2024 March 19 - 09 رمضان 1445
كيفية شهادة الامام الرضا عليه السلام
رقم المطلب: ٢٥٣ تاریخ النشر: ٢٩ صفر ١٤٤٣ - ١٥:٤٥ عدد المشاهدة: 7251
المذکرة » عام
كيفية شهادة الامام الرضا عليه السلام

دخل الامام الرضا (عليه السلام) يوما علی المامون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك - يا أمير المؤمنين - بعبادة ربك أحدا، فصرف المأمون الغلام، وتولى تمام وضوئه بنفسه، وزاد ذلك في غيظه ووجده علی الامام .
كان سبب قتل المأمون الامام الرضا (عليه السلام) أنه كان لا يحابي المأمون في حق، ويجيبه في أكثر أحواله بما يغيظ ويحقده عليه، ولا يظهر ذلك له. وكان الرضا (عليه السلام) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله، ويقبح له ما يرتكبه من خلافه، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهته واستثقاله.
وكان (عليه السلام) يزري (الإزراء: التهاون) على الحسن والفضل - ابني سهل - عند المأمون إذا ذكرهما، ويصف له مساوئهما، وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما، وعرفا ذلك منه، فجعلا يحطبان (حطب عليه: جذب عليه شرا ) عليه عند المأمون، ويذكران له عنه ما يبعده منه، ويخوفانه من حمل الناس عليه، فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه، وعمل على قتله (عليه السلام)، فاتفق أنه أكل هو والمأمون يوما طعاما، فاعتل منه الرضا (عليه السلام)، ولم يزل الرضا (عليه السلام) عليلا حتى مات، وأظهر المأمون تمارضا (1).
ولا يخفى أن الأسباب الموجبة لقتل الإمام (عليه السلام) هي غير ما ذكر في هذا القول، لأن من يتابع أحداث تلك الفترة من التأريخ، والأوضاع التي كانت تحيط بالمأمون يدرك الأسباب الحقيقية وراء قتل الإمام (عليه السلام)،.
وذكر محمد بن علي بن حمزة، عن منصور بن بشير، عن أخيه عبد الله بن بشير، قال: أمرني المأمون أن أطول أظفاري عن العادة، ولا أظهر لأحد ذلك
وقال السيد محسن الأمين العاملي: كلام المفيد يدل على أنه كان قد سمه في ذلك الطعام، فتمارض المأمون ليوهم الناس أن مرض الرضا (عليه السلام) من الطعام الضار لا من السم، ولكن عبارة أبي الفرج تدل على أن الطعام لم يكن مسموما، وإنما كان السم في غيره مما يؤتى، لكن المأمون أظهر أن المرض من أكل الطعام الضار، ولعل ذلك أقرب إلى الصواب. (2)
ففعلت، ثم استدعاني فأخرج إلي شيئا شبه التمر الهندي، وقال لي: اعجن هذا بيديك جميعا، ففعلت، ثم قام وتركني، فدخل على الرضا (عليه السلام) فقال له: ما خبرك؟ قال: أرجو أن أكون صالحا. قال له: أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح. فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم؟ قال: لا. فغضب المأمون، وصاح على غلمانه. ثم قال: خذ ماء الرمان الساعة، فإنه مما لا يستغنى عنه، ثم دعاني فقال: ائتنا برمان، فأتيته به، فقال لي: 25: اعصره بيديك، ففعلت، وسقاه المأمون الرضا (عليه السلام) بيده، فكان ذلك سبب وفاته، فلم يلبث إلا يومين حتى مات (عليه السلام). وذكر عن أبي الصلت الهروي، أنه قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) وقد خرج المأمون من عنده، فقال لي: يا أبا الصلت، قد فعلوها. وجعل يوحد الله ويمجده (3).
وروي عن محمد بن الجهم، أنه قال: كان الرضا (عليه السلام) يعجبه العنب، فأخذ له منه شيء، فجعل في موضع أقماعه الإبر أياما، ثم نزعت منه، وجئ به إليه فأكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله، وذكر أن ذلك من لطيف السموم (4).
وفي (تذكرة السبط) قيل: إنه (عليه السلام) دخل الحمام ثم خرج، فقدم إليه طبق فيه عنب مسموم، قد أدخلت فيه الإبر المسمومة من غير أن يظهر أثرها، فأكله فمات، وله خمس وخمسون سنة (5).
