الصفحة 398
وإذا استطال الشي قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

أما ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أوصى بكتاب الله فحقّ، غير أنه أبتر، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالتمسك بثقليه معاً، وعهد الى أمته بالاعتصام بحبليه جميعاً، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما، وأخبرها أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وصحاحنا في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة؛ وحسبك ما صح من طريق ما أوردناه في المراجعة 8 وفي المراجعة 54، والسلام.

ـ ش ـ

المراجعة 71
10 صفر سنة 1330

ما السبب في الإعراض عن حديث أم المؤمنين وأفضل أزواج النبي؟

ما لك ـ عفا الله عنك ـ وليت أم المؤمنين وأفضل أزواج النبي صفحة إعراضك، فاتخذت حديثها ظهرياً وتركته نسياً منسياً، وقولها الفصل، وحكمها هو العدل، ولك مع ذلك رأيك، فاصدع به نتدبره، والسلام.

ـ س ـ

المراجعة 72
12 صفر سنة 1330

1 ـ لم تكن أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم

2 ـ إنما أفضلهن خديجة

3 ـ إشارة إجماليه الى السبب في الاعراض عن حديثها

1 ـ إن لأم المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، غير أنها ليست بأفضل أزواج

الصفحة 399
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف تكون أفضلهن مع ما صح عنها إذ قالت: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خديجة ذات يوم فتناولتها فقلت: عجوز كذا وكذا، قد أبدلك الله خيراً منها، قال: ما أبدلني الله خيراً منها، لقد امنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس واشركتني في مالها حين حرمني الناس ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها…» الحديث(1)(2) ، وعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام، فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، فقد أبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذا حرمني أولاد النساء…) الحديث(3) .

____________

(1) هذا الحديث والذي بعده، من صحاح السنن المستفيضة فراجعهما في أحوال خديجة الكبرى من الاستيعاب. تجدها بعين اللفظ الذي أوردناه، وقد أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحيهما بلفظ يقارب ذلك (منه قدس).

(2) راجع: الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي مطبوع بهامش الاصابة: 4/287.

وقريب منه جداً: في اسعاف الراغبين للصبان الشافعي مطبوع بهامش نور الأبصار: 85 ط العثمانية وص90 ط السعيدية بمصر.

(3) يوجد في: الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي مطبوع بهامش الاصابة: 4/286 ـ 287، مسند أحمد بن حنبل: 6/117 ط الميمنية بمصر، أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد العسكري القسم الأول: 25، الاصابة لابن حجر السعقلاني: 4/283، أسد الغابة لابن الأثير: 5/438.

وبهذا المعنى يوجد في: صحيح البخاري: 4/230 ـ 231 و: 6/158 و: 7/76 ط دار الفكر، صحيح الترمذي: 5/366 ح3977 و3978، سنن ابن ماجة: 1/643 ح1997، صحيح مسلم: 2/370، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: 339 ح389، مسند أحمد بن حنبل: 6/58 و102 و150 و154 و202 و279 ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 358 و359 ط الحيدرية وص213 ـ 214 ط الغري، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي: 303، نور الأبصار للشبلنجي: 40 ط العثمانية وص38 ط السعيدية بمصر.

الصفحة 400

2 ـ فأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة الكبرى صديقة هذه الأمة، وأولها إيماناً بالله وتصديقاً بكتابه، ومواساة لنبيه، «وقد أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم، أن يبشرها(1) ببيت لها في الجنة من قصب»(2) ونص على تفضيلها، فقال: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران»(3) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خير

____________

(1) كما أخرجه البخاري في باب غيرة النساء ووجدهن، وهو في أواخر كتاب النكاح ص175 ج3 من صحيحه (منه قدس).

(2) أوحي الى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يبشرها ـ يعني خديجة ـ ببيت لها في الجنة من قصب.

يوجد في صحيح البخاري: 6/158 و: 4/230 و: 7/76 ط دار الفكر، صحيح مسلم: 15/200 ط مصر بشرح النووي و: 2/370 ط عيسى الحلبي، صحيح الترمذي: 5/366 ح3979 ط دار الفكر، المعجم الصغير للطبراني: 1/15، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: 337 ح385 و386 و387 و388، كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 357 و358 ط الحيدرية وص213 و214 ط الغري، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي: 303، أسد الغابة لابن الأثير: 5/438، السيرة النبوية لابن هشام: 1/225، اسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان الشافعي مطبوع بهامش نور الأبصار: 85 ط العثمانية وص90 ط السعيدية مصابيح السنة للبغوي الشافعي: 2/282.

(3)

أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة

يوجد في: مسند أحمد بن حنبل: 1/293 ط الميمنية بمصر وص322 نفس الطبعة، الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي بهامش الاصابة: 4/284، و376، المستدرك على الصحيحين للحاكم: 3/160، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك: 3/160 وصححه، ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري الشافعي: 42، أسد الغابة لابن الأثير الجزري الشافعي: 5/437، الاصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي: 4/378، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 172 و173 و246 و198 ط اسلامبول وص202 و204 و234 ط الحيدرية.

ونقله في احقاق الحق: 10/52 عن مشكل الآثار للطحاوي: 1/48، الاعتقاد للبيهقي: 165 ط كامل مصباح، تاريخ الاسلام للذهبي: 2/92، تهذيب التهذيب للذهبي: 134، البداية والنهاية لابن كثير: 2/59، تهذيب التهذيب لابن حجر: 12/441، كنز العمال: 13/126، ط2 حيدر آباد، منتخب الكنز بهامش المسند لأحمد: 5/284، الخصائص للسيوطي: 2/295 ط عبداللطيف بمصر، الجامع الصغير للسيوطي: 1/168 ط مصر، طرح التثريب: 169 ط جميعة النشر بمصر، ارشاد الساري: 6/168، البيان والتعريف للحمزاوي: 1/123، وسيلة المآل: 80، حسن الأسوة: 31، الفتح الكبير للنبهاني: 1/214، أرجح المطالب: 240 و243.

الصفحة 401
نساء العالمين أربع ثم ذكرهن»(1) وقال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون»(2) الى كثير من أمثال هذه النصوص وهي من أصح الآثار النبوية وأثبتها(3) .

____________

(1) قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد».

يوجد في: الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي بهامش الاصابة: 4/377 و284 و285، الاصابة لابن حجر العسقلاني: 4/378، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري الشافعي: 5/437، ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري: 44، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 204 و218 ط الحيدرية وص173 ط اسلامبول.

