقد عرفنا فيما مضى, أنّ الآية شاملة لمجموعة من الصحابة الأوائل, الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل دينهم, فحاموا عن النبيّ’ ونصروه, ولم يثبت عنهم الانحراف فيما بعد.

ثالثاً: أنّ كلّ الحوار أعلاه يتوجّه فيما إذا فسّرنا السبق: بالسبق إلى الإسلام, أمّا لو احتملنا أمراً آخر, بطل استدلالكم من أساسه, وهناك احتمالات أخرى في معناه:

1ـ احتمل بعضٌ من مُفسّري أهل السنّة أنّ المراد بالسبق هو السبق بالموت والشهادة, فمن سبق من المهاجرين والأنصار بالموت والشهادة في سبيل الله شملته الآية الكريمة([847]), فمن ترومون إدخالهم في الآية سيخرجون منها حينئذٍ.

2ـ ثمة احتمال يتمثل في أنّ المراد من السبق هو السبق في الهجرة, والسبق في النصرة([848])؛ لأنّ السبق في الآية مطلق وغير مضاف إلى شيء, وبقرينة ذكر المهاجرين والأنصار بعد السبق يتحدّد معناه في السبق في الهجرة والنصرة, وحيث إنّ (من) تبعيضية, فلا تكون الآية شاملة لجميع المهاجرين والأنصار, بل للسابقين منهم, وحيث إنّها قيّدت (السابقون) بـ (الأوّلون) فيكون المقصود جماعة خاصة من الأولين؛ لأننا لو لم نقيد السبق بالأولين، فسوف يكون ذكر قيد الأولين زائداً ولغواً, فالتقييد يُدلّل على إرادة خصوص الأولين منهم، فلا تشمل الآية جميع السابقين في الهجرة والنصرة، وحينئذٍ يخرج من الآية عدد كبير من المهاجرين والأنصار، وإنْ كانوا من السابقين.

 أمّا الأوّلون من الأنصار, فهم الستّة الذين أسلموا عند العقبة ومهّدوا الإسلام لغيرهم، وهم: أسعد بن زرارة، وقطبة بن عامر بن حديدة، ورافع بن مالك، وجابر بن عبد الله بن رئاب، وعوف بن عفرآء، وعقبة بن عامر, قال ابن عبد البر: «ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لقي عند العقبة في الموسم ستّة نفر من الأنصار, كلّهم من الخزرج، وهم أبو أمامة, أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث بن رفاعة، وهو ابن عفراء, ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رئاب، ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت, ويسقط جابر بن عبد الله بن رئاب, فدعاهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى الإسلام، فكان من صُنْع الله لهم أنّهم كانوا من جيران اليهود، فكانوا يسمعونهم يذكرون أنّ الله تعالى يبعث نبيّاً قد أطلّ زمانه، فقال بعضهم لبعض: هذا والله الذي تهددكم به يهود, فلا يسبقونا إليه, فأسلموا به, وبايعوا وقالوا: إنّا قد تركنا قومنا بيننا وبينهم حروب, فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أنْ يجمعهم بك, فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتّبعوك, فلا أحد أعزّ منك، وانصرفوا إلى المدينة, فدعوا إلى الإسلام، حتّى فشا فيهم, ولم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([849]).

وذكر ابن الأثير أنّهم كانوا سبعة نفر وليسوا ستّة، وهم: «أسعد بن زرارة بن عدس أبو أمامة، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء، كلاهما من بني النجار، ورافع بن مالك بن عجلان، وعارم بن عبد حارثة بن ثعلبة بن غنم، كلاهما من بني زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة بن سواد من بني سلمة ـ سلمة هذا بكسر اللام ـ وعقبة بن عامر بن نابئ من بني غنم، وجابر بن عبد الله بن رياب من بني عبيدة ـ رياب بكسر الراء والياء المعجمة باثنتين من تحت وبالباء الموحدة ـ فلمّا قدموا المدينة, ذكروا لهم النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ودعوهم إلى الإسلام، حتّى فشا فيهم, حتّى إذا كانّ العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى فبايعوه بيعة النساء»([850]).

وذكر المقدسي أنّهم ستّة, غير أنّه لم يذكر رافع بن مالك, وذكر محلّه معاذ بن عفراء([851]).

وكيف ما كان, فإن هؤلاء هم الأوائل من الأنصار الذين أسلموا ومهدوا الطريق لغيرهم حين رجوعهم إلى المدينة، فدعوا الناس إلى الإسلام, حتّى انتشر وفشا فيهم.

وأمّا الأوّلون من المهاجرين, فهم الطلائع الأولى من الذين هاجروا قبل النبيّ’, وليس فيهم الخلفاء الأربعة, ولا العشرة المبشّرة بالجنّة, فإن هؤلاء هاجروا متأخرين, ونكتفي هنا بنقل نصّ ابن عبد البر الذي يعدّ أسماء المهاجرين؛ لنرى من هم (الأوّلون من السابقين منهم).

 قال ابن عبد البرّ: «فلمّا تمّت بيعة هؤلاء لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ليلة العقبة([852]) وكانت سرّاً على كفّار قومهم وكفّار قريش، أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة أرسالاً، فقيل: أوّل من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي...» ثم عدّ ابن البرّ نحو ثلاثين من أصحاب النبي’ الذين هاجروا، ولم يكن منهم أيٌّ من المبشرين بالجنة.

 والأسماء التي ذكرها كالتالي، بحسب التسلسل:

1ـ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي.

2ـ عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب

3ـ ليلى بنت أبي حثمة بن غانم زوجة عامر بن ربيعة.

4ـ عبد الله بن جحش.

5ـ أبو أحمد بن جحش الشاعر الأعمى.

6ـ أميمة بنت عبد المطلب، وهاجر جميع بني جحش بنسائهم.

وهاجر مع بني جحش جماعة من بني أسد بن خزيمة بنسائهم منهم:

7ـ عكاشة بن محصن.

8ـ عقبة وشجاع ابنا وهب.

9ـ أربد بن حمير.

10ـ منقذ بن نباتة.

11ـ سعيد بن رقيش.

12ـ أخوه يزيد بن رقيش.

13ـ محرز بن نضلة.

14ـ قيس بن جابر.

15ـ عمرو بن محصن.

16ـ مالك بن عمرو.

17ـ صفوان بن عمرو.

18ـ ثقف بن عمرو.

19ـ ربيعة بن أكثم.

20ـ الزبير بن عبيدة.

21ـ تمام بن عبيدة.

22ـ سخبرة بن عبيدة.

23ـ محمد بن عبد الله بن جحش.

ومن نسائهم:

24ـ زينب بنت جحش.

25ـ حمنة بنت جحش.

26ـ أم حبيب بنت جحش.

27ـ جدامة بنت جندل.

28ـ أم قيس بنت محصن.

29ـ أم حبيبة بنت نباتة.

30ـ أمامة بنت رقيش([853]).

وإذا أضفنا لهذه الأسماء: مصعب بن عمير وابن أم مكتوم حيث تقدم سابقاً أنهما قد هاجرا إلى المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، فيكون المجموع اثنان وثلاثون صحابياً.

 هذه هي الطلائع الأولى من المهاجرين, وكما ترى فهي خالية من ذكر أي اسم من أسماء العشرة المبشّرين. فعمر بن الخطاب الذي هو أول المبشرين هجرة إنما قد خرج بعد هؤلاء الطليعة، قال ابن عبد البر بعد ذكره لهذه الأسماء: «ثمّ خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكباً، فقدموا المدينة»([854]).

رابعاً: من الممكن القول: إنّ الآية ناظرة إلى الإسلام الحقيقي والواقعي، والهجرة الحقيقية الواقعية, فإن الإسلام والهجرة مفاهيم إسلامية لها شرائطها الخاصّة بها, فليس كلّ من دخل الإسلام ظاهراً هو مسلم حقيقي سينال الجنّّة, فهناك الكثير من المنافقين ادّعوا الإسلام, وكذلك الهجرة, فقد تكون الهجرة طمعاً في دنياً أو جاه، وقد تكون خالصة لله سبحانه وتعالى من قبيل الجهاد، فهناك من قاتلوا وجاهدوا ظاهراً إلاّ أنّ مصيرهم النار؛ لعدم اخلاصهم الحقيقي لله، بل كانوا يقاتلون لأجل إبراز شجاعتهم أو طمعاً في الغنائم وهكذا.

وهذه أمور واضحة يدركها كلّ مسلم, فالملايين تُصلّي وتصوم ظاهراً, لكنّهم يرتكبون الكثير من المعاصي، مع أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}([855]) وهذا يُدلّل على أنّ الصلاة الصحيحة المقبولة المأتيُّ بها على وجهها الصحيح ظاهراً وباطناً هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

 ونفس الكلام يتأتى على الآية المباركة, فهي ناظرة إلى من أسلم حقيقة وواقعاً، أو من هاجر لله مخلصاً له النية, فلا تشمل من توجد شائبة في إسلامه أو هاجر من غير إخلاص.

وحينئذٍ يدخل في الآية كلّ من ثبت دخوله في الدين على الوجه الحقّ, ولم يُبدّل ولم يغيّر بعد رسول الله’، أمّا من ثبت انحرافه, أو شككنا في بقائه على ثوابت الدين والإسلام، بل شككنا في حقيقة إسلامه الواقعي, فهو غير مشمول بالآية من رأس؛ لأنّ الآية تقرر شمول من أسلم أو هاجر لله مخلصاً له الدين؛ فهي تتحدّث عن الإسلام الواقعي أو الهجرة الواقعية, فعند الشكّ في المصداق, لا يمكن التمسك بعموم الآية؛ لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير جائز عند مشهور العلماء, وبعبارة أخرى: فإن العام لا يثبت مصداقه، بل يشمل ما تحقّقت الشروط فيه خارجاً.

وينتج من هذا الكلام عدم شمول الآية لِمَن ذكرتَ, نعم لا شك في شمولها لعلي وعمار وجعفر وحمزة وغيرهم ممّن علمنا ثباتهم على الدين, وسنّة رسول ربّ العالمين’.

خامساً: من المحتمل أيضاً أنّ يكون المراد من السابق في بالآية هو السابق الذي لم يسبقه غيره، فإن السبق مفهوم نسبي, فالأوّل سابق بالنسبة للثاني، والثاني سابق بالنسبة للثالث، وهو تالي بالنسبة للأوّل, وحينئذٍ, لو فسّرنا الآية بالسبق إلى الإسلام، فيتعيّن أن يكون المقصود منها خصوص علي بن أبي طالب×؛ لأنّه أوّل من أسلم على الإطلاق, فلم يسبقه أحد إلى ذلك, فهو سابق مطلق على الجميع, وغيره تال بالنسبة إليه, ولا يضر في هذا الاحتمال أن اللفظ قد جاء بصيغة الجمع، لأننا نقول أن استعمال الجمع وإرادة الفرد منه أسلوب شائع في اللغة وفي القرآن، كما في آية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمانا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. فقد ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بالناس بالموضع الأوّل من الآية, هو نعيم بن مسعود وحده, قال البغوي: «وأراد بالناس نعيم بن مسعود في قول مجاهد وعكرمة, فهو من العام الذي أريد به الخاص, كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} يعني محمّداً (صلّى الله عليه وسلّم) وحده»([856]).

وقال ابن العربي: «بل قد ينطلق لفظ الجماعة على الواحد, تقول العرب: نحن فعلنا، وتريد القائل لنفسه خاصّة, وقد قال تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج 19] وقال: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص21] ثم قال: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص22] وقال: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم 4] وقال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء 78] وقال {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل 35] والرسول واحد، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور 26] يعني عائشة وقيل عائشة وصفوان، وقال: {وَأَلْقَى الألْوَاحَ} [الأعراف 15] وكانا اثنين كما نقل في التفسير، وقال: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه 13] وهما طرفان، وقال: {إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ} [الشعراء 15] وقال: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة 18] وقال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران 173] وكان واحداً, وهذا كلّه صحيح في اللغة سائغ إذا قام عليه الدليل»([857]).

واختصاص السبق بعلي× دلّت عليه بعض الروايات, فعن ابن عبّاس في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} قال: «نزلت في علي, سبق الناس كلّهم بالإيمان بالله وبرسوله, وصلّى القبلتين, وبايع البيعتين, وهاجر الهجرتين, ففيه نزلت هذه الآية»([858]).

مضافاً لما ورد في تفسير آية {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} والتي تُلقي مقداراً من الضوء على آية {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}، فعن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} قال: «سابق هذه الأمّة علي بن أبي طالب»([859]).

وأخرج الطبراني عن ابن عبّاس, عن النبيّ’ قال: «السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) عليّ بن أبي طالب»([860]).

قال الهيثمي: «رواه الطبراني, وفيه حسين بن حسن الأشقر, وثقه ابن حبّان. وضعّفه الجمهور، وبقيّة رجاله حديثهم حسن أو صحيح»([861]).

قلت: لم يتّهم أحد حسين الأشقر في وثاقته أو عدالته، بل اعترفوا بصدقه وعدم تعمّده الكذب، فقد ورد عن أحمد بن محمّد بن هانئ، قال: «قلت لأبي عبد الله ـ يعني ابن حنبل: تُحدّث عن حسين الأشقر؟ قال: لم يكن عندي ممّن يكذب... وقال ابن الجنيد: سمعت ابن معين ذكر الأشقر، فقال: كان من الشيعة الغالية، قلت: فكيف حديثه؟ قال: لا بأس به، قلت: صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه»([862]).

وقال ابن حجر: «صدوق يهم، ويغلو في التشيع»([863]).

وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات([864]). وقال النسائي: حسين الأشقر ليس بالقوي([865]). وكذا قال الدارقطني([866]).

والراجح عند أهل الفن أنّ قولهم ليس بالقوي لا يعني التضعيف, بل يعني أنّه لا يبلغ رتبة الثقات الأثبات([867]).

وقال الترمذي معلّقاً على حديث «الذهب بالذهب عيناً بعين» والذي في رواته الأشقر: «سألت محمداً [يعني البخاري] عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظاً, وحسين بن الحسن مقارب الحديث»([868]).

ولفظ (مقارب الحديث) من ألفاظ التعديل, قال الترمذي عند كلامه عن الافريقي: «ورأيت محمد بن إسماعيل يقوى أمره، ويقول: هو مقارب الحديث»([869]).

وقال عن إسماعيل بن رافع: «قد ضعفه بعض أهل الحديث. وسمعت محمداً يقول: هو ثقة مقارب الحديث»([870]).

وقال المباركفوري حول مقارب الحديث: «هذا من ألفاظ التعديل...»([871]).

وقال السيوطي: «قولهم (مقارب الحديث) قال العراقي: ضبط في الأصول الصحيحة ـ بكسر الراء ـ وقيل: إن ابن السيد حكى فيه الفتح والكسر، وأن الكسر من ألفاظ التعديل، والفتح من ألفاظ التجريح، قال: وليس ذلك بصحيح، بل الفتح والكسر معروفان، حكاهما ابن العربي في شرح الترمذي وهما على كلّ حال من ألفاظ التعديل، وممن ذكر ذلك الذهبي...»([872]).

مضافاً إلى أنّ الأشقر أخرج له ابن أبي حاتم في تفسيره أحاديث بعضها في فضائل أهل البيت^([873]).

كما أخرج له ابن خزيمة في صحيحه([874]).

وصحّح له الحاكم في المستدرك، وعلّق عليه الذهبي بقوله: «الأشقر وثّق، وقد اتّهمه ابن عدي»([875]).

على أن الطريق غير منحصر بالأشقر, فقد تابعه الفيض بن وثيق، جاء في لسان الميزان: «قال العقيلي في ترجمة الحسين بن الحسن الأشقر: حدّثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا الحسين بن أبي السرى، ثنا فيض بن وثيق، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) رفعه: «السبّاق ثلاثة...الحديث. وقال ابن أبي السرى فذكرته لحسين الأشقر، فقال: سمعناه من ابن عيينة»([876]).

والفيض بن وثيق, قال فيه ابن حجر في اللسان: «قال ابن معين كذاب خبيث. قلت: قد روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى، انتهى, وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه, وأخرج له الحاكم في المستدرك محتجّاً به, وذكره ابن حبان في الثقات»([877]).

وقال عنه الذهبي: «والظاهر أنّه صالح في الحديث»([878]).

فتضعيف الرواية من جهة الأشقر غير تام؛ لأنّه ثقة في نفسه أولاً، ومتابع من قبل الفيض ثانياً, ولا أقل من كون الحديث حسناً لغيره باجتماعهما على روايته.

ومن هنا قال المناوي على سند الحديث: «إسناد حسن أو صحيح»([879]).

وما يُقال من أنّ السند فيه علّة أخرى غير الأشقر، وهي وجود الحسين بن أبي السري الذي حدّث عن الأشقر, والحسين ضعيف أو كذاب, فهو غير تام؛ وذلك لو أغضضنا الطرف عن توثيق ابن حبان للحسين بن أبي السري([880]) فإن الطريق غير منحصر به, فقد أخرجه الضحاك من طريق محمّد بن عبد الرحيم، عن ابن عائشة، عن حسين بن حسن الأشقر، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس، قال: «السُبّاق ثلاثة: سبق يوشع إلى موسى×، وصاحب ياسين إلى عيسى×، وعلي إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([881]).

ومحمد بن عبد الرحيم ثقة بلا كلام، وهو من رجال البخاري([882]).

وابن عائشة هو عبيد الله بن محمد بن عائشة, قال ابن حجر: «ثقة جواد، رمي بالقدر, ولم يثبت»([883]).

وقال الذهبي: «مُحدّث عالم أخباري شريف محتشم، وثقه أبو حاتم»([884]).

وهكذا فإن سند الحديث معتبر.

على أنّ للحديث سنداً آخر رواه ابن أبي حاتم عن محمّد بن هارون الفلاس، عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزار، عن سفيان بن الضحاك المدائني، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس([885]).

ومحمد بن هارون الفلاس, قال عنه ابن أبي حاتم: «سمعت منه ببغداد مع أبي في منزلنا، وهو من الحفاظ الثقات»([886]).

وقال الذهبي: «حافظ ثقة، قاله ابن أبي حاتم»([887]).

وعن الدارقطني قال: «ثقة حافظ»([888]).

وعبد الله بن إسماعيل المدائني, ذكره ابن أبي حاتم ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً([889]), وكذا الخطيب([890]), وروى عنه الثقات أمثال محمّد بن هارون الفلاس على ما تقدّم, وعثمان بن محمّد بن القاسم الأدمي([891]) وغيرهم فهو مستور الحال([892]) ممّن ينفع في المتابعات والشواهد.

 على أنّ البعض يرى سكوت ابن أبي حاتم توثيقاً كما لا يخفى([893]).

وسفيان بن الضحاك, لعلّه هو شعيب بن الضحاك, فلم نعثر على هذا الاسم, مع أنّ ابن أبي حاتم قال في ترجمة عبد الله بن اسماعيل: «روى عن شعيب بن الضحاك المدائني، عن ابن عيينة، روى عنه محمّد بن هارون المخرمي الفلاس»([894]).

وقال الخطيب: «شعيب بن الضحاك, أبو صالح المدائني، حدّث عن سفيان بن عيينة، روى عنه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي, وعبد الله بن إسماعيل المدائني البزار»([895]).

فالمراد هو شعيب وليس سفيان. وشعيب هذا سكت عنه ابن أبي حاتم([896]) وكذا الخطيب على ما تقدّم. فهو أمّا مستور أو ثقة, ولا أقلّ من صلاحيته في المتابعات والشواهد.

وبقية رجال السند كلّهم ثقات.

فاتّضح من جميع ذلك, أنّ الطريق الذي فيه الأشقر معتبر، وإذا لم يكن كذلك من جهة الأشقر فالطريق الثاني يشهد له، فيكون الحديث حسناً لغيره.

قلتم: قد وعد الله الصحابة بالرضا والجنان

ذكرتم في ص187: بأنّ الله وعد الصحابة في الآية بوعدين، أولهما أنه قد رضي عنهم ورضوا عنه، وثانيهما قد أعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار, والله لا يعد إنساناً بالرضى إلاّ إذا علم أنّه يعيش على الإيمان والتقوى, وكذلك فإنّه أطلق في الوعد ولم يُقيّد.

 ونجدك هنا قد أقحمت مسألة البداء والعلم بالغيب؛ مستدلاً ببعض روايات كتاب الكافي.

الجواب

 أمّا ما يتعلّق بالرضا الإلهي والوعد بالجنان, فقد اتّضح مما تقدم أنّ الوعد غير شامل لجميع الصحابة, كما أنّه مشروط بالثبات على الدين والإيمان, كلّ ذلك تقدّم تفصيلاً، فلا نعيد.

وأمّا ما يتعلّق بمسألة علم الغيب والبداء, فليس هنا محلّه؛ وتناوله هنا يوجب تشويش واضطراب البحث, وكتاب (الكافي) الذي أوردت منه بعض الروايات, فهو وإنْ كان أصحّ الكتب وأرفعها, إلاّ أنّنا لا نقول بصحّة الكتاب على الاطلاق, فإذا أردت الاستدلال, فعليك بتتبع سند الرواية؛ ليكون استدلالك فيما صحّ فقط, ولا تحاول استغفال القراء بأنّ كتاب الكافي كلّه صحيح!

فالرواية الأولى رواها الكليني عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أبي الفضل عبد الله بن إدريس، عن محمّد بن سنان، قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني× فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد، إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثمّ خلق محمّداً وعلياً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها, وأجرى طاعتهم عليها, وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون, ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثمّ قال: يا محمّد، هذه الديانة التي من تتدينها مرق, ومن تخلّف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد»([897]).

الرواية ضعيفة السند: محمّد بن المعلى, قال عنه النجاشي: «مضطرب الحديث والمذهب»([898]). وعبد الله بن إدريس مجهول. مضافاً إلى أنّ الرواية تصرّح بأنهم لن يشاءوا إلاّ أن يشاء الله سبحانه وتعالى, وإذا أوكل إليهم شيء فهو مشيئة الله وإرادته وإذنه, فما المحذور في ذلك؟ فالجميع يؤمن أنّ إحياء الموتى مختص بالله سبحانه وتعالى، لكن لا يرفض أحد أنّ عيسى× قد أحيى الموتى بإذن الله سبحانه وتعالى, على أنّنا نرى أنّ التفويض بمعنى رفع اليد الإلهية وتسليم الكون بيد الأئمة من دون دخل لقدرة الله هو نوع من الكفر، نعوذ بالله منه.

والرواية الثانية, رواها الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن الهيثم بن واقد، عن مقرن، عن أبي عبد الله× قال: «إنّ عبد المطلب أوّل من قال بالبداء، يبعث يوم القيامة أمّة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء»([899]).

الرواية ضعيفة السند, عبد الله بن عبد الرحمن الأصم, قال عنه النجاشي: «ضعيف غال ليس بشيء»([900]).

ومقرن, مشترك بين جماعة كلّهم مجاهيل.

قلتم: من هم السابقون من الأنصار؟

قلتم في ص189: من هم هؤلاء السابقون من الأنصار الذين استحقوا هذا التكريم؟

الجواب

 اتّضح تفصيل ذلك من خلال البحث.

 

قلتم: هل ذكر أسماء السابقين الأولين في كتب الشيعة؟

قلتم ص190: هل تشمل کتب الشيعة على بيان بأسماء هؤلاء السابقين من الأنصار الذين أثنى الله عليهم؟.

الجواب

 ذكرنا في البحث مجموعة من المهاجرين والأنصار المشمولين بالآية, وكلّهم محلّ مدح وثناء عند الشيعة, فراجع كتب الشيعة إنْ شئت.