وروى جماعة كثيرة من أصحابنا، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي، قال: بينا أنا واقف بين يدي الرضا (عليه السلام) إذ قال لي: يا أبا الصلت، ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون، فائتني بترابه من أربعة جوانب. قال: فأتيته به. فقال: ناولني هذا التراب، وهو من عند الباب، فناولته فأخذه وشمه، ثم رمى به .
فقال: سيحفر لي ها هنا، فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال: في الذي عند الرجل مثل ذلك، وفي الذي عند الرأس مثل ذلك، وأما هذا التراب فهو من تربتي. ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلى أسفل ذلك، وأن تشق لي ضريحا، فإن أبوا إلا أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا، فإن الله عز وجل سيوسعه لي بما شاء، فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة، فتكلم بالكلام الذي أعلمك .
فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد، فترى فيه حيتانا صغارا، ففتت لها الخبز الذي أعطيك، فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء، خرجت حوتة كبيرة، فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء، ثم تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء، وتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينضب الماء، ولا يبقى منه شيء، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.
ثم قال: يا أبا الصلت، غدا أدخل إلى هذا الفاجر، فإن أنا خرجت، وأنا مكشوف الرأس، فتكلم أكلمك، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني. فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه ينتظر، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي، وأنا أتبعه، حتى دخل على المأمون، وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه، فلما نظر إلى الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه، وقبل ما بين عينيه، وأجلسه معه، وناوله العنقود، وقال: يا ابن رسول الله، ما رأيت عنبا أحسن من هذا! فقال له الرضا (عليه السلام): ربما كان عنبا أحسن يكون من الجنة.
فقال: كل منه، فقال له الرضا (عليه السلام): تعفيني منه. فقال: لا بد من ذلك، وما يمنعك منه، لعلك تتهمنا بشيء. فتناول العنقود، وأكل منه، ثم ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبات، ثم رمى به وقام. فقال له المأمون: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني. وخرج (عليه السلام) مغطى الرأس، فلم أكلمه حتى دخل الدار، وأمر أن يغلق الباب فأغلق، ثم نام على فراشه، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا، فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر (الشعر القطط: المجعد القصير).
أشبه الناس بالرضا (عليه السلام)، فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت، والباب مغلق! فقال لي: الذي جاءني من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك، يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي. ثم مضى نحو أبيه، فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه، وضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحبا في فراشه، وأكب عليه، وبقي يتحدث معه كثيرا، ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أبيض من الثلج، فأقبل أبو جعفر يلحسه بلسانه، ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره، فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر.
ومضى الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت، وائتني بالمغتسل والماء من الخزانة. فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال لي: انته إلى ما أمرتك به. فدخلت الخزانة، فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه. ثم قال لي: يا أبا الصلت، إن معي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال لي: أدخل الخزانة، فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه.
فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط، فحملته إليه، وكفنه وصلى عليه. ثم قال: ائتني بالتابوت. فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتا. قال: قم فإن في الخزانة تابوتا. فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به، فأخذه فوضعه في التابوت بعد ما صلى عليه وصف قدميه، وصلى ركعتين لم يفرغ منها حتى علا التابوت وانشق السقف، فخرج منه التابوت ومضى. فقلت: يا ابن رسول الله، الساعة يجيئنا المأمون يطالبنا بالرضا، فما نصنع؟ فقال لي: أسكت، سيعود يا أبا الصلت، ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيه في المغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما. فما استتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت، فقام واستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت، ووضعه في فراشه، كأنه لم يغسل ولم يكفن.
ثم قال: يا أبا الصلت، قم فافتح الباب للمأمون. ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: يا سيداه، فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، وأمر بحفر القبر، فحفرت الموضع، فظهر كل شيء على ما وصفه الرضا (عليه السلام) فقام بعض جلسائه، وقال: ألست تزعم أنه إمام؟ قلت: بلى. قال: لا يكون الإمام إلا مقدم الناس، فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراق وأن أشق له ضريحه.
فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما يظهر به من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا العجائب في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا. فقال وزير كان معه: أتدري ما أخبرك الرضا؟ قال: لا. قال: أخبركم أن ملككم بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان، حتى إذا فنيت آجالكم، وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم، سلط الله عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم، فقال له: صدقت. ثم قال: يا أبا الصلت، علمني الكلام الذي علمك به. قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي فحبست سنة، فضاق علي الحبس، وسهرت ليلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمد وآله (صلوات الله عليهم)، وسألت الله تعالى بحقهم أن يفرج عني، فلم أستتم الدعاء حتى دخل محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فقال لي: ضاق صدرك، يا أبا الصلت؟ قلت: إي والله. قال: قم فأخرج، ثم مد بيده إلى القيود التي كانت علي ففكها، وأخذ بيدي، وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلموني، وخرجت من باب الدار، ثم قال لي: امض في ودائع الله، فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا. قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت (6).
وفي رواية هرثمة بن أعين، عن الرضا (عليه السلام)، في حديث طويل، أنه قال: يا هرثمة، هذا أوان رجوعي إلى الله عز وجل، ولحوقي بجدي وآبائي، وقد بلغ الكتاب أجله، فقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب وفي رمان مفروك، فأما العنب فإنه يغمس المسلك في السم، ويجذبه بالخيط في العنب، وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده لتلطخ حبه في ذلك السم، وإنه سيدعوني في اليوم المقبل، ويقرب إلي الرمان والعنب، ويسألني أكلها، ثم ينفذ الحكم، ويحضر القضاء. ثم ساق الحديث بطوله قريبا من حديث أبي الصلت الهروي، في معناه، ويزيد عليه بأشياء (7).
وروى أبو الفرج عن أبي الصلت، أنه لما مات الرضا (عليه السلام)، حضره المأمون قبل أن يحفر قبره، وأمر أن يحفر إلى جانب أبيه، ثم أقبل علينا فقال: حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر، فيظهر فيه ماء وسمك، احفروا فحفروا، فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء، وظهر فيه سمك، ثم غاض الماء، فدفن فيه الرضا (عليه السلام) (8).
قال الشيخ عباس القمي في تعليقه على حديث أبي الصلت الهروي: الذي أفيض علي ببركة مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في ظهور السمك والماء في قبره الشريف، لعل هو تنبيه المأمون بانتقام الله تعالى منه، بزوال ملكه، وحلول الغضب عليه، وهلاكه بالسمك والماء، لاغتياله الرضا (عليه السلام). قال الدميري في تعبير السمك: وربما دلت رؤيته على الغم والنكد، وزوال المنصب، وحلول الغضب، لأن الله تعالى حرم على اليهود صيدها يوم السبت، فخالفوا أمره واستوجبوا اللعن، انتهى. أما مسألة حضور الإمام الجواد (عليه السلام) جنازة أبيه، فهو أمر منصوص عليه في غير الأحاديث التي تفصل كيفية شهادة الرضا (عليه السلام)، وفي مواضع عدة، نذكر منها:
أولا: عن (دلائل الحميري) عن معمر بن خلاد، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا معمر، اركب. قلت: إلى أين؟ قال: اركب كما يقال لك. قال: فركبت فانتهيت إلى واد أو وهدة. فقال لي: قف ها هنا. فوقفت فأتاني، فقلت له: جعلت فداك، أين كنت. قال: دفنت أبي الساعة، وكان بخراسان (9).
ثانيا: وروى الشيخ الطبرسي في (إعلام الورى) عن أمية بن علي، أنه قال: كنت بالمدينة، وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه، فدعا يوما الجارية فقال: قولي لهم يتهيأون للمأتم ، فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم من؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر أبي الحسن (عليه السلام) بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (10).
وعن علي بن الحسين الكاتب، قال: إن الرضا (عليه السلام) حم، فعزم على الفصد، فركب المأمون، وقد كان قال لغلام له: فت هذا بيدك - لشيء أخرجه من برنية (البرنية: وعاء من الخزف.) - ففته في صينية، ثم قال: كن معي، ولا تغسل يدك. وركب إلى الرضا (عليه السلام)، وجلس حتى فصد بين يديه. وقيل: بل أخر فصده. وقال المأمون لذلك الغلام: هات من ذلك الرمان - وكان الرمان في شجرة في بستان في دار الرضا (عليه السلام) - فقطفت منه. ثم قال: اجلس ففته، ففت منه في جام، فأمر بغسله. ثم قال للرضا (عليه السلام): مص منه شيئا.