(2) يوجد في: صحيح الترمذي: 5/367 ح3981 ط دار الفكر، المستدرك على الصحيحين: 3/157 و158، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك: 3/158، الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي مطبوع بهامش الاصابة: 4/285 و377، الاصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي: 4/378، ذخائر العقبى لمحب الطبري: 43، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 172 و173 و198 ط اسلامبول وص199 وصححه و202 و234 ط الحيدرية، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: 363 ح409 الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 129، مصابيح السنة للبغوي الشافعي: 2/283، احقاق الحق: 10/59، مشكل الآثار للطحاوي: 1/48، معالم التنزيل للبغوي الشافعي: 1/291، تفسير الخازن: 1/291 مشكاة المصابيح: 3/268، كنز العمال: 13/127، ط2 حيدر آباد، تهذيب التهذيب للذهبي: 134، البداية والنهاية لابن كثير: 2/61، تهذيب التهذيب لابن حجر: 12/441، طرح التثريب: 1/149، الكشف والبيان للثعلبي مخطوط، الخصائص للسيوطي: 2/265، الجامع الصغير للسيوطي: 1/505، الثغور الباسمة في مناقب سيدتنا فاطمة للسيوطي: 13، جمع الوسائل للهروي: 1/270، أرجح المطالب 243، شرح ثلاثيات مسند أحمد: 2/511، وسيلة المآل: 80، جمع الفوائد من جامع الأصول للفاسي: 2/233، الفتح الكبير للنبهاني: 2/72، مفتاح النجا للبدخشي مخطوط، السيف اليماني المسلول: 20، فرائد السمطين: 2/44 ح376.

(3) وقد أوردنا جملة منها في المطلب الثاني من كلمتنا الغراء، فليراجعها من أراد الاستقصاء. (منه قدس).

الصفحة 402
على أنه لا يمكن القول بأن عائشة أفضل ممن عدا خديجة من أمهات المؤمنين. والسنن المأثورة والأخبار المسطورة، تأبى تفضيلها عليهن، كما لا يخفى على أولي الألباب، وربما كانت ترى أنها أفضل من غيرها، فلا يقرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، كما اتفق هذا مع أم المؤمنين صفية بنت حيي، إذ دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها وهي تبكي، فقال لها: «ما يبكيك؟ قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني، وتقولان نحن خير من صفية؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا قلت لهن كيف تكن خيراً مني، وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد»(1)(2) . ومن تتبع حركات أم المؤمنين عائشة في أفعالها

____________

(1) أخرجه الترمذي من طريق كنانة مولى أم المؤمنين صفية، وأورده ابن عبدالبر في ترجمة صفية من الاستيعاب، وابن حجر في ترجمتها من الاصابة، والشيخ رشيد رضا في آخر ص589 من المجلد 12 من مناره، وغير واحد من نقلة الآثار (منه قدس).

(2) أفضلية صفية على عائشة وحفصة:

راجع: صحيح الترمذي: 5/367 ح3983 و3984، الاصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي: 4/347، الاستيعاب لابن عبدالبر المالكي مطبوع بهامش الاصابة: 4/348 أسد الغابة لابن الأثير الجزري: 5/491، المستدرك للحاكم: 4/29، مصابيح السنة للبغوي الشافعي: 2/283.

الصفحة 403
وأقوالها وجدها كما نقول.(1)

3 ـ أما إعراضنا عن حديثها في الوصية فلكونه ليس بحجة، ولا تسالني عن التفصيل، والسلام.

ـ ش ـ

المراجعة 73
13 صفر سنة 1330

طلب التفصيل في سبب الاعراض عن حديثها

إنك ممن لا يدالس(2) ، ولا يوالس(3) ولا يدامج(4) ولا يحدج(5) بسوء، في نجوة(6) من التبعات(7) ، ومنتزح من التهم، وأنا والحمد لله ممن لا يندد، ولا يبحث عن عثرة، ولا يتتبع عورة، والحق ضالتي التي أنشدها، فسؤالي إياك عن التفصيل مما لا يسعني تركه، وإجابتك إياي إلى البيان مما لا بد منه.

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر وقر بذاك منك عيونا

____________

(1) راجع في ذلك: كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة القسم الأول ص15 ـ الى آخر الكتاب ط الحيدرية في طهران.

(2) لا يخادع.

(3) لا يغش.

(4) لا يظهر غير ما يبطن.

(5) لا يرمي.

(6) النجوة: المكان المرتفع لا يعلوه السيل، وهي هنا من الاستعارات البديعة.

(7) جمع تبعه وهي ما يلحق الانسان من المطالبة بظلامه ونحوها.

الصفحة 404

ووسيلتي إليك في ذلك، إنما هي آية الذكر الحكيم (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) ، والسلام.

ـ س ـ

المراجعة 74
15 صفر سنة 1330

1 ـ تفصيل الأسباب في الاعراض عن حديثها

2 ـ العقل يحكم بالوصية

3 ـ دعواها بأن النبي قضى وهو في صدرها معارضة.

1 ـ أبيت ـ أيدك الله ـ إلا التفصيل، حتى اضطررتني اليه، وأنت عنه في غنية تامة لعلمك بأنا من ها هنا أتينا وأن هنا مصرع الوصية، ومصارع النصوص الجلية، وهنا مهالك الخمس والارث والنحلة، وها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة(1)(2) ، حيث جابت في حرب أمير المؤمنين الأمصار، وقادت في انتزاع ملكه وإلغاء دولته ذلك العسكر الجرار.

وكان ما كان مما لست اذكره * فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

فالاحتجاج على نفي الوصية الى علي بقولها ـ وهي من ألد خصومه ـ مصادرة لا تنتظر من منصف، وما يوم علي منها بواحد، وهل إنكار الوصية إلا دون يوم

____________

(1) بحكم صحاح السنة، فراجع من صحيح البخاري باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير 125 من جزئه الثاني، تجد التفصيل (منه قدس).

(2) عن عبدالله بن عمر قال: «قام النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ها هنا الفتنة ـ ثلاثاً ـ من حيث يطلع قرن الشيطان».

يوجد في: صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب ما جاء في بيوت أزواج النبي: 4/46 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 4/100 ط مطابع الشعب.