قلتم: هل يفرق الشيعة بين الأنصار والمنافقين

قلتم في ص190: هل يستطيع الشيعة أنْ يُفرّقوا بين من آمن ونصر من الأنصار, وَمَن وُصِف بالنفاق؟ ومن أيّ مرجع يمكنهم ذلك؟

الجواب

 نقول: توجيه هذا السؤال لعلمائكم أفضل, فالثابت في القرآن والروايات وجود عدد كبير من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام, ورأوا النبيّ’، فهم صحابة عدول على مبانيكم, فيلزمكم التفريق بينهم وبين الصحابة العدول, أمّا نحن فلا نزكي إلاّ من ثبتت عدالته, ولم يغيّر ولم يبدل بعد رسول الله’، وقد ذكرنا لك مجموعة من الأنصار الصالحين, فأنتم حينئذٍ من ينبغي أنْ يُفرّق بين المنافقين عن غيرهم, حتّى لا يلزم من تعديل الصحابة أجمع تعديلاً للمنافق أو من يظن بكذبه, فيؤخذ بروايتهم، كما هو حاصل بالفعل في كتبكم, فنرى في أصحّ الكتب عندكم مضامين مشينة من قبيل أنّ موسى نبي الله يرفض الموت, ويضرب ملك الموت بعينه ويفقأها([901]), وأنّ النبيّ يبول واقفاً في سباطة قوم([902]), وأنّه يطوف على نسائه التسع بليلة واحدة بغسل واحد([903]), وأنّه يريد الانتحار([904]), وغير ذلك الكثير, وكلّ ذلك ننزّه عنه الأنبياء, وعلى رأسهم نبيّنا محمد’, وما ورود هذه الأمور في كتبكم إلاّ من خلال إيمانكم بوثاقة المنافقين وصحّة أخبارهم([905]), فشوهتم الدين, وأسأتم لسمعة رسول ربّ العالمين’, ولو أراد أحد أن يسيء إلى الإسلام, لما وجد أفضل من اتّباع كلّ ما في البخاري ومسلم, فإن فيها ما يُسقط مكانة الرسول’.

قلتم: من هم التابعون بإحسان عند الشيعة؟

قلتم في ص190: مَنْ هم هؤلاء الذين اتّبعوهم بإحسان, وأنتم لم تعدلوا إلاّ أربعة أشخاص...

الجواب

أوّلاً: أنّ التقييد بـ{إحسان} أبطل مقولتكم بعدالة جميع الصحابة, فعليك الاعتراف بأنّ الآية المذكورة لا تصلح دليلاً على عدالة جميع الصحابة، بل دلالتها على العكس أدقّ وأوجه.

ثانياً: تبيّن من خلال البحث في الآية, وكذا البحوث السابقة, بأنّ الشيعة يرون عدداً كبيراً من الصحابة العدول الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل صيانة هذا الدين والحفاظ عليه, فمضافاً لمن ذكرناهم, فإن هناك أعداداً كثيرة بايعت الإمام علي, وقاتلت معه, وبعضهم استشهد في حروبه×, والتي كانت حروب حقّ باتّفاق المسلمين.

ثالثاً: نحن نسأل: من هم الذين اتّبعوهم بإحسان بنظر أهل السنّة, هل الذين قاتلوا عليّاً في صفّين والجمل منهم أم لا؟ وهل الذي يقاتل إمام الحقّ يكون من التابعين بإحسان؟

وليتك تخبرنا هل مثل المغيرة بن شعبة ـ الذي وجد مع أم جميل بحال مفتضح([906])ـ من التابعين بإحسان؟! أو الحَكَم الذي طرده رسول الله’ وآواه عثمان([907]) يكون من التابعين بإحسان؟

وهل معاوية الذي قاتل إمام الحق, وورد في حقّه بأنّه يموت على غير ملّة النبيّ’, وكانت المحرمات تملأ بيته([908]), من التابعين بإحسان؟

وهل أبو الغادية الجهني, الموعود بدخول النار بنص النبيّ’([909]) من التابعين بإحسان؟

هل الذين كانوا يسبّون عليّاً على المنابر أمثال معاوية وولاته وغيرهم من التابعين بإحسان, مع أنّ سبّه سبٌّ لرسول الله’؟([910]).

هل بسر بن أرطاة الذي أزهق الأنفس المحرّمة بغير حق([911]) من التابعين بإحسان؟

هل مروان الذي هو فضضٌ من لعنة الله, والذي قتل طلحة([912]) من التابعين بإحسان؟

قلتم: هل عند الشيعة عشرة صحابة صالحين؟

تساءلتم في ص190 بأنه هل يمكن أن تذكر عشرة ممن صلحت سريرتهم وسلوكهم, وكيف عرفتم أنّه صلحت سريرتهم وسلوكهم؟

الجواب

 اتضح ذلك جليّاً فيما تقدم من البحوث في هذا الجزء.

قلتم: الجمهور يرى عدالة الصحابة

ذكرتم في ص190ـ 191 كلاماً طويلاً في أنّ الجمهور يرى عدالة جميع الصحابة, بينما الشيعة بين مكفّر ومفسّق لهم، وأما قول بعض علماء أهل السنة بعدم عدالة بعض الصحابة فهو قول مرجوح، وما إلى ذلك, ثم تساءلت قائلاً: فأيّ هذه الأقوال يا ترى هو الصحيح؟

الجواب

 تقدّم الحديث عن ذلك مفصّلاً في مواضع عدّة من البحث، فلا نعيد.

قلتم: ألا يخبرنا الشيعة من الصنف الممدوح في الآية؟

قلتم في ص192: في ردّكم على قولي: إنّه سبحانه يُثني لا على عامّة المهاجرين, ولا على عامّة الأنصار, بل على صنف خاص منهم, وهم السابقون الأولون فحسب.. ثم قلتم: فمن هم هؤلاء الذي أثنى عليهم؟

الجواب

تبيّن ذلك جليّاً عند بحثنا قبل قليل للآية الكريمة.

الآية تقرر أصالة العدالة إلا ما خرج بدليل قطعي

كنّا قد قلنا لكم: ما تقرره الآية أصل؛ لكن لا في عامّة المهاجرين والأنصار؛ بل في خصوص السابقين الأولين منهم، فلا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل قطعي.

فإذا دلّ دليل على أنَّ صحابياً من السابقين والأولين عدل عن الحق فيؤخذ بالدليل الثاني.

ثمّ ضربنا مثلاً، قلنا: إذا دلّ الدليل على أنَّ حارث بن سويد من الصحابة البدريين، قتل المجذر بن زياد المسلم يوم أحد لثأر جاهلي، يحكم بخروجه من الآية، أو دلّ على أنَّ قدامة بن مظعون البدري شرب الخمر، وهكذا دواليك.

فأجبتم بعدّة أمور:

قلتم: الاعتقاد بالإمامة يخرج جميع الصحابة من الآية

الأول: تساءلتم في ص193:

أولاً: هل دليل الإمامة قطعي يمكن أن يُبنى عليه إخراج جميع الصحابة من العدالة، بسبب عدم تسليمهم الإمامة لعليّ رضي الله عنه أم لا؟ فإن كان قطعياً فلم يبقَ أحد ممّن دخلت عليه: (أل) عدلاً، وإن لم يكن قطعياً بطلت الإمامة.. فبأيهما تقول؟!

الجواب

دليل الإمامة قطعي لكن لا يلزم من ذلك خروج جميع الصحابة عن العدالة؛ وذلك لأسباب عدّة:

1ـ إنّ عدداً كبيراً من الصحابة قد استشهد في أيّام حروب النبيّ’, وهؤلاء صحابة عدول محلّ تقدير واحترام وتبجيل, ولم يشهدوا الوصية, فهم غير مشمولين بهذا الموضوع من رأس, فلا مانع من شمولهم بالآية المباركة.

2ـ إنّ عدداً كبيراً من المهاجرين والأنصار كانوا يرون الإمامة لعلي×, ولم يشكّوا في ذلك, فقد نقل الزبير بن بكار, عن محمّد بن إسحاق, قال: «وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر بعد رسول اللّه»([913]).

وقد ذكرنا في الجزء الأول مجموعة من الصحابة تخلفوا عن بيعة أبي بكر([914]).

3ـ إنّ عدداً كبيراً من المهاجرين والأنصار التحقوا مع علي×, وقاتلوا معه في حروبه, كان منهم نحو سبعين بدرياً, وثمانمائة من الذين بايعوا تحت الشجرة([915]).

  قلتم: الحارث بن سويد خائن مرتد

أجبتم أيضاً على ما تقدم:

قلتم: ثانياً: (المجذر بن زياد) قتله شخص اسمه: (الحارث بن سويد بن الصامت) غيلة يوم أحد، ثمَّ ارتد، ثمَّ جاء مسلماً يوم الفتح، فقتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فأي دليل في هذا؟!

الجواب

 هذا كان مثالاً لمن يخرج من الآية بدليل قطعي, فهذا صحابي بدريٌّ, قتل المجذر لثأر جاهلي, ثمّ ارتدّ, فهو غير مشمول بالآية.

وقفة مع الحارث بن سويد

لقد حاولت أن تشكّك بإسلام الحارث, وبكونه بدرياً، وبكونه هو القاتل للمجذر, وقد اعترفت ـ بحمد الله ـ بعدم عدالته, وهو ما نقوله ونؤكّد عليه من أنّ الصحابة ليسوا عدولاً بأجمعهم.

وعلى افتراض أنّ تشكيكك كان صحيحاً فهو لن يغير من الأمر شيئاً، فإنه كان مثالاً لمن خرج من الآية بدليل قطعي، وإلا فإن الأمثلة كثيرة، وقد تقدم بعضاً منها متفرقاً في البحث.

على أنّ كلّ التشكيكات التي أوردتها والمتعلقة بالحارث ليست صحيحة:

أمّا تشكيكك بقتله المجذر, فهو غير صحيح؛ لأنّ ابن الأثير ذكر أنّه اتفق أهل النقل على ذلك, وخفّف ابن حجر من هذا القول فنسبه للمشهور([916]), فقتله للمجذر هو المشهور، إن لم يكن محلّ اتفاق.

وقال ابن سعد: «وكان اسم المجذر عبد الله, وهو قتل سويد بن الصامت في الجاهلية, فهيج قتله وقعة بعاث، ثمّ أسلم المجذر بن زياد والحارث بن سويد بن الصامت، وآخى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بين المجذر بن زياد وبين عاقل بن أبي البكير، وكان الحارث بن سويد يطلب غرة المجذر ابن زياد؛ ليقتله بأبيه, وشهدا جميعاً أحداً، فلمّا جال الناس تلك الجولة, أتاه الحارث بن سويد من خلفه, فضرب عنقه, وقتله غيلة، فأتى جبريل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فأخبره أنّ الحارث بن سويد قتل المجذر بن زياد غيلة، وأمره أن يقتله به فقتل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الحارث ابن سويد بالمجذر بن زياد، وكان الذي ضرب عنقه بأمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عويم بن ساعدة على باب مسجد قباء، وللمجذر ابن زياد عقب بالمدينة وبغداد»([917]).

وقال ابن العربي في معرض ردّه على من قال: إنّ القاضي لا يحكم بعلمه في الحدود: «فقد قتل بالمجذر بن زياد بعلمه الحارث بن سويد بن الصامت؛ لأنّ المجذر قتل أباه سويداً يوم بعاث، فأسلم الحارث, وأغفله يوم أحد الحارث فقتله، فأخبر به جبريل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقتله به؛ لأنّ قتله كان غيلة, وقتل الغيلة حدٌّ من حدود الله عز وجل»([918]).

وفي اُسد الغابة: «وذكر ابن منده في المجذر: أنّ الحارث بن سويد بن الصامت قتله ثمّ ارتد، ثمّ أسلم, فقتله رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بالمجذر, وإنّما قتل الحارث المجذر؛ لأنّ المجذر قتل أباه سويد بن الصامت في الجاهلية في حروب الأنصار، فهاج بسبب قتله وقعة بعاث، فلمّا رآه الحارث يوم أحد قتله بأبيه والله أعلم، وقد تقدّمت القصّة في الجلاس, فلا نعيدها, أخرجه ابن منده, وأبو نعيم»([919]).

كما أنّ تشكيكك بإسلام الحارث لا محلّ له أيضاً؛ فقد عدّه ابن حجر من الصحابة([920]), وكذلك ابن الأثير, وذكر أنّه الذي ارتدّ وقد نزلت فيه الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} ثمّ أسلم.

 وقال: «فقد ذكر في هذه الحادثة أبو صالح عن ابن عباس, أنّ الذي أسلم ثمّ ارتد ثمّ أسلم: الحارث بن سويد بن الصامت، وذكر مجاهد هذا، ومجاهد أعلم وأوثق، فلا ينبغي أن يترك قوله لقول غيره والله أعلم»([921]).

أمّا تشكيكك في كونه قد شهد بدراً, وقولك: من أين عرفت أنّه بدري؟ ثم تقول: هذا مجازفة لا تليق.

فنقول: لقد عرفنا أنّه بدريّ من مثل البيهقي، حيث أخرج عن أبي محمد السكري ببغداد, أنبأ أبو بكر الشافعي, ثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر, ثنا المفضل بن غسان الغلاني, وهو يذكر من عرف بالنفاق في عهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «والحارث بن سويد بن صامت من بني عمر وبن عوف, شهد بدراً, وهو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلة, فقلته به نبيّ الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([922]). وهذا السند معتبر, فالسكري صدوق, وبقية الرجال ثقات([923]).

وعرفنا أنّه بدريّ من الواقدي, فقد نقل البيهقي والمقريزي عنه أنّه قال: «فلمّا قدم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) المدينة أسلم الحارث بن سويد بن الصامت, ومجذر بن زياد، فشهدا بدراً، فجعل الحارث يطلب مجذراً ليقتله بأبيه, فلم يقدر عليه يومئذ، فلمّا كان يوم أحد, وجال المسلمون تلك الجولة, أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه...»([924]).

والآن أنت بين أمرين: فإن قلتَ: إنّ الحارث كان منافقاً, فعليك الإيمان بأنّ هناك منافقين أشتركوا في معركة بدر!! وإنْ قلت: إنّه كان مسلماً واقعاً، فعليك الإيمان بأنّ الله لم يرض عن جميع أهل بدر!

فاختر أيّ الأمرين أحبّ إليك؟!

قلتم: الصحابي ابن مظعون أخطأ في فهمه فشرب الخمر

ذكرتم ص195: بأنّ قدامة أخطأ في فهمه وشرب الخمر مرة واحدة!! وقد شارك في نصرة هذا الدين, وشهد بدراً وبيعة الرضوان, وقد جاءت الأحاديث في تجاوز الله عزّ وجل عمّن شهد هاتين الوقعتين بشهادة النبيّ’, وقد حصل ما هو أعظم من شرب الخمر من (حاطب), فعذره النبيّ’ لصدقه وشهوده غزوة بدر. فهل ترد على رسول الله’ وتخرجه من هذا التكريم؟!

الجواب

 قد أوقعت نفسك في متاهات عدّة بجوابك هذا, كما أنّك وجّهت طعوناً للخليفة عمر يصعب عليك التفصّي منها لاحقاً، وبيان ذلك:

أنّ عمر على ما تقدم في قضية حاطب قد قال للنبي’: «دعني أضرب عنق هذا المنافق»، وقلتم حينها إنّ قول عمر صار سبباً في بيان فضيلة أهل بدر، وإنّ الله غفر لهم, وأضفت هنا بأنّ ما حصل من حاطب كان أعظم من شرب الخمر, ومع ذلك فقد عذره النبيّ لصدقه وشهوده بدراً!

فنقول هنا:

1ـ إذا كان شهود غزوة بدر يوجب إعذار المسيء, فلماذا أقدم عمر على إقامة الحدّ على ابن مظعون, وخالف صنيع النبي’ تجاه حاطب، فقد شهد الواقعة ورأى بأمّ عينيه ما صنعه النبي’ لحاطب ـ حسب ما تزعم كتبكم ـ أفهل نسي عمر تلك الوقعة؟

2ـ إذا كان شهود غزوة بدر يوجب إعذار المسيء, فلماذا قام النبيّ’ بحدّ النعيمان، وهو بدريٌ أيضاً؟

قال عبد الرزاق عن ابن جريج: «سمعت أيوب يقول: لم يحد في الخمر أحد من أهل بدر إلاّ قدامة ابن مظعون»([925]). وتعقّبه ابن الأثير بقوله: «قلت: قد حدّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نعيمان في الخمر, وهو بدريّ, وهو مذكور في بابه, فلا حجّة في قول أيّوب, والله تعالى أعلم»([926]).

كما تعقّبه ابن حجر بقوله: «يعني بعد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([927]).

أي: أنّه بعد النبيّ’ لم يحد بدري, إلاّ قدامة, أمّا في زمن النبيّ’ فقد حُدّ غيره من البدريين.

3ـ قولك: فهل تردُّ على رسول الله’ وتخرجه من هذا التكريم؟!

هذا الكلام لابدّ أنْ توجهه إلى عمر نفسه, فهو من حضر واقعة حاطب, وهو من حدّ قدامة البدري! فكان المفترض به ألاّ يرد على رسول الله’ ويخرجه عن التكريم.

4ـ ادّعيتم بأنّ قدامة أخطأ في فهمه وشرب الخمر...

وهنا نتساءل: هل خالف عمر قاعدة أهل السنّة في إعذار المتأول؟! وبالأحرى, هل أنّ أهل السنّة لم يتّبعوا عمر في عدم الاعتناء بالتأويل أمام ارتكاب المحرمات الصريحة؟!

ففي قضية خالد بن الوليد أيضاً, كان عمر مصراً على إقامة الحد ويرفض التأويل!

وهنا عمر يحدّ قدامة ويرفض التأويل!

فلماذا تخالفون عمر في هذه المسألة جهاراً نهاراً؟!!

5ـ ذكرت بأنّ ابن مظعون قد هجر عمر, ثمّ رأى عمر رؤيا ثمّ اصطلحا!

فلماذا هجره؟ فإن كان فعل عمر صحيحاً، فينبغي على قدامة، وهو البدري العدل، أن لا يرفض الحق!! فكان ينبغي عليه قبول ذلك بصدر رحب والامتثال لأحكام الله, وإن كان مخطئاً فلماذا لم يتراجع عن خطئه, خصوصاً أن عمر لم يحدّه في بادئ الأمر؛ لأنّ قدامة كان مريضاً, لكنّه بقي مصراً على إقامة الحد عليه حين يشفى, فلمّا خشي على قدامة أنْ يموت قبل الحد قام وحدّه!!

5ـ تبيّن لنا قبل قليل أنّ الحارث كان من أهل بدر أيضاً، وقتل المجذر في وقعة أحد غيلة؛ لثأر جاهلي, وكان معه في جيش واحد!! فقام النبيّ’ بقتله فيما بعد!

6ـ تقدم أنّ مِسْطَح بن أُثاثة البدري, كان ممّن اتّهم السيدة عائشة بالفاحشة, فحدّه النبيّ’, ولم تشفع له معركة بدر في عدم إقامة الحدّ!

7ـ إنّ يوم القيامة والعقاب والحساب بيد الله سبحانه وتعالى يعفو عمّن يشاء ويعذب من يشاء, وقد ثبت بالقطع واليقين صدور المعاصي من بعض الصحابة؛ لذا فنحن نعترض على التزكية العامّة, ولا يمكننا القول بعدالتهم جميعاً, فمغفرة الله سبحانه وتعالى تعني وجود ذنوب ومعاص سابقة, فكيف جاز لكم الأخذ برواية كلّ صحابي باعتباره أميناً في النقل؟ فمن يشرب الخمر، ويتّهم أمّ المؤمنين بالزنا، ويقتل غيلة وعمداً، لا يستبعد منه الكذب، فثبوت المغفرة والعفو الإلهي ـ حتّى لو سلّمنا به ـ لا ينفع في الأخذ برواياتهم من دون فحص, فالمغفرة كما لا تستلزم عدم وجود القاتل وشارب الخمر والقاذف, كذلك لا تستلزم عدم الكذب بطريق أولى.

قلتم: الصحابي قدامة بن مظعون أخطأ ثم تاب

قلت ص196: غفر الله لقدامة ورضي عنه, وإنّه والله لعدل أخطأ ثمّ تاب, وقد أخطأ آدم وتاب فتاب الله عليه.

الجواب

 ثبت أنّ قدامة شرب الخمر, وثبت أنّ عمر أقام الحد عليه, ولم يثبت أنّه تاب, فأين الدليل على أنّ قدامة تاب من هذا الذنب؟ فإقامة الحد لا تعني التوبة، خصوصاً أنّه هجر عمر بعد هذه الحادثة!

أما نبيّ الله آدم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلوات والتسليم فنحن نعتقد بعصمته وعصمة جميع أنبياء الله، وننزههم عن الصغائر والكبائر, وأنّ ما فعلوه إنّما كان من باب ترك الأولى, ولو تنزلنا على مبناكم, فالمقايسة غير صحيحة أيضاً؛ لأنّ النبيّ× تاب من عمله ذاك, بينما قدامة لم تثبت لنا توبته!

قلتم: هذه وقائع فردية وإقامة الحد تكفر الذنوب

قلتم: هذه وقائع مفردة من آحاد الصحابة أقيم الحدّ على صاحبها, والحدّ يكفر الله به الذنب, ولا يجوز أن يعيّر من حدّ في معصية.

ثمّ هل يعني غير قدامة عندكم عدل؟ أم أنّ بقية الصحابة ارتكبوا الفواحش كذلك؟

الجواب

 إقامة الحدّ لا تلازم التوبة، والتكفير عنها ينحصر طريقه بالندم والعزم على ترك المعصية ولا يوجد ما يدل على أن التكفير عن الذنب يكون بمجرد إقامة الحدّ من دون أن يتوب الإنسان عن فعله ويعود إلى بارئه وخالقه.

وقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: >إن الحدّ لا يكون طهرة من الذنب ولا يعمل في سقوط الاثم، بل لا بدّ من التوبة، فإن تاب كان الحدّ طهرة له، وسقطت عنه العقوبة الأخروية بالاجماع، وإلا فلا<([928]).

وأمّا ما حصل من بعض الصحابة أمثال النعيمان وقدامة والحارث ومِسْطَح من عصيان ومخالفات ونحو ذلك، فلا يمكن القول إنه ذو طابع فردي, فهذا ليس بصحيح, فالموضوع غير متعلّق بهولاء وهم بدريون, بل هناك أعداد كبيرة من الصحابة غيرهم قد خرجوا على خليفة زمانهم في حرب الجمل وصفين, وسفكت نتيجة لذلك الكثير من الدماء البريئة.

على أنّه في مقابل ذلك توجد مجموعة كبيرة من الصحابة الصالحين الذين بقوا على العهد, ووفوا لنبيهم’، أو على الأقل أنّ بعضهم قد عاد إلى الصواب والتحق بجبهة الحق, وذاد عن حمى الخلافة الإسلامية, وحافظ على راية الإسلام, فغاية ما نقوله: إنّ نظرية عدالة جميع الصحابة غير صحيحة والأدلّة على خلافها، فتدبّر.

قلتم: تعامل الشيعة مع الصحابة لم يكن منصفاً

ذكرتم في ص196 أنّ تعامل الشيعة مع الصحابة غير منصف, ولا يرون إلاّ أخطاءهم، وذكرتم أنّ جميع الخير في الأرض لكلّ صحابي شارك في الدفاع عنه أو في نقله مثله؛ لأنّه هو السبب في نشره!

الجواب

أوّلاً: تقدّم الكلام عن هذا الموضوع مراراً, فقد تكرّر منك في أكثر من موضع!, وعرفنا أنّ الشيعة تعاملوا مع الصحابة وفق صريح القرآن والسنّة.

ثانياً: الكلام فيه مصادرة واضحة, فهو مبنيٌّ على عدالة الصحابة جميعاً، وأنّ الدين نشر من قِبَلِهم فقط, ولولا هم لما وصل إلينا لا فقه ولا عقيدة... وهذا الكلام هو محور الخلاف, وقد ذكرنا مراراً إننا نعتقد أنّ النبيّ’ جعل من بعده أهل بيته أمناء على شريعته.

ولهذا فنحن لا نعتقد بأن الشريعة الصحيحة قد نقلت عن طريق الصحابة... نعم من ثبت من الصحابة على الدين ولم يغيّر ولم يبدّل فلا شكّ أنّ عمله في نشر الدين ورفع رايته محفوظ عند الله سبحانه وتعالى.

وقفة حول معنى التبعية بإحسان

ذكرنا لكم بأنّ الطائفتين الشيعية والسنية خارجتان من الآية؛ لأنّ المراد من التابعين بإحسان هم سائر الصحابة وقت نزول الآية، بقرينة ورود كلمة: {اتبعوهم} بصيغة الفعل الماضي, فتفسيركم للتابعين بإحسان بما يشمل أهل السنّة غير صحيح.