فقال: حتى يخرج أمير المؤمنين. فقال: لا والله إلا بحضرتي، ولولا خوفي أن يرطب معدتي لمصصته معك، فمص منه ملاعق، وخرج المأمون. فما صليت العصر حتى قام الرضا (عليه السلام) خمسين مجلسا.
فوجه إليه المأمون: قد علمت أن هذه إفاقة وفتار للفضل الذي في بدنك، وزاد الأمر في الليل، فأصبح (عليه السلام) ميتا، فكان آخر ما تكلم به: *(... قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم...)*(11)، *(... وكان أمر الله قدرا مقدورا)*(12). وبكر المأمون من الغد، فأمر بغسله وتكفينه، ومشى خلف جنازته حافيا حاسرا، يقول: يا أخي، لقد ثلم الإسلام بموتك، وغلب القدر تقديري فيك (13).
وروي في (بصائر الدرجات) بسند صحيح: أن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: أما إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة وهو يقول: يا علي، عندنا خير لك (14).
روى ابن بابويه بسند حسن عن ياسر الخادم، أنه قال: لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل، اعتل أبو الحسن (عليه السلام)، فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلة، فبقينا بطوس أياما، فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين. فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه، كان ضعيفا في ذلك اليوم، فقال لي بعدما صلى الظهر: يا ياسر، أكل الناس شيئا؟ قلت: يا سيدي، من يأكل ها هنا مع ما أنت فيه؟ فانتصب (عليه السلام)، ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع من حشمه أحدا إلا أقعده معه على المائدة، يتفقد واحدا واحدا، فلما أكلوا قال: ابعثوا إلى النساء بالطعام. فحمل الطعام إلى النساء، فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات، ووقعت الوجبة (الوجبة: السقطة مع الهدة أو صوت الساقط.) بطوس، وجاء المأمون حافيا حاسرا، يضرب على رأسه، ويقبض على لحيته، ويتأسف، ويبكي، وتسيل الدموع على خديه، فوقف على الرضا (عليه السلام) وقد أفاق، فقال: يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي: فقدي لك وفراقي إياك، أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك؟ .
قال: فرفع طرفه إليه ثم قال: أحسن - يا أمير المؤمنين - معاشرة أبي جعفر، فإن عمرك وعمره هكذا - وجمع بين سبابتيه -. قال: فلما كان من تلك الليلة قضي عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه، فلما أصبح اجتمع الخلق، وقالوا: هذا قتله واغتاله - يعني المأمون - وقالوا: قتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأكثروا القول والجلبة (الجلبة: الصياح والاضطراب.).
وكان محمد بن جعفر بن محمد (عليه السلام) استأمن إلى المأمون، وجاء إلى خراسان، وكان عم أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا أبا جعفر، أخرج إلى الناس، وأعلمهم أن أبا الحسن لا يخرج اليوم، وكره أن يخرجه فتقع الفتنة، فخرج محمد بن جعفر إلى الناس، فقال: أيها الناس، تفرقوا، فإن أبا الحسن لا يخرج اليوم ، فتفرق الناس، وغسل أبو الحسن (عليه السلام) في الليل ودفن (15).
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): ولما توفي الرضا (عليه السلام) كتم المأمون موته يوما وليلة، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى، وأظهر حزنا شديدا وتوجعا، وأراهم إياه صحيح الجسد، وقال: يعز علي - يا أخي - أن أراك في هذه الحال، قد كنت آمل أن أقدم قبلك، فأبى الله إلا ما أراد، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه، وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن، فدفنه.
والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها: سناباد، على دعوة (الدعوة: المسافة التي يبلغها الصوت) من نوقان (نوقان: إحدى قصبتي طوس، والأخرى طابران.) بأرض طوس، وفيها قبر هارون الرشيد، وقبر أبي الحسن (عليه السلام) بين يديه في قبلته (16). والملاحظ من الأحاديث المتقدمة وغيرها أن المأمون كان يخترع مختلف الوسائل بالحزن والجزع والبكاء بشكل خارج عن المألوف، ففي (تأريخ اليعقوبي) عن أبي الحسن بن أبي عباد، قال: رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضا (عليه السلام)، حاسرا في مبطنة بيضاء، وهو بين قائمتي النعش يقول: إلى من أروح بعدك يا أبا الحسن، وأقام عند قبره ثلاثة أيام، يؤتى في كل يوم برغيف وملح فيأكله، ثم انصرف في اليوم الرابع (17).