الصفحة 405
الجمل الأصغر(1) ، ويوم الجمل الأكبر(2) ، اللذين ظهر بهما المضمر، وبرز بهما المستتر، ومثل بهما شأنها من قبل خروجها على وليها، ووصي نبيها، ومن بعد خروجها عليه الى أن بلغها موته، فسجدت لله شكراً، ثم أنشدت(3) :

فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عيناً بالإياب المسافر(4)

وإن شئت ضربت لك من حديثها مثلاً يريك أنها كانت في أبعد الغايات، قالت(3) : «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واشتد به وجعه، خرج

____________

(1) كانت فتنة الجمل الأصغر في البصرة لخمس بقين من ربيع الثاني سنة 36 قبل ورود أمير المؤمنين الى البصرة، حيث هاجمتها أم المؤمنين ومعها طلحة والزبير وفيها عامله عثمان بن حنيف الأنصاري، فقتل أربعون رجلاً من شيعة علي عليه السالم في المسجد وسبعون آخرون منهم في مكان آخر، وأسر عثمان بن حنيف وكان من فضلاء الصحابة، فأرادوا قتله، ثم خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار، فنتفوا لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه، وضربوه وحبسوه، ثم طردوه من البصرة، وقابلهم حكيم بن جبلة في جماعة من عشيرته عبدالقيس وهو سيدهم، وكان من أهل البصائر والحفاظ والنهي، وتبعه جماعة من ربيعة فما بارحوا الهيجاء حتى استشهدوا بأجمعهم واستشهد مع حكيم ابنه الأشرف، وأخوه الرعل، وفتحت البصرة، ثم جاء علي فاستقبلته عائشة بعسكرها، وكانت وقعة الجمل الأكبر، وتفصيل الوقعتين في تاريخي ابن جرير وابن الأثير وغيرهما من كتب السير والأخبار (منه قدس).

(2) يوم الجمل:

راجع في ذلك: كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة القسم الأول ص121 ـ 200 ط الحيدرية في طهران، كتاب الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، وما تقدم تحت رقم (443 و444).

(3) فيما أخرجه الثقات من أهل الأخبار كأبي الفرج الأصفهاني في آخر أحوال علي من كتابه ـ مقاتل الطالبين ـ (منه قدس).

(4) سجود عائشة لله شكراً لما قتل علي عليه السلام.

راجع: مقاتل الطالبين لأبي الفرج الاصفهاني: 43، أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد العسكري ق1 ص203، كتاب الجمل للشيخ المفيد: 83 ـ 84.

(5) فيما اخرجه البخاري عنها في باب مرض النبي ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ص62 من الجزء 3 من صحيحه (منه قدس).

الصفحة 406
وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبدالمطلب ورجل آخر، قال المحدث عنها ـ وهو عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ـ فأخبرت عبدالله بن عباس عما قالت عائشة، فقال لي ابن عباس: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب، ثم قال(1) : إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير اهـ.»(2) قلت: اذا كانت لا تطيب له نفساً بخير، ولا تطيق ذكره فيمن مشى معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطوة، فكيف تطيب له نفساً بذكر الوصية، وفيها الخير كله؟ وأخرج الامام أحمد من حديث عائشة في ص113 من الجزء السادس من مسنده عن عطاء بن يسار، قال: «جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة، فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول فيه: لا يخير بين أمرين الاختار أرشدهما» اهـ.(3) .

وَيْ وَيْ، تحذر أم المؤمنين من الوقيعة بعمار لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما، ولا تحذر من الوقيعة في علي وهو أخو النبي

____________

(1) هذه الكلمة بخصوصها ـ أعني قول ابن عباس: ان عائشة لا تطيب له نفساً بخير ـ تركها البخاري واكتفى بما قبلها من الحديث جرياً على عادته في أمثال ذلك، لكن كثيراً من أصحاب السنن أخرجوها بأسانيدهم الصحيحة، وحسبك منهم ابن سعد في ص29 من القسم الثاني من الجزء الثاني من طبقاته، اذ أخرجها عن أحمد بن الحجاج عن عبدالله بن مبارك عن يونس ومعمر عن الزهري عن عبيدالله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، ورجال هذا السند كلهم حجج. (منه قدس).

(2) راجع: الطبقات لابن سعد ق2 ج2 ص29 بسند صحيح ط ليدن و: 2/232 ط دار صادر في بيروت، صحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته: 5/139 ـ 140 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 3/93 دار احياء الكتب و: 6/13 ط محمد علي صبيح و: 6/10 ط الفجالة و: 3/59 ط الميمنية بمصر. ولكن البخاري أسقط لفظة «ان عائشة لا تطيب له نفساً بخير» وهي موجودة في الطبقات بسند صحيح، السيرة الحلبية: 3/344.

(3) يوجد في مسند أحمد بن حنبل: 6/113 ط الميمنية بمصر.

الصفحة 407
ووليه، وهارونه ونجيه، وأقضى أمته، وباب مدينته، ومن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، أول الناس إسلاماً، وأقدمهم إيماناً، وأكثرهم علماً وأوفرهم مناقب، وَيْ، كأنها لا تعرف منزلته من الله عز وجل، ومكانته من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومقامه في الاسلام وعظيم عنائه، وحسن بلائه، وكأنها لم تسمع في حقه من كتاب الله وسنة نبيه شيئاً يجعله في مصاف عمار، ولقد حار فكري والله في قولها: «لقد رأيت النبي وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست، فانخنث فمات، فما شعرت، فكيف أوصى الى علي»؟ وما أدري في أي نواحي كلامها هذا أتكلم، وهو محل البحث من نواحي شتى، وليت أحداً يدري كيف يكون موته ـ بأبي وأمي ـ وهو على الحال التي وصفتها دليلاً على أنه لم يوص، فهل كان من رأيها أن الوصية لا تصح إلا عند الموت، كلا، ولكن حجة من يكابر الحقيقة داحضة كائناً من كان، وقد قال الله عز وجل مخاطباً لنبيه الكريم في محكم كتابه الحكيم: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية) فهل كانت أم المؤمنين تراه صلى الله عليه وآله وسلم، لكتاب الله مخالفاً؟ وعن أحكامه صادفاً؟ ومعاذ الله وحاشا لله، بل كانت تراه يقتفي أثره، ويتبع سوره، سباقاً الى التعبد بأوامره ونواهيه، بالغاً كل غاية من غايات التعبد بجميع ما فيه، ولا شك في أنها سمعته يقول(1) : «ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»(2) اهـ. أو سمعت نحوا من هذا، فإن أوامره الشديدة بالوصية مما لا ريب في صدوره منه، ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء

____________

(1) فيما أخرجه في أول كتاب الوصايا من صحيحه ص83 من جزئه الثاني. واخرجه مسلم في كتاب الوصية ص10 من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).

(2) يوجد في: صحيح البخاري كتاب الوصية في أوله: 3/186 أفست دار الفكر و: 2/124 ط دار احياء الكتب و: 4/2 ط مطابع الشعب وط محمد علي صبيح و: 2/84 ط المعاهد و: 2/132 ط الشرفية و: 4/3 ط الفجالة و: 2/78 ط الميمنية بمصر و: 3/82 ط بمبي، صحيح مسلم كتاب الوصية: 5/70 ط محمد علي صبيح و: 2/11 ط عيسى الحلبي و: 12/74 ط مصر بشرح النووي، موطأ مالك: 2/228 ط دار احياء الكتب العربية، الفتح الكبير للنبهاني: 3/91.

الصفحة 408
صلوات الله عليهم أجمعين، أن يأمروا بالشيء، ثم لا يأتمرون به، أو يزجروا عن الشيء، ثم لا ينزجرون عنه، تعالى الله عن إرسال من هذا شأنه علواً كبيراً.