وأجبتم عن ذلك بعدّة أمور نذكر أهمّها:

قلتم: التابعون في الآية شاملة لجميع الأمّة

الأول: قلتم ص197: لقد ذكر جميع المفسرين أنَّ: {الذين اتبعوهم} يشمل الأمّة إلى قيام الساعة، سواء قلنا: إنَّها تشمل من أسلم من غير المهاجرين، أو أنَّها خاصة بجيل التابعين ثمَّ من تبعهم.

الجواب

 لم يذكر جميع المفسرين ذلك, وإليك أمثلة على سبيل المثال لا الحصر:

قال السمعاني: «وأمّا قوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} فيه قولان: أحدهما: أنهم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين منهم، والقول الثاني: أنهم المؤمنون إلى قيام الساعة»([929]).

وقال البغوي في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}: «قيل بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين، وقيل: هم الذين سلكوا سبيلهم في الإيمان والهجرة أو النصرة إلى يوم القيامة»([930]).

وقال النسفي: «{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} من المهاجرين والأنصار فكانوا سائر الصحابة، وقيل: هم الذين اتّبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة»([931]).

وقال ابن العربي: «وقد اختلف في التابعين، فقيل: هم من أسلم بعد الحديبية كخالد بن الوليد... وقيل: هم الذين لم يروا النبيّ ولا عاينوا معجزاته، ولكنهم سمعوا خبره في القرن الثاني من القرن الأول وهو اسم مخصوص بالقرن الثاني...»([932]).

وقال ابن الجوزي: «قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} من قال: إن السابقين جميع الصحابة، جعل هؤلاء تابعي الصحابة، وهم الذين لم يصحبوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). وقد روي عن ابن عباس أنه قال: والذين اتبعوهم بإحسان إلى أن تقوم الساعة، ومن قال: هم المتقدمون من الصحابة، قال: هؤلاء تبعوهم في طريقهم، واقتدوا بهم في أفعالهم، ففضل أولئك بالسبق، وإن كانت الصحبة حاصلة للكل»([933]).

فادعاؤك اتفاق جميع المفسرين من الصحابة إلى يومنا هذا على أنّ المراد من التابعين بإحسان هم جميع الناس الذين تبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة، هو مجازفة لا ينبغي صدروها منك!

قلتم: الفعل الماضي (اتبعوهم) يفيد المستقبل في القرآن

ثانياً: ذكرتم أمثلة كثيرة من القرآن على أنّ الفعل الماضي يفيد المستقبل، وانتهيت إلى أنّ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} تدلّ على المستقبل!

الجواب

 لا ننكر أنّ في القرآن آيات عديدة جاءت بلفظ الماضي ويراد بها المستقبل, لكن لابدّ من وجود قرينة تدلّ على المستقبل ولو كانت سياقية, وهي مفقودة في المقام.

وقد عرفنا فيما سبق أنّ كثيراً من المفسّرين يحتملون اختصاص التابعين بإحسان ببقية الصحابة دون جميع الأمّة, على أنّه حتّى لو قلنا بأنّها شاملة لجميع الأمّة, فمن اتّبع (السابقون الأولون) بإحسان شملته الآية, فأين هذا من شمولها للسنّة وعدم شمولها للشيعة, فإن من شملتهم الآية من: {السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} هم محلّ احترام وتقدير عند الشيعة الإمامية على ما عرفنا في تفسير الآية وبيان مصاديقها، فراجع.

قلتم: آية (والسابقون الأولون) واضحة في عدالة الصحابة

كنا قد رددنا على قولك بأنّ الآية في غاية الوضوح: بأنّ المفسرين السنّة اختلفوا في المراد من السابقين, فكيف ادّعيتم أنّها شاملة لجميع الصحابة وذكرتم بعد ذلك أنّ الآية في غاية الوضوح!

وأجبتم على ذلك في ص199 فذكرت أمرين:

الأوّل: ذكرت أنّها في غاية الوضوح في الثناء على الصحابة الذين كفّرتموهم أو فسّقتموهم, وأهل السنّة اختلفوا في تعيين الطبقة لا في الثناء على جميع الصحابة.

الجواب

 هذا الكلام خطابي ليس أكثر! فلا يحمل أي جنبة علمية, فالشيعة ـ كما تكرر منا مراراً ـ لم يكفروا الصحابة, ولم يقولوا بفسق جميعهم, وكذلك فإنّ كلامنا هنا هو الاستدلال بآية: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} على عدالة جميع الصحابة, وأثبتنا لك بأنّ علماء أهل السنّة اختلفوا في المراد من هذه الآية على أقوال عدّة, فبعضهم خصّها بمن صلّى القبلتين, وبعضهم خصّها بأهل بدر, وبعضهم بأهل الحديبية وهكذا, فأين الثناء في هذه الآية على جميع الصحابة عند أهل السنّة؟!

وهذا من الغرائب، فنحن نتحاور حول دلالة الآية, وأنت تصادر البحث ببيان رأي أهل السنّة من خارج هذه الآية, فنحن لا ننكر أنّ رأي أغلبية أهل السنّة هو القول بعدالة جميع الصحابة, لكن نتحاور معكم في الأدلة على ذلك, وهذا أوّل دليل ذهب أدراج الرياح, فالآية المباركة لا تدلّ على عدالة جميع الصحابة, بل تخصّها بعدد معين، على ما تقدّم بيانه.

وهكذا تبيّن من جميع ما تقدّم أنّ الآية الكريمة غير دالة على عدالة جميع الصحابة, بل وغير دالة على عدالة جميع المهاجرين والأنصار, وأوردنا عدّة احتمالات في الآية, وكلّها غير شاملة لجميع المهاجرين والأنصار.

فاتّضح أنّ الدليل الأول على عدالة جميع الصحابة غير تام.

وبهذا ننهي الجزء الثاني، ونحيل بقية الحوار إلى الجزء الثالث.


المصادر

1.ابن أبي الحديد المعتزلي، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية, ط1 ـ 1378هـ.

2.ابن أبي شيبة الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

3.ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر أحمد بن عمر الشيباني، الآحاد والمثاني، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الراية، الرياض، ط1، 1411هـ.

4.ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد بن محمد، كتاب الفتوح، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الأضواء ـ لبنان، ط1ـ 1411هـ.

5.ابن الأثير الجزري، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

6.ابن الأثير الجزري، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر ـ بيروت، طبعة عام 1386هـ.

7. ابن الأثير الجزري، مجد الدين أبو السعادات، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط4ـ 1364ش.

8.ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير، تحقيق: محمد عبد الرحمن عبد الله، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

9.ابن العربي، محمد بن عبدالله بن محمد المعافري، أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1, 1415هـ.

10.ابن العماد العكري الحنبلي، عبد الحي بن أحمد بن محمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1ـ 1406هـ.

11.ابن القيم الجوزية، أبو عبد الله, شمس الدين محمّد بن أبي بكر بن أيوب، الأمثال في القرآن، الناشر: مكتبة الصحابة ـ طنطا، ط1ـ 1406هـ.

12.ابن القيّم الجوزية، أبو عبد الله, محمّد بن أبي بكر أيوب الزرعي، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، تحقيق: زكريا علي يوسف، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

13.ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

14.ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد العاصمي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

15.ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت، ط1ـ 1406هـ.

16.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

17.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ ـ 1995م.

18.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

19.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

20.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، لسان الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2ـ 1390هـ ـ 1971م.

21.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، هدي الساري مقدمة فتح الباري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

22.ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، أسماء الصحابة الرواة وما لكلّ واحد من العدد، تحقيق: مسعد السعدني، الناشر: مكتبة القرآن ـ القاهرة.

23.ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، الإحكام في أصول الأحكام، الناشر: زكريا علي يوسف، الناشر: مطبعة العاصمة ـ القاهرة.

24.ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، المحلى بالآثار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

25.ابن خزيمة, محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري، صحيح ابن خزيمة, تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي, الناشر: المكتب الإسلامي, ط2ـ 1412 ـ 199م.

26.ابن خلكان، أبو العباس، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الثقافة ـ بيروت.

27.ابن سعد، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

28.ابن شبه النميري، أبو زيد عمر، تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، الناشر: دار الفكر ـ قم، طبعة عام 1410هـ.

29.ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المحتار على الدر المختار، إشراف: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر ـ بيروت ـ 1415هـ.

30.ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستذكار، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الناشر الكتب العلمية، ط1ـ 2000م.

31.ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

32.ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، التمهيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي,‏ محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، طبعة عام 1387هـ.

33.ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الدرر في اختصار المغازي والسير (بدون بيانات).

34.ابن عبد الوهاب, محمد بن عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف التميمي, كشف الشبهات, تحقيق: ناصر بن عبد الله الطريم، سعود بن محمد البشر، عبد الكريم اللاحم. الناشر: مطابع الرياض، ط1.

35.ابن عساكر, علي بن الحسن بن هبة الله، الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين, تحقيق: علي شيري, الناشر: دار الفكر ـ دمشق, ط1، 1406 هـ.

36.ابن عساكر, علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق, تحقيق: علي شيري, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1415هـ ـ 1995م.

37.ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي ـ طهران ـ 1404هـ..

38.ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1418هـ..

39.ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، المعارف، تحقيق: د. ثروت عكاشة، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

40. ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، تأويل مختلف الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1418 هـ.

41.ابن قدامة, عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

42.ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي أبو الفداء، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ ـ 1988م.

43.ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي أبو الفداء، تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي, الناشر: دار المعرفةـ بيروت، طبعة عام: 1412 هـ ـ1992م.

44.ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

45.ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، نسخة مذيلة بتعليق الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور ابن حسن، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1.

46.ابن ماكولا، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر العجلي، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1411هـ.

47.ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1.

48.ابن هشام، محمد عبد الملك، السيرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح ـ مصر، طبعة عام 1383هـ.

49.أبو حيّان الأندلسي, محمد بن يوسف , تفسير البحر المحيط, تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود, الشيخ علي محمد معوض، تحقيق: د. زكريا عبد المجيد النوقي، د. أحمد النجولي الجمل, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1, 1422هـ ـ 2001م.

50.أبو داود، سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

51.أبو عبيد الهروي, القاسم بن سلام, غريب الحديث, تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1384هـ.

52.أبو نعيم الإصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم الأصبهاني، الضعفاء، تحقيق: فاروق حمادة، الناشر: دار الثقافة ـ الدار البيضاء، ط1، 1405 هـ.

53.أبو نعيم الإصبهاني، أحمد بن عبد الله، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1405هـ.

54.أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

55.أحمد محمد شاكر، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، تعليق: ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1ـ 1417هـ.

56.الاصبحي، مالك بن أنس، الموطأ، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1406هـ.

57.الأصبهاني، أبو الفرج، علي بن الحسين بن محمد، الأغاني، تحقيق: سمير جابر، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2.

58.الألباني, محمّد ناصر الدين, سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض, ط5 ـ 1412ـ 1992م.

59.الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ ـ 1985م.

60.الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، طبعة عام 1415هـ.

61.الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح سنن ابن ماجه، الناشر: المكتب الإسلامي، ط3ـ 1408هـ.

62.الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1397هـ.

63.الأندلسي، أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط3ـ1420 هـ.

64.البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير، الناشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر ـ تركيا.

65.البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ. وترقيم الأحاديث نسخة: بيت الأفكار الدولية، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، طبعة عام 1419هـ.

66.البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، مسند البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، المدينة, ط1ـ 1409هـ..

67.البغوي، الحسين بن مسعود الشافعي، تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

68.البكري الدمياطي، محمد شطا، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

69.البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: د. سهيل زكار، ود. رياض زركلي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ. ـ 1996م.

70.البلاذري، أحمدذ بن يحيى, فتوح البلدان، الناشر: مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة، تحقيق: نشر وإلحاق وفهرسة: الدكتور صلاح الدين المنجد، طبعة عام 1957م.

71.البيهقي, أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي, دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة, وثق نصوصه وخرج حديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي قلعجي, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت, ط3 ـ 2008م ـ 1429هـ.

72.البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، شعب الإيمان، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

73.البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، وفي ذيله الجوهر النقي للعلامة علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

74.الترمذي, أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة, علل الترمذي, بترتيب أبي طالب القاضي, تحقيق: صبحي السامرائي , أبو المعاطي النوري, محمود محمد الصعيدي, الناشر, عالم الكتب ,‏مكتبة النهضة العربيةـ بيروت, ط1ـ 1409هـ..

75.الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ ـ 1983م.

76.التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله، شرح المقاصد في علم الكلام، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان، ط1ـ 1401هـ.

77.التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، تحقيق: زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1416هـ..

78.التميمي البستي, محمّد بن حبّان, الثقات، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ بحيدر آباد الدكن ـ الهند، ط1ـ 1393هـ ـ 1973م.

79.التميمي البستي، محمد بن حبّان، المجروحين, تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي ـ حلب، ط1، 1396هـ..

80.التميمي البستي، محمّد بن حبّان، صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2ـ 1414هـ.

81.الثعلبي، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، تفسير الثعلبي (الكشف والبيان)، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1418هـ.

82.الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1409هـ. ـ 1988م.

83.الجمحي، محمد بن سلام، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، الناشر: دار المدني ـ جدة.

84.الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

85.الحسكاني، عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ إيران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، ط1ـ 1411هـ.

86.الحکيم الترمذي، محمد بن علي بن الحسن، نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، طبعة عام 1992م.

87.الحنبلي المقدسي، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد، الأحاديث المختارة، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الناشر: مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة، ط1ـ 1410هـ.

88.الحنبلي, ابن رجب, عبد الرحمن بن أحمد, شرح علل الترمذي, تحقيق: الدكتور همام عبد الرحيم سعيد, الناشر: مكتبة المنار, الزرقاء ـ الأردن, ط1 ـ 1407هـ ـ1987م.

89.الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

90.الدار قطني، علي بن عمر أبو الحسن البغدادي, سنن الدار قطني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، ط1ـ 1424هـ.

91.الدارقطني البغدادي، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن، سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني، تحقيق: د. موفق بن عبدالله بن عبدالقادر، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1ـ 1404هـ.

92.الدارقطني, أبو الحسن, علي بن عمر, العلل الواردة في الأحاديث النبوية, تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي, الناشر: دار طيبة, الرياض, ط1, 1405هـ ـ 1985م.

93.الدولابي، محمد بن أحمد الرازي، الذرية الطاهرة، تحقيق: سعد المبارك الحسن، الناشر: الدار السلفية ـ الكويت، ط1، 1407هـ.

94.الدينوري، أبي حنيفة أحمد بن داود، الأخبار الطوال، الناشر: دار إحياء الكتب العربي، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، ط1ـ 1960هـ.

95.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

96.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، تقديم وتعليق: محمد عوامة، أحمد محمّد نمر الخطيب, الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية, مؤسسة علوم القرآن, جدة, طبعة عام: 1413 ـ 1992م.

97.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، المغني في الضعفاء، تحقيق: الدكتور نور الدين عتر.

98.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

99.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق الكتاب وخرّج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9ـ 1413هـ.

100.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1ـ 1382هـ ـ 1963م.

101.الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1371 هـ ـ 1952م.

102.الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (تفسير القرآن)، تحقيق: أسعد محمد خطيب، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

103.رشيد رضا، محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين، تفسير القران الحكيم (تفسير المنار)، تحقيق وتعليق: فؤاد سراج عبد الغفار، الناشر: المكتبة التوفيقية ـ القاهرة.

104.رشيد رضا، محمد، مجلة المنار، الناشر: قرص إلكتروني, مجلّة المنار.

105.رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم, الناشر: المكتبة التوفيقية ـ القاهرة.

106.الزركشي، أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله، النكت على مقدمة ابن الصلاح، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ ـ 1989م.

107.الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (تفسير الزمخشري)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. ونسخة أخرى: الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر، 1385هـ.

108.سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف بن قزغلي، تذكرة الخواص، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

109.السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، فتح المغيث شرح ألفية الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ لبنان، ط1ـ 1403هـ.

110.السرخسي، شمس الدين، المبسوط، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت, طبعة عام: 1406هـ.

111.السقاف، حسن بن علي، صحيح شرح العقيدة الطحاوية، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط1ـ 1416هـ.

112.السمعاني، أبو المظفّر منصور بن محمد، تفسير السمعاني (تفسير القرآن)، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1ـ 1418 هـ.

113.السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور، الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله البارودي، الناشر: دار الجنان ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ

114.السندي، نور الدين بن عبد الهادي، حاشية السندي على النسائي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

115.السيد الخميني، كشف الأسرار: النسخة الفارسية (خالية من البيانات).

116.السيد المرتضى، علي بن الحسين، الشافي في الإمامة، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط2، 1410هـ.

117.سيد سابق, فقه السنّة، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

118.السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

119.السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان، تحقيق: سعيد المندوب، الناشر: دار الفكر، ط1ـ 1416هـ.

120.السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1401هـ.

121.السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417 هـ.

122.السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1 ـ 1371هـ.

123.السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

124.الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، الموافقات في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله دراز، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

125.الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب الأمّ، الناشر: دار الفكر، ط2ـ 1403هـ.

126.شرف الدين الموسوي، عبد الحسين، الفصول المهمة في تأليف الأمة، الناشر: قسم الإعلام الخارجي المؤسسة البعثة ـ طهران، ط1.

127.الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق: عبد الرحمن يحيى المعلمي، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1407هـ.

128.الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

129.الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي، مسالك الافهام، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية قم، ط1ـ 1419هـ.

130.الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ونشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط., ونشر: دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر , وأكمله وحمزة أحمد الزين، ط1ـ 1416هـ.

131.الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط1ـ 1417هـ.

132.الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، علل الشرائع، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات المكتبة الحيدريةـ النجف الأشرف، طبعة عام 1385هـ.

133.الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، معاني الأخبار، تصحيح علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1379هـ ش.

134.الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

135.الطباطبائي, محمد حسين، تفسير الميزان، الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة.

136.الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر: دار الحرمين، طبعة عام 1415هـ.

137.الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

138.الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4ـ 1403هـ.

139.الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

140.الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، شرح مشكل الآثار، الناشر: دار صادرـ بيروت.

141.الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة، شرح معاني الآثار،، تحقيق وتعليق: محمد زهري النجار، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3 ـ 1416هـ.

142.الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، العدّة، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري، الناشر: مطبعة ستارة ـ قم، ط1ـ 1417هـ.

143.الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط1ـ 1415هـ.

144.الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، كتاب الغيبة, تحقيق: الشيخ عبد الله الطهراني ـ أحمد الناصح، الناشر: مؤسسة المعارف ـ قم، ط1ـ 1411هـ.

145.الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الناشر: دار الثقافة للطباعة ـ قم، ط1 ـ 1414هـ.

146.الطيالسي، سليمان بن داود، مسند أبي داود، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

147.العز بن عبد السلام، تفسير العز، تحقيق: الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ.

148.العسقلاني، ابن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد، المطالب العالية، تحقيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري، الناشر: دار العاصمة / دار الغيث ـ السعودية، ط1ـ 1419هـ.

149.العصفري، خليفة بن خياط بن أبي هبيرة، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. سهيل زكار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

150.العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1418هـ.

151.العلوي الحضرمي، محمد بن عقيل بن عبد الله، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، تحقيق وتعليق: حسن بن علي السقاف، الناشر: دار الإمام النووي ـ عمان، ط1ـ 1425هـ.

152.العلوي الحضرمي، محمد بن عقيل بن عبد الله، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1ـ 1412هـ.

153.العيني، بدر الدين أبو محمد، محمد بن أحمد الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

154.الغامدي، أحمد بن سعد بن حمدان،، حوار هادئ مع الدكتور القزويني الشيعي الاثني عشري، الدمام، ط1ـ 1426هـ.

155.الغزالي، أبي حامد محمد بن محمد بن محمد، المستصفى في علم الأصول، تصحيح: محمد عبد السلام عبد الشافي, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, طبعة عام 1417هـ

156.القاسم بن سلام, أبو عبيد، فضائل القرآن، اعتنى به وراجعه: عدنان العلي، الناشر: المكتب العصرية ـ بيروت، 1427هـ.

157.القاسم بن سلام، أبو عبيد، الأموال، تحقيق: خليل محمد هراس، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

158.القاضي النعمان، أبو حنيفة بن محمد بن منصور المغربي، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2ـ 1414هـ.

159.القرافي، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شرح تنقيح الفصول في علم الأصول: ص281, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1424هـ.

160.القرآن الكريم

161.القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تحقيق: إبراهيم أبو طفيش، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1405هـ.

162.القرطبي، الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق: محيي الدين ديب مستو، يوسف علي بديوي، أحمد محمد السيد، محمود إبراهيم البزال، الناشر: دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

163.كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، الناشر: مكتبة المثنى ـ بيروت، ودار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

164.الكعبي، عبد الزهرة، مصادر نهج البلاغة، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت، ط4.

165.الكليني البغدادي، أبو جعفر، محمد بن يعقوب، الكافي، تعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط5، 1363ش.

166.المالكي، حسن بن فرحان، الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتقييد الشرعي، الناشر: مركز الدراسات التاريخية، الرياض، ط2ـ 1425هـ.

167.المالكي، حسن بن فرحان، نحو انقاذ التاريخ الإسلامي، الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية، طبعة عام 1418هـ.

168. المآربي, أبو الحسن, مصطفى بن إسماعيل السليماني, إتحاف النبيّل بأجوبة أسئلة علوم الحديث والعلل والجرح والتعديل, تحقيق: أبو إسحاق الدمياطي, الناشر: مكتبة الفرقان ـ عجمان, ط2.

169.المباركفوري، أبو العلاء، محمد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

170.المبرّد، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الكتاب العربي ـ القاهرة، ط3ـ 1417هـ.

171.المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ.

172.المدني، السيد علي خان، الدرجات الرفيعة، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم. طبعة عام: 1397هـ..

173.المرتضى، علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين، الأمالي، صححه وضبط ألفاظه وعلق حواشيه: محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الناشر: منشورات مكتبة المرعشي النجفي ـ قم، ط1ـ 1325هـ.

174.المرتضى، علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

175.المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط4، 1413هـ.

176.مسلم النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. (طبعة مصحّحة).

177.المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

178.المقدسي، مطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية ـ بور سعيد.

179.المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة المتاع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميسي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1420هـ.

180.المناوي، محمّد عبد الرؤوف، التيسير بشرح الجامع الصغير، الناشر: مكتبة الامام الشافعي، ط3ـ 1408هـ.

181.المناوي، محمّد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

182.المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة ـ القاهرة، ط2ـ 1382هـ ش.

183.النجاشي، أبو العباس، أحمد بن علي بن أحمد، رجال النجاشي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط 5ـ 1416هـ

184.النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1411هـ.

185.النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تحقيق وتصحيح الأسانيد ووضع الفهارس: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

186.النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، سنن النسائي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1348هـ.

187.النسفي، أبو البركات، عبد الله بن أحمد بن محمود، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، اعتنى به: عبد المجيد طعمة الحلبي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2ـ 1429هـ.

188.النملة، عبد الكريم بن علي بن محمد، مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف، الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض، ط2ـ 1420هـ.

189.النووي، أبو زكريا، محيي الدين، المجموع (شرح المهذب)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

190.النووي، أبو زكريا، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1407هـ.

191.النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري، التمييز، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي دار النشر: مكتبة الكوثر ـ المربع ـ السعودية، ط3ـ 1410 هـ.

192.الهيتمي، ابن حجر، المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، الفتاوى الحديثيّة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

193.الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

194.اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، تاريخ اليعقوبي، الناشر: دار صادر ـ بيروت.