وذلك لأنه كان يخشى من انتشار تهمة قتل الإمام (عليه السلام) في أوساط شيعة خراسان، الذين لم يغفروا للمأمون قتل الفضل بن سهل حتى فرقهم الإمام (عليه السلام)، عندما شغبوا عليه، فكيف يغفرون له قتل الإمام (عليه السلام)، المهم أنه يحاول بظهوره بمظهر الحزين المتأثر أن يخفف من وطأة هذه التهمة، ويصرف الناس عنها.
تأريخ شهادته:
الأشهر في تأريخ استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) أنه كان في سنة 203، وفي شهر صفر - وقيل: سنة 202 ه‍- وكان عمره الشريف يومئذ خمسة وخمسين سنة، ولكن وقع الاختلاف في اليوم الذي استشهد فيه. قال ابن الأثير والطبرسي وجمع آخر: إنه كان في اليوم الأخير من الشهر. وقيل: في الرابع عشر منه. وقال الكفعمي: في السابع عشر. وقال صاحب كتاب (العدد) وصاحب (مسار الشيعة): إنها كانت في اليوم الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة، وهو اليوم الذي تستحب فيه زيارته (عليه السلام) 36: للقريب والبعيد، كما نقله السيد ابن طاووس في (الإقبال) (18).
وفي (عيون أخبار الرضا عليه السلام): عن إبراهيم بن العباس، قال: توفي سنة 203 بطوس، والمأمون متوجه إلى العراق في رجب. قال الصدوق: وروى لي غيره أن الرضا (عليه السلام) توفي وله تسع وأربعون سنة وستة أشهر، والصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة 203 من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) (19).
وفيه أيضا عن عتاب بن أسيد، قال: سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون: توفي (عليه السلام) بطوس في قرية يقال لها سناباد، من رستاق نوقان، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة، وذلك في شهر رمضان لتسع بقين منه سنة 203، وقد تم عمره تسعا وأربعين سنة وستة أشهر، منها مع أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) تسع وعشرون سنة وشهران، وبعد أبيه أيام إمامته عشرون سنة وأربعة أشهر، وقام (عليه السلام) بالأمر وله تسع وعشرون سنة وشهران (20).
هذا ملخص ما ذكرنا ونقلنا من فصول شهادته (عليه السلام). فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
 
المصادر :
1- الإرشاد 2: 269، ومقاتل الطالبيين: 566،
2- أعيان الشيعة 2: 30.
3- الإرشاد 2: 269 - 270، مقاتل الطالبيين: 566، بحار الأنوار 49: 308 / 18، إعلام الورى: 339 - 340.
4- الإرشاد 2: 270، مقاتل الطالبيين: 567، المناقب 4: 374، بحار الأنوار 49: 308، إعلام الورى: 340.
5- تذكرة الخواص: 355.
6- إعلام الورى: 340 - 343، أمالي الصدوق: 526 / 7، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 242 / 1، بحار الأنوار 49: 300 / 10، كشف الغمة 3: 120.
7- إعلام الورى: 343، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 1، بحار الأنوار 49: 293 / 8، كشف الغمة 3: 53 و122.
8- مقاتل الطالبيين: 380.
9- بحار الأنوار 49: 310 / 20، العوالم 22: 503 / 8.
10- إعلام الورى: 334، بحار الأنوار 49: 310 / 21، العوالم 22: 503 / 9.
11- آل عمران: 154.
12- الأحزاب: 38.
13- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 240 / 1، بحار الأنوار 49: 305 / 14، العوالم 22: 499 / 4.
14- بصائر الدرجات: 503 / 9، بحار الأنوار 49: 306 / 15.
15- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 241 / 1، بحار الأنوار 49: 299 / 9، العوالم 22: 498 / 3.
16- الإرشاد 2: 271.
17- تأريخ اليعقوبي 3: 149.
18- منتهى الآمال 2: 499، وجميع هذه الأقوال في العوالم 22: 477 - 483.
19- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 2، بحار الأنوار 49: 303 / 11.
20- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 181 / 1، بحار الأنوار 49: 304 / 12.


Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین
الاکثر مناقشة
الاکثر مشاهدة