أما ما رواه مسلم وغيره عن عائشة إذ قالت: ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً، ولا شاة ولا بعيراً ولا أوصى بشيء، فإنما هو كسابقه، على أنه يصح أن يكون مرادها أنه ما ترك شيئاً على التحقيق، وأنه كان صفراً من كل شيء يوصي به، نعم لم يترك من حطام الدنيا ما يتركه أهلها، إذ كان أزهد العالمين فيها، وقد لحق بربه عز وجل وهو مشغول الذمة بدين(1)(2) وعدات، وعنده أمانات تستوجب الوصية، وترك مما يملكه شيئاً يقوم بوفاء دينه، وإنجاز عداته ويفضل عنهما شيء يسير لوارثه، بدليل ما صح من مطالبة الزهراء بإرثها(3) عليها السلام(4) .

2 ـ على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد ترك من الاشياء

____________

(1) فعن معمر عن قتادة: أن علياً قضى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشياء بعد وفاته كان عامتها عدة حسبت أنه قال خمسمئة ألف درهم، الحديث، فراجعه في ص60 من الجزء الرابع من كنز العمال وهو الحديث 1170 من أحاديثه (منه قدس).

(2) الدين الذي كان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. راجع: كنز العمال: 4/60 ح1170 ط قديم.

(3) كما أخرجه البخاري في أواخر باب غزوة خيبر، من صحيحه ص37 من جزئه الثالث. وأخرجه مسلم في باب قول النبي: لا نورث ما تركناه فهو صدقة، من كتاب الجهاد من صحيحه ص72 من جزئه الثاني (منه قدس).

(4) مطالبة الزهراء بإرثها:

يوجد في: صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر: 5/82 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 3/55 دار احياء الكتاب و: 3/38 ط المعاهد و: 3/39 ط الشرفية و: 5/177 ط محمد علي صبيح ومطابع الشعب: و: 5/115 ط الفجالة و: 3/35 ط الميمنية بمصر و: 5/19 ط بمبي و: 3/40 ط الخيرية بمصر، وأيضاً في كتب الجهاد والسير باب فرض الخمس، صحيح مسلم كتاب الجهاد باب قول النبي لا نورث: 5/153 ط محمد علي صبيح وط المكتبة التجارية و: 2/81 ط عيسى الحلبي و: 12/76 ط مصر بشرح النووي، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/217 و218 و219 و228 و232 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 4/81 و82 و87 ط1 بمصر، كتاب أبو هريرة للسيد شرف الدين: 137، تاريخ الطبري: 3/208، النص والاجتهاد: 55 ـ 66.

خطبة الزهراء في المسجد:

راجع: بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طيفور البغدادي: 14، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/78 ـ 79 و93 ط1 بمصر و: 16/211 و249 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، أعلام النساء لعمر رضا كحالة: 3/1219.

الصفحة 409
من يرعاها حق رعايتها، ومعاذ الله ان يترك الوصية بعد أن أوحي بها اليه، فأمر أمته المستوجبة للوصية ما لم يتركه أحد من العالمين، وحسبك أنه ترك دين الله القويم في بدء فطرته وأول نشأته، ولهو أحوج الى الوصي من الذهب والفضة، والدار والعقار، والحرث والأنعام، وإن الأمة بأسرها ليتاماه وأياماه، المضطرون الى وصيه ليقوم مقامه في ولاية أمورهم، وإدارة شؤونهم الدينية والدنيوية، ويستحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يوكل دين الله، وهو في مهد نشأته ـ إلى الأهواء، او يتكل في حفظ شرائعه على الآراء، من غير وصي يعهد بشؤون الدين والدنيا إليه، ونائب عنه يعتمد ـ في النيابة العامة ـ عليه، وحاشاه أن يترك يتاماه ـ وهم أهل الأرض في الطول والعرض ـ كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ومعاذ الله أن يترك الوصية بعد أن أوحي بها اليه، فأمر أمته بها وضيَّق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصية مهما كان منكرها جليلاً، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى علي في مبدأ الدعوة الاسلامية، قبل ظهورها في مكة حين أنزل الله سبحانه (وأنذر عشيرتك الأقربين) كما بيناه ـ في المراجعة 20 ـ ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيته إليه، ويؤكدها المرة بعد المرة بعهوده التي أشرنا فيما سبق من هذا الكتاب الى كثير منها، حتى أراد وهو محتضر ـ بأبي وأمي ـ أن يكتب وصيته إلى علي تأكيداً لعهوده اللفظية إليه، وتوثيقاً لعرى نصوصه القولية عليه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله(1)

____________

(1) أخرجه بهذه الألفاظ محمد بن اسماعيل البخاري في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير من صحيحه ص118 من جزئه الثاني، وأخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد بن حنبل من حديث ابن عباس في مسنده، وسائر أصحاب السنن والمسانيد (منه قدس).

الصفحة 410
(1) . اهـ.» وعندها علم صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يبق ـ بعد كلمتهم هذه ـ أثر لذلك الكتاب إلا الفتنة، فقال لهم: قوموا. واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم علياً، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين أن يحدثوا بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها.

قال البخاري في آخر الحديث المشتمل على قولهم هجر رسول الله(2) ما هذا لفظه: «وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه ـ ثم قال ـ ونيست الثالثة وكذلك قال مسلم في صحيحه، وسائر أصحاب السنن والمسانيد(3) .

3 ـ أما دعوى أم المؤمنين بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لحق بربه تعالى وهو في صدرها فمعارضة بما ثبت من لحوقه صلى الله عليه وآله وسلم، بالرفيق الأعلى وهو في صدر أخيه ووليه، علي بن أبي طالب، بحكم الصحاح المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة(4) ، وحكم غيرها من صحاح أهل السنة كما يعلمه المتتبعون،

____________

(1) يوجد في: صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب جوائز الوفد: 4/31 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 4/85 ط مطابع الشعب وط محمد علي صبيح و: 2/178 ط دار احياء الكتب و: 2/120 ط المعاهدة و: 2/125 ط الشرفية و: 4/55 ط الفجالة و: 2/111 ط الميمنية بمصر و: 3/115 ط بمبي. صحيح مسلم كتاب الوصية: 5/75 ط محمد علي صبيح وط المكتبة التجارية و: 2/11 ط عيسى الحلبي و: 11/89 ـ 93 ط مصر بشرح النووي.

(2) فراجعه في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير ص118 من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).

(3) مصادره نفس المصادر المتقدمة تحت رقم (783).

(4) مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في صدر علي عليه السلام:

أما من طريق أهل البيت فقد تواترت الأحاديث عنهم.