محتويات الكتاب

نظرية عدالة الصحابة

        شواهد  لا تقتضي عدالة الصحابة أجمع

تمهيد

قلتم: الشيعة لا يترضون على الصحابة

الجواب

قلتم: الشيعة تعتقد بكفر الصحابة أو فسقهم

الجواب

شواهد على عدم صحة نظرية عدالة الصحابة جميعاً

قلتم: عدالة الصحابة تعني أنهم لا يكذبون في الشرع

الجواب

قلتم: عدد العصاة من الصحابة نادر جدا

الجواب

قلتم: من عصى من الصحابة فقد تاب من ذلك

الجواب

قلتم: لقد أثنى النبي’ على خالد بن الوليد

الجواب

       عدالة الصحابة  ونظرية الاجتهاد والتأويل

كلام في الاجتهاد والتأويل عند أهل السنة

موقف الصحابي خالد بن الوليد

قلتم: لا ينبغي التعويل على الروايات التي تطعن بخالد

الجواب

قلتم: تبرأ النبي مما فعله خالد لكن لم يعزله

الجواب

موقف الصحابي أبي الغادية الجهني

قلتم: ابو الغادية كان باغياً مـتأولاً فيرجى له المغفرة

الجواب

قلتم: وقع مثل هذا الاجتهاد الخاطئ لأسامة بن زيد

الجواب

قلتم: وقع أيضا الاجتهاد الخاطئ للإمام علي

الجواب

قتلة عثمان وظروف الثورة بإيجاز

أربعة محاور في البحث

المحور الأول: سياسة عثمان زمان خلافته

موقف الخليفة السلبي من بعض الصحابة

المحور الثاني: الفئة التي شاركت في الثورة على عثمان

المحور الثالث: بيان موقف بعض الصحابة بعد مقتل عثمان

المحور الرابع: رؤيتنا لموقف علي من الأحداث

قلتم: لم يعترض أحد من الصحابة على فعل خالد

الجواب

قلتم: الصحابة لم يخالفوا الاحكام القطعية ولا مروياتهم

الجواب

مخالفات بعض الصحابة لروايتهم

قلتم: قتال الصحابة لعلي كان عن شبهة

الجواب

مبدأ الاجتهاد والخطأ وعمومه لغير الصحابة

قلتم: القول بعمومه تهكم، وحديث اصحابي كالنجوم مكذوب

الجواب

حجية قول الصحابي

      حوار في  الآيات الورادة في مرضى القلوب والمشكّكين وغيرهم

قلتم: هذه الآيات مختصة بالمنافقين وهم غير عدول

الجواب

قلتم: الشيعة لا يمكنهم التفريق بين الصحابة والمنافقين

الجواب

قلتم: لا نستطيع إثبات ايمان الصحابة إلا عن طريقهم

الجواب

قلتم: جعل المنافقين من الصحابة تجني على النبي’

الجواب

      حوار  حول أمهات المؤمنين

رأي الشيعة في طهارة أمهات المؤمنين

قلتم: الشيعة يشككون في طهارة أمهات المؤمنين

الجواب

قلتم: الأدب مع النبي’ إذا ذكر: أن يصلى عليه

الجواب

قلتم: الشيعة ينفون قيمة الصحبة والزواج من النبي’

الجواب

قلتم: الزواج من النبي’ شرف ورفعة وتطهير من الدنس

الجواب

قلتم: تشبيه الصحابة بحال أمرأتي نوح ولوط خطأ

الجواب

قلتم: الكفر يحرم الاستفادة من الأنبياء بخلاف الإسلام

الجواب

عقيدة الشيعة بالشفاعة

قلتم: كتب الشيعة تجعل الأئمة أفضل من النبي’

الجواب

أزواج النبي’ وأقوال العلماء في تفسير  آية: { فلم يغنيا }

قلتم: القرآن إنما يضرب الأمثال للتربية

الجواب

قلتم: قول ابن الجوزي لا يتنافى مع الشفاعة

الجواب

قلتم: أمهات المؤمنين بشر وبحاجة إلى التربية

الجواب

قلتم: ابن الجوزي لم ينف التشريف بالزواج من النبي’

الجواب

قول ابن قيم في تفسير الآية

قول الشوكاني

قلتم: ذلك لا يخرج عن مسالة التربية

الجواب

قلتم: النصوص لم تنقل بشكل كامل

الجواب

       حوار حول  أقوال علماء السنة في عدالة الصحابة

قول السيوطي وابن الحاجب

قلتم: لم يشذ عن القول بالعدالة إلا المبتدعة

الجواب

قلتم: عدم عدالة الصحابة تستلزم ضياع الشريعة

الجواب

تصريح التفتازاني بعدم عدالة جميع الصحابة

قلتم: للتفتازاني كلام آخر يصرح بعلو شأن الصحابة

الجواب

قلتم: التفتازاني قد خالف أقوال أهل السنة

الجواب

قلتم: التفتازاني لا يطعن بالطبقات العليا للصحابة

الجواب

قلتم: كلام التفتازاني يشمل حتى علي×

الجواب

قلتم: التفتازاني لم يعتمد على الكتب الحديثية

الجواب

الغزالي ينقل اختلاف العلماء في عدالة الصحابة

قلتم: ما ذكره الغزالي كان بصيغة التضعيف

الجواب

قلتم: أقوال الغزالي شاذة وبعضها شامل حتى لعلي×

الجواب

رأي الغزالي في عدالة الصحابة

تصريح العلماء بأن العدالة لا تشمل جميع الصحابة

قلتم: هؤلاء العلماء لا يطعنون بالصحابة

الجواب

قلتم: بعض هؤلاء ليسوا علماء بل هم أعداء الدين

الجواب

قول ابن حزم في عدالة الصحابة

قلتم: لا يوجد في قول ابن حزم نفي لعدالة الصحابة

الجواب

قلتم: لا ندعي عصمة الصحابة والعبرة بروايته لا برأيه

الجواب

قول المازري في عدالة الصحابة

قلتم: قول المازري رده العلماء

الجواب

قلتم: قول المازري لا يختلف عما نقوله في عدالة الصحابة

الجواب

قلتم: الاختلاف بين أهل السنة لا يؤثر على عظماء الصحابة

الجواب

رأي ابن العماد الحنبلي في عدالة جميع الصحابة

قلتم: هذا الرأي عن طريق ابن عقيل وهو مجهول

الجواب

قلتم: ابن عقيل لم يكن أمينا في النقل

الجواب

ابن العماد يذكر نماذج للصحابة غير العدول

قلتم: أما مرون فليس صحابياً

الجواب

قلتم: ما ورد من ذم في الحكم بن العاص غير موثوق

الجواب

ترجمة الحكم بن أبي العاص في طبقات ابن سعد

قلتم: الوليد بن عقبة فاسق بالروايات الصحيحة

الجواب

قلتم: كلام ابن العماد لا يطعن بعموم الصحابة

الجواب

بسر بن أرطاة

شمول أحاديث الحوض لكثير من الصحابة

قلتم: لا يجوز إهدار محاسن الآلاف من الصحابة

الجواب

قلتم: ابن العماد يفرق بين الخطـأ العمدي وما وقع عن تأويل

الجواب

قول الذهبي في عدالة الصحابة

قلتم: الذهبي يقصد: لو فتح باب النقد لكل عمل خاطئ لما سلم أحد

الجواب

قلتم: الصحابة بشر عظماء بالصحبة والجهاد

وقلتم: إن الذهبي يرى عدالتهم وقبول رواياتهم

الجواب

الخليفة أبي بكر يذم الصحابة ويندم على إيذاء فاطمة

قلتم: حدث تلاعب منكم بمتن الحديث

الجواب

قلتم: الحديث عن ابي بكر

الجواب

قلتم: الحديث يتضمن خشونة لا تتناسب مع أبي بكر

الجواب

قول ابن خلدون في عدالة الصحابة

قلتم: كلام ابن خلدون مختص بالفتيا دون العدالة

الجواب

قلتم: من هم الحاملون للقرآن غير علي؟

الجواب

أولاَ: لا نرفض قول الصحابي لو صح سنده

ثانياً: أهل البيت هم حملة القرآن وعلومه

قول طه حسين في عدالة الصحابة

قلتم: طه حسين ملحد يوافق مذهب الشيعة

الجواب

قول أحمد أمين والمعتزلة في الصحابة

قلتم: الكلام مبتور وهو نقل لرأي المعتزلة لا لأحمد أمين

الجواب

قول ابن عقيل في الصحابة

قلتم: مذهب ابن عقيل شيعي لا سني

الجواب

صواب رأي ابن عقيل في معاوية

روايات صريحة في ذم معاوية

قلتم: عبارة ابن عقيل توحي أنه شيعي

الجواب

قلتم: الصحبة لا تلغى بمجرد الذنب

الجواب

قلتم: السنة لا يتأولون لأهل الكبائر

الجواب

العدالة لا تنسجم مع ارتكاب الكبيرة

محاربة على× والخروج عليه من الكبائر

قلتم: اختلاف أهل السنة في تعديل الصحابة ليس كثيرا

الجواب

قول الألباني: لا يجوز الاقتداء بكل صحابي

قلتم: ما قاله الالباني هو معتقد أهل السنة

الجواب

قلتم: عظماء الصحابة يجوز الاقتداء بهم

الجواب

قلتم: كلام الألباني يفرّق بين العدالة والإقتداء

الجواب

أقوال لعلماء آخرين ينفون عدالة جميع الصحابة

قلتم: الشيعة يجمعون بين المتناقضات

الجواب

قلتم: كلام محمد عبده ورشيد رضا لاعلاقة له بالعدالة

الجواب

رأي الشيعة موافق للكثير من علماء أهل السنّة

قلتم: خلطتم فيما نقلتم بين الخارجين عن الإسلام وبين أئمته

الجواب

        حوار  في أفضلية غير الصحابة

أفضلية بعض التابعين على الصحابة بتصريح ابن عبد البر

قلتم: ابن عبد البر  قسّم الصحابة قسمين

الجواب

قلتم: (خير الناس قرني) لفظ يراد به معنى خاص يخرج المنافقين

الجواب

قلتم: لعل ابن عبد البر يقصد آخر الزمان حين يفسد الناس

الجواب

قلتم: عبارتكم لا تنطبق على كلام ابن عبد البر ومذهبه

الجواب

العلماء وفهمهم لكلام ابن عبد البر

قلتم: كلام القاضي عياض تفسير لكلام ابن عبد البر

الجواب

قلتم: لم أعثر على تصريح المناوي

الجواب

قلتم: لم أعثر على كلام ابن عبد البر في تحفة الأحوذي

الجواب

قلتم: ابن حجر ضعف الأحاديث التي أوردها ابن عبد البر

الجواب

قلتم: مراد ابن عبد البر أن الافضلية في غير السابقين

الجواب

قلتم: كل أجر تحصل عليه الأمة فللصحابة نصيب منه

الجواب

الروايات الدالّة على أفضلية غير الصحابة على بعض الصحابة

الرواية الأولى

الرواية الثانية

روايات أُخرى

      حوار  حول مشاجرات الصحابة ونزاعاتهم

قلتم: تاريخ الصحابة مشرق والفتنة حصلت أواخر خلافة عثمان

الجواب

سبب الفتنة

قلتم: ترك الفترة المضيئة للصحابة فيه تجاوز

الجواب

قلتم: سبب الفتنة كان عبد الله بن سبأ

الجواب

أسباب الثورة باختصار

قلتم: الاقتتال كان فتنة ومعاوية ليس بكافر

الجواب

قلتم: ما جرى من شتم وسب بين الصحابة أمر فردي

الجواب

أمثلة على السب والشتم والتفسيق بين الصحابة

بعض كلمات العلماء فيما شجر بين الصحابة

القتال بين الصحابة ومبدأ تعديلهم أجمع

قلتم: إنّ ما جرى بين الصحابة كان كله مبررا

الجواب

موقف معاوية

موقف السيدة عائشة

موقف الصحابي طلحة

تفاصيل الجواب حول القتال بين الصحابة

قلتم: إنّ الشيعة لاترى الا الجانب المظلم من حياة الصحابة

الجواب

قلتم: لا يوجد من الصحابة من يرى خصمه مستحقاًً للقتل

الجواب

قلتم: ما جرى بين الصحابة أمر خارج عن ارادتهم

الجواب

خلاصة ما تقدم

قلتم: بعد مقتل عثمان حمل قميصه ملطخا بالدماء إلى الشام

الجواب

قلتم: إنّ طلحة والزبير طلبا إقامة الحد فاعتذر علي

الجواب

قلتم: بعد مقتل عثمان اضطربت الناس وكلهم يطالب بدمه

الجواب

قلتم: كان هناك تبادل للنصائح بن علي وابنه الحسن

الجواب

قلتم: خرج طلحة والزبير للتحريض على قتلة عثمان

الجواب

قلتم: عند وصولهم البصرة وقع خلاف مع والي البصرة

الجواب

قلتم: حين علم علي بمسيرهم إلى الشام اتجه إلى البصرة

الجواب

قلتم: اتفق علي مع خصومه على الصلح

الجواب

قلتم: قتلة عثمان ضمن جيش علي هم أثاروا الحرب

الجواب

معركة صفين

قلتم: لا يوجد استحلال للدماء في حادثة صفين

الجواب

روايات التاريخ

قلتم: لا ينبغي لمن يريد دينه ان يصغي لروايات التاريخ

قلتم: التنقيص من قدر الصحابة له تأثير سيّئ

الجواب

بعض الصحابة ارتدوا عن الإسلام

قول ابن عقيل فيما جرى بين الصحابة

ابن عقيل: عدالة الصحابة أبعد من قول الشيعة بعصمة أئمتهم

قلتم: ابن عقيل مجهول وأهل السنة لا يقولون بعصمة الصحابة

الجواب

        حوار حول  حكم من يطعن في الصحابة

الاتهام بالزندقة لمن طعن في الصحابة

محل البحث والكلام

وقفات حول حكم من يطعن بالصحابة

الجواب

آثار الجرح والتشكيك بالصحابة

قلتم: الطعن بالصحابة يستلزم إبطال الشريعة

الجواب

قلتم: الطعن بهم يستلزم عدم صحة أصل الدين

الجواب

قلتم: الطعن بهم يستلزم أن النبي كان يربي المجرمين

الجواب

قلتم: الطعن بالصحابة يستلزم الطعن بالله تعالى

الجواب

قلتم: الطعن بهم يستلزم التشكيك بالقرآن والسنَّة

الجواب

إثبات إيمان الصحابة

قلتم: لا يمكن إثبات إيمان الصحابة على المنهج الشيعي

الجواب

قلتم: إن عليا تنازل عن الخلافة حفاظا على حياته

الجواب

قلتم: آثار الشيعة لا تخلو من تضليل للصحابة أو تكفيرهم

الجواب

قلتم: الآثار الشيعية كلها مكذوبة على أهل البيت

الجواب

الكلام حول حديث: الله الله في أصحابي...

قلتم: كيف تضعّفون الحديث ثم تناظرون شرّاحه في معناه؟

الجواب

دلالة حديث: (الله الله في أصحابي)

قلتم: معرفة من يحبهم النبي من الصحابة متوقف على الصحابة

الجواب

قلتم: قولكم:حب جميع الصحابة لا يرتبط بحب النبي، كلام عام

الجواب

قلتم: المخالف لحب جميع الصحابة مبتدع

الجواب

قلتم: حديث أصدقاؤك ثلاثة... غير معروف في دواوين الاسلام

الجواب

اعتقاد الشيعة الإمامية في الصحابة

قلتم: إن عليا لا صلة له بالشيعة

الجواب

        حوار  حول الوصية

(وأثرها في عدالة الصحابة)

قلتم: إن الشيعة نسبت الوصية لعلي افتراء عليه

الجواب

نماذج من عدم سكوت علي عن حقه في الخلافة

قلتم: إن حديث الغدير لا يفيد الأمرة والسلطان

تفسير حديث الغدير برواية الحسن المثنى

الجواب

قلتم: لم يقع ظلم وإيذاء على الزهراء

الجواب

الإمام علي

قلتم: إن عليا كان يعتقد أن فدك مسألة اجتهادية

الجواب

قلتم: الزهراء لم تطالب مطلقا بالخلافة لزوجها

الجواب

زواج عمر من أم كلثوم

قلتم: كيف زوّج الإمام علي ابنته لعمر رغماً عنه؟

الجواب

تسمية علي× أولاده بأسماء الخلفاء

قلتم: كيف جاز لعلي تسمية أولاده بأسماء الكفرة والفسقة؟

الجواب

قلتم: لماذا لم يهاجر علي× من أرض يُظلم فيها؟

الجواب

خلاصة ما تقدم

قلتم: لا يصح شرعا تسمية علي بإمام المسلمين

الجواب

مدح علي لبعض الصحابة في نهج البلاغة

قلتم: الاعتماد على نهج البلاغة مضيعة للدين

الجواب

قلتم: مدح علي للصحابة لم يكن شاملا لجميعهم

الجواب

قلتم: نهج البلاغة كتاب متهافت ومتناقض

الجواب

علي بن الحسين يمتدح الصحابة

قلتم: مدحه للصحابة مخدوش سنداً ودلالة

الجواب

قلتم: عقائد الشيعة تنتهي إلى اتهام النبي وسبه

الجواب

التلاعب بالنصوص وتشويه الحقائق

قلتم: عقائد الشيعة تنتهي إلى الطعن بعرض النبي

الجواب

حكم جاحد الإمامة

قلتم: الشيعة تفسق وتكفر منكر الإمامة

الجواب

حديث: من مات ولم يعرف إمام زمانه

قلتم: الحديث مكذوب

الجواب

كلمات السيد الخميني حول الشيخين

قلتم: الخميني يصرح بأن الشيخين حللا وحرما وأنهما ظلما فاطمة

الجواب

       حوار  في  أقوال علماء الشيعة في الصحابة

كلام الشيخ البهائي حول الصحابة

قلتم: كلامه لا يعدو تلاعباً بالألفاظ

الجواب

قول علي خان الشيرازي في الصحابة

قلتم: كلامه في حفظ الوصية يريد به تضليل كبار الصحابة

الجواب

المسعودي واعتقاد الشيعة بالصحابة

قلتم: كتاب المسعودي لا يعتمد عليه

الجواب

قول السيد الأمين العاملي في الصحابة

قلتم: قول الأمين في التفريق بين الصحابة مخدوش

الجواب

قول العاملي إن بعض الصحابة شق عصا المسلمين

قلتم: لا أدري هذا قولكم أم قول العاملي؟

الجواب

قول كاشف الغطاء في الصحابة

قول السيد شرف الدين في الصحابة

قلتم: من يدعي الوصية لا يمكن أن يكون وسطاً

الجواب

قلتم: من هم عظماء الصحابة عند الشيعة؟

الجواب

قلتم: كيف تعتقدون بعدالة الصحابة مع أنهم بغوا على علي؟

الجواب

قلتم: أصالة عدالة الصحابة هو مفاد الآيات

الجواب

قلتم: يمكن تمييز المنافقين عن الصحابة

الجواب

قلتم: كلمات العاملي متناقضة تنتهي إلى اتهام جميع الصحابة

الجواب

قلتم: لا يوجد منهج واضح عند الشيعة تتمحص به الحقائق

الجواب

خمسة إشكالات جديدة في الطبعة الثانية للكتاب

الإشكال الأول:

قلتم: هل المراد من الآثار الصحيحة تلك التي عندنا أم عندكم؟

الجواب

الإشكال الثاني:

قلتم: يتعذر تمحيص الحقائق في الكتب الشيعية

الجواب

الإشكال الثالث

قلتم: لا يوجد منهج للتصحيح السندي عند الشيعة

الجواب

الإشكال الرابع:

قلتم: الاثار الصحيحة لأهل السنة تبطل المذهب الشيعي

الجواب

الإشكال الخامس:

قلتم: التصحيح الروائي عند الشيعة يستلزم الاستدراك على الإمام

الجواب

ثناء الشهيد محمّد باقر الصدر على الصحابة

قول الشيخ جعفر السبحاني في تصنيف الصحابة

قلتم: الاستدلال بالقرآن على تصنيف الصحابة تأويل باطل

الجواب

   حوار حول  المنهج الشيعي في تصحيح الروايات

قلتم: لا كتاب صحيح عند الشيعة، والكافي مليء بالغرائب

الجواب

قلتم: لا تاريخ محايد يكون معتمداً في تمييز الصحابة

الجواب

قول الصدر في رجال التاريخ والعقيدة عند الشيعة

قلتم: رجال التاريخ والعقيدة مجهولون فلا صحيح فيها

الجواب

كلام الحر العاملي في التصحيح السندي

قلتم: التطبيق الشيعي للتصحيح السندي يبطل جميع مروياتهم

الجواب

البرقعي وتهجمه على محدّثي الشيعة

قلتم: البرقعي يقول إن الصدوق كان يبيع الرز والكليني بقالاً

الجواب

قلتم: لا يمكن بروايات الكافي إثبات امامة العسكري

الجواب

قلتم: تنعدم الثقة في الروايات الشيعية بسبب التقية

الجواب

قلتم: كيف نميّز الزنا من المتعة؟

الجواب

قلتم:العقل الشيعي ليس بمحايد

الجواب

        حوار في  مفاد روايات الحوض

قلتم: الآيات القرآنية تدل على عدالة الصحابة

الجواب

قلتم: الأحاديث النبويّة تدل على عدالة الصحابة

الجواب

قلتم: حديث الحوض ينطبق على الامام علي

الجواب

قلتم: عدم عدالة الصحابة يفضي إلى هدم الدين

الجواب

قلتم: اقتطعتم وزدتم فيما قاله السندي حول إسلام الصحابة

الجواب

قلتم: لا يصح تفسير نصوص الشرع حسب المعتقد

الجواب

قلتم: ترك واجب (الإمامة) لا يستلزم انقسام الأمة

الجواب

قلتم: البراء تواضع عندما قال إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده

الجواب

تذييل لا بد منه:

وسائل إثبات انحراف الصحابي

        حوار حول  الآيات الواردة في عدالة الصحابة

الآية الأولى: السابقون الأولون

قلتم: من هم السابقون الأوّلون

الجواب

قلتم: قد وعد الله الصحابة بالرضا والجنان

الجواب

قلتم: من هم السابقون من الأنصار؟

الجواب

قلتم: هل ذكر أسماء السابقين الأولين في كتب الشيعة؟

الجواب

قلتم: هل يفرق الشيعة بين الأنصار والمنافقين

الجواب

قلتم: من هم التابعون بإحسان عند الشيعة؟

الجواب

قلتم: هل عند الشيعة عشرة صحابة صالحين؟

الجواب

قلتم: الجمهور يرى عدالة الصحابة

الجواب

قلتم: ألا يخبرنا الشيعة من الصنف الممدوح في الآية؟

الجواب

الآية تقرر أصالة العدالة إلا ما خرج بدليل قطعي

قلتم: الاعتقاد بالإمامة يخرج جميع الصحابة من الآية

الجواب

قلتم: الحارث بن سويد خائن مرتد

الجواب

وقفة مع الحارث بن سويد

قلتم: الصحابي ابن مظعون أخطأ في فهمه فشرب الخمر

الجواب

قلتم: الصحابي قدامة بن مظعون أخطأ ثم تاب

الجواب

قلتم: هذه وقائع فردية وإقامة الحد تكفر الذنوب

الجواب

قلتم: تعامل الشيعة مع الصحابة لم يكن منصفاً

الجواب

وقفة حول معنى التبعية بإحسان

قلتم: التابعون في الآية شاملة لجميع الأمّة

الجواب

قلتم: الفعل الماضي (اتبعوهم) يفيد المستقبل في القرآن

الجواب

قلتم: آية (والسابقون الأولون) واضحة في عدالة الصحابة

الجواب

المصادر

محتويات الكتاب

 



([1]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص5، الدمام, ط1426هـ.

([2]) انظر: ابن حجر العسقلاني, الإصابة: ج1 ص154، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([3]) الحجرات: 13.

([4]) الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص284، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([5]) الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص142، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ

([6]) انظر ما أخرجه البخاري عن سعد بن أبي وقاص بخصوص مسألة حجاب النساء اللواتي كن بحضرة النبيّ’ فابتدرن الحجاب؛ خوفاً من عمر، صحيح البخاري: ج4 ص96 ح3294، الناشر: دار الفكر، 1401هـ، وانظر ما أخرجه أحمد عن عائشة التي روت أنها كانت مع النبيّ في مرط واحد فاستأذن الخلفاء الثلاثة للدخول على النبيّ’ فأذن لهم إلاّ عثمان لم يأذن له إلاّ بعد أن أصلح ثيابه؛ لأن عثمان رجل ذو حياء، مسند أحمد: ج6 ص167، الناشر: دار صادر ـ بيروت. وانظر كذلك ما يسمونه موافقات عمر فهي أبلغ دلالة على المطلوب. البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص100 ح1366، الناشر: دار الفكر، 1401هـ، مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص117، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([7]) الجمعة: 11.

([8]) انظر: النسفي, مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي): ص1241، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2، 1429هـ.

([9]) البخاري, صحيح البخاري: ج6 ص63 ح4899, وانظر: ج1 ص225 ح936، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([10]) انظر: الثعلبي, تفسير الثعلبي: ج9 ص318, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1418هـ. وذكر كلاهما, وانظر قول قتادة في: العيني, عمدة القاري: ج11 ص161, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الزمخشري, تفسير الزمخشري: ج4 ص106, الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر، 1385هـ، وانظر قول مقاتل في البيهقي، شعب الإيمان: ج5 ص234، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([11]) البكري الدمياطي, إعانة الطالبين: ج2 ص75، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1418هـ.

([12]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص56 ح4141، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([13]) انظر: ابن الأثير, أُسد الغابة: ج4 ص154, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([14]) القرطبي, تفسير القرطبي: ج12 ص201ـ 202، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([15]) انظر الحادثة في: البلاذري, فتوح البلدان: ج2 ص423، الناشر: مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة، ط1957م. الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص169، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن كثير, البداية والنهاية: ج7 ص94، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ. ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص364, الناشر: دار الثقافة ـ لبنان. الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين: ج3 ص448 ـ 449، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. البيهقي, السنن الكبرى: ج8 ص234 ـ 235، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([16]) ابن الأثير, أسد الغابة: ج5 ص151, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص367, الناشر: دار الثقافة ـ لبنان. عبد الله بن قدامة, المغني: ج10 ص180, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. النووي, المجموع: ج20 ص252، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([17]) ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص366، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([18]) الألباني, إرواء الغليل: ج8 ص28ـ 29، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ.

([19]) ابن أبي شيبة, المصنف: ج6 ص560, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1409هـ. ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص366، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([20]) ابن أبي شيبة, المصنف: ج6 ص560. الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1409هـ. البيهقي, السنن الكبرى: ج8 ص235، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الألباني, إرواء الغليل: ج8 ص29, الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ. وصححه. ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص366، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([21]) ابن خلكان, وفيات الأعيان: ج6 ص366، الناشر: دار الثقافة ـ لبنان.

([22]) انظر: أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص198، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص387، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. قال الهيثمي: «ورجال أحمد ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([23]) البخاري, صحيح البخاري: ج4 ص34 ح3062، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([24]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج3 ص65 ح2316، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. وانظر: ابن حجر, الإصابة: ج6 ص365 ـ 366, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ، ونقل فيه أنّه شهد بدراً, بل المشاهد كلها!.

([25]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج7 ص381, ج9 ص246، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([26]) انظر: ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3 ص1002، الناشر: دار الجيل، ط1ـ 1412هـ.

([27]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج8 ص14 ح6780, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ. ابن الأثير, أسد الغابة: ج2 ص45، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([28]) انظر: البيهقي, السنن الكبرى: ج8 ص312, الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن حبان, الثقات: ج2 ص203, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1ـ 1393هـ. الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص95, الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن حجر، الإصابة: ج5 ص42، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([29]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص232 ـ 233، الناشر: منشروات المجلس العلمي, البيهقي, السنن الكبرى: ج8 ص312ـ 313، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([30]) انظر: ابن عبد البر, الاستيعاب: ج2 ص842, الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن حجر, الإصابة: ج5 ص35, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. وصحح الرواية الدالة على ذلك.

([31]) الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص227، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([32]) ابن الأثير, أُسد الغابة: ج3 ص416، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([33]) المصدر نفسه: ج3 ص415.

([34]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص232, الناشر: منشورات المجلس العلمي. البيهقي, السنن الكبرى: ج8 ص312ـ 313، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([35]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1746، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1، 1412هـ.

([36]) عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص243, الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن حجر, الإصابة: ج7 ص300, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([37]) عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص247, الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1747, الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن حجر, الإصابة: ج7 ص301، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([38]) عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص247، الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1747، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([39]) ابن حجر, الإصابة: ج6 ص482، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([40]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1555، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([41]) انظر: ابن حجر, الإصابة: ج5 ص322ـ 324، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([42]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص240ـ 242, الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن حجر, الإصابة: ج5 ص322ـ 324، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([43]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص240، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([44]) انظر: ابن الأثير, أُسد الغابة: ج4 ص199ـ 200، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([45]) انظر: ابن حجر, الإصابة: ج5 ص324، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([46]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص244ـ 245, الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1622ـ 1623، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([47]) انظر: عبد الرزاق, المصنف: ج9 ص244ـ 245، الناشر: منشورات المجلس العلمي. ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1622ـ 1623، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([48]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج8 ص21 ـ 22، ح6820، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ.

([49]) انظر: أبو داود, سنن أبي داود: ج2 ص341, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ. الألباني, إرواء الغليل: ج8 ص86ـ 87, وصحح الحديث، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ.

([50]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج8 ص24 ح6824، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ. ابن حجر, الإصابة: ج5 ص521، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([51]) انظر: ابن قتيبة, المعارف: ص235، الناشر: دار المعارف.

([52]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10ص 92, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9ـ 1413هـ. وانظر العيني, عمدة القاري: ج1 ص212، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([53]) البخاري, صحيح البخاري: ج6 ص100 ح4992, ج8 ص53 ح5041, الناشر: دار الفكر، 1401هـ. الترمذي, سنن الترمذي: ج4 ص264، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([54]) البخاري, صحيح البخاري: ج3 ص156 ح2661، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([55]) النسائي, السنن الكبرى: ج2 ص469، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ.

([56]) النسائي, السنن الكبرى: ج6 ص459, الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج4 ص481, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث، وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([57]) ابن قتيبة, تأويل مختلف الحديث: ص98، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([58]) الذهبي, مقدمة كتاب: الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم: ج1 ص23، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([59]) محمد بن عبد الوهاب، كشف الشبهات: ص174، الناشر: مطابع الرياض ـ الرياض ط1.

([60]) كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية , مجموع الفتاوى: ج12 ص492، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([61]) ابن تيمية, منهاج السنة: ج7 ص137 ـ 138، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

([62]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج1 ص61 ح144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص306, واللفظ للثاني، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([63]) البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص29، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ح4043، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([64]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج3 ص141ـ 142 ح2499، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([65]) مثل قوله تعالى: >وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا< الجن: 23, وقوله تعالى: >وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا< الأحزاب: 36.

([66]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج4 ص33ـ 34 ح2820، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. قال النووي: «أما غضبه (صلى الله عليه وسلم) فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه, وقد قال الله تعالى: >وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا< فغضب (صلّى الله عليه وسلّم) لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم», شرح صحيح مسلم: ج8 ص155، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط 1407هـ.

([67]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج4 ص286, الناشر: دار صادر ـ بيروت. النسائي, السنن الكبرى: ج6 ص56, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ. مسند أبي يعلى: ج3 ص233ـ 234، الناشر: دار المأمون للتراث.

([68]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج8 ص498، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([69]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج3 ص233، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([70]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ج14 ص198 ح18432، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة، ط1، 1416هـ.

([71]) البخاري, صحيح البخاري: ج6 ص45ـ 46 ح4844، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([72]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج11 ص224، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([73]) انظر: ج1من هذا الكتاب: ص154ـ 171.

([74]) البخاري, صحيح البخاري: ج1 ص134 ح530، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([75]) المناوي، فيض القدير: ج1 ص242، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([76]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص107 ح4339، كتاب المغازي، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([77]) فهذا عبد الله بن أبي سرح كان كاتباً للوحي ثم ارتد مشركاً، فحكم النبيّ بقتله وإهدار دمه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. انظر: الاستيعاب: ج3 ص918، الناشر: دار الجيل، ط1ـ 1412هـ. فلم ينفعه أنّه كان كاتباً للوحي, فكلام النبيّ’ لخالد لا يُعطي له فضيلة أكثر من كون الشخص كاتباً للوحي.

([78]) المدثر: 38.

([79]) سير أعلام النبلاء: ج1 ص379، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ. ابن حجر، الإصابة: ج2 ص218، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([80]) ابن حجر، الإصابة: ج2 ص219، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([81]) ابن الأثير, أسد الغابة: ج4 ص295 ـ 296, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([82]) انظر: تاريخ خليفة بن خياط: 68، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص503، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([83]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج6 ص354، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([84]) فقد ورد أن رسول الله نهى عن المثلة، انظر: البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص107 ح2474، ج6 ص228 ح5516، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([85]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص107 ح4339، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([86]) انظر: محمد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج2ص147، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ابن حبان، الثقات: ج2 ص61, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص255, الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، ط 1386هـ. ابن حجر, فتح الباري: ج8 ص45، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([87]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص885، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ بمصر، ط 1383هـ. وانظر القصة مختصراً في ابن حبان، الثقات: ج2 ص61، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص255، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، ط1386هـ.

([88]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص884، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ بمصر، 1383هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص256, الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، ط1386هـ.

([89]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص883 ـ 884، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ بمصر، 1383هـ. ابن حبان، الثقات: ج2 ص62، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([90]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص883، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ بمصر، 1383هـ. ابن حجر، الإصابة: ج3 ص154، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([91]) قال في الأغاني: «قال محمد بن سلام: وسمعني يوماً يونس وأنا أراد التميمية في خالد وأعذره، فقال لي: يا أبا عبد الله، أما سمعت بساقَي أم تميم؟ يعني: زوجة مالك التي تزوجها خالد لما قتله، وكان يقال: إنّه لم ير أحسن من ساقيها» الاصفهاني، الأغاني: ج15 ص296، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2. وانظر: طبقات فحول الشعراء للجمحي: ج1 ص208، الناشر: دار المدني ـ جدة.

([92]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص519، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([93]) الرهق هو السفه والعجلة والشر وغشيان المحارم، قال ابن الأثير: «وفيه إن في سيف خالد رهقاً: أي عجلة» ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج2 ص283، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط4ـ 1364هـ ش. ورجلٌ مرهق, وفيه رهق: إذا كان يُظنّ به السوء. انظر: ابن سلام, غريب الحديث: ج4 ص370, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1384هـ.

([94]) ابن الأثير، أسد الغابة: ج4 ص295, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([95]) المصدر نفسه: ج4 ص295ـ 296.

([96]) انظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص503، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص359، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1386هـ.

([97]) البخاري, صحيح البخاري: ج4 ص34 ح3062، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([98]) ابن تيمية، كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: ج28 ص254ـ 255، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([99]) الحجرات: 9.

([100]) الحجرات: 10.

([101]) انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص261، الناشر: دار صادر ـ بيروت. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص198، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الطبراني، المعجم الأوسط: ج9 ص103، الناشر: دار الحرمين، ط 1415هـ. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص387، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج2 ص411، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([102]) مجمع الزوائد: ج7 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([103]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص 18ـ 19, ح 2008، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([104]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص198، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([105]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص18ـ 19, ح2008، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([106]) عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنّه سمع النبيّ’ يقول: «ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص207 ح2812، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([107]) أعني قول النبيّ’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية, عمار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص207 ح2812، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([108]) فقد ورد أنه’ قال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض» الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص124، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. ووافقه الذهبي أيضاً، وقال مشيراً إلى علي×: «الحقّ مع ذا الحقّ مع ذا» قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص235, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وقال’: «يا علي من فارقني فقد فقد فارق الله, ومن فارقك يا علي فقد فارقني» الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص124, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. وصححه, وقال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص135، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([109]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف: ج11 ص240، الناشر: منشورات المجلس العلمي. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص199, الناشر: دار صادر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص155ـ 156.

([110]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص155ـ 156، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([111]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص199، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([112]) المناوي، فيض القدير: ج6 ص474، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1.

([113]) المصدر نفسه: ج4 ص613. وانظر: ابن حجر: فتح الباري: ج1 ص452.

([114]) البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص88، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([115]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج1 ص68ـ 69، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([116]) ابن حجر, فتح الباري: ج12 ص173, ج13 ص58، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([117]) أخرج ابن عبد البر من طريق مالك، قال: >لمّا قُتل عثمان (رضي الله عنه) ألقى على المزبلة ثلاثة أيام», الاستيعاب: ج3 ص1047، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([118]) قال الهيثمي: «وعن مالك يعنى ابن أنس قال: قُتل عثمان، فأقام مطروحاً على كناسة بنى فلان ثلاثاً» ثمّ قال: ورجاله ثقات. الهيثمي, مجمع الزوائد ج9 ص95، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([119]) انظر: مجمع الزوائد: ج9 ص95، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ, وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. ولا يخفى أنّ حش كوكب هو بستان كانت اليهود تدفن فيه موتاهم. انظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص438، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([120]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص208ـ 209، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([121]) المصدر السابق: ج6 ص137.

([122]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج4 ص1554، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([123]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص134ـ 135، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ. وانظر ابن حبان, الثقات: ج2 ص256 ـ 257، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([124]) ابن شبّة النميري, تاريخ المدينة: ج4 ص1159ـ 1161, الناشر: دار الفكر ـ قم، 1410هـ. أنساب الأشراف: ج6 ص183ـ 185، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ. وانظر ابن حبان, الثقات: ج2 ص258 ـ 260، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([125]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص133ـ 138.

([126]) البلاذري, أنساب الاشراف: ج6 ص135 ـ 136.

([127]) المصدر نفسه: ج6 ص136.

([128]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج2 ص108، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([129]) ابن عساكر, تاريخ مديتة دمشق: ج57 ص271، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([130]) الذهبي, تاريخ الإسلام: ج3 ص368، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([131]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7, ص720، ح رقم 3240، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([132]) أبو يعلى, مسند أبي يعلى: ج11 ص348, الناشر: دار المأمون للتراث. الحاكم, المستدرك على الصحيحين: ج4 ص480، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([133]) الحاكم, المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيصه للذهبي: ج4 ص480، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([134]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج5 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([135]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج2 ص163، الناشر: دار صادر ـ بيروت. البزار, مسند البزار: ج6 ص344، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([136]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج1 ص112.

([137]) الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص720, ح رقم 3240، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([138]) الألباني, سلسلة الاحاديث الصحيحة: ج7 ص723, ح رقم 3240.

([139]) البلاذري, أنساب الاشرف: ج6 ص137، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([140]) المصدر السابق: ج6 ص130.

([141]) ابن سعد, الطبقات الكبرى: ج5 ص16 ـ 17، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([142]) المصدر السابق: ج5 ص17.

([143]) المصدر نفسه: ج5 ص17.

([144]) ابن الأثير, أسد الغابة: ج3 ص343، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([145]) هكذا ورد, وفي أكثر النسخ التاريخية (القماذبان).

([146]) ابن حجر, الإصابة: ج5 ص43، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([147]) أحمد بن يحيى البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص166ـ 167، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([148]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص168ـ 169.

([149]) وفي لفظ آخر: أن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشته. والحديث صححه ابن حجر في فتح الباري: ج7 ص72, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2. والهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص295, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. والألباني في السلسة الصحيحة: ج2 ص447, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ., ومشاشته أو مشاشه: تعني رؤوس عظامه, اي ملأ الله جوفه بالايمان حتّى تعدى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة. انظر المناوي، فيض القدير: ج4 ص473، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([150]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص161ـ 162.

([151]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3 ص1136.

([152]) البلاذري, أنساب الاشراف: ج6 ص146ـ 148.

([153]) المصدر نفسه: ج6 ص140.

([154]) ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص150ـ 151, الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ. والخبر أخرجه الواقدي على ما في تاريخ الطبري: ج3 ص375ـ 376, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. وابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص188، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([155]) الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص400ـ 401، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([156]) ابن سعد, الطبقات الكبرى: ج3 ص71, الناشر: دار صادر ـ بيروت. البلاذري, أنساب الاشراف: ج6 ص219، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([157]) ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص158ـ 159، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([158]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج2 ص840، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([159]) ابن سعد, الطبقات الكبرى: ج6 ص25، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([160]) المصدر نفسه: ج3 ص74. ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص179.

([161]) ابن حجر, الإصابة: ج6 ص212، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([162]) فمن كتاب له إلى أهل مصر جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّي قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا نائي الضريبة، ولا كليل الحد، ولا ينام على الخوف، ولا ينكل عن الأعداء، حذار الدوائر، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث، أخو مذحج وإنّه سيف من سيوف الله، فإن استنفركم فانفروا وإن أمركم بالإقامة فأقيموا، فإنّه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشدّة شكيمته على عدوّكم، عصمكم ربّكم بالهدى، وثبتكم باليقين والسلام عليكم». انظر ابن عساكر, تاريخ دمشق: ج56 ص390، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. وانظر كلمات أخرى للإمام علي في مدحه, في تاريخ الطبري: ج4 ص72, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص34، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([163]) ابن حجر, الإصابة: ج6 ص9.

([164]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج3 ص479ـ 480.

([165]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3ص1369، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([166]) المصدر نفسه: ج1 ص366. ابن الأثير, أُسد الغابة: ج2 ص40، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([167]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج2 ص59، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([168]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3 ص1367.

([169]) البلاذري, أنساب الاشراف: ج6 ص201، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([170]) المصدر نفسه: ج6 ص192.

([171]) المصدر نفسه: ج6 ص188.

([172]) ابن حجر, الإصابة: ج3 ص432، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([173]) الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص477، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. الكامل في التاريخ: ج3 ص206، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([174]) البلاذري, أنساب الاشراف: ج6 ص193.

([175]) ابن عبد البر, الاستيعاب: ج2 ص716، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([176]) الطبري, تاريخ الطبري: ج4 ص30. ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص313.

([177]) الطبري, تاريخ الطبري: ج4 ص27.

([178]) نصر بن مزاحم, وقعة صفين: ص319، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة ـ القاهرة، ط2، 1382هـ.

([179]) ابن عساكر, تاريخ مدينة دمشق: ج26 ص117. وانظر: ص 116 أيضاً، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([180]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج6 ص179ـ 180. وانظر: الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص395ـ 397. ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص164ـ 166. ابن كثير, البداية والنهاية: ج7 ص192ـ 194، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([181]) الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص403ـ 404, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. وانظر ابن الأثير, الكامل في التاريخ: ج3 ص169ـ 171، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([182]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج3 ص67، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([183]) المصدر نفسه: ج3 ص69 ـ 70.

([184]) الدينوري, الأخبار الطوال: 163، الناشر: دار إحياء الكتب العربي، ط1، 1960م.

([185]) المصدر السابق: ص163.

([186]) الحجرات: 13.

([187]) ابن الأثير, اسد الغابة: ج4 ص295، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([188]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج1 ص377، الناشر: مؤسسةالرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([189]) الذهبي, تاريخ الإسلام: ج3 ص36ـ 37، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([190]) انظر: الطبري, تاريخ الطبري: ج2 ص503, الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير, أسد الغابة: ج4 ص296, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج1 ص377. ابن حجر, الإصابة: ج5 ص560، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([191]) انظر: ابن الأثير, أسد الغابة: ج4 ص296. والكامل في التاريخ: ج2 ص359، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([192]) ابن كثير, البداية والنهاية: ج6 ص354، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([193]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج1 ص378، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([194]) خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ عدد الصحابة الذين رأوا النبيّ’ ورووا عنه أكثر من مئة ألف صحابي كما يقرر أبو زرعة, وأن العدد المترجم لهم من الصحابة لا يبلغون عشر عددهم الحقيقي، ابن حجر، الإصابة: ج1 ص154، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. وأن الصحابة الذين وصلت رواياتهم على ما عدهم ابن حزم تسعمائة وتسع وتسعون صحابي (انظر كتاب أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد), وإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الصحابة الذين هم محل الخلاف والحوار قد لا يصل إلى عشر عدد المترجم لهم, فهل يبقى لاطلاق قولكم قيمة علمية حينئذ, فالكثير من الصحابة لم يرووا, والكثير ممن روى لم تصل رواياتهم, فكيف يضيع الدين إذا قلنا أن بعض الصحابة ليسوا بعدول؟!

([195]) الحاكم النيسابوري, المستدرك على الصحيحين وبذيله التخليص للذهبي: ج3 ص149، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([196]) المصدر السابق: ج3 ص457.

([197]) البخاري, صحيح البخاري: ج1 ص51، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.    

([198]) الدارقطني, سنن الدارقطني: ج1 ص104. ح182، ط1، 1424هـ.

([199]) مسلم النيسابوري, كتاب التمييز: ص209, الناشر: مكتبة الكوثر ـ السعودية، ط3، 1410هـ.

([200]) سيد سابق, فقه السنّة: ج1 ص63، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([201]) الطحاوي, شرح معاني الآثار: ج1 ص83, الناشر: دار الكتب العملية, ط3, 1416هـ.

([202]) مسلم النيسابوري, التمييز: ص209.

([203]) المصدر السابق: ص209.

([204]) وهو ما أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف عن أبي هريرة أنّه قال: «ما أبالي على ظهر خفي مسحت أو على ظهر حمار). ويبدو أنّ ابا هريرة قالها استخفافاً بالمسح على الخفين لا تأييداً له, فقد أخرجها ابن أبي شيبة تحت عنوان: «من كان لا يرى المسح», ابن أبي شيبة، المصنف: ج1 ص214, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ. وأخرج نحوها عن ابن عباس أنّه قال: «ما أبالي مسحت على الخفين أو مسحت على ظهر بختي هذا» المصنف: ج1 ص213, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ. ولذا نجد الامام مسلم ضمّ هذه الرواية إلى سابقتها في دلالتها على عدم جواز المسح على الخفين عند أبي هريرة.

([205]) مسلم النيسابوري, التمييز: ص209.

([206]) البخاري, صحيح البخاري: ج3 ص8, الناشر: دار الفكر، 1401هـ. أبو داود, سنن أبي داود: ج1 ص380، الناشر: دار الفكر، ط1، 1410هـ.

([207]) أبو داود, سنن أبي داود: ج1 ص380.

([208]) المصدر نفسه: ج1 ص380.

([209]) الترمذي, سنن الترمذي: ج2 ص280 ـ 281، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([210]) مالك بن أنس, الموطأ: ج2 ص555، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1406هـ.

([211]) ابن حزم, الإحكام: ج2 ص149, الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة ـ القاهرة.

([212]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج2 ص143، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([213]) ابن حزم, الاحكام: ج2 ص149.

([214]) النسائي, سنن النسائي: ج1 ص121، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1348هـ.

([215]) الشافعي, كتاب الأم: ج5 ص224, الناشر: دار الفكر, ط2, 1403هـ.

([216]) ابن أبي شيبة, المصنّف: ج4 ص117، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([217]) ابن رجب, شرح علل الترمذي: ج2ص889, الناشر: مكتبة المنار, الزرقاء, الأردن, ط1، 1407هـ.

([218]) البخاري, صحيح البخاري: ج1 ص179 ـ 180، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([219]) ابن أبي شيبة, المصنف: ج1 ص268.

([220]) الترمذي, سنن الترمذي: ج2 ص32، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([221]) البخاري, صحيح البخاري: ج2 ص38، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([222]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج2 ص144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([223]) ابن حجر, فتح الباري: ج2 ص475، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([224]) الترمذي, سنن الترمذي: ج2 ص28، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([225]) ابن خزيمة, صحيح ابن خزيمه: ج2 ص246ـ 247، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2، 1412هـ.

([226]) المصدر السابق: ج2 ص245.

([227]) ابن رجب, شرح علل الترمذي: ج2 ص889، الناشر: مكتبة المنار, الزرقاء, الأردن, ط1، 1407هـ.

([228]) مالك بن انس, الموطأ: ج1 ص36، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1406هـ.