وأما من طريق غيرهم فراجع: ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: 3/14 ح1027 و1028، مجمع الزوائد: 9/36 و122، نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 3/389 وبشرح ابن أبي الحديد: 2/571 أفست بيروت و: 10/265 ط مصر بتحقيق محمد ابو الفضل، الطبقات الكبرى لابن سعد ج262 و263.

ونقله في احقاق الحق ج8 عن: أرجح المطالب للشيخ عبيدالله الحنفي: 595 ط لاهور، تاريخ المدينة للسمهودي: 1/23، كنز العمال: 7/179 ط 1 حيدر آباد، المناقب المرتضوية للكشفي الحنفي: 269 ط بمبي.

الصفحة 411
والسلام.

ـ ش ـ

المراجعة 75
17 صفر سنة 1330

1 ـ لا تستسلم أم المؤمنين في حديثها الى العاطفة

2 ـ الحسن والقبح العقليان منفيان

3 ـ البحث عما يعارض دعوى أم المؤمنين

1 ـ المحور الذي يدور عليه كلامكم مع أم المؤمنين في حديثها الصريح بعدم الوصية أمران:

أحدهما: إن انحرافها عن الامام يأبى عليها ـ فيما زعمتم ـ إلا نفي الوصية إليه، والجواب: أن المعروف من سيرتها أنها لا تستسلم في حديثها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الى العاطفة، ولا تراعي فيه الغرض، فلا تتهم فيما تنقله عن النبي سواء عليها أكان ذلك خاصاً بمن تحب، أم كان خاصاً بمن تبغض، وحاشا لله أن تستحوذ عليها الأغراض، فتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بغير الواقع، إيثاراً لغرضها على الحق.

الصفحة 412

2 ـ الثاني: أن العقل بمجرده يمنع ـ فيما زعمتم ـ من تصديق هذا الحديث لامتناع مؤاده عقلاً، فإنه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يترك دين الله عز وجل وهو في أول نشأته، وعباد الله تعالى وهم، في أول فطرتهم الجديدة، ثم يرتحل عن غير وصي يعهد إليه بأمورهم، والجواب أن هذا مبني على الحسن والقبح العقليين، وأهل السُنة لا يقولون بهما، فإن العقل عندهم لا يقتضي بحسن شيء ما أصلاً، ولا بقبح شيء ما على الاطلاق، وإن الحاكم بالحسن والقبح في جميع الأفعال إنما هو الشرع لا غير، فما حسنه الشرع فهو الحسن وما قبّحه فهو القبيح، والعقل لا معوَّل عليه في شيء من ذلك بالمرة.

3 ـ أما ما أشرتم إليه ـ في آخر المراجعة 74 ـ من معارضة أم المؤمنين في دعواها، بأن النبي قضى وهو في صدرها، فلا نعرف مما يعارضها حديثاً واحداً من طريق أهل السنة، فإذا كان لديكم شيء منه فتفضلوا به، والسلام.

ـ س ـ

المراجعة 76
19 صفر سنة 1330

1 ـ استسلامها الى العاطفة

2 ـ ثبوت الحسن والقبح العقلين

3 ـ الصحاح المعارضة لدعوى أم المؤمنين

4 ـ تقديم حديث أم سلمة على حديثها

1 ـ ذكرتم في الجواب عن الأمر الأول أن المعروف من سيرة السيدة أنها لا تستسلم الى العاطفة، ولا تراعي في حديثها شيئاً من الأغراض، فأرجوا ان تتحللوا من قيود التقليد والعاطفة، وتعيدوا النظر الى سيرتها فتبحثوا مع من تحب ومع من تبغض، بحث إمعان وروية، فهناك العاطفة بأجلى مظاهرها، ولا تنس سيرتها مع عثمان قولاً وفعلاً(1)(2) ووقائعها مع علي وفاطمة والحسن والحسين سراً

____________

(1) دونك ص77 من المجلد الثاني من شرح النهج لعلامة المعتزلة، وص457 وما بعدها، وص497 وما بعدها، من المجلد المذكور، تجد من سيرتها مع عثمان وعلي وفاطمة ما يريك العاطفة بأجلى المظاهر (منه قدس).

(2) سيرة عائشة مع عثمان واختلافها معه:

راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري ق1 ص58 و103 ـ 111، تاريخ اليعقوبي: 2/152، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/77 و486 أفست بيروت و: 6/215 ـ 216 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 2/408 ط دار مكتبة الحياة في بيروت، الاستيعاب بهامش الاصابة: 2/192، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي: 61 و64، تاريخ الطبري: 4/407 و459 و465، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/206، تاج العروس للزبيدي: 8/141، لسان العرب لابن منظور 14/193، الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1/45، العقد الفريد: 4/295 ـ 306 ط لجنة التأليف والنشر بمصر و: 2/267 و272 ط اخر، الغدير للأميني: 9/77، الطبقات لابن سعد: 5/36 ط بيروت، أنساب الأشراف للبلاذري: 5/70 و75 و91، تاريخ أبي الفداء: 1/172، النص والاجتهاد: 419.

سيرة عائشة مع علي عليه السلام:

راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/77 و437 ط1 بمصر و: 6/216 ـ 218 و: 9/193 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل كتاب الجمل للشيخ المفيد: 81، النص والاجتهاد: 423 ـ 458.

الصفحة 413
وعلانية، وشؤونها مع أمهات المؤمنين بل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن هناك العاطفة والغرض(1) .

وحسبك مثالاً لهذا ما أيدته ـ نزولاً على حكم العاطفة ـ من إفك أهل الزور إذ قالوا ـ بهتاناً وعدواناً في السيدة مارية وولدها إبراهيم عليه السلام ـ ما قالوا، حتى رأهما الله عز وجل من ظلمهم براءة ـ على يد أمير المؤمنين ـ محسوسة ملموسة(2)

____________

(1) غيرة عائشة من زوجات النبي:

راجع: كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد العسكري ق1 ص15 ـ 32 ط الحيدرية في طهران، النص والاجتهاد: 413.

(2) من أراد تفصيل هذه المصيبة فليراجع أحوال السيدة مارية رضي الله عنها. في ص3 من الجزء الرابع من المستدرك للحاكم، أو من تلخيصه للذهبي (منه قدس)

الصفحة 414
(1) ، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً)(2) وإن أردت المزيد، فاذكر نزولها عن حكم العاطفة إذ قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني أجد منك ريح مغافير»(3) و (4) ليمتنع عن أكل العسل من بيت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، وإذا كان هذا الغرض التافه يبيح لها أن تحدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه بمثل هذا الحديث فمتى نركن الى نفيها الوصاية الى علي عليه السلام؟ ولا تنس نزولها عند حكم العاطفة يوم زفت أسماء بنت النعمان عروساً الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت لها(5) : إن النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك(6) ، وغرضها

____________

(1) عائشة مع مارية زوجة النبي:

راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد العسكري، النص والاجتهاد: 413.