([229]) عبد الرزاق الصنعاني, المصنف: ج1 ص195، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([230]) البخاري, صحيح البخاري: ج1 ص58، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([231]) ابن أبي شيبة, المصنّف: ج1 ص211، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([232]) الترمذي, سنن الترمذي: ج1 ص64ـ 65، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([233]) ابن عبد البر, الإستذكار: ج1 ص494، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 2000م.

([234]) أحمد بن حنبل, مسند أحمد: ج2 ص72, الناشر: دار صادر بيروت. النسائي, سنن النسائي: ج3 ص62, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1348هـ. أبو يعلى, مسند أبي يعلى: ج10 ص142، الناشر: دار المأمون للتراث.

([235]) ابن أبي شيبة, المصنف: ج1 ص335، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([236]) المصدر نفسه: ج1 ص335.

([237]) التتايع: اضطراب الشيء، قال صاحب المقاييس: والتتايع التهافت في الشر... ولا يكون التتايع في الخير. ابن فارس، مقاييس اللغة: ج1 ص360، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404هـ.

([238]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج4 ص183ـ 184، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([239]) ابن عبد البر, الإستذكار: ج6 ص5ـ 6، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 2000م.

([240]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج4 ص101.

([241]) البخاري, التاريخ الكبير: ج1 ص199، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا.

([242]) ابن رجب, شرح علل الترمذي: ج 2 ص 888, 891, الناشر: مكتبة المنار, الزرقاء ـ الأردن, ط1, 1407هـ.

([243]) رواه الهيثمي قائلاً: رجال أحمد ثقات. الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وقال الالباني: «هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم. الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص18 ـ 19, ح 2008، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([244]) جاء في البخاري, أنّ النبيّ’, قال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية, عمار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115, ج3 ص207، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([245]) قال رسول الله’ مشيراً إلى علي×: «الحق مع ذا الحق مع ذا» قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص235. وقال’: «يا علي من فارقني فقد فقد فارق الله, ومن فارقك يا علي فقد فارقني» الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص124، وصحّحه. الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وقال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص135.

([246]) انظر: ص116 ـ 117 من هذا الجزء.

([247]) حسن بن فرحان المالكي, نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي: ص279ـ 280, الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية، 1418هـ.

([248]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115, ج3 ص207، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([249]) النووي, المجموع: ج8 ص18، الناشر: دار الفكر.

([250]) المصدر نفسه: ج12 ص368.

([251]) ابن عابدين, حاشية رد المحتار: ج2 ص171، دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([252]) الغزالي, المستصفى: ص168, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1417هـ. ومخالفة الغزالي لهذه الآراء غير ضار, فليس غرضنا إثبات رأي الغزالي, بل غرضنا إثبات أن هناك قوم يقولون بحجيّة مذهب الصحابي.

([253]) النووي, المجموع: ج1 ص58 ـ 59، الناشر: دار الفكر.

([254]) الشاطبي، الموافقات: ج4 ص74، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([255]) انظر: ج1 حوار حول النفاق والمنافقين: ص489 وما بعدها.

([256]) وسيأتي لاحقاً بأنّ إيمان الصحابي من عدمه يعرف من خلال التفسير الصحيح للقرآن الوارد بطرق معتبرة من طريق أهل البيت^ ومن خلال روايات أهل البيت^ التي تمثل السنّة النبوية الصحيحة, ومن خلال الروايات والأخبار التاريخية المسلّمة عند الفريقين.

([257]) انظر: البخاري، صحيح البخاري ج1 ص134، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. عن الزهري قال: «دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِك بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شيئاً مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ».

([258]) انظر: ج1 حوار حول النفاق والمنافقين: ص489 وما بعدها.

([259]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج7 ص206, 208، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج7 ص68, ج7 ص71، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([260]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115, ج3 ص207.

([261]) مسلم النيسابوري: صحيح مسلم: ج1 ص61. الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص306، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([262]) فقد ورد أنّه’ قال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن بفترقا حتّى يردا علي الحوض» صحّحه الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج3 ص124, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. ووافقه الذهبي أيضاً. وقال مشيراً إلى علي×: «الحق مع ذا الحق مع ذا» قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص235, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وقال’: «يا علي من فارقني فقد فارق الله, ومن فارقك يا علي فقد فارقني» الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص124, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. وصحّحه, وقال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص135، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([263]) ابن تيمية, منهاج السنة: ج7 ص137 ـ 138، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ.

([264]) عن عائشة, قالت: «كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن, ثمّ نسخن بخمس معلومات, فتوفى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهنّ فيما يقرأ من القرآن», صحيح مسلم: ج4 ص167، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([265]) عن عائشة, قالت: «لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها», محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه: ج1 ص626، الناشر: دار الفكر. وحسّنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه: ج2 ص148, ح 1593, الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض, ط1, 1417هـ.

([266]) عن عائشة, قالت: «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن», القاسم بن سلام, فضائل القرآن: ج2 ص136، الناشر: المكتب العصرية ـ صيدا ـ بيروت، 1427هـ. وعن أبي بن كعب قال: «كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة, فكان فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة», صحيح ابن حبان: ج10 ص273, الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ. المستدرك على الصحيحين: ج2 ص415, وصحّحه, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([267]) قال السيوطي: «أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا: القرآن ألف ألف حرف, وسبعة وعشرون ألف حرف, فمن قرأه صابرا محتسباً كان له بكلّ حرف زوجة من الحور العين. رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم أبي إياس تكلم فيه الذهبي لهذا الحديث, وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد». السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: ج1 ص190، الناشر: دار الفكر، ط1، 1416هـ.

وأورده الهيثمي وقال بعده: «رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمّد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس ذكره الذهبي في الميزان لهذا الحديث, ولم أجد لغيره في ذلك كلاماً، وبقية رجاله ثقات». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص163، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. وانظر الرواية في: الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص361، الناشر: دار الحرمين، 1415هـ. السيوطي، الجامع الصغير: ج2 ص264, الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1401هـ. جلال الدين السيوكي، الدر المنثور: ج6 ص422، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([268]) عن حذيفة قال: «أتى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) سباطة قوم فبال قائما» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص62، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([269]) عن أنس: «أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) كان يطوف على نسائه بغسل واحد», مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص171, الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وفي البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص71, الناشر: دار الفكر، 1401هـ. عن قتادة, عن أنس بن مالك أيضاً قال: «كان النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة قال: قلت لأنس: أوَ كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدّث أنّه أعطى قوة ثلاثين. وقال سعيد عن قتادة: إن أنساً حدثهم تسع نسوة».

([270]) عن بريدة, قال: «خرج رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في بعض مغازيه فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء, فقالت: يا رسول الله, إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا، فجعلت تضرب, فدخل أبو بكر وهي تضرب, ثم دخل علي وهي تضرب, ثمّ دخل عثمان وهي تضرب, ثمّ دخل عمر, فألقت الدف تحت إستها, ثمّ قعدت عليه, فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إن الشيطان ليخاف منك يا عمر, إني كنت جالساً وهي تضرب, فدخل أبو بكر وهي تضرب, ثمّ دخل علي وهي تضرب, ثمّ دخل عثمان وهي تضرب, فلمّا دخلت أنت يا عمر ألقت الدف. هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث بريدة، وفي الباب عن عمر وعائشة». انظر: الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص283 ـ 284، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([271]) عن عائشة، قالت: «دخل علي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث, فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه, ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأقبل عليه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: دعهما، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإمّا سألتُ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وإمّا قال: أتشتهين تنظرين؟ قلت: نعم، فأقامني وراءه, خدّي على خدّه، وهو يقول دونكم يا بني أرفدة, حتّى إذا مللت قال: حسبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي», البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص2 ـ 3, ج4 ص161ـ 162، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([272]) روي البخاري عن عائشة: «... وفتر الوحي فترة حتّى حزن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقى منه نفسه تبدى له جبريل، فقال: يا محمّد, إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل، فقال له مثل ذلك». البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص68، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([273]) انظر: البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص56، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([274]) قال القرطبي في تفسيره: ج12 ص201 ـ 202، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1405هـ: «المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدّ حسان ومِسْطَح وحمنة، ولم يسمع بحدّ لعبد الله بن أبي. روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري قام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلمّا نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضُربوا حدّهم، وسمّاهم: حسان بن ثابت ومِسْطَح بن أثاثة وحمنة بنت جحش».

وقال ابن حزم: «فبعد نزول هذه الآية جلد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مِسْطَح بن أثاثة, وحسّان بن ثابت, وحمنة بنت جحش...» ابن حزم، المحلى: ج11 ص130، الناشر: دار الفكر.

([275]) الطباطبائي, تفسير الميزان: ج15 ص102, الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدسة.

([276]) عبد الحسين شرف الدين, الفصول المهمّة: 156, الناشر: مؤسسة البعثة, ط1. وانظر المرتضى، الأمالي: ج2 ص145, الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي, ط1, 1325هـ.

([277]) الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج6 ص27ـ ص32، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([278]) الأحزاب: 30.

([279]) البخاري, صحيح البخاري: ج4 ص118 ـ 119، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([280]) تقدّم نقد كتاب لله ثم للتاريخ في الجزء الأول من هذا الكتاب: ص46 ـ 48.

([281]) انظر الحوار الذي دار بيني وبين الدكتور الغامدي حول هذا الموضوع في الجزء الأول من هذا الكتاب: ص267 ـ 269.

([282]) الأحزاب: 30

([283]) انظر: ابن حبان, الثقات: ج8 ص457، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([284]) انظر: الخطيب البغدادي, تاريخ بغداد: ج1 ص133، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([285]) الأحزاب: 30 ـ 33.

([286]) ابن الجوزي, زاد المسير: ج6 ص196، الناشر: دار الفكر، ط1، 1407هـ.

([287]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص130، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([288]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص361، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ. ما جاء في فضل فاطمة (رضي الله عنها)، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء وقال: «إسناده جيد». الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص283، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([289]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبهامشه تلخيصه للذهبي: ج3 ص158، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([290]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص31، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([291]) أحمد بن عمر القرطبي، المُفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ج6 ص302ـ 303، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق ـ بيروت.

([292]) انظر: مشكل الآثار: ج1 ص336ـ 339، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([293]) انظر: أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله بن عساكر، الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين: ص106، الناشر: دار الفكر ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([294]) حسن بن علي السقاف، صحيح شرح العقيدة الطحاوية: ص658، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط1، 1416هـ.

([295]) قال ابن الجوزي: >قوله عزّ وجلّ "فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيئاً" أي: فلم يدفعا عنهما من عذاب اللّه شيئاً، وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره، ثمّ أخبر أنّ معصية الغير لا تضرّ المطيع، بقوله تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ" وهي آسية بنت مزاحم (رضي اللّه عنها)، وقال يحيى بن سلام: ضرب اللّه المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما، ثمّ ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسّك بالطاعة وكانت آسية قد آمنت بموسى» ابن الجوزي، زاد المسير: ج8 ص56، الناشر: دار الفكر، ط1، 1407هـ. وانظر: ابن القيم الجوزية، الأمثال في القرآن: ص57، الناشر: مكتبة الصحابة ـ طنطا، ط1، 1406هـ. الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص255، الناشر: عالم الكتب.

([296]) انظر: الجزء الأوّل من هذا الكتاب: ص123 ـ 125.

([297]) انظر: ج1 ص264 ـ 267, من هذا الكتاب.

([298]) الكليني, الكافي: ج2 ص46، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط5، 1363ش.

([299]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج1 ص61، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص306، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([300]) الكليني, الكافي: ج8 ص162، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط5، 1363ش. والدكتور الغامدي نقلها بلفظ: (علينا إياب هذا الخلق). وما أثبتناه أعلاه هو الصحيح.

([301]) الكليني, الكافي: ج2 ص74 ـ 75، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط5، 1363ش. الطوسي, الأمالي: ص735ـ 736، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1414هـ.

([302]) انظر: ج1 ص123ـ 125, من هذا الكتاب.

([303]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج8 ص56، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1407هـ.

([304]) الطبري، جامع البيان: ج28 ص217، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([305]) عن ابن عباس، قال: «أردت أن أسأل عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ فما أتممت كلامي حتّى قال: عائشة وحفصة»، البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص69، وص70، وص71، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([306]) التحريم: 10 ـ 12.

([307]) وسيأتي لاحقاً ذكر مجموعة من الصحابة الذين ارتدوا، تحت عنوان بعض الصحابة ارتدّوا عن الإسلام: ص419ـ427 من هذا الجزء.

([308]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج6 ص196، الناشر: دار الفكر، ط1، 1407هـ.

([309]) المصدر السابق.

([310]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبهامشه التلخيص للذهبي: ج3 ص156، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([311]) المصدر نفسه: ج3 ص151.

([312]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص367، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([313]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبهامشه التلخيص للذهبي: ج2 ص594، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([314]) ابن القيم، الأمثال في القرآن: ص57، الناشر: مكتبة الصحابة ـ طنطا، ط1، 1406هـ.

([315]) الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص256، الناشر: عالم الكتب.

([316]) انظر: ص 18 من هذا الجزء.

([317]) انظر: الغامدي, حوار هادئ: ص118, الدمام, ط 1426هـ.

([318]) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص306، الناشر: دار المعارف النعمانية، ط1، 1401هـ.

([319]) عبد الكريم النملة، مخالفة الصحابي: ص31 ـ 74. الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض, ط2, 1420 هـ.

([320]) حسن بن فرحان المالكي، الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتقييد الشرعي: ص167ـ 181, 184, الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الرياض, ط2, 1425هـ.

([321]) الغامدي، حوار هادئ: ج1 ص119، الدمام، ط1، 1426هـ.

([322]) انظر: ابن حجر العسقلاني, الإصابة: ج1 ص154, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. السيوطي, تدريب الراوي: ج2 ص220, 221, الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

([323]) انظر: ابن حزم, أسماء الصحابة وما لكلّ واحد منهم من العدد، الناشر: مكتبة القرآن ـ القاهرة, حيث ذكر جميع من له رواية فكان عددهم 999.

([324]) سعد الدين التفتازاني: شرح المقاصد: ج2 ص306، الناشر: دار المعارف النعمانية، ط1، 1401هـ.

([325]) المصدر السابق: ج2 ص303.

([326]) سعد الدين التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح: ج2 ص10، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1416هـ.

([327]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص305.

([328]) انظر: الغامدي, حوار هادئ: ص120ـ 121, الدمام, ط 1426هـ.

([329]) الغزالي، المستصفى: ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1417هـ، الباب الثالث في الجرح والتعديل، الفصل الرابع في عدالة الصحابة.

([330]) الآمدي، الإحكام: ج2 ص90 ـ 91، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2، 1402هـ.

([331]) الغزالي، المستصفى: ص131، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1417هـ.

([332]) الإحكام في أصول الأحكام، بتحقيق أحمد شاكر: ج6 ص811 وراجع أيضاً: ج5 ص642، وج6 ص806، و813، و816، الناشر: زكريا علي يوسف.

([333]) قال عنه الذهبي: « الشيخ الامام العلامة البحر المتفنن، أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي. مصنف كتاب (المعلم بفوائد شرح مسلم) ومصنف كتاب (إيضاح المحصول) في الأصول، وله تواليف في الأدب، وكان أحد الأذكياء، الموصوفين والأئمة المتبحرين، وله شرح كتاب (التلقين) لعبد الوهاب المالكي في عشرة أسفار، هو من أنفس الكتب وكان بصيراً بعلم الحديث. حدث عنه: القاضي عياض، وأبو جعفر بن يحيي القرطبي الوزغي. مولده بمدينة المهدية من إفريقية، وبها مات في ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمس مئة، وله ثلاث وثمانون سنة». الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج20 ص104ـ 105، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([334]) انظر: الغامدي, حوارهادئ، ص123, الدمام, ط 1426هـ.

([335]) لماماً: أي في رفقة.

([336]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص163، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ. وانظر: محمد بن عقيل، النصائح الكافية: 167 ـ 168، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1412هـ.

([337]) انظر: الدكتور عبد الكريم النملة، مخالفة الصحابي: ص45 ـ 47, الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض, ط2, 1420 هـ.

([338]) حسن بن فرحان المالكي، الصحبة والصحابة: ص20, الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الرياض, ط2, 1425هـ.

([339]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص164، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([340]) انظر: محمّد بن عقيل, النصائح الكافية: ص167ـ 168, الناشر: دار الثقافة ـ قم, ط1, 1412هـ.

([341]) الغامدي, حوار هادئ، ص123, الدمام, ط 1426هـ.

([342]) انظر: ج1 ص134, من هذا الكتاب.

([343]) انظر، عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين: ج10 ص296 ـ 297، الناشر: مكتبة المثنى ـ بيروت، ودار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([344]) محمد بن عقيل، النصائح الكافية: ص167، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1412هـ.

([345]) الغامدي، حوار هادئ: ص124، الدمام, ط 1426هـ.

([346]) ابن حجر، مقدمة فتح الباري: ص443، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1408هـ.

([347]) ابن حجر، الإصابة: ج6 ص203، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([348]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج2 ص171، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([349]) العيني، عمدة القاري: ج10 ص37، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([350]) نقله عنهما ابن كثير في البداية والنهاية: ج8 ص282، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([351]) المصدر نفسه: ج8 ص282.

([352]) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب: ج1 ص69، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([353]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4 ص89، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([354]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج1 ص36، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([355]) الغامدي، حوار هادئ: ص124، الدمام, ط 1426هـ.

([356]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج3 ص120، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1371هـ.

([357]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج2 ص34 ـ 35، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([358]) ابن حجر، الإصابة: ج2 ص91، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([359]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج2 ص108، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([360]) ابن عساكر، تاريخ مديتة دمشق: ج57 ص271، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([361]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص368، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([362]) أحمد بن عمرو البزار، مسند البزار: ج6 ص159، الناشر: مؤسسة علوم القرآن , مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت ـ المدينة، ط1، 1409هـ.

([363]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص720 ـ 721، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ. ضمن تعليقه على حديث رقم 3240.

([364]) أحمد بن حنبل: مسند أحمد: ج4 ص5، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([365]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص720 ـ 721، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ. ضمن تعليقه على حديث رقم 3240.

([366]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط: ج4 ص5، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([367]) أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج11 ص348، الناشر: دار المأمون للتراث. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص480، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([368]) الحاكم، المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيصه للذهبي: ج4 ص480.

([369]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج5 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([370]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص163. البزار، مسند البزار: ج6 ص344، الناشر: مؤسسة علوم القرآن , مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت ـ المدينة، ط1، 1409هـ.

([371]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص112.

([372]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص720، حديث رقم 3240.

([373]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط: ج2 ص163، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([374]) النسائي، السنن الكبرى: ج6 ص459، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص481.

([375]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص481.

([376]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص722، حديث رقم 3240، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([377]) المستدرك على الصحيحين وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج4 ص481.

([378]) أحمد بن عمرو البزار، مسند البزار: ج6 ص241، الناشر: مؤسسة علوم القرآن , مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت ـ المدينة، ط1، 1409هـ.

([379]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص721.

([380]) المصدر نفسه: ج7 ص723 ـ 725.

([381]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص447، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([382]) ابن حجر، الإصابة: ج2 ص91، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([383]) الغامدي، حوار هادئ: ص124، الدمام, ط 1426هـ.

([384]) المصدر السابق: ص124 ـ 125.

([385]) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب ج1 ص62، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([386]) اختلفت كتب التراجم في اسمه، فبعضها ذكرت أنه (بسر)، وبعضها (بشر)،انظر مثلاً: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج1 ص225، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([387]) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب: ج1 ص62، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([388]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج2 ص422، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1371هـ.

([389]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص265 ـ 266، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية، جدة، ط1، 1413هـ.

([390]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص125، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([391]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص422، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([392]) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب: ج1 ص62، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1، 1406هـ.

([393]) البخاري، صحيح البخاري ج4 ص110، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([394]) المصدر السابق: ج7 ص207.

([395]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص70 ـ 71، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([396]) البخاري، صحيح البخاري: ج7 ص208 ـ 209.

([397]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج11 ص333، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([398]) انظر: ج1 ص138 ـ 153, من هذا الكتاب.

([399]) المدثر: 38.

([400]) الإسراء: 13ـ 14.

([401]) الغامدي، حوار هادئ: ص124، الدمام, ط 1426هـ.

([402]) الذهبي، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم: ص24، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([403]) انظر: ج1 ص551, من هذا الكتاب.

([404]) الهيثمي, مجمع الزوائد: ج5 ص202، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ. الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص62، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط2. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص619، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص417ـ 418، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص70، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص108، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ. ابن حجر, لسان الميزان: ج4 ص188، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([405]) قال ابن الأثير: «وليت أموركم خيركم، فكلكم ورم أنفه على أن يكون له الامر من دونه: أي امتلأ وانتفخ من ذلك غضباً. وخصّ الانف بالذكر؛ لأنه موضع الآنفة والكبر، كما يقال: شمخ بأنفه» أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج5 ص176, الناشر: المكتبة العلمية, بيروت, 1399هـ ـ 1979م.

([406]) ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص619 ـ 620، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([407]) العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج3 ص419، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1418هـ. الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص62، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط2.

([408]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص419 ـ 422، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([409]) المصدر نفسه: ج30 ص417.

([410]) القاسم بن سلاّم، الأموال: ج1 ص174، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([411]) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء: ج1 ص34، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4، 1405هـ.

([412]) المصدر السابق: ج1 ص34.

([413]) الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص62، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط2.

([414]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص526، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([415]) محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي، الأحاديث المختارة: ج1 ص90، الناشر: مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة، ط1، 1410هـ.

([416]) المتقي الهندي، كنز العمّال: ج5 ص633، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، 1409هـ.

([417]) الدارقطني، علل الحديث: ج1 ص181، الناشر: دار طيبة ـ الرياض، ط1، 1405هـ.

([418]) بدر الدين، النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج3 ص436، الناشر: أضواء السلف الرياض، ط1ـ 1419هـ.

([419]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص108، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1، 1382هـ.

([420]) العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج3 ص419، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1418هـ.

([421]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص118، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([422]) ابن قيّم الجوزية، عدة الصابرين: ج1 ص178ـ 179، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([423]) أي لم يذكر علوان.

([424]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج30 ص417 ـ 419، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([425]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج3 ص1148 ـ 1149، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([426]) القاسم بن سلاّم، الأموال: ج1 ص174.

([427]) محمد بن يزيد المبرّد، الكامل في اللغة والأدب: ج1 ص10، الناشر: دار الكتاب العربي، القاهرة، ط3ـ 1417هـ.

([428]) الحكيم الترمذي, نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ج1 ص364، الناشر: دار الجيل, بيروت ـ 1992م. البيهقي, شعب الإيمان: ج4 ص294, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([429]) البلاذري, أنساب الأشراف: ج2 ص269، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([430]) حوار هادئ، الغامدي: ص127، الدمام, ط 1426هـ.

([431]) حوار هادئ، الغامدي: ص135، الدمام, الطبعة الجديدة, 1427هـ.

([432]) أخرجه الحاكم النيسابوري بأكثر من طريق عن جابر وابن عباس في المستدرك على الصحيحين: ج3 ص126 ـ 127، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. وأخرجه الترمذي عن علي× بلفظ: «أنا دار الحكمة وعلي بابها»، الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص301، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ. والحديث له طريق عديدة لا يسع المجال لذكرها.

([433]) مراده السيد محمد البخاري في تذكرة الأبرار.

([434]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج3 ص61، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([435]) ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثيّة: ص123، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([436]) انظر: المتقي الهندي، كنز العمال: ج13 ص149، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، 1409هـ.

([437]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التخليص للذهبي: ج3 ص125.

([438]) المصدر السابق: ج3 ص126.

([439]) أوردنا نصّ كلامه في الجزء الأول من هذا الكتاب: ص132 ـ 133.

([440]) الغامدي، حوار هادئ: ص127، الدمام, ط 1426هـ.

([441]) راجع القول كاملاً في الجزء الأول من كتابنا هذا: ص133 ـ 134.

([442]) الغامدي, حوار هادئ: ص128 ـ 129، الدمام, ط 1426هـ.

([443]) المصدر نفسه: ص137، الدمام, الطبعة الجديدة, 1427هـ.

([444]) محمد بن عقيل، النصائح الكافية: ص166، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1412هـ.

([445]) انظر، عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين: ج10 ص296 ـ 297، الناشر: مكتبة المثنى ـ بيروت، ودار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([446]) محمد بن عقيل، النصائح الكافية: ص167، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1412هـ.

([447]) المصدر نفسه: ص163 ـ 164.

([448]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص128، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([449]) فقد قال ابن كثير: «وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه، أما في دنياه, فإنه لمّا صار إلى الشام أميراً، كان يأكل في اليوم سبع مرات, يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ويقول: والله ما أشبع وإنما أعيا، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كلّ الملوك. وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه, عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: (اللهم إنما أنا بشر, فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة). فركب مسلم من الحديث الأول، وهذا الحديث فضيلة لمعاوية، ولم يورد له غير ذلك».البداية والنهاية: ج8 ص128، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ

ونترك الحكم هاهنا للقارئ اللبيب, ليحكم في كيفية تحوّل المذموم إلى ممدوح, وليتأمل في رواية مسلم ويتساءل: هل أنّ النبيّ’كان سباباً كما تصرّح الرواية!! أم أنّ الرواية وضعت لتغطية فضائح البعض!

([450]) انظر: البلاذري، أنساب الأشراف: ج5 ص136، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج59 ص155 ـ 157، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([451]) الأميني، الغدير: ج10 ص143 ـ 145، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4، 1397هـ.

([452]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج5 ص134.

([453]) محمد بن عقيل، العتب الجميل: ص25. الناشر: دار الإمام النووي, عمّان, ط1, 1425هـ

([454]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الارنؤوط: ج5 ص347، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([455]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج5 ص42، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([456]) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج2 ص275 ـ 276، الناشر: دار الفكر، ط1، 1410هـ.

([457]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج3 ص9، ح رقم: 1011، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([458]) النسائي، سنن النسائي: ج7 ص176 ـ 177، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1348هـ.

([459]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج3 ص9، ح رقم: 1011.

([460]) الشوكاني، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ج1 ص407، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3، 1407هـ.

([461]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص81، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([462]) حيث ورد في حقه قوله’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115، ج3 ص207، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([463]) انظر: ص64ـ69 من هذا الجزء.

([464]) انظر: الصحبة والصحابة: ص184, الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الرياض, ط2, 1425هـ.

([465]) انظر: حسن بن علي السقاف، صحيح شرح العقيدة الطحاوية: ص637، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط1، 1416هـ. وانظر: تحقيقه على كتاب العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل لابن عقيل: ص23, 25.

([466]) تقدّم رأيه في ص289, من هذا الجزء.

([467]) ابن حزم, المحلى: ج9 ص393, الناشر: دار الفكر.

([468]) القرافي، شرح تنقيح الفصول في علم الأصول: ص281, الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([469]) الغزالي, المستصفى: ص125, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([470]) ابن تيميّة, مجموع الفتاوى: ج15 ص358, الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([471]) الذهبي، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم: ص24، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([472]) سعد الدين التفتازاني: شرح المقاصد: ج2 ص306, الناشر: دار المعارف النعمانية، ط1، 1401هـ.

([473]) انظر: الدكتور عبد الكريم النملة، مخالفة الصحابي: ص45 ـ 47, الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض, ط2, 1420هـ.

([474]) حسن بن فرحان المالكي، الصحبة والصحابة: ص20, الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الرياض, ط2, 1425هـ.

([475]) الغامدي, حوار هادئ: ص130، الدمام, ط 1426هـ.

([476]) النووي، المجموع: ج8 ص18، الناشر: دار الفكر.

([477]) المصدر نفسه: ج12 ص368.

([478]) ابن عابدين، حاشية رد المختار: ج2 ص171، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([479]) الغزالي، المستصفى: ص168، ومخالفة الغزالي لهذه الآراء غير ضار, فليس غرضنا إثبات رأي الغزالي, بل غرضنا إثبات أنّ هناك قوم يقولون بحجيّة مذهب الصحابي.

([480]) النووي، المجموع: ج1 ص58 ـ 59، الناشر: دار الفكر.

([481]) الشاطبي، الموافقات: ج4 ص125، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([482]) فقد أخرج مسلم في صحيحه: ج1 ص193، الناشر: دار الفكر ـ بيروت: «أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء, فقال: لا تصلّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا, فلم نجد ماءً, فأمّا أنت فلم تصلّ, وأمّا أنا فتمعكت في التراب وصلّيت, فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض, ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر: اتقّ الله يا عمّار، قال: إنْ شئتَ لم أحدّث به».

([483]) وكان يقول على ما في جامع البيان للطبري: ج6 ص58، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ: «لأن أكون أعلم الكلالة أحبّ ألي من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم».

([484]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج1 ص96، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([485]) انظر الحديث بألفاظه المختلفة في: صحيح البخاري: ج8 ص127، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. صحيح مسلم: ج6 ص3ـ 4. صحيح ابن حبان: ج15 ص43، واللفظ للأخير.

([486]) انظر حديث الثقلين بألفاظه المختلفة في: مسلم، صحيح مسلم: ج7 ص123. الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص328، 329، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ. واللفظ له، النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص45، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص14، ج5 ص182، 189 ـ 190، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص109, ص148.

([487]) وقد وثقنا ما يتعلق بمعاوية في عدّة أبحاث من هذا الكتاب فليراجع

([488]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص723، ضمن تعليقه على حديث رقم 3240، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([489]) رشيد رضا، تفسير المنار: ج9 ص506 ـ 507، الناشر: دار المنار, مصر ـ ط2, 1367هـ.

([490]) رشيد رضا، مجلة المنار: ج19، شهر شعبان, سنة: 1334هـ, مقال تحت عنوان: السنّة وصحّتها والشريعة ومتانتها.

([491]) رشيد رضا، مجلة المنار: ج30، جمادي الأولى, سنة: 1348, مقال تحت عنوان: ثورة فلسطين أسبابها ونتائجها.

([492]) الغامدي،حوار هادئ: ص 132ـ 133، الدمام, ط 1426هـ.

([493]) الغامدي، حوار هادئ: ص 133.

([494]) انظر في هذا الكتاب: ج1 ص123ـ125, وانظر: ج2 ص192ـ 196.

([495]) الغامدي، حوار هادئ: ص134، الدمام, ط 1426هـ.

([496]) ابن عبد البرّ، التمهيد: ج20 ص248، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، 1387هـ.

([497]) المصدر نفسه: ج20 ص250ـ 251.

([498]) وهو الحديث الذي أخرجه مالك بسنده إلى النعمان بن مرة: «أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: ما ترون في الشارب والسارق والزاني, وذلك قبل أن ينزل فيهم [وفي لفظ الشافعي: قبل أن تنزل فيهم الحدود، اختلاف الحديث: 533] قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هُنّ فواحش وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها» مالك، الموطأ: ج1 ص167، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، 1406هـ.

([499]) ابن عبد البر، التمهيد: ج20 ص248.

([500]) الغامدي, حوار هادئ: ص142، الدمام, ط 1427هـ.

([501]) المصدر نفسه: ص143.

([502]) الغامدي، حوار هادئ: ص135، الدمام، ط1، 1426هـ.

([503]) المناوي، فيض القدير: ج4 ص368ـ 369، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([504]) الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص323، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2، 1403هـ.

([505]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج8 ص337، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([506]) حوار هادئ، الغامدي: ص145، الدمام, الطبعة الجديدة, 1427هـ.

([507]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق الأرنؤوط: ج4 ص106، الناشر: دار قرطبة ـ القاهرة.

([508]) المصدر السابق.

([509]) المصدر نفسه، بتحقيق حمزة الزين: ج11 ص220, الناشر: دار الحديث ـ القاهرة, ط1, 1416هـ.

([510]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج4 ص85، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([511]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص5، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([512]) البزار، مسند البزار: ج1 ص413، الناشر: مؤسسة علوم القرآن, مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت, المدينة، ط1ـ 1409هـ.

([513]) ابن حجر، المطالب العالية: ج12 ص394، الناشر: دار العاصمة ـ دار الغيث ـ السعودية، ط1ـ 1419هـ.

([514]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج10 ص65، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([515]) أخرجه الحسن بن عرفة، على ما في تفسير ابن كثير: ج1 ص44، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، 1412هـ. والسيوطي، الدر المنثور: ج1 ص26، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وأخرجه البيهقي في الدلائل: ج6 ص538، واللفظ للأخير, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط3 1429هـ.

([516]) أحمد محمد شاكر، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير: ص370ـ 371، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1, 1417هـ.

([517]) السخاوي، فتح المغيث: ج2 ص156، الناشر: دار الكتب العلمية ـ لبنان، ط1، 1403هـ.

([518]) الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج2 ص103، ح رقم 648، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1، 1412هـ.

([519]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص654 ـ 656، ح رقم 3215، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([520]) المصدر السابق: ج3 ص21ـ 22, حديث رقم 1024، وكذا في: ج4 ص433 ـ 434, حديث رقم: 1820، وكذا في: ج7 ص403, في ذيل تعليقه على الحديث رقم 3143.

([521]) البزار، مسند البزار: ج1 ص413، الناشر: مؤسسة علوم القرآن , مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت ـ المدينة، ط1، 1409هـ.

([522]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج10 ص65، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([523]) البزار، مسند البزار: ج1 ص414.

([524]) ابن عبد البر، التمهيد: ج20 ص245ـ 250، الناشر: وزارة الأوقاف ـ المغرب، 1387هـ.

([525]) انظر: ابن حجر، الإصابة: ج5 ص105ـ 106، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([526]) انظر: المصدر السابق: ج5 ص485ـ 486.

([527]) انظر: المصدر نفسه: ج6 ص212.

([528]) ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية: ج7 ص186، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([529]) ابن حبّان، المجروحين: ج1 ص345، الناشر: دار الوعي ـ حلب، ط1، 1396هـ.

([530]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج4 ص259ـ 260، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([531]) أبو نعيم الإصبهاني، الضعفاء: ص91, الناشر: دار الثقافة ـ الدار البيضاء, المغرب.

([532]) الذهبي، المغني في الضعفاء: ج1 ص419، الناشر: إدارة إحياء التراث الإسلامي ـ قطر.

([533]) جلال الدين السيوطي، اللآلئ المصنوعة: ج1 ص181،، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([534]) تقدّم ذكر هذه الأحداث في بحث: قتلة عثمان وظروف الثورة: ص76ـ116 .

([535]) انظر: الغامدي، حوار هادئ: ص138، الدمام, ط 1426هـ.

([536]) أخرجه البلاذري في الأنساب، قال: «وحدّثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا: حدّثنا عبد الرزاق بن همام انبأنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كنت عند النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء، فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء، قال: فطلع معاوية، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): هو هذا» أنساب الأشراف: ج5 ص134، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ. قال العلامة السيد حسن السقاف في تحقيقه على كتاب العتب الجميل: «قال الحافظ السيد أحمد بن الصدّيق الغماري في (جؤنة العطار: 2/154): وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهو يرفع كلّ غمة عن المؤمن المتحيّر في شأن هذا الطاغية قبحه الله ويقضي على كلّ ما يموّه به المموهون في حقّه...» العتب الجميل: ص25, الناشر: دار الإمام النووي, عمّان, ط1, 1425هـ.

([537]) الغامدي، حوار هادئ: ص138، الدمام, ط 1426هـ.

([538]) انظر: البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص56، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([539]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص80، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([540]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص156، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([541]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص147، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([542]) المصدر نفسه: ج6 ص169.

([543]) المتكاء: العظيمة البطن، البظراء المفضاة، التي لا تمسك البول.

([544]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص161، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([545]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص295، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([546]) المصدر نفسه: ج9 ص296ـ 297.

([547]) ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص29، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([548]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([549]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج5 ص42، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ.

([550]) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج3 ص121، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([551]) أبو يعلى, مسند أبي يعلى: ج12 ص444ـ 445، الناشر: دار المأمون للتراث.

([552]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ص997، ح3332، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([553]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص260 ـ 261، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([554]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص18 ـ 19، ح2008.

([555]) انظر: مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص152، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([556]) المبرد، الكامل في اللغة والأدب: ج2 ص87، الناشر: دار الكتاب العربي، القاهرة، ط3ـ 1417هـ.

([557]) الخوارزمي، المناقب: ص258، وانظر: المبرد، الكامل في اللغة والأدب: ج2 ص87، الناشر: دار الكتاب العربي، القاهرة، ط3ـ 1417هـ.

([558]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص203ـ 204، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([559]) انظر ترجمتهما في: ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص382، ج5 ص162، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([560]) انظر الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص247، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([561]) ابن حجر، لسان الميزان: ج2 ص488، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([562]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص314، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 1415هـ.

([563]) الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص72، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط2.

([564]) المصدر نفسه: ج3 ص72.

([565]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج46 ص60، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([566]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج4 ص13، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([567]) أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج12 ص140 ـ 141، الناشر: دار المأمون للتراث. الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص91 ـ 92، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط2.

([568]) النسائي، السنن الكبرى: ج6 ص459، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1411هـ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص481.

([569]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص481.

([570]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج7 ص722، ح3240.

([571]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج12 ص492، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

([572]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج7 ص137ـ 138، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ.

([573]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج3 ص128، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([574]) الذهبي، الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم: ص23، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([575]) سعد الدين التفتازاني: شرح المقاصد: ج2 ص306 ـ 307، الناشر: دار المعارف النعمانية، ط1، 1401هـ.

([576]) قال ابن حجر في الإصابة: ج2 ص432، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ: «وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم أن مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل، فقال: هذا أعان على عثمان, فرماه بسهم في ركبته، فما زال الدم يسيح حتّى مات».

([577]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف: ج11 ص240، الناشر: منشورات المجلس العلمي. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص199، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص155ـ 156، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([578]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص156.

([579]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق الأرنؤوط: ج4 ص199، الناشر: دار قرطبة.

([580]) أعني قول النبيّ’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115، ج3 ص207، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([581]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص67، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([582]) المصدر السابق: ج3 ص69 ـ 70.

([583]) الدينوري، الأخبار الطوال: 163، الناشر: دار إحياء الكتب العربي، ط1، 1960م.

([584]) المصدر السابق: ص163.

([585]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص73ـ 74، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص186، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: ج1 ص88، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1418هـ.

([586]) ابن شبّه النميري، تاريخ المدينة: ج4 ص1288 ـ 1289، الناشر: دار الفكر ـ قم، 1410هـ.

([587]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج16 ص154, الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([588]) ابن جرير الطبري: تاريخ الطبري: ج3 ص402، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([589]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج8 ص44ـ 45, الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([590]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج26 ص116، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. وانظر ابن عبد البر، الاستيعاب: ج4 ص1697، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([591]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص570. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص286، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([592]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص560. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص276.

([593]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص477. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص206.

([594]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص193، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([595]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج2 ص716، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ.

([596]) ابن شبّه النميري، تاريخ المدينة: ج4 ص1172، الناشر: دار الفكر ـ قم، 1410هـ. ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص35ـ 36، الناشر: دار صادر ـ بيروت. البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص192ـ 193، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([597]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص468 ـ 469، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ.

([598]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج6 ص215, الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([599]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص187، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([600]) ابن حجر، الاصابة: ج3 ص432، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([601]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج6 ص201.

([602]) المصدر السابق: ج6 ص192.

([603]) المصدر نفسه: ج6 ص188.

([604]) المصدر نفسه: ج6 ص156.

([605]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص411، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4، 1403هـ. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص174، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([606]) الظاهر أنّ مراده: إلى البصرة.

([607]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص254، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([608]) المصدر نفسه: ج7 ص256.

([609]) المصدر السابق.

([610]) المصدر نفسه: ج7 ص258.

([611]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط: ج6 ص52، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([612]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج2 ص177ـ 178، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([613]) ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص708، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([614]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط: ج6 ص97، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([615]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص234، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([616]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص45، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([617]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج6 ص236، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([618]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص234، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([619]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص46، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([620]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج1 ص846، ح474، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([621]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص258، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([622]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص24، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([623]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص210، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، 1385هـ.

([624]) انظر: ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج1 ص854، ح474، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([625]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص260، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([626]) المصدر نفسه: ص261.

([627]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج3 ص119، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([628]) المصدر نفسه: ج3 ص119.

([629]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج6 ص96، الناشر: دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ.

([630]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص553، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ.

([631]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص613، الناشر: دار القبلة للثقافة الاسلامية، جدة، ط1، 1413هـ.

([632]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج2 ص73، في تعليقه على حديث رقم: 537، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ.

([633]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بتحقيق أحمد محمد شاكر: ج2 ص171، في تعليقه على حديث رقم: 1381، الناشر: دار الحديث، القاهرة.

([634]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص262ـ 263، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1408هـ.

([635]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص366ـ 367، الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([636]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج6 ص342، حديث رقم: 2659.

([637]) الحاكم النيسابوري، سؤالات الحاكم للدارقطني: ص121، الناشر: مكتبة العارف، الرياض، ط1، 1404هـ.

([638]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج6 ص342، حديث رقم: 2659.

([639]) انظر، الذهبي، تاريخ الإسلام: ج29 ص46، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([640]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص269، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([641]) المصدر السابق: ج7 ص261.

([642]) الظاهر أنّ مراده البصرة.

([643]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص270، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

([644]) المصدر نفسه: ج7 ص266.

([645]) حيث سمّه معاوية في العسل، ولمّا بلغه الخبر قال: «إن لله جنوداً من العسل»، انظر السمعاني، الأنساب: ج5 ص476، الناشر: دار الجنان ـ بيروت، ط1، 1408هـ. ولما بلغ علي نعيه قال: «إنّا لله، مالك، وما مالك! وهل موجود مثل ذلك؟ لو كان حديداً، لكان قيداً، ولو كان حجراً، لكان صلداً، على مثله فلتبكِ البواكي»، الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص34، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9، 1413هـ.

([646]) انظر: ج1 ص387، من هذا الكتاب.

([647]) سبأ: 13.

([648]) الزخرف: 78.

([649]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج4 ص458، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([650]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص3، الناشر: دار المعرفة، ط2.

([651]) ابن حجر، الإصابة: ج2 ص525.

([652]) المصدر نفسه: ج4 ص544.

([653]) المصدر نفسه: ج4 ص639.

([654]) المصدر السابق: ج5 ص405.

([655]) المصدر نفسه: ج1 ص239.

([656]) ابن عبد البر، الإستيعاب: ج1 ص68، الناشر: دار الجيل، ط1، 1412هـ. ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص50، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. واللفظ له.

([657]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص562، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([658]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج1 ص562، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([659]) المصدر نفسه: ج4 ص420.

([660]) المصدر نفسه: ج4 ص569.

([661]) ابن هشام الحميري، السيرة النبوية: ج4 ص1005، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ بمصر، 1383هـ.

([662]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج5 ص452، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([663]) المصدر نفسه: ج5 ص472. وانظر ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص13، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([664]) مختلف في صحبته.

([665]) الفل: جمعها فلول, هي بقايا الجيش المنهزمة.

([666]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج7 ص101، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([667]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج6 ص330ـ 331، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([668]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج6 ص262، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([669]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج7 ص327، الناشر: دار الحرمين، 1415هـ.

([670]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج3 ص191.

([671]) الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج7 ص429, حديث رقم 3420، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1، 1412هـ.

([672]) ابن حجر، الإصابة: ج 6 ص 339، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

([673]) محمد بن عقيل، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: ص172، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1412هـ.

([674]) المصدر السابق: ص174.

([675]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزوني: ص118، الدمام, ط 1426هـ.

([676]) انظر: ج1 ص139, من هذا الكتاب.

([677]) الزمر: 41.

([678]) جاء في صحيح البخاري: ج1 ص134، الناشر: دار الفكر، 1401هـ، عن الزهري، قال: «دخلت على أنس بن مالك بدمشق ـ وهو يبكي ـ فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصّلاة، وهذه الصّلاة قد ضيّعت».

([679]) انظر: ج1 ص385, من هذا الكتاب.

([680]) ابن عبد البر، الاستيعاب:ج2 ص497، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

([681]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1 ص307، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([682]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص69، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([683]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج6 ص166، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([684]) المفيد، الأرشاد: ج1 ص287، الناشر: المفيد للطباعة والنشر، ط2ـ 1414هـ، وقال قبلها: «وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة، عن ابن عباس» وذكر الخطبة: الصدوق، معاني الأخبار: ج2 ص361، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، طبعة 1379هـ.. الطوسي، الأمالي: ص373، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر، ط1ـ 1414هـ. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص151. الناشر: دار إحياء الكتب العربية. سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص124، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة.

([685]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج1 ص250، الناشر: مؤسسة اسماعيليان، ط4ـ 1364ش.

([686]) الكليني، الكافي، ج8 ص32ـ 33، الناشر الكتب الإسلامية، طهران، ط5ـ 1363ش.

([687]) الطوسي، الغيبة: ص193 وص335، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ط1ـ 1411هـ.

([688]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص154، الناشر الفكر ـ بيروت.

([689]) البخاري، صحيح البخارى: ج5 ص82ـ 83، الناشر: دار الفكر، طبعة 1401هـ.

([690]) الصدوق، علل الشرائع: ج1 ص146، الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية، طبعة 1385هـ. الصدوق، الأمالي: ص716، الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط1ـ 1417هـ.

([691]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج9 ص241. الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([692]) المفيد، الأرشاد: ج1 ص287، الناشر: المفيد للطباعة والنشر، ط2ـ 1414هـ، وقال قبلها: «وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة، عن ابن عباس» وذكر الخطبة: الصدوق، معاني الأخبار: ج2 ص361، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، طبعة 1379هـ. الطوسي، الأمالي: ص373، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر، ط1ـ 1414هـ. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص151 الناشر: دار إحياء الكتب العربية. سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص124، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة.

([693]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص370، الناشر: صادر ـ بيروت.

([694]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([695]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص419، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

(2) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([697]) كذا في المطبوع ولعل الصحيح: «كباب حطة<.

([698]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص503، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1ـ 1409 هـ.

([699]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83. الناشر: دار الفكر، ط 1401هـ.

([700]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج2 ص268، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417 هـ.

([701])المصدر نفسه: ج2 ص269.

([702]) هذا أحد الآراء في المسألة عند الشيعة، وهناك رأي آخر يرى أنه قد بايع أبا بكر منذ البداية؛ إلاّ أن بيعته وقعت تحت الإكراه والتهديد الذي ربّما وصل إلى حدّ التصريح بالقتل، وعلى كلا الرأيين فإن البيعة لم تكن عن قبول ورضا منه×.

([703]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص320، الناشر صادر ـ بيروت.

([704]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص296، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([705]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص261، برقم (2223)، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1410 هـ.

([706]) سليمان بن داود الطيالسي، مسند أبي داود: ص360، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([707]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص132ـ 134، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([708]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص263.

([709]) المزي، تهذيب الكمال: ج6 ص84، 86، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط4ـ 1413هـ.

([710]) فقد جاء في البخاري: ج5 ص82: «فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلّمه حتّى توفيت، وعاشت بعد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ستة أشهر، فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها..». وانظر: صحيح مسلم: ج5 ص153ـ 154.

([711]) انظر كتاب السنة لابن أبي عاصم: ص489، الناشر: المكتب الإسلامي ـ دمشق ـ بيروت، ط3، 1413هـ.

([712]) عفى الشيء: محاه.

([713]) عبد الرزاق الصنعاني: ج3 ص521، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([714]) المصدر نفسه.

([715]) ابن أبي شيبة، المصنّف: ج8 ص572، الناشر الفكر، ط1ـ 1409هـ.