(2) سورة الأحزاب: 25.

(3) فيما أخرجه البخاري في تفسير سورة التحريم من صحيحه ص136 من جزئه الثالث، فراجع وأعجب: وهناك عدة أحاديث عن عمر أن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله أنهما عائشة وحفصة، وثمة حديث طويل كله من هذا القبيل (منه قدس).

(4) يوجد ذلك في: صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة التحريم: 6/68 أفست دار الفكر على ط استانبول و: 6/194 ط1 الفجالة وج3 ط الميمنية بمصر، سنن السنائي: 6/151 و: 7/71 أفست على ط حيدر آباد، النص والاجتهاد: 414. وذكره المفسرين في تفسير قوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) راجع ما يأتي تحت رقم (811).

(5) فيما أخرجه الحاكم في ترجمة أسماء من صحيحه المستدرك ص37 من جزئه الرابع، وأخرجه ابن سعد في ترجمتها أيضاً ص104 من الجزء الثامن من الطبقات، والقضية مشهورة نقلها في ترجمة أسماء كل من صاحبي الاستيعاب والاصابة. وأخرجها ابن جرير وغيره (منه قدس).

(6) عائشة كانت سبباً في تحريم أسماء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

راجع: الاصابة لابن حجر: 4/233 ـ 234، تاريخ اليعقوبي: 2/69، أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد العسكري: ق1 ص21، النص والاجتهاد: 413 ط بيروت، الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/145 ط بيروت.

الصفحة 415
من ذلك تنفير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عروسه، وإسقاط هذه المؤمنة البائسة من نفسه، وكأن أم المؤمنين تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ترويجاً لغرضها، حتى لو كان تافهاً أو كان حراماً، وكلفها صلى الله عليه وآله وسلم، بالاطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره عن حالها فأخبرته ـ إيثاراً لغرضها ـ غير ما رأت(1)(2) ، وخاصمته صلى الله عليه وآله وسلم، يوماً الى أبيها ـ نزولاًعلى حكم العاطفة ـ فقالت له: اقصد(3) ، فلطمها أبوها حتى سال الدم على ثيابها(4) ، وقالت له مرة في كلام غضبت عنده(5) : «أنت الذي

____________

(1) تفصيل هذه الواقعة في كتب السنن والأخبار، فراجع ص249 من الجزء السادس من كنز العمال، أو ص115 من الجزء الثامن من طبقات ابن سعد حيث ترجم شراف بنت خليفة (منه قدس).

(2) أخبار عائشة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلاف ما رأت.

راجع: طبقات ابن سعد: 8/161 ط دار صادر في بيروت، تاريخ بغداد ترجمة محمد بن أحمد أبي بكر المؤدب، عيون الأخبار ـ ك ـ النساء، عبقات الأنوار (حديث الثقلين) 2/334، النص والاجتهاد: 417.

(3) أقصد: فعل أمر من القصد وهو العدل وهذه القضية أخرجها أصحاب السنن والمسانيد، فراجع الحديث 1020 من أحاديث الكنز وهو في ص116 من الجزء السابع وأوردها الغزالي في الباب الثالث من كتاب آداب النكاح ص35 من الجزء الثاني من احياء العلوم؛ ونقلها أيضاً في الباب 94 من كتابه مكاشفة القلوب آخر ص238، فراجع (منه قدس).

(4) كنز العمال: 7/116 ح1020 ط حيدر آباد، النص والاجتهاد: 417.

وقريب منه في: احياء علوم الدين للغزالي كتاب آداب النكاح الباب الثالث: 2/29 ط مصر.

(5) كما نقله الغزالي في البابين المذكورين من الكتابين المسطورين (منه قدس).

الصفحة 416
تزعم أنك نبي الله؟»(1) ، إلى كثير من أمثال هذه الشؤون، والاستقصاء يضيق عنه هذا الاملاء، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه.

2 ـ وقلتم في الجواب عن الامرالثاني إن أهل السنة لا يقولون بالحسن والقبح العقليين إلى آخر كلامكم في هذا الموضوع؛ وأنا أربأ بكم عن هذا القول، فإنه شبيه بقول السوفسطائية الذين ينكرون الحقائق المحسوسة، لأن من الأفعال ما نعلم بحسنه، وترتب الثناء والثواب على فعله، لصفة ذاتية له قائمة به، كالاحسان والعدل من حيث هما إحسان وعدل، ومنها ما نعلم بقبحه وترتب الذم والعقاب على فعله، لصفة ذاتية له قائمة به، كالاساءة والجور من حيث هما إساءة وجور، والعاقل يعلم أن ضرورة قاضية بذلك، وليس جزم العقلاء بهذا أقل من جزمهم بكون الواحد نصف الاثنين، والبداهية الأولية قاضية بالفرق بين من أحسن اليك دائماً، وبين من أساء اليك دائماً، إذ يستقل العقل بحسن فعل الأول معك، واستحقاقه للثناء والثواب منك، وقبح فعل الثاني واستحقاقه للذم والقصاص، والمشكك في ذلك مكابر لعقله، ولو كان الحسن والقبح فيما ذكرناه شرعيين، لما حكم بهما منكرو الشرائع كالزنادقة والدهرية، فإنهم مع إنكارهم الأديان يحكمون بحسن العدل والاحسان ويرتبون عليهما ثناءهم وثوابهم، ولا يرتابون في قبح الظلم والعدوان، ولا في ترتيب الذم والقصاص على فعلهما، ومستندهم في هذا إنما هو العقل لا غير، فدع عنك قول من يكابر العقل والوجدان، وينكر ما علمه العقلاء كافة، ويحكم بخلا ما تحكم به فطرته التي فطر عليها، فإن الله سبحانه فطر عباده على إدراك بعض الحقائق بعقولهم كما فطرهم على الادارك بحواسهم ومشاعرهم، ففطرتهم توجب أن يدركوا بعقولهم حسن العدل ونحوه، وقبح الظلم ونحوه، كما يدركون بأذواقهم حلاوة العسل

____________

(1) يوجد في: احياء علوم الدين للغزالي كتاب آداب النكاح الباب الثالث من: 2/29 ط مصر، النص والاجتهاد: 418.

الصفحة 417
ومرارة العلقم، ويدركون بمشامهم طيب المسك ونتن الجيف، ويدركون بملامسهم لين اللين وخشونة الخشن، ويميزون بأبصارهم بين المنظرين الحسن والقبيح، وبأسماعهم بين الصوتين: صوت المزامير وصوت الحمير، تلك فطرة الله (التي فطرالناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(1) .