([716]) ذكر صحّتها في الهامش، فقال:« كنت أظنّ أن المداهمة مكذوبة لا تصحّ حتّى وجدتُ لها أسانيد قوية، منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن أسلم مولى عمر وغير ذلك» قراءة في كتب العقائد: ص46.

([717]) حسن بن فرحان المالكي، قراءة في كتب العقائد، المذهب الحنبلي نموذجاً: ص46، الناشر: مركز الدراسات التاريخية، ط3ـ 1430هـ.، عمّان.

([718]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج2 ص268، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1ـ 1417 هـ.

([719]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج3 ص241، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط2ـ 1410 هـ.

([720]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج16 ص208، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([721]) ابن شبة النميري، تاريخ المدينة: ج1 ص124. الناشر: دار الكتب العلميةـ بيروت:، ط 1417.

([722]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص152، الناشر الفكر ـ بيروت.

([723]) انظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج16 ص233، الناشر: دار إحياء الكتب العربية. وانظر: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص354. الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

([724]) الدولابي، الذرية الطاهرة: ص157، الناشر: الدار السلفية، الكويت، ط1ـ 1407 هـ

([725]) المصدر نفسه: ص159.

([726]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج6 ص180، الناشر الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

([727]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج19 ص438، الناشر الفكر ـ بيروت، 1415هـ.

([728]) أي إثبات العلاقة الوديّة بين الإمام علي× والخليفة عمر.

([729]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص152، الناشر الفكر ـ بيروت.

([730]) الذهبي، تاريخ الإسلام: وفيات (11ـ 40 هـ)، ج3 ص638، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([731]) روى السمعاني في الأنساب: ج3 ص95، الناشر: دار الجنان ـ بيروت، ط1، 1408هـ.: أن أبا بكر قد أمر خالد بن الوليد أن يقتل علياً, لكنّه ندم على ذلك, فنهى عن قتله وقال: «لا يفعل خالد ما أُمر به» وقد ذكر السمعاني هذه المسألة من دون أن يتعقّبها بأي رفض أو نقاش ممّا يُدلّل على قبوله إيّاها.

([732]) نهج البلاغة: ج1 ص11ـ 13، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([733]) نقلاً عن كتاب مصادر نهج البلاغة، عبد الزهرة الكعبي: ج1 ص12، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت.

([734]) البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص155، الناشر: دار الفكر، 1401هـ. باب: من طاف على نسائه بغسل واحد. وفي صحيح مسلم: ج1 ص171، الناشر: دار الفكر ـ بيروت: «أنّ النبيّ’كان يطوف على نسائه بغسل واحد».

([735]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص130. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص99ـ 100.

([736]) أي: أرسلت رؤوسهم مع البريد بعد قتلهم إلى البغاة للتشفي منهم.

([737]) نهج البلاغة، شرح محمد عبده: ج2 ص109.

([738]) انظر: الغامدي، حوار هادئ مع القزويني: ص156، الدمام، ط1، 1426هـ.

([739]) انظر الغامدي: حوار مع القزويني، ص157، الدمام، ط1، 1426هـ.

([740]) الشهيد الثاني، مسالك الافهام: ج14 ص453، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية قم، ط1ـ 1419هـ.

([741]) روح الله الخميني، كشف الاسرار: ص138.

([742]) المصدر نفسه: ص135، النسخة الفارسية.

([743]) بحثناه تحت عنوان: رأي الشيعة في طهارة أمّهات المؤمنين.

([744]) الطباطبائي, تفسير الميزان: ج15 ص102, الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية, قم المقدسة.

([745]) الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج6 ص27ـ ص32، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([746]) انظر: البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص56، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([747]) قال القرطبي في تفسيره: ج12 ص201ـ 202، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: «المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدّ حسان ومِسْطَح وحمنة، ولم يسمع بحدّ لعبد الله بن أبي. روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: لما نزل عذري قام النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدّهم، وسمّاهم: حسّان بن ثابت، ومِسْطَح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش».

وقال ابن حزم: «فبعد نزول هذه الآية جلد رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) مِسْطَح بن أثاثة، وحسّان بن ثابت، وحمنة بنت جحش....»، ابن حزم، المحلى: ج11 ص130، الناشر: دار الفكر.

([748]) النمل: 14.

([749]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج6 ص22، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([750]) أبو داود الطيالسي، مسند أبي داود: ص259، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([751]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج10 ص434، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2ـ 1414هـ.

([752]) ابن عبد البر، الإستذكار: ج5 ص505، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1ـ 2000م. وجاء في المبسوط للسرخسي: ج4 ص27، الناشر: دار المعرفة, بيروت, سنة الطبع: 1406هـ: «وقد صحّ أن عمرL نهى الناس عن المتعة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأنا أنهى الناس عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج».

([753]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص281، الناشر: دار صادر ـ بيروت. السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص123، الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1، 1371هـ.

([754]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص252، الناشر: دار الفكر، 1401هـ.

([755]) المصدر نفسه: ج2 ص252.

([756]) روح الله الخميني، كشف الأسرار: ص119، ص122ـ 126.

([757]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص152، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([758]) السيد علي خان المدني، الدرجات الرفيعة: 39، الناشر: مكتبة بصيرتي ـ قم، 1397هـ.

([759]) الغامدي، حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص250، الناشر: السعودية، ط1، 1426هـ.

([760]) المصدر نفسه: ص261.

([761]) المصدر نفسه: ص263.

([762]) المصدر نفسه: ص264.

([763]) ذكر الطوسي في رجاله 488 صحابياً، في أصحاب النبيّ’، وقد وثق منهم 176 صحابياً، وذكر 436 صحابياً في أصحاب أمير المؤمنين وقد وثّق منهم 187 صحابياً من شهد من أصحاب النبيّ’ مع علي× في الجمل.

كما روى الطوسي أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: «شهد مع علي× يوم الجمل ثمانون من أهل بدر، وألف وخمسمائة من أصحاب رسول الله’». الطوسي، الأمالي: ص726، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1، 1414هـ. وانظر: القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج1 ص401، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم.

وقال الذهبي: «قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم، قال: كنّا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وقتل بينهما ثلاثون ألفاً، لم تكن مقتلة أعظم منها». الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص484، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ. وانظر: ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط: ص138، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. العقد الفريد: ج3 ص314، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط3، 1420هـ.

أمّا من شهد من أصحاب النبيّ ’مع عليّ في صفين، فقد قال الحاكم: «شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة». المستدرك: ج3 ص104، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث. وانظر: ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص255، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

وقال ابن أعثم الكوفي: «وهم يومئذ تسعون ألفاً وثمانمائة رجل ممّن بايع النبيّ’ تحت الشجرة، قال سعيد بن جبير: كان مع عليL يومئذ ثمانمائة رجل من الأنصار، وتسعمائة ممن بايع تحت الشجرة». ابن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح: ج2 ص544، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت، ط1، 1411هـ.

وروى خليفة بن خياط، عن عبد الرحمن بن أبزي: «شهدنا مع علي ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرضوان، قتل منّا ثلاثة وستون، منهم: عمّار بن ياسر». ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط: ص148، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وانظر: ابن أعثم, كتاب الفتوح: ج2ص 544، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت، ط1، 1411هـ.

([764]) حسن بن فرحان المالكي، نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي: ص183، الناشر: مؤسسة اليمامة، 1418هـ.

([765]) المصدر نفسه: ص186.

([766]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4ص370، الناشر صادر ـ بيروت.

([767]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين: ص100، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

([768]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج15ص376، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([769]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1408هـ.

([770]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص331، حديث رقم 1750، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، 1415هـ.

([771]) انظر نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: ج6 ص21, الناشر: دار إحياء الكتب العربية. وانظر اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([772]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص261ـ 263.

([773]) الذهبي، تاريخ الإسلام: وفيات (11ـ 40 هـ)، ج3 ص638، الناشر: دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ.

([774]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص23، الناشر الكتاب العربي ـ بيروت.

([775]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص51، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

([776]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج30 ص311، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، 1415هـ. والحديث معروف له مصادر عديدة جدّاً.

([777]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج1 ص386، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث.

([778]) تقدم الكلام عن هذا الخبر وصحّته في الجزء الأول عند البحث عن النفاق والمنافقين.

([779]) الطوسي، العدّة: ص141ـ 142، مطبعة ستارة قم، ط1ـ 1417هـ.

([780]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص250ـ 251.

([781]) لم نعثر على هذا النص عند البرقعي بحسب التتبع.

([782]) ابن ماكولا، الإكمال: ج7 ص144، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1414هـ.

([783]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج15 ص280, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط9, 1413هـ.

([784]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج24 ص250, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1407هـ.

([785]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج3 ص303, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([786]) وهذا الحديث حيّر أهل السنّة؛ لأنّهم لم يجدوا خارجاً ما ينسجم مع هذا العدد، فالخلفاء الراشدين لم يصلوا إلى إثني عشر، والامويون أو العباسيون أو كلاهما، زاد عددهم على الاثني عشر، لذا شرعوا ينتقون انتقاءً، وكأنّ النبيّ ’ ترك رسالته في مهبّ الريح، ومن أغرب ما قالوه في ذلك أنّهم أدخلوا ضمن الأئمة الاثني عشر معاوية بن أبي سفيان ويزيد ابن معاوية، على رغم ما سجّله التاريخ الصحيح في حقهم مما يسقط عدالتهم، بل ربما يخرجهم من الإسلام.

([787]) الطوسي، الغيبة: ص82, الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة ـ قم, ط1, 1411هـ.

([788]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص445 ـ458.

([789]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص458 ـ462.

([790]) السرخسي، المبسوط: ج4 ص27, الناشر: دار المعرفة, بيروت, 1406هـ.

([791]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: ص123, الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1, 1371هـ.

([792]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص131, الناشر: دار الفكر, بيروت.

([793]) المصدر السابق: ج4 ص130.

([794]) عن عائشة قالت: «لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها», ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص625ـ 626, وحسّنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه: ج2 ص148, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض, ط1, 1417هـ.

([795]) أخرجه البخاري قول النبيّ’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية, عمّار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115, ج3 ص207, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ.

([796]) البخاري, صحيح البخاري: ج4 ص130, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ. مسلم, صحيح مسلم: ج7 ص99ـ 100, الناشر: دار الفكر, بيروت, طبعة مصححة.

([797]) انظر: تفاصيل ماذكرناه حول روايات الحوض في: ج1 من هذا الكتاب: ص154ـ171.

([798]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص324، الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2, 1403هـ. وقال: «هذا حديث حسن».

([799]) البخاري، صحيح البخاري: ج7 ص209, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ.

([800]) خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ عدد الصحابة الذين رأوا النبيّ ورووا عنه أكثر من مئة ألف صحابي كما يقرر أبو زرعة، وأنّ العدد المترجم لهم من الصحابة لا يبلغون عشر عددهم الحقيقي (الإصابة: ج1 ص154) وأنّ الصحابة الذين وصلت رواياتهم على ما عدّهم ابن حزم تسعمائة وتسع وتسعون صحابي (انظر: كتاب أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد)، وإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الصحابة الذين هم محل الخلاف والحوار قد لا يصل إلى عشر عدد المترجم لهم، فهل يبقى لإطلاق قولكم قيمة علمية حينئذ، فالكثير من الصحابة ليس لهم رواية، والكثير ممّن روى لم تصل رواياتهم، فكيف يضيع الدين إذا قلنا إنّ بعض الصحابة ليسوا بعدول؟!

([801]) الصحيح هو (لم) ولعل ذلك وقع سهوا في الطباعة.

([802]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص156, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ.

([803]) ربّما الصحيح: عهدهم بدلاً عن لفظة: (عهد)

([804]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج2 ص985, الناشر: دار الفكر.

([805]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص99, الناشر: دار الفكر, بيروت, طبعة مصححة. النسائي، سنن النسائي: ج5 ص215, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط1, 1348هـ.

([806]) نور الدين بن عبد الهادي السندي، حاشية السندي على النسائي: ج5 ص214، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([807]) انظر: حوار هادئ مع الدكتور القزويني: ص101, الدمام, 1426هـ

([808]) انظر: ص60ـ63 من هذا الجزء.

([809]) أعني قول النبيّ’: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله [وفي لفظ إلى الجنة] ويدعونه إلى النار» البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص115، ج3 ص207, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ

([810]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج2 ص214, الناشر: المكتبة العلمية, بيروت, 1399هـ ـ 1979م.

([811]) ابن منظور، لسان العرب: ج3 ص172، الناشر: دار صادر ـ بيروت, ط1.

([812]) ابن عساكر، تاريخ دمشق: ج30 ص311, الناشر: دار الفكر, بيروت , 1415هـ.

([813]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي: ج1 ص386, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([814]) كلّ ماذكرناه من الفضائل تقدم في طيات كتابنا هذا فلا نعيد.

([815]) العيني، عمدة القاري: ج17 ص222, الناشر: دار إحياء التراث, بيروت.

([816]) عبد اللّه بن عدي، الكامل: ج3 ص63، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3, 1409هـ.

([817]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج20 ص391، الناشر: دار الفكر, بيروت , 1415هـ. ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج3 ص67، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([818]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله تلخيص الذهبي: ج4 ص6, الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج2 ص193, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط9, 1413هـ.

([819]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج2 ص193, الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط9, 1413هـ.

([820]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج1 ص846 وما بعدها، حديث رقم: 474, الناشر: مكتبة المعارف, الرياض, ط2.

([821]) انظر: ص 390 من هذا الجزء.

([822]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص134, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ.

([823]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص25, الناشر: دار الفكر, بيروت, طبعة مصححة.

([824]) تقدّم الكلام عن ذلك في ص287 من هذا الجزء.

([825]) التوبة: 100.

([826]) وهم الذين هاجروا إلى الحبشة، وكذا الذين هاجروا إلى المدينة أيّام هجرة النبيّ, أو بعدها بقليل على ما بيّناه سابقاً.

([827]) وهم الذين سبقوا في نصرة النبيّ بالإنفاق والإيواء.

([828]) انظر: ص400ـ405 من هذا الجزء.

([829]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج2 ص221ـ 222، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([830]) ابن عبد البر، الإستيعاب: ج2 ص438, الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1، 1412هـ.

([831]) انظر: ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج2 ص106.

([832]) المصدر السابق: ج1 ص592.

([833]) المصدر نفسه: ج1 ص327.

([834]) المصدر السابق: ج4 ص473ـ 474.

([835]) المصدر السابق: ج6 ص98.

([836]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج2 ص296, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([837]) ابن حجر، الإصابة: ج3 ص70ـ 71.

([838]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص607، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([839]) ابن حجر، الإصابة: ج2 ص239.

([840]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص621.

([841]) ابن حجر، الإصابة: ج3 ص166.

([842]) المصدر نفسه: ج2 ص200.

([843]) المصدر نفسه: ج4 ص535.

([844]) التوبة: 96.

([845]) ولربما تقول: إنّ هؤلاء غفر الله لهم مطلقاً حتّى من دون توبة, وذلك لسوابقهم في الإسلام، والجواب: أنّه لو فرضنا ذلك فلا ينفعك في شيء، فلا يمكنك أن تجيب لو قلنا لك إنّ هؤلاء غيّروا وبدّلوا وأنكروا وصيّة النبيّ في علي عليه السلام، فالمغفرة حينئذ تخصّ الآخرة, والأمور يومئذ بيد الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وكلّ حوارنا منصب على ما حصل في الدنيا, وما هو الطريق المقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، على أنّ فرض تحقّق المغفرة والرضوان لمن بدّل وغير بعد النبيّ ولم يتب من ذلك, لا يتفوّه به أحد.

([846]) البقرة: 155ـ 157.

([847]) انظر: ابن الجوزي، زاد المسير: ج3 ص333, الناشر: دار الفكرـ بيروت, ط1, 1407هـ. العز بن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام: ص45, الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت, ط1, 1416هـ. ابن حيان الاندلسي، تفسير البحر المحيط: ج5 ص96، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ.

([848]) فلربما يكون الشخص سابقاً في الإسلام لكنه غير سابق في الهجرة، وربما يكون سابقاً في الهجرة لكنّه غير سابق في الإسلام.

([849]) ابن عبد البر، الاستيعاب: ج2 ص95ـ 96, الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1، 1412هـ.

([850]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص96, الناشر: دار صادر, بيروت, طبع سنة: 1386هـ.

([851]) المقدسي، البدء والتاريخ: ج4 ص165، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.

([852]) المراد هنا البيعة التي حضرها سبعون صحابياً وامرأتان, وهي ما تُسمّى ببيعة العقبة الثانية، لكن ابن عبد البر اطلق عليها العقبة الثالثة؛ باعتباره عدّ بيعة الستّة الأوائل العقبة الأولى، والاثني عشر في العام اللاحق العقبة الثانية، لكن غيره اعتبر بيعة الاثني عشر بالعقبة الأولى فتكون بيعة السبعين العقبة الثانية, والأمر سهل.

([853]) ابن عبد البر، الدرر في اختصار المغازي والسير: ص75ـ 80.

([854]) المصدر السابق: ص77.

([855]) العنكبوت: 45.

([856]) البغوي، تفسير البغوي: ج1 ص375، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([857]) ابن العربي، أحكام القرآن: ج1 ص441، الناشر: دار الفكر ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([858]) الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص336، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الإرشاد الإسلامي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، ط1, 1411هـ.

([859]) المصدر نفسه: ج2 ص296.

([860]) الطبراني، المعجم الكبير: ج11 ص77، الناشر: دار احياء التراث العربي، ط2.

([861]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص102, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت,ط 1408هـ.

([862]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص291ـ 292، الناشر: دار الفكر ـ بيروت, ط1, 1404هـ.

([863]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص214, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط2, 1415هـ.

([864]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص184، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1393هـ.

([865]) النسائي, الضعفاء والمتروكين: ص168, الناشر: دار المعرفة, بيروت, ط1، 1406 هـ.

([866]) انظر: الذهبي, ميزان الاعتدال: ج1 ص531.

([867]) انظر: الذهبي, الموقظة: ص82, الناشر: مكتب المطبوعات الاسلامية، حلب, ط2, 1412هـ.

([868]) الترمذي، علل الترمذي: ج1 ص184، بترتيب أبي طالب القاضي، الناشر: عالم الكتب، ‏مكتبة النهضة العربية ـ بيروت، ط1، 1409هـ.

([869]) الترمذي، سنن الترمذي: ج1 ص128, الناشر: دار الفكر, بيروت, ط2, 1403هـ.

([870]) المصدر نفسه: ج3 ص108.

([871]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج1 ص35، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1410هـ.

([872]) السيوطي، تدريب الراوي: ج1ص349، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.

([873]) ابن أبي حاتم, تفسير ابن أبي حاتم: ج3 ص729, ج4 ص1328, ج10 ص3277، الناشر: المكتبة العصرية.

([874]) ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة: ج4 ص120، الناشر: المكتب الإسلامي.

([875]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([876]) ابن حجر، لسان الميزان: ج4 ص456، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت، ط2، 1390هـ.

([877]) المصدر نفسه: ج4 ص455ـ 456.

([878]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج16 ص319، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت, ط1, 1407هـ.

([879]) المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير: ج2 ص134، الناشر: مكتبة الامام الشافعي، ط3, 1408هـ.

([880]) حيث ذكره في الثقات وقال: «يخطئ ويغرب». ابن حبان، الثقات: ج8 ص189, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, ط1, 1393هـ.

([881]) الضحاك، الآحاد والمثاني: ج1 ص182، الناشر: دار الراية، الرياض، ط1، 1411هـ.

([882]) انظر: ترجمته في تهذيب التهذيب: ج9 ص277، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1، 1404هـ.

([883]) ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1 ص638، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط2, 1415هـ.

([884]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص686، الناشر: دار القبلة ـ جدة، ط1، 1413هـ.

([885]) انظر: ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص304، الناشر: دار المعرفة، 1412هـ.

([886]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج8 ص118، الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 1372 هـ.

([887]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج12 ص327، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت, ط9, 1413هـ.

([888]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج4 ص122، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1417هـ.

([889]) الرازي، الجرح والتعديل: ج5 ص4، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372هـ.

([890]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج9 ص417.

([891]) المصدر نفسه: ج8 ص109.

([892]) والمستور هو من روى عنه اثنين أو أكثر، وقد قبل روايته جماعة بغير قيد, وردّها الجمهور، انظر: الألباني، تمام المنة: ص19، الناشر: دار الراية ـ الرياض، المكتبة الإسلامية ـ عمان ـ الأردن، ط2، 1409.

([893]) منهم: الشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة على ما في تحقيق كتاب إتحاف النبيّل بأجوبة أسئلة علوم الحديث والعلل والجرح والتعديل، تأليف مصطفى بن إسماعيل السليماني: ج1 ص285ـ 286.

([894]) الرازي، الجرح والتعديل: ج5 ص4، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1، 1372هـ.

([895]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج9 ص242.

([896]) الرازي، الجرح والتعديل: ج4 ص348.

([897]) الكليني، الكافي: ج1 ص441، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط5، 1363ش.

([898]) النجاشي، رجال النجاشي: ص418. ط5ـ 1416هـ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ط5، 1416هـ.

([899]) الكليني، الكافي: ج1 ص447.

([900]) النجاشي، رجال النجاشي: ص217، الناشر: مؤسسة جماعة المدرسين ـ قم، ط5، 1416 هـ.

([901]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص92, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1401هـ. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص100, الناشر: دار الفكر, بيروت, طبعة مصححة.

([902]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص62. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص157.

([903]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص71، 75. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص171.

([904]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص68.

([905]) خصوصاً أنّكم ترون صحّة إرسال الصحابي لو كان عن صحابي آخر ,وتقولون بأنّهم أخذوا من بعضهم البعض, ولم يُسمّوا الصحابي, بل نسبوا الرواية للنبيّ ’ مباشرة, فما يُدرينا إذ لعلّهم أخذوها من منافق متظاهر بالإسلام.

([906]) انظر: ص19ـ20 من هذا الجزء

([907]) انظر: ص239ـ244 من هذا الجزء

([908]) انظر: ص287ـ290 من هذا الجزء

([909]) انظر: ص60ـ62 من هذا الجزء

([910]) انظر ذلك مفصلاً في الجزء الثالث: ص189ـ325.

([911]) انظر: ص249ـ251 من هذا الجزء

([912]) انظر: ص244، ص365 من هذا الجزء

([913]) انظر, ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة: ج6 ص21، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1 1387 هـ..

([914]) انظر: ج1 من هذا الكتاب: ص260ـ262.

([915]) راجع ص525 من هذا الجزء.

([916]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص971, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([917]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص553، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([918]) ابن العربي، أحكام القرآن: ج1 ص21، الناشر: دار الفكرـ بيروت. ونقله القرطبي في تفسيره: ج1 ص198، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، ط1405 هـ.

([919]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص332، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([920]) ابن حجر، الإصابة: ج1 ص971, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([921]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص332، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([922]) البيهقي، السنن الكبرى: ج8 ص57، الناشر: دار الفكر، المقريزي. إمتاع الأسماع: ج10 ص10، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.، ط1، 1420هـ.

([923]) انظر تراجمهم في تاريخ بغداد: ج10 ص197، ج3 ص75، ج7 ص206، ج13 ص125, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1417هـ.

([924]) البيهقي، السنن الكبرى: ج8 ص57، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([925]) انظر: عبد الرزاق، المصنف: ج9 ص240، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([926]) انظر: ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص199ـ 200, الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([927]) انظر: ابن حجر، الاصابة: ج5 ص342, الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1415هـ.

([928]) ابن عابدين، حاشية رد المحتار: ج 2 ص 598، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([929]) السمعاني، تفسير السمعاني: ج2 ص342، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1، 1418هـ.

([930]) البغوي: تفسير البغوي: ج2 ص322، الناشر: دارالمعرفة ـ بيروت.

([931]) النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل: ص452، الناشر: دار المعرفةـ بيروت، ط2، 1429 هـ.

([932]) ابن العربي، أحكام القرآن: ج2 ص572، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([933]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج3 ص333، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1، 1407هـ.