وقد أراد الأشاعرة أن يبالغوا في الايمان بالشرع والاستسلام لحكمه، فأنكروا حكم العقل، وقالوا: لا حكم إلا للشرع، ذهولاً منهم عن القاعدة العقلية المطردة ـ وهي كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ـ ولم يلتفتوا الى أنهم قطعوا خط الرجعة بهذا الرأي على أنفسهم، فلا يقوم لهم بعده على ثبوت الشرع دليل، لأن الاستدلال على ذلك بالأدلة الشرعية دوري لا تتم به حجة، ولولا سلطان العقل لكان الاحتجاج بالنقل مصادرة، بل لولا العقل ما عبد الله عابد، ولا عرفه من خلقه كلهم واحد، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول الى مظانه من مؤلفات علمائنا الأعلام.

3 ـ أما دعوى أم المؤمنين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قضى وهو في صدرها فمعارضة، بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة(2) وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه ابن سعد(3) بالاسناد الى علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في مرضه: «ادعوا لي أخي، فأتيته، فقلت: ادنُ مني، فدنوت منه، فاستند إليَّ فلم يزل مستنداً، وإنه ليكلمني حتى أن بعض ريقه

____________

(1) سورة الروم آية: 30.

(2) تواترت الأحاديث من طريق أهل البيت أن النبي مات في صدر علي عليه السلام وأما من طريق غيرهم فراجع ما تقدم تحت رقم (785).

(3) في ص51 من القسم الثاني من الجزء الثاني من الطبقات، في باب من قال: توفي رسول الله وهو في حجر علي، وهذا الحديث هو الحديث 1107 من الكنز في ص55 من جزئه الرابع (منه قدس).

الصفحة 418
ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».(1) وأخرج أبو نعيم في حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته، وغير واحد من أصحاب السنن، عن علي، قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعني حينئذ ـ ألف باب كل باب يفتح ألف باب(2) »(3) وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شيء يتعلق ببعض هذه الشؤون، لا يقول غير: سلوا علياً، لكونه هو القائم بها، فعن جابر بن عبدالله الأنصاري، أن كعب الأحبار سأل عمر فقال: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال عمر: سل علياً، فسأله كعب، فقال علي: أسندت رأسه على منكبي، فقال: الصلاة الصلاة؛ قال كعب: كذلك آخر عهد الانبياء، وبه أمروا وعليه يبعثون، قال كعب: فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سل علياً، فسأله فقال: كنت أنا أغسله... الحديث(4)

____________

(1) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ق2 ص51 ط ليدن و: 2/263 ط دار صادر، كنز العمال:4/55 ح1107 ط حيدر آباد.

(2) هذا هو الحديث 6009 من الكنز في آخر ص392 من جزئه السادس (منه قدس).

(3) يوجد في: كنز العمال: 15/100 ط2، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي: 19 ط الاسلامية بمصر وص49 ط الحيدرية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 73 و77 ط اسلامبول وص83 ط الحيدرية، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 1/80 ط النجف،ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: 2/483 ح1003، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 113، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: 5/43، احقاق الحق: 6/40، فرائد السمطين: 1/101.

(4) أخرجه ابن سعد في ص51 من القسم الثاني من الجزء الثاني من الطبقات المتقدم ذكرها، وهذا الحديث هو الحديث 1106 من أحاديث الكنز في ص55 من جزئه الرابع (منه قدس).

الصفحة 419
(1) وقيل لابن عباس: «أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي، فقيل له: إن عروة يحدث عن عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري، فأنكر ابن عباس ذلك قائلاً للسائل: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله وإنه لمستند إلى صدر علي، وهوالذي غسله... الحديث(2)(3) وأخرج ابن سعد(4) بسنده إلى الامام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين، قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورأسه في حجر علي»(5) اهـ.

قلت والأخبار في ذلك متواترة، عن سائر أئمة العترة الطاهرة، وإن كثيراً من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا، حتى أن ابن سعد أخرج(6) بسنده الى الشعبي، قال: «توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورأسه في حجر علي،وغسله علي. اهـ»(7) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بذلك على رؤوس الاشهاد، وحسبك قوله من خطبه له(8) عليه السلام: «ولقد علم المستخفظون

____________

(1) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ق2ج2 ص51 ط ليدن و: 2/263 ط دار صادر في بيروت.

(2) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ق2 ج2 ص51 ط ليدن و: 2/263 ط دار صادر في بيروت.

(3) أخرجه ابن سعد في الصفحة المتقدم ذكرها. وهو الحديث 1108 من أحاديث الكنز في ص55 من جزئه الرابع (منه قدس).

(4) في صحة 51 المتقدمة الذكر في الطبقات (منه قدس).

(5) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ق2 ج2 ص51 ط ليدن و: 2/263 ط دار صادر في بيروت.

(6) في الصفحة المتقدم ذكرها في الطبقات (منه قدس).

(7) راجع: الطبقات الكبرىلابن سعد ق2 ج2ص51 ط يدن و: 2/263 ط دار صادر بيروت.

(8) تجدها في آخر ص196 من الجز الثاني من نهج البلاغة، وفي ص561 من المجلد الثاني من شرح ابن أبي الحديد (منه قدس).

الصفحة 420
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها، ولقد قبض صلى الله عليه وآله وسلم، وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم، والملائكة أعواني. فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً»(1) ومثله قوله(2) ـ من كلام له عند دفنه سيدة النساء عليهما السلام ـ: «السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنا لله وإنا اليه راجعون... إلىآخر كلامه»(3) وصح عن أم سلمة أنها قالت: «والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عدناه غداة وهو يقول: جاء علي، جاء علي، مراراً، فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة؟ قالت: فجاء بعد، فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، قالت أم سلمة: وكنت من أدناهم الى الباب، فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض صلى الله عليه وآله وسلم، من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهداً(4) »(5) .

____________

(1) رجع: نهج البلاغة خطبة ـ 195 ـ ص380 ط مصر بشرح محمد عبده و: 2/541 بشرح ابن أبي الحديد أفست بيروت و: 10/190 مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 2/860 ط دار الفكر و: 3/493 ط دار الحياة بيروت.

(2) هذا الكلام موجود في اخر ص207 من الجزء الثاني من النهج. وفي ص590 من المجلد الثاني من شرح ابن أبي الحديد (منه قدس).

(3) يوجد في: نهج البلاغة خطبة ـ 200 ـ ص389 ط مصر بشرح محمد عبده و: 2/570 بشرح ابن أبي الحديد أفست بيروت و: 10/265 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و: 3/552 ط دار الحياة في بيروت و: 2/908 ط دار الفكر.

(4) هذا الحديث أخرجه الحاكم في أول ص139 من الجزء 3 من صحيحه المستدرك ثم قال: هذا حديث الأسناد، ولم يخرجاه، قلت: واعترف بصحته الذهبي اذ أورده في التلخيص وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة في السنن، وهو الحديث 6096 من أحاديث الكنز في آخر ص400 من جزئه السادس (منه قدس).

(5) يوجد ذلك في: المستدرك على الصحيحين للحاكم: 3/138 أفست على ط حيدر آباد، تلخيص المستدرك للذهبي: 3/138 وصححه، خصائص أمير المؤمنين: 40 ط التقدم العلمية بمصر وص65 ط بيروت وص130 ط الحيدرية، ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: 3/16 ح1029 و1030 و1031، كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 263 ط الحيدرية وص134 ط الغري، مجمع الزوائد للهيثمي: 9/112، كنز العمال: 15/128 ح374 ط2، الرياض النضرة للطبري الشافعي: 2/237 ط2.

الصفحة 421

وعن عبدالله بن عمرو(1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال في مرضه: «ادعوا لي أخي، فجاء أبو بكر، فأعرض عنه ثم قال: ادعوا لي أخي، فجاء عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي علي، فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب كل باب يفتح لفه ألف باب»(2)

____________

(1) فيما أخرجه أبو يعلى عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة عن حي بن عبدالمغافيري عن ابي عبدالرحمن الحلبي عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً؛ وأخرجه أبو نعيم في حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته كما في ص392 من الجزء السادس من كنز العمال؛ وأخرج الطبراني في الكبير أنه لما كانت غزوة الطائف قام النبي مع علي (يناجيه) ملياً، ثم مر فقال له أبو بكر: يا رسول الله لقد طالت مناجاتك علياً منذ اليوم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما أنا انتجيه، ولكن الله انتجاه، هذا الحديث هو الحديث 6075 من أحاديث الكنز في ص399 من جزئه السادس وكان كثيراً ما يخلوا بعلي يناجيه وقد دخلت عائشة عليهما وهما يتناجيان، فقالت: يا علي ليس لي إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي، فأقبل رسول الله عليها وهو محمر الوجه غضباً، الحديث، راجعه أول ص78 من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة الحميدي (منه قدس).

(2) يوجد في: الغدير للأميني: 3/120 عن عبدالله بن عمر. وفيه: يفتح كل باب الى ألف باب. ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي:2/484 ح1003 وفيه: يفتح كل باب ألف باب.

وقريب من هذا الحديث يوجد في: مقتل الحسين للخوارزمي: 1/38، ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر: 3/15.

الصفحة 422

وأنت تعلم أنه هو الذي يناسب حال الانبياء، وذاك إنما يناسب أزيار(1) النساء، ولو أن راعي غنم مات ورأسه بين سحر زوجته ونحرها، أو بين حاقنتها وذاقنتها، أو على فخذها، ولم يعهد برعاية غنمه، لكان مضيعاً مسوفاً،عفا الله عن أم المؤمنين، ليتها ـ إذ حاولت صرف هذه الفضيلة عن علي ـ نسبتها الى أبيها، فإن ذلك أولى بمقام النبي مما ادعت، لكن أباها كان يومئذ ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الشريفة في جيش أسامة، وكان حينئذ معسكراً في الجرف، وعلى كل حال فإن القول بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم وهو في حجرها، لم يسند إلا إليها، والقول بوفاته ـ بأبي وأمي ـ وهو في حجر علي، مسند إلى كل من علي، وابن عباس، وأم سلمة، وعبدالله بن عمرو، والشعبي، وعلي بن الحسين وسائر أئمة أهل البيت، فهو أرجح سنداً وأليق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

4 ـ ولو لم يعارض حديث عائشة إلا حديث أم سلمة وحده، لكان حديث أم سلمة هو المقدم، لوجوه كثيرة غير التي ذكرناها، والسلام.

ـ ش ـ

المراجعة 77
20 صفر سنة 1330

البحث عن السبب في تقديم حديث أم سلمة عند التعارض

لم تكتلف سلمك الله ـ في تقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة رضي الله عنهما ـ بما ذكرت سابقاً، حتى زعمت أن ما لم تذكره من الوجوه المقتضية لذلك أكثر مما ذكرت، فهاتها رحمك الله على كثرتها، ولا تستأثر بشيء منها، فإن المقام مقام بحث وإفادة، والسلام.

ـ س ـ

المراجعة 78
22 صفر سنة 1330

الأسباب المرجحة لحديث أم سلمة مضافاً الى ما تقدم

إن السيدة أم سلمة لم يصغ قلبها بنص الفرقان العظيم، ولم تؤمر بالتوبة في

____________

(1) جمع وزير وهو الرجل يحب محادثة النساء لغير سوء (منه قدس).

الصفحة 423
محكم الذكر الحكيم(1)(2) ، ولا نزل القرآن بتظاهرها على النبي، ولا تظاهرت من بعده على الوصي(3)(4) ، ولا تأهب الله لنصرة نبيه عليها وجبريل. وصالح المؤمنين واالملائكة بعد ذلك ظهير،ولا توعدها الله بالطلاق، ولا هددها بان يبدله خيراً منها(5)(6) ، ولا ضرب امراة نوح وامرأة لوط لها مثلا(7)

____________

(1) اشارة الى قوله تعالى في سورة التحريم (ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما) (منه قدس).

(2) عائشة تؤمر بالتوبة:

الكشاف للزمخشري: 4/566 ط بيروت، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي: 4/131، فتح البيان لصديق حسن خان: 9/480، تفسير الفخر الرازي: 8/332، تفسير أبو السعود بهامش تفسير الرازي: 8/332، الدر المنثور للسيوطي: 6/239 و342، تفسير القطربي: 18/177 و188، فتح القدير للشوكاني: 5/250، تفسير ابن كثير: 4/387 و388.

(3) تظاهرها على الوصي كان بانكارها الوصية اليه وبتحاملها عليه مدة حياته بعد النبي، أما تظاهرها على النبي وتأهب الله لنصرة نبيه عليها، فمدلول عليهما بقوله تعالى: (وان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه، وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) (منه قدس).

(4) تظاهر عائشة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي: راجع تظاهرها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في: صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة التحريم: 6/70 ط دارالفكر،الكشاف للزمخشري: 4/ 566، التسهيل لعلوم التنزيل: 4/131، تفسير الفخر الرازي: 8/334، تفسير أبي السعود بهامش تفسير الرازي: 8/332، تفسير القرطبي: 18/202، فتح القدير للشوكاني: 5/252، تفسير ابن كثير: 5/388.

وأما تظاهرها على عليه عليه السلام فمعلوم ذلك بحرب الجمل وغيره، راجع ما تقدم تحت رقم (443 و444 و776 و800) ففيه كفاية.

(5) هذا والذي قبله اشارة الى قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات) الاية (منه قدس).

(6) قوله تعالى: (عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات...) سورة التحريم آية: 5، يوجد في: تفسير الفخر الرازي: 8/334، تفسير أبي السعود بهامش تفسير الرازي نفس الصفحة، تفسير القرطبي: 18/191.

(7) اشارة الى قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) الى اخر السورة (منه قدس).